أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محرز راشدي - من وحي الحافلة الصّفراء














المزيد.....

من وحي الحافلة الصّفراء


محرز راشدي

الحوار المتمدن-العدد: 5248 - 2016 / 8 / 8 - 21:29
المحور: الادب والفن
    


على عادة كلّ مواطن كسول استيقظت، عركت عينيّ مليّا، نظرت إلى السّقف، كالباحث عن كنز طائر، ثمّ سوّقت فكرة أنّني مرهق، وهضمتها، وتململت، ويمّمت الجدار وجهةً، واعتزمت على مواصلة النّوم. ولكن يحدث ما لم يكن في الحسبان، ويتّفق أن يبارحني الشّيطان، وأفجأ الصّباحات بنشاط وحيويّة، أنا نفسي لا أعهدهما إلّا في معاجم اللّغويين القدامى.
فبادرت بالرّحيل، واعتزمت المسير، تيمّنا بمقولات الأوّلين، وطلبا للعلم وسواء السّبيل. كنت أشقّ طريقي، أبادر هذا بتحيّة، وأمعن في الابتسام لذاك، وربّما استوقفني أحدهم ونبش في السّياسة، فتعلو الأصوات منذ الصّباح، ويرغى أحدنا ويزبد الآخر قبل أن نترشّف قهوة الصّباح.
ولا تسل عن المواصلات، فالحافلة عروس، "وهات آش اخرّج العروس من دار باباها!!"...ننتظر طويلا، وأنا لست من هوّاة الانتظار، ولا من عاشقي الازدحام، فأشرع على عادة أشقّائنا في اليابان باختراع بعض الأشياء المفيدة للأمّة، كأن أجري اتّصالا مطوّلا مع إحداهنّ، أو أبادر أحد الحضور بالحديث، وأستدرجه إلى ساحاتي وأصرعه، وربّما بقيت في صمت القبور، متبرّما، عابسا، حانقا على هذي الأوضاع، شاتما بكلّ القواميس وزير النّقل والمواصلات، وهذا يُذكّرني ببقيّة الماريونات (مسرح الدّمى)، وبحكومة النّفايات، وحوْكمة اليافطات...ولعلّي في خضمّ الانتظار أرمق أحد المارّة بنظرة يتكهرب لها جسده، أو أحدّق في الأرض كمن يبحث عن حكمة الأجداد المدفونة منذ أحقاب..
ولكن في العادة، تُخيّب الحافلة انتظاراتي، وفي ظرف وجيز لا يتخطّى السّاعتيْن تأتي زاحفة، تنهب الأرض نهبا، صفراء يكره المسافرون ساحتها وساحة من يحبّها، لونها يُذكّرني بسموم الشّهيلي، وربوع الخلاء، وسنوات الجراد.
للألوان رمزيّة، وحافلتنا منتدى كلّ الرّموز...بلّور دارس، أكله الغبار، وسكنته الخدوش والكسور. أبواب تسمع لفتحها وغلقها جعجعة، تنخلع لها الأفئدة، وتذهل كلّ مُرضعة عمّا أرضعت. وأنت صاعد، يُخالجك شعور من يُمتحن في جسده وفي نفسه، تشعر بالرّعب، وبأنّ شخير المُحرّك عفاريت من الجنّ المتلبّسة بهذا المستطيل "الأصفراني"، وهي تتربّص بالكلّ دون تمييز هوويّ..ثمّ يعاجلك المسؤول عن التّذاكر بالسّؤال العقدة، "وين قاصد ربيّ؟" فتجيب حسب دراهمك، وتختزل الجغرافيا لتكتنز بعض الملّيمات، علّها تكون لك سندا في إحدى الجلسات أو النّدوات.
والعجب أنّ من الراكبين، راكبا لابسا جبّة بيضاء بلون البيْض تماما، وفي الحقيقة كلّ لباسه أبيض لغاية هو أدرى بها، ويحمل معه قفّة من السّعف، لا أريد أن أذكر لونها لغاية في نفسي، ومشحونة ببعض الحاجيات اليوميّة..
شيخنا هذا، مهذار، حاطب ليلٍ، يتكلّم، يلغو، ويتنقّل بين المواضيع دون حسيب أو رقيب، يحدّثنا عن القناعة، عن الصّبر، عن أوّلية الرّجال بالعمل، ويستعرض الآيات..ويضحك. يحاول أن يقنع الحضور بتفاهة الدّنيا، وبالعمل من أجل الآخرة. من القوم من انساق معه، ومنهم من ناوشه، وناهضه، فتعالت الأصوات، وتدخّلت فتاة فيها من "لبيب" بعض الشّبه، كانت مغبرّة، ذات وجه مخروطيّ، وقوام حديديّ مسنون، وصوت أشبه بصفارات الإنذار...ولكنّها اجترأت على الشّيخ، فغضب، وألحّ على مسألة الإذن، ورفع الإصبع، مستحضرا سلطة المعلّم فيه، مذكّرا بها الحاضرين، منعطفا على خصاله، وخصال مُجايليه، منبّها إلى بعض القيم المحمودة.
ولقد انتابني مزيج من الشّعور، يصعب فرز غثّه من سمينه، فالحافلة صفراء، وحالها رثّ، والركّاب أنواع: المشئزّ، المتبرّم، العابس، المكفهرّ، الضّاحك، الباسم، المتنطّع، المتحاذق، الغليظ، الرّقيق، الصّامت، الغوغائيّ...أمّا اليوم فقد اكتشفت خصلة أخرى، وهي أن تصير الحافلة منبر خطابة، وساحة تخاطب، وهي تسير.
وبعد فترة من الزّمن المتخثّر، وصلت حيث أعتزم الوصول، وضربت في الأرض متثاقلا، ورفعت رأسي فشاهدت المكتبة هاجعة، شامخة، فتنفّست الصّعداء بعد أن اجتزت البرحاء.



#محرز_راشدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مِنْ وَقَاحَاتِ اليَومِي..
- حَدَّثَ الرَّاوِي المَأْجُوجِيُّ قَالَ...
- المَقَامَةُ الوَرَقِيَّةُ المَوْعُودَةُ
- مِنْ إِمْبِرْيَالِيَّةِ العَقْلِ إِلَى غِنَائِيَّةِ الجُنُون ...
- في قلق التّلفيظ الشّعري
- الكلمة نبوءة مبتورة
- الخربشات: الدالّ المتوحّش والمدلول السّديميّ
- فائض المعنى وحصار المبنى
- الشاعر صاحب الهويّات الجوفاء
- محنة الألم عند السياب أو النبي الكسيح
- الشاعر الرّومنطيقيّ آدميّ شقيّ
- الألم مشكلا إنسانيّا
- الرّمز في الخطاب قديما وحديثا
- مفهوم الشّاعر النّبيّ في الكون الشّعري الرّومنطيقيّ
- القَصِيدَةُ اللَّعُوبُ وَالقَارِئُ زِيرُ النُّصُوصِ
- الجنون: من الحفر الايتمولوجي إلى الأنساق التّحويليّة.
- يوتوبيا الشّعر العربي الرّومنطيقيّ أو النّبيّ الطّائر
- الشّعر والسّحر: كيمياء الشّعر


المزيد.....




- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محرز راشدي - من وحي الحافلة الصّفراء