أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - حتى يا جوافة؟














المزيد.....

حتى يا جوافة؟


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5773 - 2018 / 1 / 31 - 18:03
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



أحببت «الجوافة» منذ طفولتى والتين البرشومى والبرتقال، كانت هى الفواكه الثلاث بأرض جدتى والدة أبي، كنت أتسلق الأشجار، أنا وأخى الأكبر، لنقطف الثمار من فوق أغصانها، قبل أن يأتى الرجال يعبئونها فى الأقفاص ويحملونها على ظهور الحمير لبيعها فى سوق «بنها»، أقرب مدينة أو مركز لقرية «كفر طحلة» بمحافظة القليوبية، لم تكن هناك وسيلة للنقل إلا الحمير والبغال، أما أصحاب الأراضى الكبيرة (الإقطاعيين) فكانت لهم عربات النقل اللورى الضخمة ، تحمل الفواكه النادرة الغالية، التفاح والبرقوق والكمثرى والفراولة واللوز والكريز، مما يأكله الملك والإنجليز، كما كنت أسمع أطفال القرية يقولون، وكان الملك فاروق يستحم باللبن والعسل.

لم تكن القرية بعيدة عن السكة الحديد، هناك قطار نحيل طويل يسمونه «قطار الدلتا» أو «الوابور» ليس له مواعيد، بطيء الحركة، تسبقه الحمارة الشابة النشيطة، يتوقف دون محطات معلومة، تشخشخ مفاصله الصدئة المفككة، ينفث الدخان من رأسه كثيفا، تتقطع أنفاسه كالمريض بالدرن الرئوى المزمن، رغم ذلك يحتل هذا القطار مساحات فى ذكرياتى الطفولية السعيدة، كنت أسابقه فى الجرى مع الأطفال، فأسبقه قبل أن يصل للمحطة، وأسبق أخى والصبيان الكبار، ألهذا اكتسبت القدرة على قطع المسافات واختراق الحواجز، والخطوط الحمراء فوق أعمدة السوارى والأبواب؟

وتظل «الجوافة» فاكهتى المفضلة، أسأل عنها إن سافرت وراء البحار والمحيطات، نكهتها تعيدنى للوطن والأهل، وإن ابتلعنى المنفى وراء الشمس، أستعيد بها طفولتى ورائحة أمي، رأيت بلاد الشرق والغرب، وعرفت طعم ما يأكله الملوك والإنجليز، وظلت «الجوافة» حبى الأول، لا ينازعها لبن العصفور فوق الهمالايا، ولا بيض النمل فى المكسيك ولا العنقاء والخل الوفي، لكنها تعرضت للضربات منذ الانفتاح فى السبعينيات، غرقت الأسواق بالبضائع الأجنبية، اختفى الإنتاج المحلي، انغلقت مصانع النسيج والقطن المصري، وأصبح الاستيراد هو الغول والجن والعنقاء، حتى اللبن والخبز والماء، والفول المدمس يأتى فى العلب من كاليفورنيا، يفقد نكهته وله طعم الصفيح، والجبنة البيضاء أصبحت مثل نعل الكاوتش، والملوخية والخيار والطماطم لها رائحة الزرنيخ أو الفسيخ ، وسمعت رئيس الدولة (السادات) يعلن فى الأبواق عن الثورة الخضراء والأمن الغذائي، الذى تمخض عن استيراد المزيد من الأطعمة الفاسدة، ألبان وفاكهة ولحوم، تجاوزت المدة القانونية الدولية، لم تعد صالحة للاستخدام الآدمي، قرأت فى الصحف أخبار تسمم التلاميذ بالمدارس، فكتبت مقالا «بجريدة الشعب» متسائلة: أيكون الأمن الغذائى هو التسمم الغذائى والديمقراطية هى الديكتاتورية؟ هل فقدت الكلمات معناها بمثل ما فقدت الأطعمة مذاقها؟

قاومت «الجوافة» هجمة الشركات الأجنبية ووكلائهم من رجال الأعمال المصريين، ربما انتصرت فاكهتى على شراسة الغش فى السوق الحرة، وهى حرية الأقوى للبطش بالضعيف، لكن الجوافة ظلت صامدة كالفلاح الفقير، يشق الأرض بفأسه ويأكل المش والدود، نكهتها لم تتبدد وطعمها لم يتغير، بعد سقوط السادات ومبارك ظلت صامدة، وإن تغير طعمها وكادت نكهتها تضيع، قرأت فى الصحف عن كيماويات وأسمدة ومبيدات، لكنى لم أعرف الحقيقة، أتغذى بالشائعات والأطعمة دون شهية، أرى الهوة بين الأثرياء والفقراء تزداد، والفتنة بين الأقباط والمسلمين والإرهاب، وقهر الرجال للنساء، حتى اختفى رأس الطفلة بالحجاب أو النقاب، وظهرت الشوارب الغليظة واللحى الكثيفة على وجوه الذكور، وانتشرت أنفلونزا الخنازير ومكاتب الاستيراد والبنوك الإسلامية وصور العاريات، وتحول ذوى الملايين الى القطط السمان ذوى المليارات، ولم يعد للجوافة نكهة ولا طعم، وارتفع ثمن كل شيء إلا الإنسان، يقوده عقله المبدع الى السجن أو الليمان.

واستغنيت عن «الجوافة» وأنا أقول لنفسى «الاستغناء» التام أو الموت الزؤام، الاستغناء هو سر «البقاء» تجاوزت السبعة والثمانين عاما ولم يقتلك التسمم اليومي، ثم قرأت بالأمس، أول السنة الجديدة هذا الخبر: «أعلنت مصادر رسمية بوزارة الزراعة أن المملكة العربية السعودية أخطرت مصر رسميا بقرار حظر استيراد الجوافة المصرية بسبب ارتفاع متبقيات المبيدات بها على الحدود المسموح بها دوليا»، ولم أقرأ تكذيبا للخبر، فاشتريت نصف كيلو جوافة لمجرد الذكري، وهمست فى أذنها أعاتبها «حتى أنت يا جوافة»؟.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هزائم متكررة لم تكسر القوقعة
- القارئات والقراء والإرهاب
- كيف تصنع المرأة رجلا إرهابيا؟
- الخوف من طرح الأسئلة المحرمة!
- تعريف جديد للأدب والكتابة
- عن الألم والكتابة الشخصية
- ويظل حجاب العقل واحدا
- أين نحن من أبى وأمى
- هرقل وغريمه آنتى
- المرأة والاشتراكية
- .. وهل انعدم التساؤل أيضا ؟
- ازدراء الأديان والجماعة فى رمضان
- امرأة رقيقة قاتلة
- التفاحة المحرمة والجاذبية
- فى ذاكرتى مع لغة الأم
- لا حياد فى عالم يبطش
- وتزيد المتعة بزيادة المعرفة
- رسالة من فتاة سجينة
- رسالة الى صديق قديم
- متى يبدأ السقوط ؟


المزيد.....




- بريطانيا: تعيين أول امرأة على رأس جهاز الاستخبارات الخارجية- ...
- شروط التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجزائر وكيفية ا ...
- طهران: العدوان الصهيوني أسفر عن استشهاد 45 امرأة وطفلا حتى ا ...
- الخارجية الروسية تحتفي بمرور 62 عاما على إنجاز فالنتينا تيري ...
- صفقة بيع “البدون” برعاية كويتية.. من الترحيل إلى الاتجار بال ...
- للمرة الأولى..امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني ...
- مخطوفات ما بعد ميرا.. مسلسل “الهروب مع الحبيب”
- لأول مرة في التاريخ.. امرأة تتولى منصب رئيس جهاز MI6 في بريط ...
- الاعتذار وحده لا يكفي .. ورقة رصد حول وتحليل لخطابات الاعتذا ...
- نتنياهو يتوعد إيران بسبب -قتل النساء والأطفال-


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - حتى يا جوافة؟