أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - التألق في قصيدة -رواية بين الثنايا- جاسر البزور















المزيد.....

التألق في قصيدة -رواية بين الثنايا- جاسر البزور


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5739 - 2017 / 12 / 26 - 20:39
المحور: الادب والفن
    


التألق في قصيدة
"رواية بين الثنايا"
جاسر البزور
هناك قاعدة تقول أن القصيدة عندما تكون انعكاس لحدث ساخن تفقد بريقها بمجرد فقدان السخونة، والمقصود هنا سخونة الحدث، ويرى البعض أن على الشاعر ـ تحديدا ـ عليه أن لا يكتب وقت الانفعال، لأن ما سيكتبه لن يكون له أثر بعض مضي الحدث، ويصر البعض على إبقاء ما يكتب من قصائد في الأدراج حتى يتخلص الشاعر من انفعاله ثم يقرأ ما كتبه ليقيم ويعدل فيه.
هذا كلام يردده العديد من الشعراء، ورغم أنه يحمل شيء من الصواب إلا أنه يتجاهل حالة الانتعاش/الومضة/الاستشراق الشعري، فكلنا يعلم بأن لحظة الكتابة لا تأتي في أي وقت للشاعر، بل هي تحتاج إلى حالة استثنائية، يتجلى في مزاج وذهن وصفاء الشاعر ليكتب القصيدة، من هنا إذا فقد الشاعر هذه اللحظة/الومضة الشعرية ولم يكتب ما فيه سيفقده لاحقا، من هنا نجد مقوله: "أنا لا اكتب القصيدة، وإنما القصيدة تكتبني".
ما جعلني اقدم رؤية متباينة في النقد، قصيدة "رواية بين الثنايا" للشاعر "جاسر البزور"، فمن خلال قصيدته يؤكد وجهة النظر الثانية، والتي تقول أن "القصيدة تكتبني،" بمعنى أن الشاعر هو لم يكتب القصيدة وإنما هي من دفعه ليكتبها، فهي كالطاقة المكبوتة إن بقيت محبوسة ستنفجر بصاحبها، فكان لا بد من إخراجها.
لكن هل فعلا قصيدة "رواية بين الثنايا" الساخنة ستفقد بريقها حال فقدان سخونة الحدث؟، باعتقادي أن مثل هذه القصيدة ستعمر طويلا، ليس لموضوعها فحسب، بل لجمالها، لرقيها، لتضمينها الحديث عن الحيوان، لسلاسة لغتها، لمقاطعها المختزلة والمكثفة، فهي صغيرة في حجمها، لكنها واسعة في أفكارها، في مداخلها الجمالية، ولكي نضع القارئ أمام حقيقة التألق والأبداع الذي لا يخضع لمفهوم محدد، وإنما هو عالم واسع لا يمكننا أن نحصره أو نعرفه بوجود شكل أو طريقة أو مدرسة بعينها، نفتح القصيدة أمام المتلقي لندخل إلى عالمها الواسع والرحب.
يفتتح الشاعر قصيدته بفعل الأمر: الفعل المطلوب من الاستفسار/السؤال عن الغزالة
"سَلوا تِلك الغزالة عن صِباها
وَكيف تَشتَّتتْ عَنْها ظِباها"
الفعل المطلوب منا الاستفسار/السؤال عن الغزالة، فهو فعل أمر فيه من التشويق أكثر مما فيه من الأمر السيادي، فهو جاء من صديق/أخ يحرص على إيصال فكرة/صورة/حدث جلل لنا، فهو يهتم بنا لهذا خصنا بهذا الاستفسار.
ولكي يشوقنا الشاعر ويشدنا إلى ما يرد قصه علينا، يستخدم "الغزالة" والتي تشير إلى الجمال، إلى الطبيعة، إلى الحرية، وقد جعل في هذا البيت تشويق آخر عندما تحدث عن فقدانها لصغارها، وهنا نجد حالة جذب أخرى تدفع المتلقي نحو المزيد من المعرفة، وإذا ما أخذنا أن ثقافة العربي التي تحب سيرة وقصص الحيوان وتميل إليها، حيث أنها متربطة بحكمة كتاب "كلية ودمنة" لأبن المقفع ورسائل اخوان الصفا، يكون الشاعر قد جمع كل عناصر الجذب والتشويق في فاتحة قصيدته، وهذا بحد ذاته فعل ابداعي متألق، لا يمكن أن يتوفر إلا في شاعر يتقن فن كتابة الشعر.
الشاعر، القاص يحدثنا بطريقة التشويق، فهو يعي الأسلوب المناسب لمخاطبتنا، لهذا نجده يضع هذه المقدمة:

"عَنِ الْغابات والأزهار عَنْها
وهلْ تُركت لِمغتصبٍ سَباها
أُجبْكم في سطوري والثَّنايا
لأَحْداثٍ توالتْ في رُباها
سَأكتب قِصةً تُروى لِطفلٍ
وإنْ سَمع الكبير بِها بَكاها"
هذه المقاطع تثير فينا مجموعة اسئلة، ما هو القصد/الهدف من هذه القصيدة، هل هو الحكمة التي تحملها؟، أم الشكل الذي قدمت فيه، أم اللغة التي حملت الفكرة؟ أم كل هذا؟
ينقلنا الشاعر إلى التفاصيل المتعلقة "بالغزالة" فيقول:
" هُنالك منذ أزْمانٍ تَوالتْ
بِلادٌ كانَ يُضرَبُ في صَفاها
ثِمار التين والزيتون فيها
وأعنابٌ تَدلَّت عَنْ قِباها
وغزلان وأطيار تآختْ
تُزيّنها وَتنهل مِنْ جَناها"
واقع الحرية والجمال والخير يجمله الشاعر في هذه الابيات، فنجد الانسجام بين الالفاظ والفكرة التي يريد تقديمها، "صفتها، ثمار، التين، الزيتون، عناب، غزلان، أطيار، تزينها، تنهل، جناها" فهنا الألفاظ بشكلها المجرد تعطينا فكرة جمالية عن الحال الذي كانت فيه الغزالة، فهي تعيش في طبيعة أخاذة، فيها من الخيرات الكثير، ومن الجمال ما هو متعدد الألوان والصور.
قلنا في موضع غير هذا "العديد من الكتاب عندما يتناولون الحيوان في أعمالهم الأدبية تكون حالة السواد هي السائدة، فهل يتوافق هذا القول مع قصيدة "رواية بين الثنايا"؟
" وفيها كانَ تَحْتَ الأرضِ جُحْرٌ
لِجرْذان تَوارت عَنْ سِواها
فما خَرجتْ لِتفسد ماء نهرٍ
وما بانتْ لِصقرٍ كي يَراها
وعِنْدَ الْصخرة الصّماءِ ذِئبٌ
يُراقب غَفْلةً مِمنْ رَعاه"
مشهد يوحي بوجود شيء/حدث سيقلب حالة الجمال والطبيعة الهادئة إلى شيء مغاير، فالجرذ يرمز للخراب وفقدان الخير، والذئب للافتراس والغدر، والصقر الحامي غائب أو مغيب لا يرى ما يفعله الجرذ ولا يرى الذئب.
" يُساوِم ثعلبا يُعطيه وَعداً
بِمُلْكٍ وافرٍ ما إِنْ غَزاها
فَما رَدَّ الأخيرُ له سُؤالا
وَراحَ مُخادعاً أَسداً عَلاها
لِيلقي جيفةً قُتلتْ وَيرْمي
بِتُهْمَتِهِ لِصقرٍ في سَماها"
يضيف لنا القاص/الشاعر حيوان أخر هو الثعلب وكيف يخادع الأسد عندما رمى له جيفة، وكيف يفرق بينه وبين الصقر.
" وكان الحُكْم للضرغامِ يَقْضي
بِطردٍ إِنْ تَبَيَّنَ مَنْ جَنَاها
هُنا الجرذان أَعْلَنت انْتماءً
إلى مَنْ للخيانة قَدْ دَعاها
وَجاءتْ للأرانب هَدّدتها
بِأَفعى فغَّرتْ للصيدِ فَاها
دَعاها الجُبْن فانطلقت بِذعرٍ
وَما عادتْ لِتسْكن في خِبَاها
كذلك والدجاجة ما تَوانَتْ
لِتهجُرَ بَيضَها وَتَصيح واها"
نجد هنا ما يتماثل مع "كلية ودمنة" فالشاعر في كل بيت يقدم معلومة جديد وحيوان جديد، ويطور الحدث ويوسعه، فيجذب المتلقي لمعرفة مزيد عن الأحداث.
" وأمّا السّبع قَدْ وجدوه مَيْتا
أَتوهُ السُّمَ كأساً فارْتَواها
فَعاثَ الذّئبُ مُفترساً لِيُثْني
جِباهاً ما تَخلَّتْ عَنْ إِباها
فَلا جارٌ يُجيرُ مَنْ اسْتجارتْ
ولا ليثٌ يُزمْجِرُ في رُباها
وذاك الثعلبُ المكّار يَلهو
مَعَ الكلب المُوكّل في حِماها"
خاتمة سوداء ونهاية مفجعة للغزلة، لكن هل قصد/أراد القاص/الشاعر احباطنا؟ أم أراد تحفيزنا ليقدمنا من الفعل لإنقاذ الغزالة؟ علينا نحن المتلقين الاجابة.
لن اتحدث عن الرمز في هذه القصيدة، فكلنا يعلم بوجوده، لكن أريد أن أبين أن هناك تكثيف واختزال غير عادي في هذه القصيدة، فالشاعر قدم لنا مجموعة أحداث في أقل عدد من الأبيات، حتى أن مقاطع الأبيات قصيدة، وهذا يحسب له، فهو لا يريد الاطالة ولهذا قدم لنا ما يرده بأقل عدد ممكن من الابيات، وبأقل عدد من الكلمات، وإذا ما توقفنا عن اللغة سنجدها لغة جميلة تنساب بسهولة إلى عقل وقلب المتلقي، فرغم قسوتها إلا أن جمالية اللغة خففت من وطأة/وقع الأحداث علينا، لهذا نقول نحن أمام قصيدة متألقة.
ملاحظة: بعد نشر المقال تبين أن القصيدة منشورة منذ أربع سنوات.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متعة اللغة وقسوة المضمون في كتاب -مبكر هذا يا فتى- سامي الكي ...
- أثر المكان في قصيدة -الساعة والقدس- راشد حسين
- الأنثى في قصيدة -أشك بأنك امرأة- عمار خليل
- سارة الّتي قفزت من الصّورة
- مناقشة رواية -وجع بلا قرار- للكاتب الأسير -كميل أبو حنيش- وذ ...
- نحن والاتراك في رواية -وردة أريحا- أسامة العيسة
- تجاوز المألوف في كتاب -ملامح من السّرد المعاصر- قراءات في ال ...
- الأمة في قصيدة -الحمامة والعنكبوت- تميم البرغوثي
- مناقشة ديوان -خروج من ربيع الروح- للشاعرة ابتسام أبو شرار
- مناقشة ديوان -خروج من ربيع الروح-
- الثقافة الدينية في ديوان - خروج من ربيع الروح- ابتسام أبو شر ...
- الاتجاهات في قصيدة -مصرع انكيدو- عبد الجبار الفياض
- إسرائيل المصنوعة في رواية -قط بئر السبع- أسامة العيسة
- الشاعرة والإنسانة في كتاب -الرحلة الأصعب- فدوى طوقان
- بيضة التمساح مرة أخرى
- الفاتحة السوداء في قصيدة - يا موتنا مت مثلنا- يوسف عمر خليفة
- مناقشة مجموعة قصائد للمرحوم الشاعر الفلسطيني التشكيلي توفيق ...
- البحر والمرأة والثورة في ديوان -العبور إلى الضفة الأخرى- توف ...
- بدايات أدب السجون -تحت أعواد المشانق- يوليوس فوتشيك
- القصيدة العابر للشخصيات -قم حين موتك- عمار خليل


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - التألق في قصيدة -رواية بين الثنايا- جاسر البزور