أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محرز راشدي - قطع شريان الحياة واستئناف الكتابة على غارب الموت














المزيد.....

قطع شريان الحياة واستئناف الكتابة على غارب الموت


محرز راشدي

الحوار المتمدن-العدد: 5831 - 2018 / 3 / 30 - 00:53
المحور: المجتمع المدني
    


- قطع شريان الحياة –
و
استئناف الكتابة على غاربِ الموتِ
على هامش حادثة الانتحار"نضال غريبي" واستدراكًا على وصيّته المؤثّرة، نستأنف القول في هذي المواجع، ونستدرك على الجروح بكلماتٍ خرساء ومعانٍ نازفةٍ.
فليس هيّنًا على النّفس، أن تأخذ قرارًا بشطبِ استمرارها في الوجود الإنسانيّ. إنّه القرارُ الكارثةُ، الصّادرُ عن كيانٍ بركانيّ، أدركَ رتبةَ الانفجارِ، فكانَ الانتحارُ انتصارًا على هذه الأطر الجحيميّة اللّعينة.
ليس عاديًّا، أن يُفكّر المرءُ في إنهاء اسمه وتاريخه وملمحه من إحداثيّات الوجود، ببرودٍ عقليّ، ثمّ يستعدّ نفسيًّا ومادّيًا، ويجعل الانتحار الفكريّ، القلميّ، المحبّر على الورق، مشروعًا مُتحقّقًا في أفنان الشّجر.
الكتابةُ، ما قبلَ الموت، أو الوصيّةُ الأخيرةُ، هي كتابةٌ على التّخوم، تقع على حافّة الجنون، تطلّ على الهول، تُشارف على الفاجعة، ثمّ تعود إلينا، تخاطبُ فينا العقل والوجدان، تجلد الأجساد، وتصفع الأذهان، وتوقظ الهاجع والغافل، وتزلف الحلم. إنّها سطورٌ رجراجةٌ، وكلماتٌ رضراضةٌ، تتحرّك جيئةً وذهابًا بين الوجه والقفا، بين الإقبال والإدبار، بين الهنا والهناك، بين البيت والقبر.
هذا المُبدعُ، عارك الحياةَ، وصارع الصّعابَ، وكابد المسافاتِ، لكنّ الطّاقةَ نفدت، والمخزونَ نضب، والمجهود تضاءلَ، ولم يرَ من هذه الحياة سوى وجهٍ صقيعٍ، ولم يُحصّل منها إلّا قبضةً من السّرابِ، وأخرى من اليبابِ.
هذا الشّابُ، عيّنةٌ من شباب المجتمع التونسيّ. شبابٌ ذهبوا في طريق الموت كلّ مذهبٍ، واختاروا التّصفية الذّاتية، بعد أن أكل اليأس أحشاءهم، وشفطَ القحطُ منابع الأمل فيهم، ورتع الجراد في قلوبهم الجميلة، وعضّهم الجوع من كلّ جارحةٍ، وندبَ في كيانهم ندوبه الغائرةَ.
الموتُ في بلادي ليس مُجرّد استعارةٍ قاتلةٍ تنزلق في الخطابات، بل غولٌ يزرعُ أنيابه في كلّ مرجٍ، وينشر فواجعه في كلّ عرشٍ، ويترك الكلوم والبثور في كلّ وجهٍ.
الموتُ، ههنا، ليس مُجرّد قرارٍ ميتافيزيقي، ولا هو توقّف بيولوجيّ يعلن عنه عطبٌ عضال في الجسد...بل يتجاوز كلّ ذلك ليصير نقاشًا تعيشهُ الذّات مع نفسها، ليستحيل ضجيجًا روحيًّا، ومعتركًا داخليًّا يصعب إسكات صخبه، ويعسر لجمُ نهمه.
الموتُ انتحارًا.. الموتُ اختيارًا، بعد التّسآل، والغرق في أوحال السّؤال، وعقب السّفر، وشقّ صحراء الحياة، بحثًا عن هدفٍ غابرٍ في الفيافي، يُعتبرُ حادثًا تراجيديًّا جللًا.
بالحرفِ، ينبش المائتُ عن عُدّةِ حتفهِ. بالكلمةِ يتغلغلُ الكائنُ في أنفاقِ النّهايةِ. بالأسئلةِ الحارقةِ، الكاويةِ، يحفر الكاتبُ بيتهُ عميقًا في باطنِ الأرضِ. لعلّه يشرقُ في سماء حياتنا لعنةً على هذا البلد الكابوسيّ: بلد الذّبول والشّحوب، وموطن الملح والكبريت.



#محرز_راشدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فِي تَقْرِيظِ النُّدْرَةِ..زَمَنَ البَلْبَلَةِ
- مقامة جهلائيل
- وزراء الله في الأرض..
- من وحي الحافلة الصّفراء
- مِنْ وَقَاحَاتِ اليَومِي..
- حَدَّثَ الرَّاوِي المَأْجُوجِيُّ قَالَ...
- المَقَامَةُ الوَرَقِيَّةُ المَوْعُودَةُ
- مِنْ إِمْبِرْيَالِيَّةِ العَقْلِ إِلَى غِنَائِيَّةِ الجُنُون ...
- في قلق التّلفيظ الشّعري
- الكلمة نبوءة مبتورة
- الخربشات: الدالّ المتوحّش والمدلول السّديميّ
- فائض المعنى وحصار المبنى
- الشاعر صاحب الهويّات الجوفاء
- محنة الألم عند السياب أو النبي الكسيح
- الشاعر الرّومنطيقيّ آدميّ شقيّ
- الألم مشكلا إنسانيّا
- الرّمز في الخطاب قديما وحديثا
- مفهوم الشّاعر النّبيّ في الكون الشّعري الرّومنطيقيّ
- القَصِيدَةُ اللَّعُوبُ وَالقَارِئُ زِيرُ النُّصُوصِ
- الجنون: من الحفر الايتمولوجي إلى الأنساق التّحويليّة.


المزيد.....




- الرصيف العائم جاهز.. ماذا سيتغير في الوضع الإنساني في غزة؟
- الرصيف العائم جاهزا.. ماذا سيتغير في الوضع الإنساني في غزة؟ ...
- مجلس الأمن يناقش إنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة في العراق
- روسيا والصين تؤيدان طلب بغداد إنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة ...
- -ما علاقة التحيز الجنسي والمثلية؟-..عمدة لندن يهاجم ترامب
- 15 دولة أوروبية تقترح -حلولا جديدة- لتسهيل نقل المهاجرين إلى ...
- الأمم المتحدة: دخول المساعدات برا هو الأسرع لتجنب المجاعة بغ ...
- 15 دولة أوروبية تطالب بحلول ابتكارية لنقل المهاجرين
- اعتقال أستاذة بجامعة كاليفورنيا لدعمها احتجاجات الطلبة المؤي ...
- جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محرز راشدي - قطع شريان الحياة واستئناف الكتابة على غارب الموت