أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثامن 2















المزيد.....

إلِكْترا: الفصل الثامن 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5897 - 2018 / 6 / 8 - 02:12
المحور: الادب والفن
    


من المفترض أن الحادثة تلك، وكانت على جانبٍ من الخطورة مثلما سيأتي معنا، هيَ التي وثقت الصلة بين العشيقين والضابط المرتشي. لقد اتفقَ حينذاك أن دخلَ شخصٌ رابع على الخط، وعلينا أن نتعرض لوضعه ببضع كلمات. لعلنا ألمحنا فيما مضى إلى غاليري، يملكه " مسيو جاك " في مدينة الصويرة؟ كان صالوناً كبيراً من دورَيْن، يقع في أول الشارع المتصل مع مدخل السور من جهة المِشْوَر. ثمة، كان الرسام يعرض لوحاته علاوة على أعمال آخرين من زملائه، أوربيين ومغاربة. ذلك الشخص، وكان من فئة الرسامين الأخيرة، كلّف بإدارة الغاليري. اسمه " زكرياء "، من يهود حيّ الملّاح في المدينة. وهوَ شابٌ حنطيّ اللون، على شيءٍ من ضآلة القوام، متجهّم الوجه كمواطنيه؛ مع أنه يغدو مرحاً حينَ يشرب المسكر.
" غوستاف "، شكّ منذ بداية تعارفه مع الشاب، أنه كان واحداً ممن مروا على جسد عشيقته، السهل المنال. وإنها هيَ من عرّفته به على أيّ حال، لما تعهّدت إيصاله بسيارة مخدومها إلى الغاليري. منذئذٍ، صارَ يمّر على الصالون مرتين في يوم الخدمة، صباحاً ومساءً، بغرض استلام وتسليم اللوحات المخصصة للبيع على رصيف السقالة الجوانية. في الأثناء، وقد مرّ نحو العام على هذا المنوال من العمل، كان " غوستاف " يجني بعضَ المال من أعمال تجارية صغيرة وذلك بمساعدة عشيقته وشريكهما الضابط. كأن يبيعوا للسيّاح أشياء قديمة، تخصّ اليهود المغادرين إلى أرض الميعاد. كانوا يحصلون عليها مجاناً غالباً، أو لقاء ثمن زهيد. ففي تلك الآونة، بلغَ التعدي على أملاك اليهود الغائبين حداً دفعَ الرابي الأكبر لمناشدة ابن دينه، مستشار الملك، كي يتدخل لإيقافها. ولكن الوقت كان متأخراً، تقريباً. إذ سبقَ ونقّبت جدران تلك البيوت، لحمل ما خفّ وزنه وغلا ثمنه؛ بحَسَب القول العربيّ المعروف. الذخائر الدينية، بما فيها الكتب النادرة، كان اللصوص يرمونها باحتقار: وإنها هيَ تلك الأشياء، التي كان بعضُ السيّاح ( وغالبيتهم من أمريكان ) على استعدادٍ لدفع مبلغٍ كبير من المال، لقاء الحصول على نماذج معينة منها.
كان " غوستاف " قد دعا صديقه اليهوديّ، أكثر من مرة، على مائدة الشراب في هذا البار أو ذاك. ذات مساء، شاء الصديقُ ردّ الدعوة مرةً على الأقل. وقد اتفق يومئذٍ أن كانت " نفيسة " في الغاليري، فاصطحبوها معهما إلى البار. لم يبتعدوا عن الصالون سوى بنحو ثلاث دقائق مشياً، حينَ وجدوا أنفسهم أمام مدخلٍ شبه عتم، كأنه قنطرة، يرتاده جيئةً وذهاباً أشخاصٌ تلوح علامات الشبهة والريبة على ملامح وهيئة بعضهم. بابٌ خشبيّ، مقوّس ومزخرف، أفضى بهم إلى فناء ضيّق خافت الأضواء، وفي آنٍ واحد، ضاجٍ بصخب الموسيقى المحلية. من الفناء، فتحت عدة حجرات على الضيق نفسه؛ رُصفَ على أرضيتها الحجرية طاولات وكراسي، مشغولة من الخشب والقش. كان الفناء يفضي إلى صالة أكبر حجماً، أحتلت ركنها الأيسر سدّة البار. وكان الصخبُ صادراً من تلك الجهة، خصوصاً من لدُن الزبائن المحيطين بالسدّة في مقابل البارمان العجوز.
الوقتُ كان صيفاً، أعقبَ شهرَ رمضان، ولم يكن هنالك غير البيرة علاجاً لظمأ المرء. الزجاجات الثلاث الكبيرة من البيرة الوطنية، سرعانَ ما أبدلت بأخواتٍ لها. في عمق الحجرة الضيقة، أين جلسوا حول منضدة مربعة رثة، كان بمقدورهم ملاحظة شابين ثملين، احتلا زاوية بإزاء المدخل. بدا أنّ ثرثرتهما كادت تتحوّل إلى عراك، بما تناهى من شتائمهما المتبادلة. فجأة صاحَ أحدهما بالآخر، موبّخاً بصوتٍ عال: " ما أشبهك بيهوديّ، خسيس وقذر..! ". عند ذلك، تبادل " غوستاف " وعشيقته نظرة تعبّر عن الاستياء. وإذا صديقهما، " زكرياء "، يتوجّه بالكلام إلى ذلك الشاب: " أيجوزُ لمسلم، مؤمن حقاً، شتمَ موسى نبيّ الله؟ ". بُهتَ الشابُ الثمل، وكما لو أنه تلقى ضربة غير متوقعة. ثم ما لبث أن اتفق مع رفيقه على رسم تكشيرةٍ على وجهه، أعقبها قهقهة مستهترة ووقحة.
" إنه ما ينفكّ متمسكاً بالإقامة في الملّاح، مع أنّ أخوانه هاجروا إلى إسرائيل كي يقتلوا المسلمين. وها هوَ يحدثنا، فوق ذلك، عن نبيّ الله! "، خاطبَ أحدهما الروادَ الآخرين مشيراً بيده إلى المقصود بالكلام. تعالت الضحكات في الرواق كله، مصحوبة بتعليقاتٍ منطوقة من أفواهٍ تعتعَ السكرُ أصحابها. خلال اقتراب مُسبب الإشكال من طاولة الأصدقاء، وهوَ يترنّح مهدداً بقبضته، انتبهَ إلى الحلية المعلقة بسلسلة ذهبية في رقبة " نفيسة " والمصوّرة شكلَ القرآن. إذاك، كان الأصدقاء قد همّوا بمغادرة المكان بعدما تفاهمت نظراتهم على الأمر. بيْدَ أنّ جمعاً ساخطاً ما عتمَ أن سدّ عليهم مدخل الحجرة، على أثر سماع أفراده صياح الشابّ السكّير: " ماذا تفعل امرأة مسلمة مع رجلين يهوديين في هذا المكان، لو لم تكن زانية فاسقة؟ "
" ويمكن أنها مرتدّة عن دين الرسول المصطفى، أيضاً! "، عقّبَ أكثر من صوت على كلامه. النادل، وكان أشبه بعملاق قاتم البشرة، تدخّل كي يُبعد الغاضبين عن المرأة، بعدما بدأت أيدي بعضهم تربت على أماكن حساسة في بدنها وسط الشغب والفوضى. قال لهم العملاق بحزم: " البارمان أتصل تواً مع الشرطة، وهيَ وحدها من يحق لها محاسبة الناس على أفعالهم ". فلما أجاز أولئك السكيرين لأنفسهم التمادي في مسلكهم الشائن، فإن النادل قام بدفعهم في حركة مباغتة جعلتهم يتقهقرون إلى خارج الحجرة متساقطين فوق بعضهم البعض. ثم بادرَ إلى سدّ الباب بجسده المتين، معاوداً التهديد بالشرطة. وبينما آبَ أولئك السكيرين إلى الهجوم، كان صديقا المرأة المتّهمة قد اندفعا لمساعدة النادل في سدّ الباب. وإنما في تلك اللحظات المفعمة بالخطر الجسيم، دوّى في الأجواء صدى بوق سيارة بوليس.
" إذا كانت هذه المرأة ساقطة، فإنكم لا تقلون عنها إفكاً بتعاطي ما حرّمه الله وفي مكانٍ غير مرخص أيضاً! "، صاحَ الضابط منتهراً الجمعَ المجنون. وأعقبَ بحركة مسرحية، ملتفتاً إلى صديقيّ المرأة مخاطباً إياهما بالفرنسية: " أما أنتما، أيها المحترمان، فإنني سأضطر لحجزكما في المخفر ريثما يتم التحقيق معكما بشأن علاقتكما مع امرأة مسلمة! ". قال ذلك، فيما كان يغمزُ بشكلٍ موارب لشريكه " الكَاوري ".





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلِكْترا: الفصل الثامن 1
- سيرَة أُخرى 70
- إلِكْترا: الفصل السابع 5
- إلِكْترا: الفصل السابع 4
- إلِكْترا: الفصل السابع 3
- إلِكْترا: الفصل السابع 2
- إلِكْترا: الفصل السابع 1
- إلِكْترا: الفصل السادس 5
- إلِكْترا: الفصل السادس 4
- إلِكْترا: الفصل السادس 3
- الدهليز والكنز
- إلِكْترا: الفصل السادس 2
- إلِكْترا: الفصل السادس 1
- سيرَة أُخرى 69
- إلِكْترا: الفصل الخامس 5
- إلِكْترا: الفصل الخامس 4
- إلِكْترا: الفصل الخامس 3
- إلِكْترا: الفصل الخامس 2
- إلِكْترا: الفصل الخامس 1
- إلِكْترا: الفصل الرابع 5


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثامن 2