أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الفاتحة السوداء في قصيدة - يا موتنا مت مثلنا- يوسف عمر خليفة















المزيد.....

الفاتحة السوداء في قصيدة - يا موتنا مت مثلنا- يوسف عمر خليفة


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5704 - 2017 / 11 / 20 - 20:41
المحور: الادب والفن
    


الفاتحة السوداء في قصيدة
" يا موتنا مت مثلنا"
يوسف عمر خليفة
دائما نجد عند الشباب ما نفتقده نحن (الشيوخ) فهم يتعاطون مع الأشياء بحماس، بعكسنا نحن الذين أصابنا الهرم، فهم يمتلكون قدرة على التحمل والعطاء والصبر، ولهذا عندما يتحدثون عن الواقع فهم يقدمونه كما يرونه بكل ما فيه من سواد وبؤس، وكأنهم بهذا التقديم يتحدون الواقع أو يتمردون عليه غير آبهين به، فعندهم قدرة على التحمل تغذيها روح الشباب، ولهذا هم لا يتعبون من طرح أو تقديم السواد والواقع البائس.
الشاعر "يوسف عمر خليفة" من الشعراء الشباب الذين نجد عندهم روح المواجهة والتمرد، ولهذا نجده يقدم لنا قصيدة صعبة جدا علينا لما فيها من ألفاظ قاسية تزيدنا ألما، فهو يجعل عنوان القصيدة أسود ويستفز المتلقي، وكأنه به يريد أن يوضح المسافة التي تفصل الشباب عنا نحن الذين أصابنا الهرم، فالعوان "يا موتنا مت مثلنا" يحمل تحدي وتمرد على حدث لا يمكن الانتصار عليه مطلقا، ثم ينقلنا الشاعر إلى هذه اللغة الصعبة فيقول:
"قاتل بِلا خوفٍ
تهيأ للعدى
وأكتب على
كل القبور فدى وطنْ
***
واصقل فؤادك في الوغى إعصارا
واكسر ضلوعك في المدى إصرارا
واشرب لهيباً حارقاً
من نار ثأرٍ جارِفة
وأخلع رداء الخوف
واصقل سيفك الحامي على أعدائك
واصنع سلاحك من صدى أحزانك
أو قم وغازل موتك القادم وقل: ربي كما
أهديتَني ، وخلقتَ لي ، كفاً وعقلاً من ثَرى .
للنور اشعل قلبيَّ
للحق ارسم دربيَّ
اجعل نهاية حتفيَّ
لأموت في جنح السلام منادياً
الله اكبر يا عرب
الله اكبر يا عرب
ما سر هذا الصمت عن حلب الهوى
ما سر هذا العار تخفيهِ اللِحى"
النبرة العالية حاضرة في القصيدة وبقوة، فنجد فيها روح الشباب المتمرد والرافض للواقع، ففعل الأمر يؤكد على حالة الانفعال والاندفاع عند الشاعر، فصيغة الأمر دائما فيها شيء من السادية والفوقية، فالشاعر يرى ضرورة التمرد على الواقع وعدم التسليم بما هو كائن.
وإذا ما توقفنا عند الألفاظ التي استخدمها الشاعر سنجد بمجملها ألفاظ سوداء بالمطلق إذا ما تجاوزنا عن لفظ "أصقل، أشرب، للنور، للحق، أرسم" فالمقطع السابق يجعلنا نعيش في أجواء معركة دموية حامية الوطيس.
لأي تمرد لا بد من تقديم أفكار تقرب المتلقي من عملية التمرد وتجعله ينحاز لها، وهذا ما فعله الشاعر عندما قال:
" فالحرب صاحت للوَرى
قوموا كَفى
طفل يموت فلا مجيب
ودمشق تنزف في الوريد
وحكاية الموت الحزين"
العناصر التي يستخدمها الشاعر لتحفيزنا لنكون معه في تمرده منطقية وعقلانية، فيحدثنا عن المكان "دمشق" التي تحترق وعن الإنسان "الطفل" الذي يموت أما ناظرينا ولا نحرك ساكنا، فهو يربط الجغرافيا بالإنسان ليكون تأثرنا أكبر وانحيازنا أسرع.
بعد أن ننحاز إلى موقف الشاعر المتمرد على الواقع، نجد خطابه أخذ في الهدوء شيئا فشئيا، حتى أننا نجد النبرة العالية تخفت وتميل إلى المخاطبة العقلية والعاطفية، وكأنه بهذا الخطاب يريد أن يستملنا إنسانيا وليس وطنيا أو قوميا أو دينيا:
" أمٌ دعت ؛ ربي أَجب
طفلي يَموت بلا سببْ
خذ كل أحلام المنى
وهُو المنى
؛أدللني؛ أعلمني
كيف التصبرُ في فراق مهى الضنا؟
كيف التصبرُ في فراق مهى الضنا؟
البارحة كان الصغير ملاعباً
كل الدُمى ،
،حتى إذا ؛ ضحك الصغير لحادثٍ
ضحكت زهور الحي وأبتسم القمر
و رَنت طيور الصبح في قطف الثمر
وإذا تعثر في الخطى
وبكى على حضني غفى
لكن كَفى ؛ ألمٌ سقى
قلبي وروحي من بلا
اليوم طفلي قد غدى
تحت الثرى
اليوم طفلي قد غدى
تحت الثرى
طير صغير بين اغصان الجنان
يلاعب الأحلام في ارض السما
من غير ظلمٍ أو ألم "
أن يتحول لغة الشاعر الحماسية إلى لغة الأم التي تبكي طفلها لهو فعل أدبي رائع، فقد برر لنا الشاعر تلك اللغة العالية بهذا الخطاب الصادر عن الأم، وكلنا يعلم طريقتها الناعمة والهادئة في مخاطبتنا، ولغة الأم هنا كانت تمثل جرد/تخلص الشاعر عن دوره في الخطاب واعطائه للأم، لهذا نجد الفرق الواضح بين الخطابين، فالأول كان للشاعر "يوسف عمر الخطيب" والثاني كان للأم السورية التي فقدت طفلها، ويمكننا القول هنا أن استخدام الشاعر لصوت الأم بهذه اللغة وهذا الأسلوب يؤكد تحريرها من هيمنة الشاعر بشكل مطلق واعطائها كامل الحرية في تقديم ما تريده بصوتها هي وليس بصوت أو لغة الشاعر.
وإذا ما توقفنا عند الألفاظ التي استخدمتها الأم سنجد غالبيتها كان أبيض وناعم وهادئ: "أحلامي، الصغير، ملاعبا، ضحك، زهور، ابتسم، القمر، رنت، الطيور، الصبح، قطفن الثمر، حضني، غفى، قلبي، روحي" فرغم حالة الألم التي تمر بها إلا أننا وجدنا لغتها كانت ناعمة، وكأن هذه الأم تريد أن تخفف علينا وقع حالها القاسي الذي تمر به، فهي تشعر بالألم ولا تريدنا أن نصاب بألمها، وهذا الأمر أهم ما جاء في القصيدة، تعاطف الأم معنا نحن المتلقين وعدم جعلنا نتألم كما تألمت هي.
يعود بنا الشاعر إلى صوت الشباب المندفع فيقول:
" ماذا حَدث ؟
؛ قصفٌ وضربٌ من مسدْ
من جند إبليس البشر
حرقٌ و هدمٌ قد غوى
الطائراتُ المثقلاتُ الصاعداتُ
إلى سماءِ الله والسحب الغمام
لتسقط الظلم السحيق فلا أملْ
ولتشرب الرعد الأزيز
كغيمة سوداء طخياء المدى
تُسقى من البرق العراص
لتضرب الموت المميت بلا خجلْ"
نجد في المقطع السابق صوت الشاعر الشاب ولغته ذات النبرة العالية، والتي تعبر عن اندفاعه وعدم اهتمامه بالمتلقين، فهو يراهم متماثلين معه في كل شيء، لهذا لا يراعي طريقة الخطاب الذي يستخدمه، فنجد السواد القاتم والمعارك الطاحنة التي تحصد كل شيء.
ينقلنا الشاعر إلى لغة الأم مرة أخرى فنجدها تخفف من حدة الخطاب القاسي الذي يستخدمه الشاعر الشاب:
" إلى متى؟
نبقى نعد ونجمع
العطر الطهور إلى الثرى
شهداءُ من نورٍ وعنبر
حلبُ الضحية ليس أكثر
والله لو رَنت النجوم لِما جَرى
لبَكت دماً
وَ تَحسرت ؛قالت وربي
القارعة؛ الموت يأتي جارفاً
للحب والانسان والأرض الطهور
للصخر والأشجار والأنهار
والأقدار والأقلام والأوراق من
أرض الوطن "
بدون أدنى شك هناك مساحة كبيرة تفصل الخطابين، فاللغة وألفاظ مختلفة في الخطابين، واعتقد بأن الشاعر في عقله الباطن يجد في الأم رديف له، لهذا يعطيها كامل الحرية فيما تقوله، حتى أننا نجد في خطابها حقيقة وصورة الأم تماما، فالذي يحدثنا ليس "يوسف عمر خليفة" وإنما أم حقيقية من لحم ودم.
ينهي الشاعر قصيدته بمقطع غارق في الموت حتى أننا نجد لفظ "الموت" في كل مقطع من المقاطع
" يا موتنا إِنّا لنعلم انك الحق الذي
من حق كل الكائنات بلا عدد
لكن بربك من برى الليل الضجر
من حقنا منذ الأزل
حتى الأبد
الحق يأتي بغتةً لَكَ مثلَنا
يا موتنا
وتَموت ترجو عفوَنا
يا موتنا
لكن إذا
إن لم تمت غصباً بلا سيفٍ ورمحٍ من ندم
(أنزلنَهوا )عيسى المسيح عن الصليب مرفعاً
وَمُكرماً
حتى تَكونَ فِداءً
لِذنوبنا فصلاً إلى أبد الزمان
كما جعلت حياتنا ومماتنا وصلاتنا
وقيامنا وركوعنا وسُجودنا
لتكون قربان لهم كذبيحةٍ
تالله ما اخضعتنا
تالله ما ارعبتنا
حتى تَموت كموتنا
يا موتنا مت مثلنا
يا موت"
مشاهد الموت والخراب الذي يدمي قلوبنا يقدمه لنا الشاعر كما يراه بكل ما فيه من سواد، فهو كما قلنا شاب ولا يرعي مشاعرنا نحن الشيوخ، فيحدثنا عن واقعنا كما هو، بدون تجميل لهذا نجد هذا الحجم من الموت.
إذا العنوان والمقدمة والخاتمة كانت قاتمة السواد، لم نجد أي تخفيف في لغة الشاعر بالمطلق، لكننا وجدنا الهدوء في خطاب الأم فقط، فهل أراد/قصد/تعمد الشاعر إحداث هذه الفجوة بين خطابه هو خطاب الأم؟ أعتقد بأن العقل الباطن دائما أهم بكثير من العقل الواعي، من هنا إذا ما أخذنا القصيدة بمجملها يتأكد لنا أن الشاعر كان يتنحى تماما عند خطاب الأم، فهو يريد أن يؤكد لنا تأثيرها عليه، وكأنه بهذا التقديم يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى المكانة والاحترام الذي يكنه لها، فهي ليست بالشيء العادي عنده، بل هي مميزة ولهذا لم يتدخل بما تقوله.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناقشة مجموعة قصائد للمرحوم الشاعر الفلسطيني التشكيلي توفيق ...
- البحر والمرأة والثورة في ديوان -العبور إلى الضفة الأخرى- توف ...
- بدايات أدب السجون -تحت أعواد المشانق- يوليوس فوتشيك
- القصيدة العابر للشخصيات -قم حين موتك- عمار خليل
- الأسطورة في قصيدة -تموز والشيء الآخر- فدوى طوقان
- الفاتحة البيضاء في قصيدة -شهداء الانتفاضة- فدوى طوقان
- مناقشة مجموعة -عندما تبكي الألوان- في دار الفاروق
- استنساخ الاشتراكية في رواية -آن له أن ينصاع- فارس زرزور
- أهمية الفانتازيا في قصة -عرس في مقبرة- علي السباعي
- الاختزال في حكم خالد سليم الخزاعلة
- الأم الفلسطينية في رواية -الأم الاجيوس/حكاية فاطمة- نافذ الر ...
- محاورات الأموات في رواية -سارة حمدان- ماجد أبو غوش
- المرأة في رواية -عسل الملكات- ماجد أبو غوش
- مناقشة ديوان (طفل الكرز) لعدلي شما في دار الفاروق
- أدوات الصدمة في قصيدة -أبي- جاسر البزور
- الابعاد الثلاثة في قصيدة -خيمة الغريب- عبد الله عيسى
- النص المطلق في قصيدة -جميلة أنت- موسى أبو غليو
- عندما نواجه الواقع في قصيدة -بلادي- موسى أبو غليون
- مدخل إلى قصائد -عمار خليل- -على جسدي-
- الموت في مجموعة -عندما تبكي الألوان- زين العابدين الحسيني


المزيد.....




- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الفاتحة السوداء في قصيدة - يا موتنا مت مثلنا- يوسف عمر خليفة