أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محرز راشدي - مِنْ وَقَاحَاتِ اليَومِي..














المزيد.....

مِنْ وَقَاحَاتِ اليَومِي..


محرز راشدي

الحوار المتمدن-العدد: 5246 - 2016 / 8 / 6 - 21:19
المحور: الادب والفن
    


عند الظّهيرة، الشّمس متوهّجة، أشعّتها تذوّب الأدمغة، وتشكّلها ضفادع. كنت مع جمع من السّابلة في انتظار الحافلة، بعد يوم مُجهد، عانيت فيه ما عانيت من دروب التيه والبحث والضّياع بين الدّفاتر والأوراق والكتب والموسوعات..
والحقّ أنّ التّعب باد على الجميع، فهذا الشّيخ ذهبت التّجاعيد في وجهه شوطا، وترسّمت الأخاديد، وبانت سموم السّنين مزروعة على صفحة محيّاه.
ولكنّه أفضل منّي حالا، فرأسه مطمور تحت مظلّة من السّعف، وهي تكتسح حتّى كتفيه الضّامرين، ولذلك لا يبدي امتعاضا من أوار الشّمس، ولظى الهجير. هذا الشّيخ رغم شيخوخته الشّامخة، يُحملق في الحسان، يُصعّد ويُخفّض، يتملّى التّضاريس، ويستكين إلى أحلامه الشّبقيّة، ثمّ يُرسل مطوّلة من الزّفير، ويلفظ تنهيدة عميقة تحسب أنّ كيانه انجرف معها...ويشفع ذلك بحزمة من النفّة، يقسمها بالقسطاس بين المنخارين والفم ويركن إلى عكّازه يتحسّس صلابة عوده.
ومن ناحية أخرى، تجلس عجوز شمطاء على مشروع كرسيّ آيل للانهيار، وهي تولول لا من شدّة الحرّ فقط بل من شدّة القرّ أيضا، فالضدّ بضديده يُعرف، وحديث النّسوة عناقيد، آخذ بعضها برقاب بعض، وربّما يلوي بعضها رقاب بعض الجالسين، فتتشنّف الآذان، وتتربّص بالذّبذبات، وتتهيّأ للمداخلات، وتنزبق بين الفينة والأخرى دون سابق إنذار..هذه العجوز متضايقة من سعر التّذكرة، وهي تلهج بأحد المهرجانات، وتشدّ الأحزمة، وترجو من الله أن يمدّ في أنفاسها حتّى تشارك بالهتاف والزّغاريد والرّقص!!! في المهرجان الغنائيّ الرّاقص.
لقد انتابني ضرب من الاشمئزاز المبهم، فأنا على تعب، وعلى قدر من الملالة والسّآمة، ونفسي تحدّثني بمغادرة المكان، ولكنّ الأقدار في كلّ مرّة تجرّني جرّا إلى هذي البقاع، فتفترسني الطّرقات، ويلتهم كياني أزيز المحرّكات، ويُمزّقني الانتظار، ويحاصرني الازدحام..أجدني في سلّة من التّفاهات، لا أميّز نفسي، ولا أفقه لغتها، ولا أجد وجهتي.
ففئة الشّباب هنا، أخلاط من الوشم والرّشم والميوعة، الرّؤوس هيئات يسكنها الفراغ، ومصارف لأرصدة الفقر، والتصحّر، والخلاء من القيمة والمعنى. اللّباس لا يجيب عن أي سؤال، فالغالبية عبارة عن محامل إشهاريّة من حيث لا تدري، ولا تسل عن المآتي الجماليّة للملبس، فالألوان جربوعيّة، وفي حالات أخرى فاقعة ألوانها، ممزّقة أطرافها، متآكلة جنباتها، انخراطا في العصر، وتعبيرة عن انخرام كلّ العصور الآتية.
أمّا لغة التّخاطب، فقد مسّتها ضروب من الشّبهة والالتباس، فهي معزوفة مشروخة، ماتت استعاراتها، وأصاب مجازاتها العطب والوهن، وانقادت لحكم الغالب، فتخلّلتها مقترضات من لغة الاستعمار، وهيمن على مستعمليها الاستحمار، فباتت ملاءة رثّة، وأشكالا بالية.
بينما كنت في تخميناتي هذه، إذ بالقوم في نزع شديد، وفي نزاع عنيف، من أجل أن يركبوا الحافلة، وهي ليست حافلة بهم. واشتدّ نسق الازدحام، وبدأ الرّجم بالكلام. ومن عادات أهلنا أنّهم يجيّشون كلّ استعارات القوّة، لدحر الخصم لغويّا، ثمّ جسديّا إذا اقتضى الحال. لقد كثر الهياط والمياط، والسّائق يُنذرهم بشرّ مستطير، ويعتزم الميل إلى دكّان الخفير، والكلّ في جلبة يعبّر عن مقصوده، وباللّكمة يُبلّغ مُراده، ويشفع ذلك بالبزاق، والسّباب...فما كان منّي إلّا أن تركت مخازن القوم إلى نفاذ، وما أظنّها تستنفذ كلّ الوقاحات، واعتزمت الرّحيل مشيا، جريا على سنّة المشّائين، وتبذيرا للزّمان، وهتكا للمكان الواقع تحت هذه الأقدام المتيبّسة من طول الانتظار.



#محرز_راشدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَدَّثَ الرَّاوِي المَأْجُوجِيُّ قَالَ...
- المَقَامَةُ الوَرَقِيَّةُ المَوْعُودَةُ
- مِنْ إِمْبِرْيَالِيَّةِ العَقْلِ إِلَى غِنَائِيَّةِ الجُنُون ...
- في قلق التّلفيظ الشّعري
- الكلمة نبوءة مبتورة
- الخربشات: الدالّ المتوحّش والمدلول السّديميّ
- فائض المعنى وحصار المبنى
- الشاعر صاحب الهويّات الجوفاء
- محنة الألم عند السياب أو النبي الكسيح
- الشاعر الرّومنطيقيّ آدميّ شقيّ
- الألم مشكلا إنسانيّا
- الرّمز في الخطاب قديما وحديثا
- مفهوم الشّاعر النّبيّ في الكون الشّعري الرّومنطيقيّ
- القَصِيدَةُ اللَّعُوبُ وَالقَارِئُ زِيرُ النُّصُوصِ
- الجنون: من الحفر الايتمولوجي إلى الأنساق التّحويليّة.
- يوتوبيا الشّعر العربي الرّومنطيقيّ أو النّبيّ الطّائر
- الشّعر والسّحر: كيمياء الشّعر


المزيد.....




- -فاطنة.. امرأة اسمها رشيد- في عرضه الأول بمهرجان الفيلم في م ...
- النجمات يتألقن في حفل جوائز -جوثام- السينمائية بنيويورك
- الأدب الإريتري المكتوب بالعربية.. صوت منفي لاستعادة الوطن إب ...
- شذى سالم: المسرح العراقي اثبت جدارة في ايام قرطاج
- الفنان سامح حسين يوضح حقيقة انضمامه لهيئة التدريس بجامعة مصر ...
- الغناء ليس للمتعة فقط… تعرف على فوائده الصحية الفريدة
- صَرَخَاتٌ تَرْتَدِيهَا أسْئِلَةْ 
- فيلم -خلف أشجار النخيل- يثير جدلا بالمغرب بسبب -مشاهد حميمية ...
- يسرا في مراكش.. وحديث عن تجربة فنية ناهزت 5 عقود
- هكذا أطلّت الممثلات العالميات في المهرجان الدولي للفيلم بمرا ...


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محرز راشدي - مِنْ وَقَاحَاتِ اليَومِي..