|
عقلنا عندما ينتخب !
فارس تركي محمود
الحوار المتمدن-العدد: 5837 - 2018 / 4 / 6 - 21:17
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لقد قلنا سابقاً وما زلنا وسنبقى نقول أننا شعوب تفكر بعواطفها لا بعقولها ، شعوب تتبع المنهج الوعظي الخطابي العاطفي الموغل في سذاجته ، تسمع منها الكثير من الكلام والقليل من المعاني ، شعوب لم تُمنح القدرة على إيجاد ولو حد أدنى من الارتباط ما بين أدمغتها وحبالها الصوتية ، فالحبال لديها سائبة وحناجرها الصوتية بدون كوابح وألسنتها لا تتوقف إلا لابتلاع الريق . شعوب لا تقلق ولا تتساءل ولا تدقق ولا تحقق ، بينها وبين أدوات الاستفهام عداء مزمن . إن هذه الطريقة في التفكير – إذا جاز لنا أن نسميها طريقة تفكير – وفي التعامل مع كل التطورات والأحداث من أصغرها إلى أكبرها هي التي ندير بها حياتنا من الألف إلى الياء . وبما إننا اليوم على موعدٍ قريب من الانتخابات البرلمانية والعرس الديمقراطي في العراق ! فلنرى كيف تعامل عقلنا المهذار مع هذه القضية . فالكل يصيح ويصرخ ويطالب بضرورة انتخاب الأصلح والأكفأ والأنزه من أجل سعادة وخير البلاد والعباد ، ونحن كذلك نصرخ معهم ونطالب مثلهم لكن السؤال الذي يطرحه العقل الكريه والمنطق البغيض أو قد يطرحه مواطن بسيط يريد أن يعرف ويتعلم من نخبه ومفكريه هو : كيف سنعرف هذا الانزه والاكفأ يا رعاكم الله ؟ فعلى حد علمنا لم يتم لحد الآن اختراع جهاز لفحص الكفاءة والنزاهة ، وليست هناك علامات محددة قد تظهر على وجه المرشح تفيد بأنه فاسد أم نزيه ، وطبعاً لا يمكن أن نوجه السؤال مباشرة للمرشح ونقول له : عفواً هل حضرتك فاسد أم نزيه ؟ فمثل هذا السؤال عبثي وجوابه معروف مسبقاً . كذلك لا يمكن أن نعتمد على معرفتنا الشخصية بالمرشح وحكمنا الشخصي عليه لأننا جربنا هذا الأمر في العديد من الانتخابات السابقة وصدمنا بالنتائج ، إذ كنا نختار من نجزم بنزاهته لكنه ما أن يصل إلى المنصب حتى يصدمنا ويتحول بقدرة قادر إلى ترس في آلة الفساد الجهنمية التي تدير البلاد . حسناً ماذا بقي ؟ هل نستعين بالسحرة والعرافين ؟ وحتى إذا استعنَّا بهم فمن يضمن لنا أن هؤلاء العرافين ليسوا فاسدين ولم يتم شراء ذممهم من قبل المرشح الفاسد . فما رأيكم إذاً بصلاة الاستخارة ؟ كلا فإنها لا تفيد في هذا المجال لأن نتائجها قد تختلف من شخص لآخر فتزيدنا حيرةً فوق حيرتنا وقد تدخلنا في حرب أهلية مقدسة ، لم يتبقَ أمامنا سوى القرعة - حدرة بدرة – ، اللعنة هل سنرهن مستقبل البلاد بلعبة حظ ! . يا إلهي ما هذه الحيرة والارتباك ، كيف الخلاص وما هو الحل ؟ . كلا كلا لا بد من وجود طريقة منطقية عقلانية بعيدة عن كل هذه الخزعبلات والطرق الغبية . لكن ما هي هذه الطريقة وكيف نصل إليها ؟ مهلاً لحظة لقد وجدتها ! الحمدلله لقد وجدتها أخيراً بعد أن شارفت على الضياع والهلاك ، الطريقة بسيطة جداً ومضمونة ، فما هي هذه الطريقة أيها المفكر الكبير والكاتب النحرير ؟ . الطريقة تتلخص بجعل الانجاز معيار الاختيار أي سيتم اختيار المرشح أو الحزب والكتلة السياسية اعتماداً على انجازاتهم وعلى ما قدموه للبلد . ومما يسهل المهمة علينا أن كل أطياف الشعب العراقي وأحزابه وتوجهاته الفكرية والايديولوجية كانت مشاركة في إدارة دفة الحكم منذ عام 2003 وحتى اليوم ، وبالتالي لا يتبقى أمامنا سوى أن نحصي الانجازات وعلى ضوئها نحدد خياراتنا . والانجازات كما تعرفونها حضراتكم ويعرفها القاصي والداني تتلخص بأن العراق اليوم يحتل المراتب الأولى في الفساد وانحدار مستوى التعليم وانعدام الأمن والأمان وانتشار الحروب والاضطرابات وغياب القانون وانتهاك الدستور وتردي الخدمات والواقع الاقتصادي وازدياد البطالة والفقر وانتشار الجهل والأمية والخرافات والخزعبلات وتدمير البنى التحتية والفوقية وسحق الطبقة الوسطى وتمزيق النسيج الاجتماعي . . . الخ . يا إلهي . . . ! إن النتيجة واضحة جداً وصادمة جداً ينبغي أن لا يتم انتخاب كل من شارك في الحكم وادارة البلاد خلال الفترة السابقة وازاحتهم جميعاً ! . ولكن كيف تقول مثل هذا الكلام أيها الأحمق ، إن مثل هذا الخيار سيؤدي إلى القضاء نهائياً على الدولة العراقية وسيدخلنا في نفق مظلم لا نهاية له . إن الاصلاح يجب أن يتم بالتدريج من خلال إدخال عناصر وفئات جديدة إلى العملية السياسية بشرط أن تتصف هذه الفئات بالنزاهة . لكن المشكلة كيف سنعرف الفئات النزيهة من الفاسدة ، آه . . لا أصدق لقد عدنا إلى نقطة الصفر والمربع الأول . هذا فضلاً عن أن ليس كل الموجودين في العملية السياسية هم فاسدون ، كلام جميل واتفق معه ولكن المشكلة تبقى ذاتها كيف سأميزهم وبخاصة أن الكل يتهم الكل بالفساد ، وكيف سأعرف نزيههم من فاسدهم ، المربع الأول مرةً أخرى ! . وهكذا يدور عقلنا في حلقة مفرغة ومجاهيل وظلمات بعضها فوق بعض ، فإصلاح البلد يتطلب منا أن ننتخب النزيهين ، وانتخاب النزيهين يتطلب أن نعرفهم ونميزهم أولاً ، ولحد الأن لم نجد آلية أو وسيلة موثوقة تمكننا من معرفتهم وتمييزهم ، وإذا انسحبنا وتركنا القضية برمتها ولم ننتخب سنضمن وصول الفاسدين إلى السلطة مرة أخرى ، وهكذا دواليك حلقة ودوامة جهنمية لا ترحم ولا تهادن تعصف بنا وبحياتنا وبآمالنا وطموحاتنا . إن هذه النتيجة المنطقية تؤكد الحقيقة التي بدأنا بها هذا المقال ، وهي اننا نفكر بعواطفنا وأن صراخنا وأقوالنا وشعاراتنا لا قيمة فعلية لها عندما تعرض على المنطق وتمتحن بالعقل ، وإن قيئنا الكلامي لا يدل إلا على سوء الهضم المعرفي المزمن المصابة به عقولنا . لذلك أيها السادة وبدلاً من الصراخ والصياح وبدلاً من توعد الناس البسطاء بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم يشاركوا في الانتخابات علينا أولاً أن نجد إجابات منطقية - وليست خطابية - للأسئلة والأحاجي التي ذكرناها في أعلاه ولا بأس أن نلخصها بالآتي : السؤال الأول : هل هناك فعلاً طريقة لمعرفة النزيه من الفاسد ، وإذا كانت موجودة فما هي هذه الطريقة ؟ . أفيدونا أفادكم الله . السؤال الثاني : هل انتخاب من نظنهم نزهاء سيؤدي فعلاً إلى بناء البلد ، وإذا كان الجواب بالإيجاب لماذا لم يتحقق ذلك في السنوات السابقة وكنا خلالها ننتخب دائماً من نعتقد بنزاهته وعفته ؟ . السؤال الثالث : رب قائل يقول أن السبب هو الاختيار الخاطئ ، فهل يعقل أيها العقلاء أن كل خياراتنا خلال كل الانتخابات السابقة كانت خاطئة بالصدفة ؟ يا سيدي حتى لو تعمدنا ذلك لما وصلنا إلى هذه الدرجة المخيفة من التواطؤ . السؤال الرابع : هل إن الشعب غير مؤهل للديمقراطية ؟ وإذا كان غير مؤهل لماذا تدفعونه دفعاً للأعراس الديمقراطية ، ولماذا تراهنون على سداد اختياره ؟ . اعتقد أن إيجاد أجوبة مقنعة ومنطقية عن هذه التساؤلات يتطلب منا مغادرة طريقة التفكير السطحية والمريحة من نوع : المحاصصة سببها الفساد والفساد سببه المحاصصة ، والديكتاتورية سببها غياب الديمقراطية وغياب الديمقراطية سببه الديكتاتورية ، وعدم اختيار الشخص النزيه يؤدي إلى الفساد والفساد يؤدي إلى عدم اختيار الشخص النزيه وهكذا دواليك الكل سيخبرك - بثقة العالم ونبرة المجرب والخبير - بأن الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة ولكن أبداً لن تجد من يقول لك من أين أصلاً أتى الاثنان البيضة والدجاجة . نعم ينبغي أن نغادر هذه الطريقة وينبغي أن نقدم إجابات بعيدة عن هذه الألاعيب الصبيانية ، إجابات تقول لنا لما يحصل كل هذا ؟ لماذا ينتشر عندنا الفساد والديكتاتورية وتنتهك حقوق الإنسان ، لماذا تأخرنا في كل شيء وانحططنا في كل المجالات ، لماذا الديمقراطية والانتخابات تخلق مشاكل بدل أن تقدم حلول ، لماذا نبدو عاجزين تماماً عن إيجاد حل لمعضلتنا ، لماذا استراحت عقولنا للسطحية والجهل والخزعبلات ، لماذا اعتادت أعيننا على القبح وآذاننا على البذاءة ووجوهنا وجلودنا على التلون وأخلاقنا على الرياء والمداهنة والخنوع واللامبالاة والقدرية المخيفة ، لماذا لا تصدمنا أحوال شوارعنا ومدننا وقرانا حجراً وبشراً ، لماذا نبدو وكأننا نسير إلى حتفنا الأسود بدون أن نحرك ساكناً بل والأنكى من ذلك نبدو وكأننا نستعجل الوصول ، لماذا ولماذا ولماذا . . . ؟ . إن الإجابة على هذه التساؤلات المؤلمة لا يمكن أن تتم بدون أن نرجع إلى الجذور ونحاور البدايات ونستكشف خط الشروع الأول ، فلكل شيء بداية فلنحاول أن نجد البدايات الأولى لما نحن فيه اليوم ، علنا نجد الأجوبة وبالتالي نجد العلاج الشافي لأمراضنا وأسقامنا . وأخيراً رجاء حار إذا لم نستطع أن نجيب عن كل هذه الأسئلة بطريقة منطقية وعقلانية فعلى الأقل نرحم الناس من زعيقنا ليل نهار حول ضرورة الانتخاب وضرورة انتخاب الشخص المناسب .
#فارس_تركي_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتخابات الأمريكية والتدخلات الروسية
-
وهم المعرفة
-
الكتلة المدنية
-
العقل التآمري
-
الواعظون
-
المجتمع العبيط
-
الثورة والتثوير
-
ظلال الله على الارض
-
التقليد والابداع
-
صفات الشعوب واشتراطات الدولة
-
الدولة الحديثة منتج اقتصادي
-
الانسان البدائي
-
اذا كان هذا صحيحا
-
التمدن والتخلف بقوة الدفع الذاتي
-
غياب العقلية الشمولية
-
المنظومة الفكرية العربية والقضية الفلسطينية ، جدلية السبب وا
...
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|