أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - كافكا ليس كابوسياً














المزيد.....

كافكا ليس كابوسياً


حيدر سالم

الحوار المتمدن-العدد: 5865 - 2018 / 5 / 5 - 00:02
المحور: الادب والفن
    


كافكا ليس كابوسياً !


لا أعلم لماذا يُصنف فرانز كافكا ( 1883 - 1924 ) كرائد للكتابة الكابوسية ، لطالما قرفت من هذا الوصف الملتبس ، لأن كافكا لا يكتب من أجل اولئك الذين يشربون القهوة في مقهى منزوٍ و يأخذون بالتنظير الفارغ ، فكافكا ذلك الفرد الذي كتب من نقطة ( النفور ) ، و هذه الكلمة هي الأساس الذي سنبني عليه هذه الاضاءة البسيطة .
و النفور في قاموس المعاني هو الْكُرْهُ ، الإِعْرَاضُ ، التَّبَاعُدُ [ المصدر من الانترنت / قاموس المعاني ] . لماذا النفور و ليس كلمة الكابوس


أدعي أن كافكا لم يكن كابوسيا ، بل إن كتاباته تبدو كابوسية لأولئك المرفهين الذين لا يقوون على الاعتراف بالهوة الممتدة على إتساع هذا العالم الموبوء ، كتب فرانز كافكا من نقطة ( النفور ) من هذه الهوة ، الفجوة التي بقيت منتصبة بينه و بين العالم ، يصحو ليجد نفسه حشرة في روايته الشهيرة المسخ ، و يصحو ليجد نفسه يقتاد الى السجن من دون ذنب يقترفه في القضية ، هكذا جاء كافكا الى عالمنا ، محبوسا و حشرة ، تغمره دوامة دائمة من النفور إتجاه كل ما يحيط به ، و يهرع ليحاول التمسك بهذه الحياة ، يحاول التأقلم حيثما وجد دون إرادته ولكنه يجد الجميع يبني أمام وجهه الجدران و الحفر الممتلئة بالكره ، و يبقى دائما ينظر الى أُسرته من " خلال شق الباب " [ المسخ ، ترجمة منير البعلبكي ص 41 ] ، و من ثم يأكل من بقايا طعامهم ، و تردم بوجهه النافذة الوحيدة التي كان يطل من خلالها على الشارع / العالم ، ولم يكن أمام كافكا الا ان يقول " الشيء الوحيد الذي أمامي ان أستمر في فعله هو ابقاء عقلي هادئا متميزا حتى النهاية . لقد أردت دائما أن أنشب في هذا العالم بعشرين يد ، و ليس بدافع مهم بالمثل " [ كافكا ، تشارلز أوزبورن ، ت مجاهد عبد المنعم ، ص 132 ] ، و بالطريقة نفسها ، من خلال مسار النفور التام يواصل كافكا مسيرته نحو القلعة / الحياة ، لكنه لا يصل ، الذهاب نحو الحياة بالنسبة لكافكا هو حث الخطى نحو قلعة مجهولة يسمع أخبارها من الناس ، يمتعض منها و يعجب ، و تأخذه النشوة بالاخبار ، و المغامرة ، بيد أنه لا يصل الى أعتابها حتى ، فهو خارج هذه الحياة ، خارج القلعة المجهولة .

كان كافكا وحيدا في هذا العالم ، في عزلة مطلقة ، و يشعر بالغربة إتجاه الذين يحيطون به ، " علي أن اظل وحيدا قدرا كبيرا ، و كل ما أنجزته ثمرة كوني وحيدا " [ المصدر السابق ص 22 ] ، و هذه الوحدة هي لا إمكانية التواصل الجسدي و الفكري كونه ضئيلا إزاء عالم مهول و ضخم ، و لا يعرف الحديث الا من خلال الكتابة ، كانت الكتابة هي فسحته في هذه المصيدة التي وقع بها ، " كل شيء لا يرتبط بالادب أكرهه [ نفس المصدر ] .

كان كافكا مختلفاً تماما عن دوستويفكسي ، فالأخير يبدو مثل نبي يبحث عن خلاص البشرية من خلال طرق جميع الافكار ، الالحاد و الايمان و العبث ، و تحليل كل شيء بشري ، و يبدو لنا جلياً في شخصية الامير ميشكين في روايته العظيمة الأبله ، إن دوستويفسكي قريب من نبض العالم و يحاول لمسه ، و معرفة أوجاعه ، لكن كافكا هو الشخص الموجوع من رؤيته لهذا النبض ، مجرد تواجده في المكان ذاته الذي ننبض نحن فيه فهذه هي معضلته ، تلك هي الفجوة التي مدّها والده اللعين .

و بعد سنوات طويلة يقرر غابرييل غارسيا ماركيز أن يصبح روائيا بعد أن أكمل قرائته لرواية المسخ ، ليخلق لنا عالماً من رونق أخّاذ هو عصارة النفور و التحليل و السحر الذي شربه من جدته و بلدته الساحرة ، و لكننا نجده يحاول أن يسعى خلف خطوات كافكا في قصصه القصيرة فالطفل المصاب بداء خطير[ القصص القصيرة الكاملة ، ماركيز ، ت صالح علماني ، ص 9] ، يذكرنا بالطفل الذي جاء الى العالم بجرح يشبه الزهرة المنفتحة في خاصرته في قصة كافكا طبيب الارياف .

كافكا ليس كاتبا إعتياديا ، فهو يكتب مثل فأرة تتقلص الجدران عليها و هي تطالع المصيدة بإنتظارها آخر الممر و من ثم يمزقها قط كان متربصاً بها [قصة حكاية صغيرة ، ت سامي الجندي ص 102 ] .

كافكا هو الشخص العجيب الذي كتب قصة الجسر ، حيث يتخيل نفسه جسراً منسياً ينهار مع قدوم أحدهم ، نعم ينهار مع قدوم أحدنا اليه ، أرجوكم كافكا ليس كابوسيا ، بل هو النافر الأعظم من هذا العالم القميء .



#حيدر_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أرصفة مريدي - قصة قصيرة
- مقطع من قصة ( ن ) / قصة طويلة
- أسير مريدي - قصة قصيرة
- حسناء مريدي - قصى قصيرة
- حسناء مريدي - قصة قصيرة
- الثياب الرثة تقلقكم
- المتفوقون بالعمل !
- طالبُ المُستنصرية الأخير - نص
- حنا مينه قاصاً
- سكّان الأزقة الكافكوية ، سعدي عباس العبد أنموذجا
- إبتسامة هاربة - قصة قصيرة
- العنف اللغوي في الاغنية العراقية
- برستيج العامل الجديد
- عن سوق مريدي (3 ) / مروءة أهل العراق البلاستيكية
- الأخطل الصغير و دماء الورد !
- الابنودي أصابع الطين - مقال
- باليه فوق الجثث - قصة قصيرة
- كافكا و جليل القيسي
- مهرجان الغايات و الوسائل
- عن جدي و الشهد و الدموع


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - كافكا ليس كابوسياً