أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثاني 3














المزيد.....

إلِكْترا: الفصل الثاني 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5857 - 2018 / 4 / 26 - 19:20
المحور: الادب والفن
    


عمائرُ المدينة أضحت خلف السيارة، وما انفكّت " سوسن خانم " منزويةً في ناحية النافذة، منتحيةً بأفكارها وهواجسها. من فرط فجاءَتِها برؤية تلك المرأة، أنها سألت المرافقة على الأثر: " هل كنتُ غافيةً، حينَ توقفنا عند الإشارة الضوئية؟ ". النظرة الغريبة، التي ألقتها الفتاة عليها بسرعة، جعلتها تثوبُ إلى رشدها: " لا، إنني موقنة بأنها رؤيا وليست حلماً! ". قالتها مكفهرة الوجه، شاردة اللب، وكأنما تخاطبُ طيفاً ما. وفيما تفاقمَ انشداهُ " زين "، كانت معلّمتها تستعيد في ذهنها ما قصّه عليها يوماً سكرتيرها السابق: قبل ما يزيد عن العام، كان " فرهاد " في عربة الكوتشي الخاصّة بها. في ذلك اليوم، كان يبدو وكأنه ماضٍ في جولةٍ أخيرة خلال مدينةٍ حدبت عليه، وظلمته في آنٍ واحد. هنالك في غيليز، شاءَ صرف العربة لكي يجلس على أحد المقاعد ليسَ بعيداً عن أول سكنٍ أحتضنه وشقيقته. فيما كان يهوّمُ مع ذكرياته ( كان رأسه مثقلاً قليلاً بالشراب! )، إذا بامرأة تقطع الشارع نحوَ الجهة المؤدية إلى باب دُكالة. خيّل إليه أنها " الشريفة "؛ قرينته المفقودة الأثر منذ أشهر. نهضَ حالاً يتبعها، بعدما تجاهلت هيَ نداءه باسمها. بقيَ يلاحقها من مكانٍ إلى آخر، إلى أن دهمته عتمة ثقيلة وسط جمع من العامة يمضون في موكبٍ شبيهٍ بمهرجانٍ شيطانيّ. أخذت العتمة تضغط رويداً على أنفاسه، إلى حين أن استفاقَ من الكابوس أو ربما الرؤيا.
السيارة، ما لبثت أن تركت الطريق الرئيس لتتوغل في آخرٍ فرعيّ، يُفضي إلى الضاحية. هبّت نسائمُ الريف، محمّلة بروائح التربة والسماد وأوراق أشجار التين، الناضجة الثمار. الحقول الخضراء، تترامى على مدّ البصر كأنها بحرٌ يعكسُ صورة الفردوس السماويّ. الروائح الحرّيفة، أنعشت السيّدة السورية وأخرجتها من دوامة همومها. تذكّرت المرة الأخيرة، التي اجتازت فيها هذا الطريق. كانت حينذاك مع شقيق الفتاة، القابضة على مقود السيارة، في طريقهما إلى منزل جدّة الصغيرة " خَجيْ " وذلك لمحاولة إقناعها برعاية حفيدتها. فلما تخايلت للخانم صورةُ تلك المرأة، فإنها أطلقت تنهيدةً مُصاحبة لفكرةٍ أكثر جدّة: " لِمَ لا تكون هيَ، مَن أفشى للأميرة بسرّ المذكرات؟ ربما فعلت ذلك طمعاً بأعطية من عطاياها، وأيضاً انتقاماً مني لأنني أوقفت عنها المساعدة المتفق عليها مع ابنتها الشريفة؟ ". غبارُ الطريق، ما عتمَ أن غطى على فكرتها منبئاً بقرب الوصول إلى المكان المقصود.
الغبارُ، المُثار بسبب انعطافة السيارة في أحد الدروب الفرعية، حجبَ الرؤية لحظاتٍ عن عينيّ " زين ". عبّرت الفتاة عن التأفف من الهبوب المزعج، واضعةً منديلاً على أنفها، فيما اليد الأخرى تعالج الساحب المعدنيّ لبلور النافذة. ولكنها لم تخدّم مسّاحتَيّ بلور الواجهة، طالما السيارة أصبحت على مشارف مدخل القصر. ثمة طالعهما مرأى رجالٍ ذوي سحن سمراء مقطّبة، مهندمين بأردية رسمية ومسلحين ببنادق آلية. البوابة الكبرى، كانت مماثلة لما يراه المرء في قصور المدينة لناحية العمارة والنقوش. ملاحظتنا تخصّ المرافقة، لأنّ الخانم سبقَ لها زيارة المكان في إحدى المرات وكان ذلك في مبتدأ تعارفها بسيّدته عالية المقام. كالعادة، بقيت البوابة مغلقة أمام السيارة لحين إجراء الاتصالات اللازمة بمسئولين داخل القصر. في الأثناء، رغبت " سوسن خانم " بالحديث تخفيفَاً من غلواء مخاوفٍ لم تُدرك كنهها تحديداً. قالت لمرافقتها، نقلاً عن فكرةٍ ومضت في ذهنها للتو: " حبيبتي..! لعلني كنتُ غير مُصيبة باصطحابك إلى هذا المكان الموحش، الغريب عن طبيعتك وبراءتك ". الفتاة، ظلت لثوانٍ تروزها بنظرة متفرّسة. لا بدّ أنها تتساءل عما دهى عقل مخدومتها اليومَ، لتنطق بكلمات ملغزة. بلى، إنها فتاة بريئة كصفحة بيضاء.. صفحة، ربما تنتظرُ قلماً يُسوّدها بحبر ذكرياتٍ ملعونة مدنّسة.
الذكرى، تجرُّ قدَمَيّ ذكرى أخرى. على درب القصر ذاته، سارَ ذاتَ يوم " فرهاد " مع المرافقة السابقة بعدما عثرت عليهما الأميرة، وكانا في نفس سيارة " الرانج روفر " وفي وضعيةٍ مُريبة. الجملة الأخيرة، كانت من صياغة صاحبة المقام العالي. لأنّ سكرتيرها السابق، كان قد أنكرَ بشدّة شُبهة الريبة. نطقَ دفاعَهُ متلعثماً، حالُهُ حينَ ضبطت الخانم تلك اللوحة ـ الفضيحة. بيْدَ أنه أدهشها يومئذٍ باعترافه، في المقابل، بكونه سبقَ وعاشرَ الأميرة على فراشها. حصل الأمرُ في زيارةٍ أسبق للقصر، أعقبت حضورَ جماعة الرواق لمسرحية في دار الأوبرا. عللَ الزيارتين بالقول: " كلتاهما لم تكن مبيّتة، بل وتكاد تكون عنوةً ".
لحُسن الحظ ( فكّرت الخانم وهيَ تلقي نظرةً مواربة على الفتاة )، أنّ المرافقة الجديدة لم تقع في غرام " فرهاد ". لقد استهلت الخدمة لديها في المكتب، وكان هوَ عائداً حديثاً من الضاحية منهك الروح والجسد. ذات مرة، طلبت " سوسن خانم " من الفتاة إبداء رأيها به لناحية وسامته وموهبته. فأجابتها بطريقتها المرحة الطريفة، قائلةً: " إنه يلوحُ لي كشبح، أكثر منه إنساناً من لحم ودم! أما عن موهبة هذا الشاب المكتهل، فأعتقدُ إنها مقتصرة على قضائه النهار في حديقة المبنى بينما أفكاره متكئة على مسند اللوحة! ". كانت تصفه بالكهولة، فيما هيَ من نفس سنّه. لغرائب الاتفاق، أنّ كلاهما من أصول كردية، شبه أسطورية ـ كما حال اسميهما، اللذين يمتان لحكايتَيّ حبّ غارقتين في القدم، أنشدتهما أغانٍ شعبية على مرّ الأجيال.









#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلِكْترا: الفصل الثاني 2
- إلِكْترا: الفصل الثاني 1
- إلِكْترا: الفصل الأول 5
- إلِكْترا: الفصل الأول 4
- إلِكْترا: الفصل الأول 3
- إلِكْترا: الفصل الأول 2
- إلكِتْرا: الفصل الأول 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 3


المزيد.....




- استدعاء فنانين ومشاهير أتراك على خلفية تحقيقات مرتبطة بالمخد ...
- -ترحب بالفوضى-.. تايلور سويفت غير منزعجة من ردود الفعل المتب ...
- هيفاء وهبي بإطلالة جريئة على الطراز الكوري في ألبومها الجديد ...
- هل ألغت هامبورغ الألمانية دروس الموسيقى بالمدارس بسبب المسلم ...
- -معجم الدوحة التاريخي- يعيد رسم الأنساق اللغوية برؤية ثقافية ...
- عامان على حرب الإبادة في غزة: 67 ألف شهيد.. وانهيار منظومتي ...
- حكم نهائي بسجن المؤرخ محمد الأمين بلغيث بعد تصريحاته عن الثق ...
- مخرج «جريرة» لـ(المدى): الجائزة اعتراف بتجربة عراقية شابة.. ...
- أصيلة تكرم الفنان التشكيلي المغربي عبد الكريم الوزاني.. ناحت ...
- المصري خالد العناني مديرًا لليونسكو: أول عربي يتولى قيادة ال ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثاني 3