أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - حبل أمي














المزيد.....

حبل أمي


جوزفين كوركيس البوتاني

الحوار المتمدن-العدد: 5848 - 2018 / 4 / 17 - 02:00
المحور: الادب والفن
    


في جيب سترته القديمة هناك حبل مهترء احتفظ به. إنه آخر ممتلكات أمه التي ماتت بحسرة غيابه الطويل.
الحبل يذكره بأخر حوار دار بينه وبين امه الخائبة المنكسرة. هذا الحبل العتيق المصنوع من صوف الأغنام غزل بيد أمه التي كانت تقضي الليل ساهرة على ضوء فانوس. كانت تغزل وتحوك، وعند الفجر تستعد للعجن والخبز والذهاب الى الحقل. وعند المساء، تستعد لحلب الاغنام وتحضير العشاء للعائلة الكبيرة التي نجت باعجوبة مؤقتا من احد المذابح. لمس الحبل بحذر وخوف كما كان يلمس جده المخطوطة التي ورثها عن ابيه. وفي احد الغزوات على قريته، سرقت المخطوطة ومات جده هماً على المخطوطة وعلى مقتل اخيه الذي وجده مذبوحا عند باب الحظيرة حيث قام قطاع الطرق بذبحه بعد ان نهبوا ماشيته. انحدرت دمعة كانت مختبئة لسنين طويلة في صدر الخيبة وتذكر مشاداته الاخيرة مع امه العنيدة عندما أراد ان يلتحق بالجيش ليذهب ويدافع عن وطنه. حينها، قامت أمه بربطه على الاريكة وبكيت بحرقه وهي تردد: " لن تذهب! أبي قتل في (سفر برلك)، وخوالي ماتوا مذبوحين في مذبحة (سيفو). وأباك مات في حرب ايران. وعمك مات عند هروبه من حرب الكويت. واخاك قتل عند عودته من عيادته بأسم الدين. وزوج أختك قتل وهو يدافع عن قضية لا تخصه. وأنا لست مستعدة بأن أرسل آخر رجل في حوزتي الى حتفه. جميعهم ماتوا من أجل الدفاع عن حزمة من حكام مرضى. تذكر! لا احد يريدك ان تدافع عن الوطن. الكل يريدك ميتا بطريقة او بأخرى. وآخر الكي كان الهروب. لقد خسرتُ الكثير ولست مستعدة بأن أخسرك!"

أما هو، فكان يصرخ في وجهها التعب: "ولكن يا امي الوطن بحاجة إلي!"
ردت والدموع تنهمر بغزارة على خديها: "يا إبني، الوطن بريء من حروبهم! الوطن يريدك حي ترزق! هذه الشعارات التي سطلوا رؤوسنا بها كانت خلف مقتل نصف رجال العشيرة، لذا قررت ان اربطك بحبل صنعته خصيصاً لك."

فرد بخجل: "أيسعدك ان يقال عني جبان أبن امه؟"
"نعم! أنت أبن امك، ولكنك لست جباناً. كل ما هناك بأنه ليس لديك ظهر يسندك. ليس لديك من يضرب على صدره ليحميك. أنا سأحميك! الكل هنا يريدك ميتاً وقلب الأم لا يكذب. ستبقى مربوطاً حتى يحل الليل، وبعدها سأفك قيدك وسأدس في جيبك كل ما املك وساقوم بتهريبك. وعندما تعبرالحدود، سأنام نوماً هانئاً. أريدك حياً لا ميتاً!"

وعند إنتصاف الليل، فكت قيده ودست في يده كل ما تملك وقالت: "إذهب بعيداً! لا أريدك ميتاً. أريدك حياً ترزق حتى ينتبه العالم إليك. وبعدها، يمكنك ان تعود وتقاتل وتموت كبطل كما مات ابيك بطلاً."
هو هرب، وامه ماتت حزناً ودفنت على يد اهل القرية المهدومة. وهاهو حبل النجاة بين يده- حبل مغزول على يد امه كان سبباً لنجاته من الموت المحتم. تأمل صورة ابنه الذي ولد في الغربة وبدأ يصلي بحرقة لوحيده الذي هو أخر حبل وصل بينه وبين ما تركه في الوطن الذي ابتلع اغلب رجال عشيرته. من يدري، لعله سيعود يوماً ويدفن بجانب امه التي حرضته على الهرب لينجوهو... وتموت هي بحسرة غيابه.



#جوزفين_كوركيس_البوتاني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنتبه!
- هدية من بلاد ما بين الجرحين
- الوقت
- مات فيدل كاسترو
- خذي الصدق من فم امرأة يا امرأة
- ع الضيعة يمة ع الضيعة
- كنت صغيرة
- يوميات أرملة مملة
- قصتان
- من يوميات فلاحة
- من دفاتر لم تقرأ
- من يوميات أمراة شبه منسيه.
- الحضور والرحيل
- تصديق ما لا يصدق
- ولا زالت الميمة جنب الخيمة
- مسطبة العابرين
- متشردة
- لحظات مكسورة-الجزء الخامس
- وطن مغلق بقلوب مفتوحة
- جاري العزيز


المزيد.....




- ساحة الاحتفالات تحتضن حفلاً فنياً وطنياً بمشاركة نجوم الغناء ...
- تهنئة بمناسبة صدور العدد الجديد من مجلة صوت الصعاليك
- انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب 2025
- انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب 2025
- لا أسكن هذا العالم
- مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!
- بيان إطلاق مجلة سورياز الأدبية الثقافية
- سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم ...
- عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على ...
- الممثل التونسي محمد مراد يوثق عبر إنستغرام لحظة اختطافه على ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - حبل أمي