أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فارس تركي محمود - غياب العقلية الشمولية















المزيد.....

غياب العقلية الشمولية


فارس تركي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 4626 - 2014 / 11 / 7 - 14:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


غياب العقلية الشمولية
فارس تركي محمود / جامعة الموصل / مركز الدراسات الإقليمية

يكاد يجمع اغلب المختصون والباحثون وحتى الناس البسطاء على أن ما تمر به اليوم الشعوب العربية من محن وكوارث وأزمات يعد المرحلة الأخطر في حياتها وفي مسيرتها التاريخية والتي قد تهدد وجودها وبقائها ذاته وتضعها على حافة الفناء . ومع اتفاقنا معهم في هذا التوصيف ومع إقرارنا بان ما يحدث خطير جدا ، إلا أن الأخطر منه هو عدم القدرة على فهمه وتحليله وتوصيفه بشكل صحيح ، والعجز التام عن معرفة كيفية حدوثه ، ولماذا جرى وحدث ؟ وما هي أبعاده وجذوره ؟ وهل هو حدث طارئ أم داء متأصل ؟ والى أين سيصل بنا ؟ وما هو الحل وكيف الخلاص ؟ ومن اجل الإجابة عن كل هذه الأسئلة نحتاج إلى ما يمكن تسميته بالعقلية الشمولية أو المفكر الشمولي الذي يستطيع أن يقدم لنا إجابة شاملة ومتكاملة عن كل التساؤلات والألغاز والأحاجي ، ويوضح ما غم علينا ، ويقرب ما بعد عن أفهامنا ، ويجعلنا نفهم أنفسنا ونتفهم وغيرنا .
وبداية لا بد من توضيح ماهية العقلية الشمولية وما الفرق بينها وبين العقلية السطحية ، فالعقلية الشمولية هي تلك العقلية التي تستطيع – أو تحاول - أن تقدم أو تنتج نظرية معرفية متكاملة يمكن بها ومن خلالها تحليل وفهم حدث أو مجموعة من الأحداث كبرت أم صغرت ، أو شرح وتبيان قضية سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية الخ . . . ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن مدى صحة وقوة هذه النظرية يعتمد بشكل كبير على قدرتها على الإجابة بطريقة منطقية على الأسئلة التي تواجها . والعقلية الشمولية لا تتعامل عادة مع الآني على الرغم من أن القضية التي تتصدى لها ربما تكون آنية ، بل هي تأخذ الأمور لما هو ابعد من المحسوس والمنظور باحثة عن الجذور ، وعما اختبأ وما عاد يبين ، وعن البدايات الأولى الموصلة للنهايات المرئية آنياً ، لتقول لنا في النهاية لماذا كان ما كان ، ولماذا ما لم يكن لم يكن ، بل وحتى ما سوف يكون ولماذا سوف يكون .
أما العقلية السطحية فهي عاجزة تماما عن إنتاج أية نظرية معرفية بل هي اقرب ما تكون إلى العقلية الوصفية تتكلم عما هو متاح للعين المجردة والأحاسيس والحواس المباشرة ، تسطح الأمور وتقزمها وتجيب عن اعقد الأسئلة إجابات ساذجة وسمجة لا تسمن ولا تغني من جوع لتترك سائلها في النهاية اشد تشويشا وإرباكا مما كان عليه قبل أن يسألها . ولمزيد من التوضيح فلنتخيل الحور التالي :
السائل : لماذا ينمو الزرع ؟
العقلية السطحية : لان المطر ينزل ويسقيه !
السائل : ولماذا ينزل المطر ؟ .
العقلية السطحية : ليروي الزرع !
السائل : ولماذا يروي المطر الزرع ؟
العقلية السطحية : لكي ينمو !
السائل : ولماذا ينمو ؟
العقلية السطحية : لان المطر يسقيه ! . وهكذا دواليك مجاهيل بعضها فوق بعض .
أما إذا وجه السؤال ذاته إلى العقلية الشمولية فإنها ستوضح للسائل طبيعة التربة والمناخ ، وآلية الإنبات ، ونوعية البذور ، وما يحدث من تفاعلات كيميائية ، وبالتأكيد ستتطرق إلى الأمطار من حيث أسباب نزولها وكمياتها ومواسمها ، وأين ومتى وكيف ولماذا ، وستتوقع النجاح أو الفشل ، وستقدم الكثير من الحلول والمعالجات والمقترحات الآنية والمستقبلية و و و الخ . أي باختصار ستقدم نظرية معرفية تخص الإنبات .
ومما لا شك فيه أن واحدة من أهم الكوارث التي قد تتعرض لها امة من الأمم أو شعوب من الشعوب هي افتقارها للعقليات الشمولية ، واعتقد أننا إذا ما أردنا أن نرى ما برصيدنا من عقليات شمولية فإننا سنصاب بخيبة أمل كبيرة فهي قليلة جدا تكاد تبلغ حد الندرة والاستثناء الذي لا يقاس عليه ، على الرغم من كثرة ما نشاهد على شاشات التلفاز من أسماء وألقاب علمية من باحث إلى محلل إلى خبير إلى دكتور إلى أستاذ إلى فقيه إلى علامة ، ألقاب كبيرة ورنانة لكنها ما أن تتكلم وتتحفنا بدررها المكنونة حتى ندرك مدى ضآلتها وسطحية طروحاتها التي لا تتجاوز ما تلوكه أفواه العوام في الشوارع والمقاهي ، الفرق الوحيد أنها تتقيأ علينا غثها بطريقة منمقة وبلغة أرقى قليلا مما هو دارج . ولنستذكر معا مئات وآلاف البرامج الحوارية التي شاهدناها عبر التلفاز والتي استضافت المئات من حملة الألقاب ليدلوا بدلوهم في القضية موضوع الحوار ، فنجد مثلا مقدم البرنامج يسال ضيفه حامل اللقب عما هي أفضل السبل المتاحة للقضاء على الفساد المستشري في العراق ؟ فإذا بالضيف بعد أن يتنحنح ويمأمأ ويبسمل ، وبعد أن يقول : في الحقيقة . . . أنا أرى ... ابتداءً ... يتحفنا بقوله : إن السبيل الوحيد للقضاء على الفساد يتمثل في إصدار التشريعات والقوانين التي تكافحه من جهة ، والضرب على أيدي المفسدين من جهة أخرى ! ! ! ثم يبدأ بعد ذلك إسهاله الفموي ليوضح لنا أهمية التشريعات والقوانين في مكافحة الفساد وضرورة معاقبة وملاحقة المفسدين ، ويضرب لنا الأمثلة ويشرق ويغرب ويعيرنا بما وصلت إليه سويسرا وهولندا وبلجيكا وأوربا كلها في هذا المجال ، ولا ينسى أن يدس بين كلماته بعض المصطلحات المتفرنجة لكي نزداد دهشة وإعجابا به ، وفي نهاية البرنامج يوقن المشاهد البسيط أن التشريعات والقوانين ومحاسبة الفاسدين هي السبيل الأمثل لكي نقضي على الفساد ونعيش في تبات ونبات ونخلف صبيان وبنات ، هكذا وبكل بساطة ! .
ولكن ماذا لو وضعنا أنفسنا محل مقدم البرنامج وأردنا أن نستفهم أكثر من السيد اللقب ونستزيد من غزارة علمه وأكملنا الحوار معه كالتالي : لقد قلت يا سيادة الخبير أن أفضل طريقة للقضاء على الفساد المستشري في العراق هي إصدار القوانين ومعاقبة المفسدين ، لكنك لم تقل لنا كيف يتم ذلك أي كيف نصدر مثل تلك القوانين ، وكيف نتمكن من معاقبة المفسدين ، سيجيبنا قائلا : من خلال تشيل حكومة قوية وديمقراطية وممثلة لكل أطياف الشعب العراقي . حسنا ، وكيف نشكل مثل هذه الحكومة ؟ ، سيجيب : من خلا إجراء انتخابات حرة ونزيهة . حسنا ، وكيف نجري انتخابات حرة ونزيهة في ظل استشراء الفساد في كل مفاصل الدولة والمجتمع !!؟ ، وكيف سيسمح لنا هذا الفساد بإجراء انتخابات ستؤدي - إن تمت – إلى القضاء عليه ؟ إلا إذا كان فسادا – كجنابك - أهبلا ! ، عندئذ نصل نحن والعلامة الفهامة إلى طريق مسدود ، ولا يبقى أمام خبيرنا سوى خياران لا ثالث لهما فإما أن يصمت ويريحنا من هذره وثرثرته الجوفاء ، وأما أن نعيد نحن وإياه بغباءٍ وتكرارٍ مملٍ وسمجٍ المتوالية أعلاه : مكافحة الفساد والمفسدين = حكومة قوية = انتخابات نزيهة = فساد مستشري لا يسمح بإقامة مثل هذه الانتخابات = كلام لا يصدقه عقل ولا يقبله منطق .
وربما يا سيدي المشاهد المبتلى بخبرائه ومحلليه وعلمائه خرج لك احدهم على التلفاز ليشرح لك ولنا لماذا الأنظمة العربية كلها أنظمة دكتاتورية فيقول - أدام الله ظله - أن السبب هو عدم وجود معارضة قوية ومؤسسات مجتمع مدني ! ، حسنا يا علامة ولماذا لا توجد في الدول العربية معارضة قوية ومؤسسات مجتمع مدني ؟ يجيب العلامة وبكل ثقة : لان الأنظمة دكتاتورية !!! لا اعرف كم احتاج من علامات التعجب لأفي علامتنا حقه .
وربما أيضا أيها المشاهد المسكين تكون جالساً في بيتك بأمان الله وفجأة يظهر لك على التلفاز احد المحللين أو الخبراء ليزيل الغموض عن سبب تخلفنا وجهلنا وتراجعنا في كافة الميادين فيختصر هذا الموضوع الشائك والمعقد ببضع كلمات ساذجة وعبارات ومقولات وكليشيهات جاهزة حفظناها ومججناها لكثرة ترديدها واستعمالها مثل الدكتاتورية هي سبب التخلف ، والتخلف هو سبب الدكتاتورية ! ، والفساد الاقتصادي وضعف التنمية سببا لكليهما والعكس صحيح ! ، والمؤامرات الخارجية ، والتركة الاستعمارية ، والصراعات والدسائس الداخلية ، وغياب الشفافية والنقد الذاتي ، وتدهور مستوى التعليم ، والفساد – الفساد دائما - الإداري والسياسي كلها تسبب بعضها بعضا وتؤدي إلى بعضها بعضا والعكس دائما صحيح ! .
أما إذا كان الحديث عن كيفية بناء الأوطان ومجابهة المصاعب والتحديات ستسمع كلاما من قبيل : يجب توحيد الصف والكلمة لبناء الوطن / يجب تشكيل حكومة قادرة وقوية / يجب تشكيل حكومة تكنوقراط / يجب محاربة النزعات الطائفية والعرقية والمناطقية / يجب اعتماد الديمقراطية منهجاً ومسلكاً / والكثير الكثير من هذه الـ ( يجب ) . لكنك أبدا لن تسمع أو تجد من يقول لك ويفهمك على من تجب هذه الـ ( يجب ) ؟ وكيف سيتم تنفيذها وتطبيقها ؟ لأنها يجب وحسب ، يجب وكفى ، يجب لا تخرج إلا من عقول سطحية كلامها سراب يحسبه الظمآن ماءً .
نعم سادتي الأفاضل إن من اكبر مصائبنا – على كثرة مصائبنا – هي تلك العقول السطحية التي تعد من أهم عوامل تأخرنا وتخلفنا وبخاصة عندما تتولى مناصب قيادية في المجتمع وعندما يتم التعامل معها على أنها النخبة الفكرية لمجتمعاتها ، فلا أبقاها الله من نخبة . وأخيرا لا بد أن نذكر أن هناك بعض الأسماء التي تستحق ما تحمله من ألقاب علمية لما تتمتع به من عقلية شمولية وفكر ناضج ورأي سديد ، لكنها وللأسف قليلة جدا لا تعدو كونها واحات متناثرة هنا وهناك في صحراء اللامنطق المستحوذة على حياتنا .



#فارس_تركي_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنظومة الفكرية العربية والقضية الفلسطينية ، جدلية السبب وا ...


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فارس تركي محمود - غياب العقلية الشمولية