أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الأسطورة في قصيدة -تموز والشيء الآخر- فدوى طوقان














المزيد.....

الأسطورة في قصيدة -تموز والشيء الآخر- فدوى طوقان


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5696 - 2017 / 11 / 12 - 20:59
المحور: الادب والفن
    



كلنا يعرف الأسطورة السومرية التي تحدثت عن عودة الإله "تموزي" إلى الحياة وأثره على البشر والأرض معا، فهذا الإلهة تم عبادته في الهلال الخصيب كاملا فهو في العراق "تموزي" وفي الشام "البعل" وتأكيدا على حقيقة عبادة هذا الإله من قبل الهلاليين جاء ذكره في القرآن الكرين في سورة الصافات والتي جاء فيها: " وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126)" وإذا ما أخذنا واقعنا اليوم نجد هناك أثر لهذا الإله ما زال حاضرا في مجتمعنا من خلال قولنا خضار بعلية، بمعنى أننا ننسب الخضار التي تنبت من الأمطار إلى الإله "بعل/تموزي" فهو رمز الخصب والنماء ليس للأرض فحسب بال للإنسان أيضا.
وعندما تستخدم الشاعرة عنوان قصيدتها باسم "تموز" فهي بالتأكيد ستخبرنا عن حالة الخصب، خصب الأرض أولا ثم ينعكس أثر الطبيعة وخصب على الإنسان، إذا البداية تكون على الأرض، على الطبيعة التي هي الأساس الذي منه تشكل الإنسان:


"على جسد الأرض راحت أنامله الخضر تنقل خطواتها
تقيم طقوس الحياة، تجوس خلال التضاريس، تتلو صلاة المطر
وتستنبت الزرع ريان من شريان الحجر
تبدل كل القوانين، تلغي أوان الفصول -
تغير في الأرض دوراتها
(أخبئ ما يثقل النفس، آه... يطاردني الظل يعتم وجه الحلم
أخبئ ما يثقل النفس، من أين يأتي العذاب؟ من أي كهف يجيء الألم؟)
*
على جسد الأرض راحت تمر أنامله الغضة السندسية
طيورًا تحط هنا أو هناك، فكل المساحات أوطانها
وراحت أنامله السندسية تلقي تمائمها فتذوب جبال الجليدْ
ومن آخر الأفق تطلع شمس الغروب بصبح جديدْ
ترد الدماء إلى جسد الأرض، ترجع أعيادها
(أخبئ ما يثقل النفس، تعصف ريح الكوابيس... أسقط
بين الرؤى والحقيقة
يطاردني الظل، آه... يضرج قلبي السؤال الجريح،


يسد عليه طريقه!)


*
وصارت خطوط يديه جداولْ
تذوّب في جسد الأرض عطرَ البساتين تسقي تراب الخمائلْ
وصارت خطوط يديه انبهار الفصول، انبهار أساطير بابلْ
عشقناه تموز!
فيما سبق نجد بأن هناك حالة موت وصراع تلازم الحديث عن "تموز/البعل"، فمن أين جاء الموت؟، الملحمة السومرية والكنعانية تتحدث عن الجذب والموت اللذان يصيبان الأرض عندما يغيب "تموزي/البعل" فالموت جزء أساسي في دورة الحياة، أليس الليل والنهار في حالة صراع؟ أليس الربيع والخريف في حالة صراع؟، فالصراع وتعاقب الخير وفقدانه دورة طبيعية في الحياة، وهذا ما تحدثت عنه الملحمة السومرية والكنعانية، وهو ما جاء في القصيدة أيضا.
كما قلنا الأثر الذي يتركه الخضار على النفس لا بد أن يكون ايجابيا، ولهذا نستمتع به ونحبه:

"عشقناه تموز ينفض تلَّ الرماد ويمنح ليلالتنا
شمسه الذهبية
(أخبئ ما يثقل النفس، شجرة حزني على ضفة الحلم تنمو وتكبرْ
يطاردني الظل، آه... لماذا
لماذا يفتِّح في ظهر تموز جرح ويلمع خنجرْ؟!)
اجدادنا القدماء لم يكتفوا بحب "البعل/تموزي" فقط، بل مجدوه وعبدوه، وهذا ما جاءت به القيدة:

"مبارك هذا الجمال والعذاب
هبطت في المساءْ
أتيت محمولاً على سحابهْ
جئتَ نبيًا باهر العطاءْ
منحتني بشارة الحياهْ
منحتني البكاء والكآبهْ"
تقديم "البعل/تموزي" كما جاء في العهود السابقة يشير إلى أن هناك تمكن ومعرفة دقيقة عند الشاعرة بحيثيات هذا الإله ولهذا نجدها تخبرنا عنه بحالاته المفرحة والحزينة.
*

لكن دائما حالة الفرح هي الأكثر أهمية عند الناس، وهي من تأخذ منهم الاهتمام والتركيز:
"حديقة الجمال والعذاب ملكنا
لنا جناها طازج القطافْ
يداك فيها جدولا عناقِ
أفيء للضفافْ
يضيء وردُ العشق في دمائي
تنمو بذور الحزن في الأعماقِ"
*

تختم الشاعر قصيدتها بالدعاء للإله وتمجيده فهو ما زال حاضرا عندها:
"يا حبُّ يا خلاَّقْ
يا مبدع الجمال يا
مفجّر الأوجاعْ
يا باعثًا وجودي الجميل، يا مشتّتي
على حدود الموت والضياعْ
يا حبّ، يا حقيقة الحياة يا
توهّج السرابْ
مبارك أنت، مباركٌ
هذا الجمال والعذابْ"
بالتأكيد الشاعرة لا تريد العودة إلى عبادة "البعل/تموزي" فهي مؤمنة بالله الواحد الأحد، لكن لماذا استخدمت إله هلالي وثني ولم تستخدم الله المطلق الذي جاءت به الكتب السماوية؟ أعتقد بأن الإجابة يمكن أن تكون في تأكيدها على حقيقة وجود هذه الأمة على هذه الأرض قبل أن يكون "يهوه" ومن عبدوه، فإذا كان المحتل يعتمد على أسطورة يؤكد فيها حقه على هذه الأرض، فلا بد من استخدام عين الشكل/الطريقة لنرد عليه بعين المنطق والفكرة التي يستخدمها، ويمكن أنها أرادت باستخدامها "لتموز" أن تخبرنا عن مشاعرها اتجاه الحبيب، الرجل، ومن هنا هي لم تستخدم "عشتار" في قصيدتها علما بأن "عشتار" تحمل بعدا اسطوريا أهم من "تموزي"، كما أنها أكثر خصبا وبهاءا، لكنها كأنثى وجدت أن يكون رمزها مذكرا وليس مؤنثا، من هنا يمكننا أن نقول أن القصيدة لا تتحدث عن "تموزي" الرمز والأسطورة بل عن تتحدث عن رجل حقيقي لكن واقع الشاعرة كأنثى تعيش في مجتمع ذكوري فرض ذاته عليها وجعلها تعبر عن رغبتها ومشاعرها من خلال هذا ال"تموز". من هنا علينا إعادة قراءة القصيدة من منظور العاشقة لرجلها، فهل يمكننا أن الشاعرة تختفي خلف "تموز" وعلينا أن نقرأها من زاوية العشق وليس الأسطورة أو الرمز؟.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفاتحة البيضاء في قصيدة -شهداء الانتفاضة- فدوى طوقان
- مناقشة مجموعة -عندما تبكي الألوان- في دار الفاروق
- استنساخ الاشتراكية في رواية -آن له أن ينصاع- فارس زرزور
- أهمية الفانتازيا في قصة -عرس في مقبرة- علي السباعي
- الاختزال في حكم خالد سليم الخزاعلة
- الأم الفلسطينية في رواية -الأم الاجيوس/حكاية فاطمة- نافذ الر ...
- محاورات الأموات في رواية -سارة حمدان- ماجد أبو غوش
- المرأة في رواية -عسل الملكات- ماجد أبو غوش
- مناقشة ديوان (طفل الكرز) لعدلي شما في دار الفاروق
- أدوات الصدمة في قصيدة -أبي- جاسر البزور
- الابعاد الثلاثة في قصيدة -خيمة الغريب- عبد الله عيسى
- النص المطلق في قصيدة -جميلة أنت- موسى أبو غليو
- عندما نواجه الواقع في قصيدة -بلادي- موسى أبو غليون
- مدخل إلى قصائد -عمار خليل- -على جسدي-
- الموت في مجموعة -عندما تبكي الألوان- زين العابدين الحسيني
- مناقشة مختارات للشاعر مريد البرغوثي
- التقديم والفواتح البيضاء في -قصائد مختارة- مريد البرغوثي
- الأسئلة في قصيدة -ضحكات الثعلب- محمود السرساوي
- التقديم الناعم في رواية -عري الذاكرة- أسعد الأسعد
- المثقف/السياسي في مجموعة -عصفور للريح- صلاح صلاح


المزيد.....




- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الأسطورة في قصيدة -تموز والشيء الآخر- فدوى طوقان