بنك الطعام .. الأمريكى

سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1478 - 2006 / 3 / 3 - 11:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

يبدو أن شبابنا الذين يبهرهم "الحلم الأمريكى" يجب أن يتريثوا قليلاً.
صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال القوة الأعظم فى العالم، بالمعايير العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والعلمية.
لكن .. صحيح أيضاً أن "الحلم الأمريكى" يتحول إلى "كابوس" بصورة متزايدة فى الأعوام الأخيرة، وبخاصة منذ أن نجح المحافظون الجدد فى اختطاف مراكز صنع القرار، وتهميش دور النصف الأذكى من الشعب الأمريكى بما فيه من كتاب وفنانين ومثقفين ومبدعين، يشعر الكثيرون منهم بـ "الخجل"، بل و"العار" لمجرد نجاح الرئيس جورج بوش الابن فى الحصول على فترة رئاسية ثانية، لدرجة أن بعضهم قرر الهجرة إلى كندا والبقاء بها لحين "تحرير" واشنطن من "احتلال" اليمين المتطرف والمحافظين الجدد، بينما أعلن بعضهم الآخر الاستمرار فى معارضته علنا من خلال شتى أشكال التحقير الثقافى له ولمعاونيه.
وهذا "الكابوس" الذى يشكو منه النصف الأكثر ثقافة ووعيا من الأمريكيين لا يتمثل فقط فى السياسات الإمبراطورية الخارجية التى تعيد دبلوماسية الزوارق الحربية وكل مفردات الاستعمار القديم والقرصنة والبلطجة الدولية، وإنما يتمثل أيضاً فى العدوان على الحريات التى كانت مفخرة الأمريكيين، فاذا بها تتآكل وتتعرض للانتهاك الفظ على أيدى إدارة بوش، وآخر صور ذلك إصرار هذه الإدارة على التنصت على المكالمات التليفونية لمن تشاء من خلق الله داخل أمريكا دون تصريح من القضاء.
وإلى جانب التورط فى سياسات بربرية مثل التعذيب وإهدار آدمية المعتقلين وحرمانهم من حقوقهم القانونية على النحو الذى نراه فى معتقل جوانتانامو الرهيب وسجن أبو غريب وغيرهما،تدهورت الظروف المعيشية لقطاع عريض من الشعب الأمريكى، رغم أنه ينتمى إلى أغنى الأمم!
لدرجة أننى لم أصدق عيناى وأنا أقرأ تقريراً حديثاً لشبكة CNN الأمريكية يقول أن أكثر من 25 مليون أمريكى لجأوا عام 2005 إلى "بنك الطعام"، بزيادة قدرها تسعة بالمائة عن عام 2001.
ويساهم فى بنك الطعام الأمريكى ما يقرب من 39 ألف منظمة، أى نحو 80% من إجمالى عدد المنظمات العاملة فى الولايات المتحدة التى تقدم المعونات للأفراد الذى يعانون الجوع.
وقال تقرير شبكة CNN أن 36% من الأفراد الذين سعوا وراء اللقمة هم من أسر فيها شخص واحد على الأقل فى سوق العمل، وأن ما يقرب من 35% يأتون من منازل تتسلم كوبونات لوجبات مجانية. لكن نسبة كبيرة من العاملين الأمريكيين لا تكفى رواتبهم لاطعام أسرهم، كما ان عدد الكوبونات الغذائية التى يوفرها برنامج الدولة لم يعد كافيا لتوفير الحد الأدنى من الطعام للملايين، حيث تظهر الأرقام أن عدد الأمريكيين الذين يعانون من الجوع فى تزايد.
ووفق تقرير لوزارة الزراعة الأمريكية صدر العام الماضى فان 13.5 مليون منزل امريكى، أى ما يقرب من 12%، واجهوا صعوبة فى توفير الغذاء الكافى لأسرهم عام 2004، بزيادة تقرب نسبتها من 11% عن عام 2003.
هذه الملايين الرهيبة من الأمريكيين تعانى من الجوع بينما إدارة الرئيس بوش تنفق أكثر من 300 مليار دولار على الحرب المجنونة فى العراق وتخطط لانفاق المزيد من المليارات لتمويل سياسات امبراطورية رديئة تجاه دول اخرى مثل ايران وسوريا!
وبالمناسبة .. ليس الحديث عن الفقر فى أمريكا تبريراً لزيادة رقعة الفقر فى مصر، بل هو بالعكس فرصة للدعوة لمكافحة الفقر من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية مدروسة، لعل أحد سماتها هو الاقلاع عن الانبهار بكل ما هو أمريكى، والاقلاع عن الانسياق وراء "النصائح" الأمريكية خاصة عندما تأتى من إدارة أدت سياساتها إلى تجويع ملايين من الأمريكيين .. بالمعنى الحرفى وليس بالمجاز.

#سعد_هجرس (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل