أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - كريم ناصر - المخرج العراقي هه فال أمين: البلاغة الصورية هي سرّ الفن السينمائي















المزيد.....

المخرج العراقي هه فال أمين: البلاغة الصورية هي سرّ الفن السينمائي


كريم ناصر
(Karim Nasser)


الحوار المتمدن-العدد: 1479 - 2006 / 3 / 4 - 10:00
المحور: مقابلات و حوارات
    


لم يفاجئنا الفنان المخرج "هه فال أمين" بدخوله إلى معترك السينما بفيلمه الدرامي "المهد" الذي أخرجه مؤخراً في سوريا، فقبل ذلك أخرج الكثير من الأفلام الوثائقية في العاصمة الهولندية أمستردام.. وهي كانت المحفّز لدفعه إلى عالم الدراما والخوض فيه كتابة وإخراجاً. جُلّ أعماله تعالج مشكلة الإنسان العربي وصراعاته المستديمة مع الكون، وهي ثيمة تستمد دلالاتها من نظرية الفن قبل الحياة، ليحولها لاحقاً إلى منهج نظر مغامراً ومكتشفاً لكل ما هو غير مألوف وغرائبي.
إنَّ العملية الإخراجية باجتهاده تعتمد بالدرجة الأولى على ثقافة المخرج، ومن ثم تأتي التقنية بالدرجة الثانية، يقول: على المخرج أن يتسلّح بثقافة ووعي عاليين فمن دون هذه المحصلة تبقى أدوات العمل الفني ناقصة، الاهتمام بالعلوم الإنسانية وقراءة الرواية وعلم النفس والاستماع إلى الموسيقى هي من المسلّمات بالنسبة لأيّ مبدع.. انطلاقاً من هذا أجرينا معه الحوار الآتي:
* ما هو المنحى الأساسي للفيلم، هل هو سياسي محض ـ إنجاز وطني ـ يعالج قضية عادلة لاسترجاع الحق المغتصب، أم أنه مجرد عمل درامي يوجه خطابه الفنتازي إلى شريحة اجتماعية معينة في المجتمع؟
ـ في هذا الفيلم وربما في أيّ فيلم آخر، هناك جانب واقعي وجانب فنتازي كما تسميه أنت. المهم أن توفق بشكل هارموني بينهما لتصنع عالماً فنياً خالصاً، لأنك لا تستنسخ الواقع في الفن، وإنما تخلق واقعاً جديداً تُظهر فيه رؤيتك الفنية، وألا فأنت وثائقي تنقل الواقع وتحلله على ضوء معطيات لا يمكن التلاعب بها. في الفن إنما تحلل أيضاً ولكن للتحليل هنا تمثلات أخرى، منها ما تكون ملموسة كالجانب الوثائقي، ومنها ما تكون حسيّة هي خلاصة تجربة الفنان في تعامله مع المادة المراد عرضها. لا ينبغي للفنان أن يعرض المعطيات الملموسة الوثائقية من منطلق صحفي، ولكن عليه أن يرتبها في إطار فني داخل الفيلم، وهذه هي مهمة الصناعة السينمائية، حيث تتابع المشاهد وحجم اللقطات، حسب المعنى والزخم الدرامي لكل معلومة وثائقية خاضعة بشكل صارم للتذوق الفني وخبرة صانع الفيلم.
أما في النوع الثاني فهو يثبت وجهة نظره كفنان أو بعبارة أدق ككاتب ولكن كتابته صورية، وعلى ضوء كل ذلك عندما عالجت هذا الموضوع لم أكن أفكر في شريحة اجتماعية محددة، ولم يخطر ببالي قط إعطاء صبغة سياسية للعمل، فالفيلم ليس سياسياً إنما يمثل معاناة إنسانية قائمة حتى هذه الساعة بشكل أو بآخر. صحيح أنَّ الأسباب الموضوعية لهذه المعاناة هي سياسية، ولكن هذا ينطبق على كل ما يمسنا في الحياة، فعندما صنع المخرج البريطاني العظيم "ديفيد لين" فيلمه "الدكتور زيفاغو" فكانت كل لحظة من الفيلم تنبض بالسياسة، ولكن بقالب درامي إن صح التعبير.
* مجمل مشاهد الفيلم تتحدث عن الجولان المحتلة كما يبدو، ما هي جملة الأسباب التي دعتك لاختيار هذا الموقع؟
ـ عدالة القضية قبل كل شيء حدثاً ورؤية ودراما ربما تكفي لأن تجعل من ذلك عملاً سينمائياً، فأنا اليوم في الجولان وربما أكون غداً في العراق، وبعد غد سأكون في أمريكا اللاتينية. القضايا الكبرى والعادلة ملك للفنان مهما كانت جنسيته وأصوله، ولذلك فإنني أقول دائماً بأن المخرج هو رجل غامض الهوية واضح الرؤية. دعني أقول لك بكل صراحة بأنه لو لم أكن مؤمناً بعدالة قضية الجولان لما صنعت هذا الفيلم، ودعني مرة أخرى أن أكون أكثر صراحة معك صدّقني إنه كان باستطاعتي أن أُقنع المنتج أن نقوم بعمل آخر.
* أين تكمن خلاصة تجربة المخرج أهي في الفن أم في الحياة، وهل تمثل بمعنى من المعاني موقفاً وجودياً من الكون لتثبيت وجهة النظر النقدية على شاشة السينما؟
ـ الفن والحياة معاً أشبّههما بعلاقة حضورية متينة، فكلاهما لا ينفصلان عن بعضهما البتة. أنا أعتقد أن هنالك ثلاثة مستويات يمكن الإشارة إليها في تجربة المخرج هي المستوى: الثقافي وهو يعني إلمامك إلى حد بعيد بالعلوم الإنسانية المرتبطة بدراسة الفرد والمجتمع، كعلم النفس والاجتماع والميثولوجيا والأديان والفلسفة والتاريخ والانثربولوجيا، والمستوى الحياتي وهذا يتضمّن خبرتك في الحياة وأسفارك وعلاقاتك المختلفة مع الناس.. هل تتصور أن هنالك أناساً مغمورين لا يعرفهم أحد، ولكن إذا ما جالستهم فأنهم يلهمونك، ربما أكثر من أيّ كاتب روائي أو مفكّر!؟ بعض أصدقائي يقولون: لماذا تصاحب زيداً من الناس فأنه عبثي، فأقول لهم لهذا السبب أصاحبه! أراه عندما يتكلم وكأنه بطل من أبطال مسرحية "صامويل بيكيت" الخالدة " في انتظار غودو"، مع ملاحظة شديدة الأهمية بأن الكلام هنا بمعنى تصوره الواضح وتحليله العميق للحياة والأحياء. أما المستوى الثالث فهو المهني، ويندرج تحت هذا المستوى كل الذين لهم علاقة بالصناعة السينمائية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر والإطلاع على أعمالهم، بشكل مباشر هم السينمائيون، وبشكل غير مباشر هم الفنانون الذين ترتبط أعمالهم بالفن السينمائي سواء من الناحية الجمالية أو الدرامية، كالروائيين والمسرحيين والشعراء والفنانين التشكيليين.
وعلى ذكر الشعر أتدري بأنَّ الشعر يُغذي فيك البعد الجمالي كصانع فيلم، يؤكد "بيرناردو بيرتولوشي" صانع فيلم " الإمبراطور الأخير" عن علاقة الشعر بالإخراج ويمثله بإيجاد شيء من لا شيء، وكأن بيرتولوشي يقول ما ردّده ذات يوم الشاعر الهولندي "كاوانار" حين قال: " لم أحاول أن أفعل شيئاً سوى خلق النعومة من الصخور والنار من الماء والمطر من العطش.
وعندما تتوازن هذه المستويات الثلاثة التي ذكرناها، بمعنى أنك كمخرج بإمكانك أن تثبت موقفك من الحياة أو تعلن وجهة نظرك سواء أكانت نقدية أم من أجل المتعة الفنية الخالصة في أصفى أشكالها ومراتبها، مثلما ذهب "أوسكار وايلد" عندما قال: الفن من أجل الفن.. وبهذا لا يمكننا أن ننسى بأنَّ المتعة من العناصر الأساسية في كل فن، حتى ولو كان هذا يعالج الألم والمعاناة كما في فيلمنا "المهد".
* التأويل والدلالة, التكثيف والاختزال، الذهول والإدهاش, هي معايير ثابتة لنجاح العمل الدرامي، معناه إذا أُفرغت الدراما من "مدلولاتها الإشارية وصيرورتها اللولبية" ستسقط لا محالة في فخ الساكن "الإستاتيكي" المعبر عنه فنياً، ما تفسيرك لذلك؟
ـ هذا كلام لا نقاش فيه. ولكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو كيف يمكنك أن تملك هذه الأدوات، وهي في حقيقة الأمر من أهم أدوات صناعة الفيلم. جزء من الإجابة عن هذا السؤال قلناه فيما سبق بما تتضمّنه المستويات الثلاثة. إنَّ استحواذ صانع الفلم على ما أُسميه بالبلاغة الصورية والرمزية هو سر الفن السينمائي من حيث تعامله المُرهف مع التأويل والدلالة، والتكثيف والاختزال، والذهول والإدهاش. ففي السينما يصعب عليك قول كل شيء، ولكنك تقول شيئاً يدل على كل شيء، ولا تصور الشيء الواحد من كل منظور وزاوية ولكن اختيارك لمنظور أو لزاوية ما يجب أن يكون واسع الأفق بحيث يغطي كل مناظير وزوايا الشيء. المخرج في نهاية المطاف يجب أن يكون كائناً غريزياً.
* بمن تأثرت ومن هم المخرجون المبدعون الذين تركوا بصماتهم الإخراجية على تجربتك في صناعة السينما، من جهة أخرى ما مدى نجاح الأفلام التي تدغدغ المشاعر الوطنية الجيّاشة والتي هي بعكس الأفلام الرومانسية وأفلام الاكشن الأكثر رواجاً في العالم؟
ـ أنا أشاهد أعمال المخرجين المهمين كلهم بلا استثناء، ولكنني لا أضع نفسي في قائمة من ينتمي إلى مدرسة أو مذهب، وهذا منطق الحياة غير المرئي، وربما أيضاً غير المحسوس. وإذا كنت لا أهتم بما يسمونه التعبيرية الخالصة، أو الانطباعية النقية، أو الواقعية الصافية، أو السريالية، ليس معناه بأنني لا أفهم كل هذه المذاهب، وإنما لا أعترف بها، لأنك ما إن تستيقظ من النوم فأنك تختبر كل هذه المعاني في لحظات مختلفة في اليوم الواحد! وهذه هي طبيعة الفيلم أيضاً. صحيح أنك لا تستنسخ الواقع ولكنك تخلق واقعاً مغايراً، بيد أن هذا الواقع يجب أن يحمل مقومات الحياة، وفي نفس الوقت يمكن التعرف إليه من قبل ما أُسميه بقارئ الشاشة. أما إذا سألتني عن المخرجين الذين أكن لهم الإعجاب والاحترام معاً فهم أربعة: "بيرناردو بيرتولوشي" لقدرته الفائقة على جمع الدراما والجمال في المشهد، وربما لأنه كان في الأصل شاعراً، وقليلون يعرفون بأنه بدأ مع ديوان شعر، و" ستانلي كوبريك" فلا أعرف صانع فلم في تاريخ السينما له رؤية بصرية كهذا العبقري، فهو بدأ مصوراً فوتوغرافياً وربما في هذا سر اهتمامه بخلق الصورة في المشهد أو اللقطة، وكان أحياناً ينزوي لأسابيع وأشهر لخلق صورة واحدة، و "ديفيد لين" لحسه الروائي الذي يرقى إلى مستوى الملحمة، وكأنه سقط من معطف هوميروس، ثم الياباني العظيم "اكيرا كوروساوا" الذي استثمر التقاليد اليابانية بشكل أُسطوري حتى صار هو نفسه أحد أساطير الفن السابع.
أما الإجابة عن الشق الثاني من السؤال فدعني أصحح لك السؤال، فالعناصر التي ذكرتها تتجسد في كثير من الحالات في فيلم واحد. في "المهد" ترى حالات رومانسية كثيرة، ومن الخطأ قراءة الفيلم على أنه وطني أو سياسي. ولعل التعليق الذي قاله "دك فلمسن" وهو مخرج هولندي ومدير المعهد السينمائي العريق في أمستردام, بأنَّ "المهد" هو دراما إنسانية في ظروف سياسية صعبة وقاهرة، هو خير جواب.
* ماذا حقق "المهد" على مستوى الفن, وكيف ترى تقييم النقاد له، إذا ما علمنا أن النقد المنهجي أصبح لا يأخذ به كثيراً في حالة تحقّق النجاح للفيلم على مستوى الجمهور؟
ـ لا يمكنني الإجابة عن هذا السؤال في الوقت الحاضر، فالذي أعرفه هو أنني كنت صادقاً مع نفسي في معالجة الموضوع. وقد قال: "توليستوي" ذات يوم إنَّ كلمة السر الوحيدة في الكتابة هي الصدق، وهذا ينطبق أيضا على ما أسميه بالكتابة الصورية أيّ الفن السينمائي. أما كيف ستكون آراء النقاد فهذا أمر متروك لهم.. هل ينتظر جبين "المهد" من النقاد قبلة أم صفعة, فسوف نرى.
* من ساعدك على اختيار الممثلين، وهل الممثل السوري يمتلك القدرات على أداء أدوار غير تقليدية، في الوقت الذي نعلم أنَّ الممثل السوري نجم تلفزيوني قبل أن يكون نجماً سينمائياً؟
ـ مساعدتي " كندة علوش" هي التي ساعدتني في اختيار الممثلين، ولولاها لكنت أواجه مصاعب جمة في معظم الحالات، كنت أحبّذ إعطاء الدور الرئيسي في الفيلم للممثل الكبير "خالد تاجا". وكنا قد اتفقنا على كل شي، ولكن مرضه حال دون الوصول إلى الصيغة النهائية، فاعتذر عن أداء الدور لحين يبرأ، أو أن يتأجل التصوير لعشرين يوماً. بصراحة لم أكن أستطيع تأجيل التصوير لأن كل شيء كان جاهزاً، ومع ذلك فقد كنت متوتراً وحزيناً حتى أنني أخبرت "كندا" بذلك حاثاً إيّاها على إيجاد من يمثل هذا الدور. في اليوم التالي اقترحت عليّ الممثل "سليم صبري" وكانت بذلك قد أزالت توتري نهائياً. أنت كمخرج لا بد أن تمر بلحظات صعبة، وأحياناً غير متوقعة، والمساعد الأول يلعب دوراً مهماً في اجتياز هذه اللحظات العصيبة بسلام واطمئنان.
فالقول بأنَّ الممثل السوري يملك مقومات العمل السينمائي؟ فهذا أمر لا غبار عليه. هناك في الحقيقة عقلية تلفزيونية طاغية بسبب ضعف الصناعة السينمائية في سوريا، ولكن كفن تمثيل إذا ما أُتيح له العمل في السينما، فأنه بلا شك يمتلك تلك القدرات، وهذا ما ثبت لي خلال عملنا الطويل في "المهد". ثمة طاقات هائلة في سوريا أمثال: "بسام كوسا"، و "عبد الهادي الصباغ"، وكذلك الممثلة "نادين"، ومن الشباب "محمد حداقي"، ولا أنسى "خالد تاجا" الذي كان يحدّثني دائماً عن " مارلون براندو"، أتدري بأنَّ خالد طاقة سينمائية عملاقة.
* ما مدى قناعتك بالموسيقى التصويرية وهل أُلّفت خصيصاً لهذا الفيلم؟
ـ بخصوص الموسيقى التصويرية فقد ألّفها واحد من أمهر الذين يملكون الحس والإيقاع السينمائي، وهو "طاهر مامللي"، الحقيقة كنت خائفاً من مسألة الموسيقى وإعطاء هذه المسؤولية لفنان هو في النهاية يعيش في بيئة تلفزيونية، ولكن مساعدتي " كندة علوش" رتبت لي لقاءاً مع "طاهر" استطعنا من الجلسة الأولى أن يفهم أحدنا الآخر. فجاءت موسيقاه منسجمة تماماً مع الجو الدرامي العام. وقد ألّفها خصيصا لفيلم المهد.
* كيف تجمع بين الصحافة والإخراج، أيهما الأنسب لطموحاتك كفنان وككاتب؟
ـ هنالك قاعدة صحفية ثابتة تقول: إذا عضّ كلب إنساناً فهذا ليس خبراً, أما إذا عضّ إنسان كلباً فهذا هو الخبر. يرى "بول فيرهوفن" صانع فيلم الغريزة الأساسية "أنه ليس هناك خبر لا يحتوي على الدراما". هناك قوة خفية يجب أن تجعلها مرئية أو محسوسة..
وعلى الفن السينمائي أن يجعل المخفي منظوراً أو محسوساً، إذا أمعنت النظر فترى أنَّ
الصحافة والسينما كلتاهما تبحثان عن المخفي غير العادي. أنا أعتقد بأنَّ في داخل كل مخرج يقبع صحفيّ، يستطيع أن يلمَّ بالواقع ليمتصه، وعن طريق تفاعله الباطني ستكون له رؤية يدفعها مرة أخرى إلى الخارج انطلاقاً من الفن. كيف تستطيع أن تخلق واقعاَ مغايراً وأنت لا تعرف ما يحدث في الواقع!؟ أتفق تماماً مع ما قاله الشاعر العظيم "كولردج": إذ "يقوم الفنان بجعل الداخلي خارجياً ويخلق طبيعة فكرية"، وأنا أقول: امتص الواقع حتى العظم لكي تخلق واقعك, بعبارة أخرى فنك، وعلى هذا الأساس لا أرى أن ثمة تعارضاً بين الصحافة والإخراج.. إن كثيرين من عمالقة السينما العالمية كانوا صحفيين ولربما في هذا بالذات قوتهم وأصالتهم.
* هل هناك سينما عربية طموحة وفق مفهوم السينما المعاصرة التي تربط بين ما ورائية الفن والقضية كأساس للمعالجة؟
ـ القضية دائماً موجودة، ولكن المشكلة تكمن في تعاملنا مع الفن والتقنيات. إنَّ هذا الجانب الثاني لا يتنزل من السماء، أنه تواصل بين المستويات الثلاثة التي ذكرتها سابقاً، لكي تبني مملكتك في التنظير والتخيّل، عليك أن تنظّر لكي تخلق أسلوبك الخاص بك، وإلاّ فأنت تقليدي تعيد ذاتك أو تقلد من تأثرت بهم. عليك أن تتخيل لكي ينطلق الداخلي إلى الخارج كالعاصفة. كيف تستطيع أن ترسم الصورة بالكلمات لمدير تصويرك وأنت لا تتخيّل؟ التقنية تبدأ بالخيال والخيال المجنح يتأتى انطلاقاً من عوالم المستويات الثلاثة.
الحقيقة أنَّ السينما العربية ما زالت تعاني من عقدة: هكذا وجدنا الأمر.
* ما علاقة السلطة بالمبدع، وهل تراجع دور الرقابة أم ما زال هناك رقيب يجيز الفيلم أو لا يجيزه؟
ـ علاقة السلطة بالمبدع كانت دائماً معقدة طبقاً لحالات كثيرة تراجيدية على مر التاريخ، والمشكلة أننا لا نستطيع أن نلغي أحدهما على حساب الآخر، فالبشرية بحاجة إلى الاثنين. ولكن من الأجدر أن نطرح الموضوع في البداية في إطار العلاقة بين السلطة والفرد، لأنَّ المبدع هو فرد غير عادي، هذه المسالة الفلسفية نوقشت بإسهاب من قبل الفلاسفة الذين مهدوا الطريق للتنوير الأوروبي سعياً للتأكيد على ضرورة السلطة وفي نفس الوقت على حتمية احترام الفرد، وبقيت هذه المسألة منذ ذلك الوقت الشغل الشاغل لكل فيلسوف أو عالم اجتماع أو مفكّر، حتى أنَّ الفيلسوف البريطاني "برتراند رسل" ألّف في ذلك كتاباً مستقلاً يحمل العنوان ذاته "السلطة والفرد". في الدول المتقدمة التي لها خبرة طويلة في هذه المسألة، فقد نُظمت هذه العلاقة بحيث فرضت الرقابة على السلطة لمحاسبتها عند حصول التجاوزات، والمبدع ينظّم رقابته الذاتية.
هل تراجع دور الرقابة؟ لا أعتقد.. لكن في الدول المتقدمة هناك تنظيم لها وترسيم لحدودها. تسألني ماذا يجري في العالم الآخر فأقول لك: إقرا قصتي المنشورة: "حلم صغير" فستجد ما زالت هناك رقابة حتى على الأحلام، بل لقد أُسيئ إلى معنى الرقابة، فالرقابة هي جزء من مفهوم السلطة ولا تبتعد عنها، والهدف هو رصد التجاوز ليس إلاّ، ولكن أن تكون الرقابة حجراً في الحلق، فهذا موضوع في غاية الخطورة.
* ما أجمل ما رأيته في سوريا، المرأة أم السينما، البلد أم الناس؟
ـ في الحقيقة لم أر السينما ولكنني رأيت المرأة، فالمرأة السورية تحمل حياء الشرق وعنفوان الغرب، وبوجودها فأنا متفائل بأن سيكون للسينما السورية شأن رفيع.
لم أُفرق بين البلد والناس فكلاهما صنع الآخر، أحببت سوريا وأحببت السوريين.
* هل لديك مشاريع جديدة، فلم روائي مثلا؟
ـ هل سمعت بعلبة باندورا ـ تلك المرأة التي كانت تملك كل المواهب في الميثولوجيا الإغريقية ـ لقد خرجت من العلبة كلُّ المصائب والكوارث عندما فُتحت بدافع الفضول، وبقي شيء واحد لم يخرج من داخلها إلاّ وهو الأمل، وما دمتُ أبحث عن الأمل في أيّة علبة مغلقة عساها أن تكون علبة باندورا فستكون بالفعل هناك مشاريع جديدة، لأنني مفتون بفتح المُغلق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ أخرج أربعة أفلام وثائقية للتلفزيون الهولندي
ـ عمل فيلماً بعنوان متاهة المولد الثاني (دوكيودراما)
ـ درس الصحافة في أمستردام
ـ أصدر كتابين (من وحي الأدب العربي) و (خيارات المثقفين).



#كريم_ناصر (هاشتاغ)       Karim_Nasser#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إستنطاق الموجودات بلغة فوق واقعية: الأسد خلق الغزالة خلقها ل ...
- أزهار
- القمر البريّ
- أطلق قمرك لأتنفّس
- غياب الشفرة التأويلية في نص الشاعر شعلان شريف : شتاء أعزل نم ...
- أعناب الدم والبحيرات
- الفنان التشكيلي يوسف غاطي ـ أعمالي أقرب إلى رؤى كافكا والفنت ...
- طواويس الخراب لسعد جاسم: تطعيم العمل الشعري بتقنيات تغريبية
- في نص الشاعر العراقي الراحل عقيل علي : سلامة الدلالة وأصالة ...
- على أجنحة النحل: رماك الله بثالثة الأثافيّ
- أسرّة الفتنة لموفق السواد: مغامرة شعرية لرسم ملامح النص
- على أجنحة النحل: شغب على الطريقة البوهيمية
- أطياف التعبيرية: غواية الحركة ورنين اللون لعدنان حسين أحمد ـ ...
- على أجنحة النحل حُشافة التمر
- الهدم ليس التفكيك والإنتقاص من اللغة ليس الحداثة
- على أجنحة النحل ـ ظاهرة المغتربين
- ثمّة أشياء أخرى لـ (حميد العقابي) ـ التغريب وموضوع التأويل ف ...
- على أجنحة النحل ـ بعر الغنم
- محنة الحمام
- سالم قمرك


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - كريم ناصر - المخرج العراقي هه فال أمين: البلاغة الصورية هي سرّ الفن السينمائي