أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد العليمى - من الأدب الفرنسى المقاوم للنازية - الفسم الأول















المزيد.....



من الأدب الفرنسى المقاوم للنازية - الفسم الأول


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 5712 - 2017 / 11 / 28 - 19:13
المحور: الادب والفن
    


عشاق أﭭــــيـــنـــيون
بقلم الزا تريوليه القسم الاول
المترجم سعيد العليمى

لقد أحببت دائما على نحو شخصى "جولييت نويل " الى أقصى مدى. فأنا أراها شديدة الفتنة والجاذبية .ويقال لى أننى أحسن الظن كثيراً بالنساء ، وأجدهن جميعاً جميلات ، أو على الأقل اننى أجد فيهن جميعاً " شيئا ما" ، جميلاً . ومن الصحيح أنه يكفينى أن أجد أمامى ، بشرة جميلة ، أو شعراً متموج الخصلات ، أو أنامل وردية ، أو شامة ، أو طابع حسن . ولكن يمكنك هذه المرة أن تصدقنى دون أقل تساهل من جانبك ، فمن الصعب ألا تجد أنت جولييت " شديدة الجاذبية والاغراء ، كأنها ممثلة سينمائية تقوم بدور كاتبة على الألة الكاتبة . فهى ذات شعر حريرى . وأهداب طويلة ، وتتمتع بأناقة طبيعية تتبدى وهى فى ( بلوفر) متواضع من الصوف ملتصق بجسمها ، وتنورة قصيرة جداً، وحذاء ذى كعب عال ، ولكن جولييت بالاضافة الى ذلك كاتبة فعلا على الألة الكاتبة ، كاتبة من الطراز الأول ، تجيد الكتابة ، لذلك فبعد ان كانت واحدة بين عشرين كاتبة فى مصنع الطائرات ، ثم سكرتيرة مسيو مارتان ، المهندس ، أصبحت السكرتيرة الخاصة للرئيس الكبير نفسه . وقد حدث هذا ، كما لو كان يحدث فى مسار حياة ممثلة ناشئة تحل بخطى سريعة محل نجمة مشهورة ، ثم تفوز بالنصر ، فلم تكن كاتبة اختزال مجلس الادراة ، قد حضرت ، وفى الدقيقة الأخيرة ، بعد اليأس من مجيئها ، استدعيت جولييت كحل أخير . وقد تولت بكفاءة تسجيل التقارير كافة ، والمناقشات أيضاً ، حتى أن الرئيس الكبير أعلن على الفور أنها ستعمل معه . أما المهندس مارتان فقد صار حزينا الى حد لا يجدى معه العزاء .

كان يبدو على جولييت بوجهها الجميل الذى يمكن أن يوضع على غلاف مجلة مارى كلير ، نوع من التحفظ والوقار ، يجعل الناس تتعامل معها من بعيد . فقد مر عليها عامان وهى فى مصنع الطائرات ، ولم يساور أحد الشك – حتى فى أنها تنام مع المدير ، رئيسها ، ( وهو جنرال متقاعد من الفرسان ، يتشبث بطريقة خاصة فى المشى ، ويرتدى سترة سوداء مزينة بشارة القائد ، وسروالا مخططا ) وذلك على الرغم من المارون جلاسيه الذى كان يحمله اليها فى رأس لسنة ، والزهور فى عيد ميلادها . ولكن كل الناس كانوا يعرفون رقة السيد المسن فى معاملة النساء ، أما ما لم يعرفه الناس فهو أن السيد كبير السن قد اقترح عليها ، مع كل التحفظات الخطابية الممكنة ، أن تعيش معه كعشيقة متفرغة . ولم يكن بمقدوره أن يقدم لها شيئاً أفضل ، لأنه كان متزوجا ، كما أن المهندس مارتان كان قد طلب من جولييت الزواج .... وقد رفضت الواحد بعد الآخر ، برقة وكياسة وبطريقة استطاعت بها أن تواصل عملها كما كانت الحال فيما مضى . لقد اكتشف مديرها فيها ، قوة وارادة وشعوراً بالواجب يماثل كلاريسا هارلو(1) أو أميرة كليف (2) ، وهو لم يكن يعتقد . أذا أردنا الدقة ، أنه فى الفترة التى عملت فيها عنده كانت قد التقت قبل بمن يماثل ( لا فليس ) فى حياته الخاصة ... ولكن ، كان هناك بصفة عامة اتفاق على أنها فاتنة ، على الرغم من أنها باردة قليلا ، أو حتى كما يقول بعض الناس عنها غامضة ، ولكن ذلك لم يزدها الا جاذبية .

ومع ذلك فليس هناك شئ غامض فى حياتها ، فقد ولدت ونضجت فى باريس ، وانتقل أبوها الموظف الى مدينة الجزائر بعد ذلك . وكان لها ثلاث أخوات أصغر منها . وأخ أكبر . وبعد أن ماتت أمها ، تركوها ترحل مرة أخرى الى باريس ، لانهم لم يكونوا أثرياء ، ولأن الخاله ألين ، شقيقة أمها ، كانت قد طلبت أن تكون جولييت فى رعايتها . غير أن جولييت لم تبق طويلاً فى ظل هذه الرعاية ، فما أن بلغت الثامنة عشرة ، حتى عملت كاتبة على الآلة الكاتبة عند محام باريسى ، وبقيت لديه مدة عام . وبعد ذلك غادرت هذا المكان ، وكانت الخالة ((ألين)) مضطرة لأن تصدقها حين قالت أنها مريضة ، فقد أصبحت شديدة الهزال والشحوب .

ولم تكن الخالة (( ألين )) فضولية أو مياله لتكدير الجو ، لذلك لم تطرح عليها أسئلة من قبيل .( لماذا أحمرت عيناك ؟ لماذا لا تأكلين ؟). وحينما كانت تجلس بالقرب من المدفأة . لم تكد ترفع رأسها ببياضة الرائع ، عن عمل الابرة ( فهى التى تصنع بلوفرات جولييت ) الا لكى تقول ،( لقد سخنت عشاءك . وهناك قطعة صغيرة من القشدة...) وخلفها كانت تنتصب ساعة الحائط بقوامها الضئيل حتى لتشبه آله كمان نحيلة العود قد تمددت بطولها ، كما كان ينبعث ما يشبه الوميض من كل أدراج المكتب الصغيرة ، أما أدوات الطعام الخاصة بجوليت فكانت موضوعة على مائدة صغيرة مستديرة ، مشدودة الغطاء ... كان كل شيئ يدعو جولييت الى الهدوء والراحة ، فهدأت ، واستعادت ألوانها الجميلة ، فهى لم تكن قد بلغت بعد العشرين من عمرها .

وفى اليوم الذى أقترحت فيه على الخالة (( ألين)) أن يتبينا طفلا ، تركت الخالة أعمال الأبرة . وخلعت نظارتها فى حيوية ، وأجابت بلا تردد :- ( ولم لا ؟.... أنا أظن أنك ستبقين عانساً مثلى ، لذلك من الأفضل لنا أن نتبنى طفلا على الفور) . وعادت جولييت تقود معها طفلا أسبانيا لقيطا بلغ من العمر عاما ، عثر عليه محموما فى قماط داخل قطار قادم من أسبانيا ، ثم جئ به الى باريس ودون أن تفكر كثيراً . أطلقا عليه أسم جوزيه .

وفى ذلك الوقت كانت جولييت تعمل فى مصنع الطائرات ، وقد أصبحت الأن أكثر لهفة الى العودة الى المنزل ، ولم تعد الخالة ((ألين)) أو هى تذهبان الى دار السينما بعد ذلك ، حتى لا تتركا الصغير وحيداً . وبدت جولييت مغتبطة ، بل لم تكن ترغب فى رؤية أشخاص آخرين . ما عدا أسرتها بطبيعة الحال ، وخاصة أخاها الأكبر ذلك الطائش الذى يستثير منها حبا رقيقاً.

وبعد ذلك جاءت الحرب ، والرحيل ... وأخيراً أستقرت جولييت والخالة (( ألين )) ومعهما الصغير ، فى مدينة ليون ، وعملت جولييت آنذاك كاتبة أختزال فى الصحف .

*****

أثارت الجرذان طوال الليل ضجة جهنمية ، حتى ليمكن القول بأنها شنت غارة على المنزل على الرغم من أن الأمور كانت أحسن وأفضل فى الداخل . وكانت الأشياء تسقط ، وتتدحرج ، وترتطم بالجدران ، وسيطر على المكان ركض مجنون، وهنا كان صوت الأسنان القارضة .... وثيق الاقتراب .

ومع ذلك ، وجد الفجر المنزل صامتا ، بلا حركة . وسرعان ما بدت النافذة تومض بالثلج المتساقط فى تلصص أثناء الليل . والى أقصى مدى تستطيع فيه ألين الرؤية من خلال هذه النافذة ، كانت المنطقة الواسعة المحيطة تبدو ناصعة ملساء مثل غطاء مائدة حديث الكواء .لم يدنسها خطو انسان أو حيوان .. – لقد كان من الجسارة أن تنام امرأة بمفردها فى هذا المنزل الضائع داخل الجبل . انها تنزل من فوق المنضدة التى كانت قد وضعت فوقها فراشا من القش . وهى ترتعش من البرد داخل معطفها الذى ارتدته فوق قميص النوم . ثم تجلس القرفصاء ،أمام المدفأة . وكان من حسن الحظ أن النار ظلت مشتعلة طويلاً فقد بقيت جذوة من الليلة الماضية ، وراحت أسنان المرأة تصطك، لكن الأمور الآن سارت على نحو أفضل ، بعد أن أستطاعت أن تدفئ أصابعها حول كومة النيران . وأخذت تفكر ( على الرغم من كل شيئ ، أبلغت بهم الصفاقة أن يرسلونى الى مثل هذا المكان !).

لقد كان هذا المكان بمثابة غرفة كبيرة منخفضة السقف ، ذات دعامات عتيقة من خشب القسطل ، الصلبة ، الداكنة مثل الحديد ، وذات جدران كانت قد طليت باللون الأبيض منذ زمن بعيد وبها نافذة واحدة صغيرة لا تتجاوز مساحتها متراً ، وأرضيتها الخشبية ذات الواح متفسخة ، تنفذ منها الاعاصير ... وبها المنضدة التى نامت عليها ، وبعض المقاعد الصغيرة العرجاء التى لا مساند لها ... فالمكان مزرعة مهجورة ، وفى هذه الأصقاع ، حيث تبدو المزارع الآهلة بالسكان نفسها وكأنها تنتمى للعصر الحجرى ، فان مزرعة مهجورة تأخذ على الفور مظهر مغارة من مغارات قطاع الطرق .

ويمكن القول بأن المرأة قد وضعت نفسها بالكامل داخل الموقد ، حتى تتمكن من أن ترتدى ملابسها ، بينما كان الاقتراب من النار على مسافة عشرة سنتيمترات لا يحتمل . ومشطت شعرها بقدر ما أستطاعت ، أمام المرآة الصغيرة لحقيبة يدها . وكان الرماد يتساقط على شعرها بغزارة ، وضحكت حين رأت السواد على أنفها ، ووضعت قبعتها على رأسها ، ثم دخلت فى معطفها .

ولكن بعد أن أغلقت الباب خلفها ، واخفت المفتاح داخل فرن الخبز الذى يقع خلف المنزل ، هو فرن مملوء بالزجاجات المكسورة ، والأحذية القديمة ، وأوانى الطعام المثقوبة ، وحينما جاوزت الفناء المبلط بالأحجار الكبيرة المسطحة ، المزادنة بالثلوج ، وبخيط طويل من الماء الساقط فى حوض حجرى تحيط به أزهار الجليد من كل ناحية ، آثار هذا المنظر الريفى فى نفسها افتتنانا ، فالمنزل يبدو منخفضا وواسعا يحتضن المنحدر وكأنه مشيد على نحو يجنبه الريح والناس ، وهو مغطى بالقرميد العتيق الذى يكتسى لون البشرة الوردية ، ولم تعد صفوفه مستوية لطول ما دفعتها الريح . لقد كان المنزل يشبه تصميما غليظا فى لوحة تصور منظراً ريفياً شاسعاً ، وكانت أشجار الصنوبر الجبلية تختفى كل منها وراء الأخرى . وكانت الأشجار تغادر مكانها فى تتابع كلما تحركت المرأة نفسها الى الأمام ، وتسلقت المنحدر ، دون أن تترك وراءها على الثلج الذى لا تشوبه شائبة سوى آثار لا تزيد عن تلك التى تتركها قدم طفل . لقد أصبح لها الآن لون وجه الطفل بعد أن زال تعب الليل بفعل النسيم الذى استروحته فى سيرها ، وأختفى هذا التعب من عينيها الواسعتين ... وكان هناك طريق فى قمة المنحدر ، سارت المرأة فيه حتى بلغت الغابة الصغيرة ، فتركته وارتادت ممراً يخترقها . ورائحة الثلج كانت نضرة داخل هذا المكان ، مثل رائحة الطزاجة المنبعثة من خزانة ثياب غسلت وجفت لتوها . بيد أن الجو لم يكن بارداً على الاطلاق ، ولو كانت الشمس قد نشرت حرارتها برهة أطول قليلا ، لأذابت كل هذا البياض ، الهش كأنه الدانتلا الرقيقة .

لقد غلف الثلج تماما كل غصن عار ، وكل ورقة تشبه الابرة .. وهناك ظهر المنحدر الآخر ، فثمة واد تصنع الجبال قاعه ، لكن الجبال بدت أشد وعورة ، وأكثر عرياً . فهنا ، لم تكن الثلوج قد غطت كل المنحدرات ، ... فظهرت مثل صفحة وجه رديئة الحلاقة ، داكنة وعرة ، هاهى ذى بعض المزارع .... وعبرت المرأة حقلا به كوخ ، حتى وصلت الى طريق . وكانت الشمس تسكب بريقاً باهراً على صخور القمم ، وعلى طيات الثلج البيضاء . وفوق المنحدرات كان قطيع من الخراف يتحرك فى تراص ويرعى عشباً لا لون له . بينما وقفت الراعيات تحت الشمس يطرزن وقد ارتدين جميعا ملابس سوداء ، تلفهن مناديل العنق والشالات ، تغطى رؤوسهن قبعات سوداء مستديرة ، أنهن يطرزن وعيونهن على المرأة العابرة . وراحت كلاب الرعى تنبح بمرح ، وهى تجرى . خلفها ، وتقفز أمامها ، ثم تعود ادراجها فى هدوء الى ما كانت تعمله .

غادرت الطريق مرة أخرى لكى تقفز قفزة فى اتجاة رأسى ، لكى ترتاد طريقاً آخر، يفضى الى الأرض المنبسطة وكأنها تريد أن تدور حول الجبل وهى تواجهه . وسرعان ما ظهر على جانب الطريق منزل يشوب بياضة اللون الرمادى ، ويشبة الدخان الذى يخرج من مدخنته .... والآن أصبح الطريق موحلاً . وكانت كومات القش الضخمة تنتصب من الجانبين حتى تبلغ البوابه . فقد كانت هناك بوابة على الرغم من عدم وجود جدار . وفى الفناء كان الوحل مختلطا بالقش ، بينما تراكمت الأخشاب حتى بلغت ارتفاع قرميد السقف ، وراحت حزم الأحطاب تتداعى على مقربة منه .وكان فى الفناء قدران كبيران غطاهما السواد تمتلئان بطعام الخنازير ، بينما كان الدجاج يتنزه على هواه ، أما الديكة الرومية فقد شكلت سربا تنحى جانباً . أما الكلاب فقد نبحث حتى بح صوتها دون أن تقترب من المرأة الدخيلة ، لانها ارادت أن تعلن فحسب ، أن هناك شخصا غريباً بالقرب من المنزل ... وأخيراً ظهرت من خلف المنزل امرأة ضخمة ، تضع على رأسها قبعة ، بينما تقاطع على صدرها الممتلئ شال صغير من الصوف ، كان لابد أن يحدث شئ كهذا : أن شيئا كهذا كان لابد أن يحدث !

وقالت صاحبتنا للمرأة الضخمة ... صباح الخير ياسيدتى ، لا شك أنك مدام بورجوا؟ لقد أتيت من قبل دومينيك وادعى روز توسان .
لقد كانت جولييت نويل تجيد الكذب .
وسرعان ما أهتمت بها المرأة الريفية .
وعاد الزوج حوالى الساعة الحادية عشرة، وكان يشبه زوجته يماثلها فى الضخامة ، واستدارة الوجه وصفاء العينين ، أما الأولاد الخمسة الذين التقوا حول المائدة – فهم ، يبشرون بأن يصبحوا مثل والديهما . وكانوا يأكلون حساء مطهياً بشحم الخنزير ، وجبنا أبيض ، ويشربون النبيذ الاحمر ، ثم بعد ذلك القهوة المصنوعة من الشعير مع كوب من شراب المار ... وفى هذا النهار نفسه زارت جولييت مزرعتين بعد ذلك ، أشارت بهما عليها عائلة بورجوا ، وقد كانوا قوما متفهمين مثل آل بورجوا، حتى شعرت بينهم أنها بين أسرتها . وما اعتقدت جولييت ابدا ان بمقدورها ان تجد لغة مشتركة مع الفلاحين ،حتى فى اللحظة التى كان يربطها بهم أمرما ، وكان ذلك نادر الوقوع فى النزهات الصيفية ، أو لكى تسأل عن طريقها الى الريف ، وقد بدا لها دائما انهم يتحدثون لغة أجنبية ، أو أن الصمم قد أصابهم ، وهى نفسها لم تكن تفهم شيئاً منهم ، الا بصعوبة . لكن آل بورجوا فهموها جيدا ، فهم يتكلمون بالتأكيد نفس لغتها ، الجميع يتكلمون الفرنسية ، كما تبدى فى المزرعتين كرم الضيافة أيضا ، فأكلت جولييت مرة أخرى الحساء المطهى بشحم الخنزير ، والجبن الأبيض ، وشربت مرة أخرى النبيذ الأحمر ، وشراب المار ، ثم بعد ذلك جلسوا حول المدفأة وهم يكررون نفس الأشياء... وما أسعدها بهذا القمر فى السماء ! لقد أنصرفت جولييت وهى تأمل أن تكون فى الطرق الصحيح حيث أدفأها النبيذ والأمل . وقد كان صحو شتاء هذا العام - 1942- مثل الفأل الحسن . ولم يدع الريف الشاسع الذى يتلألأ تحت ضوء القمر ، الخوف يتسرب الى نفسها .وهل يعتريها الخوف حينما يكون الجو جميلاً الى هذا الحد !! ولم تشعر برغبة فى العودة ، لأن المرء لا يعود تاركاً أمسيات كهذه ... أن الآخرين لا يحسون بالسعادة ، الا حينما يقتسمها اثنان ، لكنها ليست كذلك ! وتذكرت فى أسى ملتاع حبها الغابر .. وكانت هناك حركة مباغته داخل الغابة الصغيرة التى تسير بجوارها – كان جسما ثقيلا يهوى ، ثم أعقب ذلك صوت زمجرة ... حيوانات، ويقال أن هناك ذئابا فى هذه البقاع ... الذئاب !! أفى هذا الجو الهادئ ، فى مثل هذه العذوبة . شئ لا يصدق أن يكون الجو هكذا عشية عيد الميلاد . لقد أنزل الله هذه العذوبة حتى تستطيع العذراء أن تلد فى صحو ربيعى معتدل .... تشابكت ضفائر أشجار الصنوبر الجبلية وبدت بيضاء ، تحت ضوء القمر النائى فى علوه على حين كان يحيط بالقمر خاتم زواج ذهبى ضخم ...هذه هى شجرات الحور الثلاث ، تقف كثلاثة حراس تخفر المنزل خلف المنحدر ... وهذا هو المنزل ... يقع فى اتجاه معاكس لضوء القمر ، ولم يكن الا كتلة داكنة ، ولكن حينما طافت جولييت ، توقفت عند ما يحيط به من مكامن ، لقد أضاء شخص ما الكهرباء فى الفناء ! لكن لا ... كم كان هذا بلاهة منها ، لان القمر بكل بساطة هو الذى أضاء بهذا الشكل كل حجر ، مع الحذاء القديم الملقى ، وحطام اوانى الطعام ، وقرميد السقف ، وكان صوت النافورة مسموعا ، فى خفوته النحيل ، مثل خيط الماء الساقط فى الحوض .
وفى هذه الليلة ، لم تسمع جولييت صوت الجرذان ، لقد نامت وهى بكامل ملابسها ، فوق فراشها المصنوع من القش ، بعد أن قطعت عشرين كيلو مترا سيراً على الأقدام ! ولم تكن اللمسات الرقيقة لا شعة الشمس الأولى هى التى تستطيع ايقاظها ، فجرس المنبه بح صوته فوق أذنيها ، ولا يكاد يصل اليها . فتحت عينيها ، وتيقنت أن جسدها كله يعتريه انهاك شديد وأن الجو بارد برودة بشعة فى هذا المنزل ، وهفت نفسها الى حمام ساخن ، والى قدح قهوة باللبن ، مع الزبد والفطائر ، وكانت الغرفة الكبيرة مظلمة وخاوية . ليس فيها ما يسترعى النظر غير مربع النافذة الابيض الصغير والمدفأة الباردة . وعلى المنضدة بالقرب من رأسها ، تراكمت افرازات الجرذان....
ولكن فى الخارج ، كان الجو أكثر عذوبة من الليلة السابقة فالضباب الخفيف يحيط بالمنطقة ، بينما ذاب الثلج قليلا فى كل مكان .وواجهت جولييت المستنقعات والوحل .

ولم يكن هذا النهار سعيدا كسابقة . فقد استقبلت استقبالا سيئاً فى المزرعة الأولى ، أما فى المزرعة الثانية .فقد كان جليا ،أن الأمر خطأ كله حتى أن جولييت لم تتحدث عن أى شئ ، وكان هذا منزلا أسود ، وكان الوقت أوج النهار ، ولكن يمكن القول ، أن النهار لم يحب الدخول الى هذا المكان ، وتوقف عند هذه النافذة الشاحبة وكانت فى المدفأة جذوة ضئيلة ترمى هنا وهناك بوهج أحمر ...هذه فتاة تجلس على الأرض وفتاة أخرى تجلس على مقعد بلا مسند أمام النار ... وأستطاعت جولييت أن تتبين مائدة ومصباحا بتروليا ، وأدركت أن الفتاتين مازالتا صغيرتين ، ربما فى السادسة عشر ، ورأت خلف المائدة ، فتى ظل واقفاً ، وعلى رأسه قبعة ويرتدى ((بلوفر))ممزق المرفقين ، لقد كانت الفتاتان ضئيلتين أيضاً ، ورثتى الثياب .كانتا تقشران القسطل ، بينما تناثر القشر على الأرض ، وراح يطقطق تحت الأقدام ، وسألت جوليت عن الطريق الى قربة ب.....، فقد كانت تحتاج الى ذريعة من أى نوع لتبرر – ليس هذا هو الطريق الصحيح ، ياسيدتى المسكينة ، فهو لا يؤدى الى أى مكان ...

وبدأت الفتاتان الكلام فى آن واحد حتى توضحا لها كيف يمكنها الذهاب الى حيث تريد . وكان للفتاة التى تجلس على الأرض صوت عاو مبحوح ، وكانت كلما تقول شيئاً ما ، تندفع كل مرة متحركة الى الامام ، كما لو كانت ستقفز فى وجهك . وفى غمار المنافشة ، لم تنقطع الفتاتان عن تقشير القسطل ، وبد الارهاق على الفتاة الصغيرة الجالسة على الأرض ، كما لوكانت تقوم بعمل شاق .

قالت جولييت – اتقشرانه قبل سلقه؟ لقد كنت أفعل العكس دائما !
وقالت الفتاة الشقراء الجالسة على المقعد – ان الأمر يتم على نحو أكثر سرعة بهذه الطريقة . وكان يمكن للمرء ان يرى فخذيها العاريتين، اللتين احتفظت بهما متباعدتين حين تدع القسطل يسقط فى تنورتها . وبدت هناك ثقوب واسعة فى جواربها الصوفية السوداء بينما عقدت حول رأسها ضفيرتين صغيرتين . وكان الصبى الذى يقف خلف المائدة يلعب بسكينة دون أن يمس شيئا من القسطل الذى تبعثر امامه على المنضدة .
..... عوت الفتاة التى تجلس على الارض ، والقت بنفسها نحو جولييت مثل قطة متوحشة وهى تقول : هل ستبقين فى قرية ب....

- لا، سأمر عليها فحسب .
- لان بمقدورك أن تأتى الى المقهى غدا ، فسيتم الاحتفال بخطوبة أخى هناك .
وأشارت الى الفتاة الشقراء الصغيرة .
- أوه ، حينئذ ربما أبقى . اما الآن فليس أمامى ألا أن أجد طريقى .صافحت جولييت الصغار الثلاثة ، وخرجت الى الريف الذى يلفه الضباب ، وكان أكثر تألقاً بعد هذا المنزل الأسود .

وصادفت فى المزرعة الثالثة أناساً اعتبرتهم معقولين ، وحين قالت أنها كانت فى مزرعة بها خطيبان ، هزت امرأة ريفية عجوز ذات شعر أبيض ، رأسها وقالت :
- لقد مات الأب مجنونا ، ولو كانت الصغيرة قد رفضته فى تلك اللحظة لأصيب هو أيضاً بالجنون ، فهو يهيم بها الى هذا الحد . يجب أن تكف عن ألاعيبها والا أصابة الجنون أو الموت . لا يوجد من يرعى هؤلاء اليتامى منكودى الحظ ... لقد أكلو كل ماكان بين أيديهم ، ما كان موجودا ! كم من المرات قلت له : (رينيه أذهب لتغتسل ... أصلح ثقوب ثوبك ...) ولكن ما من شئ يمكنه عمله . من قال لك اذن ان تذهبى اليهم ؟

وألقت المرأة العجوز فى الموقد ، تكريما للزائرة ، بعض الأعشاب العطرية التى تطلق سهاما نارية . مثلما يحدث فى يوليو ! وغمغم رجلها المسن غاضباً ، بشاربه المتدلى ، وحذائه الخشبى الذى صنعت حاشيته من القش ، وهو ينظر الى النار :
- لا أقول أننى .. حافظت جيداً على بندقيتى ، ماذا يمكن أن يحدث فى الربيع ، حين تأتى الثعالب لتسطو على دجاجنا ؟ .. البندقية عون دائم .
وصبت المرأة العجوز الشراب فى الأقداح الصغيرة الموضوعة على الصينية .

وواصل الرجل الريفى كلامه :- يقول رجال الشرطة ، (( سلموا مسماراقديماً ، واحتفظوا بالمسمار الجيد ، دبروا أموركم ولكن أين تريدون أن أذهب بالمسمار القديم ؟ أنهم يقولون ( اذبحوا الخنزير لانهم سيأتون اليكم ليصادروه ) هل اثق فى ذلك ؟ هؤلاء هم رجال الشرطة ، أنهم يصعدون الى هنا من أجل أن يذبحوا لأنفسهم ما يلزمهم ، ولهذا يحدثونك عن ذبح الخنزير ... والآن ياآنسة ، يامن تلقت تعليما فى المدارس ، ما هو رأيك ؟.
وانهمكت المرأة العجوز فى تقديم الاقداح الصغيرة ملأى ، فوق صينية .

قالت جولييت موافقة – لا أستطيع أن أقول لك شيئاً فيما يتعلق بالخنزير ، لأن الأمر كما تقول . ورجال الشرطة هم رجال الشرطة ، لكنهم أيضاً فرنسيون ... ولو كنت مكانك ، لما سلمت البندقية ، لأنك لن تجد لها بديلاً حين تحتاجها من أجل الثعلب ، أو لأى سبب آخر . لا تحمل البندقية الى دار البلدية .

- ابنى يقول نفس الشئ ، انها لا توجد الا لمساعدتك .

نعم ، لم يكن هذا النهار طيباً ، وكانت جولييت متعبه للغاية ، فقد كانت المسافة بين المزرعة والأخرى خمسة أو ستة كيلو مترات ، ولم يكن الفلاحون كلهم مثل آل بورجوا ، وكان الضباب قد ارتفع , وتألق قمر جميل , انها ليلة جميلة كالبارحة , لكن فى الواقع ، لم يكن لدى جولييت الاحساس الذى يجعلها تعجب بجمال الطبيعة ... ولم يفتح منزلها الواقع خلف المنحدر ذراعية لاستقبالها ، كان الفناء مضاء كالبارحة . وأحست جولييت بساقيها تتخاذلان تحتها نتيجة الارهاق ، لقد نبشت طويلا فى جوف الفرن ، دون أن تعثر على هذا المفتاح اللعين ...

وكان الجو داخل المنزل أشد برودة من خارجه . وكان ارهاق جولييت عظيما الى درجة لا تمكنها من النوم على الفور ، وفضلت أن تشعل النار ، وتسهر بدلا من أن نتظر النوم الذى تقفز فيه الجرذان ، وكان الخشب مكوما فى الحظيرة التى تتصل بالغرفة مباشرة . وحين انسلت الكهرباء اليها ، تبينت أن مزودا بطوله قد تعفن نصفه ، وان هناك جرذا ضخما بنى اللون ، فأطلقت جولييت صرخة حادة ثم أتجهت فى هدوء نحو كومة الخشب . وكان الضوء يعابث الاعمدة التى تحمل السقف ، كما يعابث ذراعى عربة مرفوعتين الى السماء . وكانت الأرض المرصوفة بالطوب اللبن والمغطاة بالقش والدريس ، وغصون الشجر الصغيرة ، باردة كالثلج ، بينما تراكمت بالقرب من الجدار كومة من القمامة وآنية مهشمة وطسوت ، واكواب ، وزجاجات ، وما يجب عليها ان تجره الى المدفأة كان جذوع أشجار حقيقية ، لا تشبه الأحطاب ، وقد بلغتها فى كثير من المشقة ، كانت تلك الأحطاب متشابكة كأنها سلك واحد من الحديد الشائك . وقد أحست جولييت بالدفء حتى قبل أن تشعل النار . وخرج اللهب من الخشب وهو يطقطق ممزق الألسنة ، كأنه قصاصات نسيج جميلة فاخرة ، وعلى هذا النحو تصبح النار رفيقا لك ، بحركتها ، بالضجة التى تبدد الوحدة ... والمرء يراها تحيا ، تندلع ... بوثباتها المرحة ودقات أقدامها وانفجاراتها ... ومكرها ، فحين تبدو ضئيلة للغاية وتنكمش تحت قطعة حطب حتى يعتقد المرء أنها قد خبت ، فأنها آنذاك تنبعث عالية مضيئة ! بمرحها الصاخب ، وتجاوزها الحدود ، بشهيتها اللانهائية ، وبرصانة متوهجة فى الجذوات .... وكانت مساند الحطب الصغيرة السوداء داخل الدفأة تحمل اللهب على هيئة تمثال نصفى لامرأة ، رقيق الصياغة .. الرأس الجميلة لفتها عصابة بينما تقاطعت قطعة من القماش على نهديها العاريين . وهذان التمثالان الانيقان الصغيران لابى الهول فى الصالون ، يقاسيان محنة النار ، وربما لم يوضعا فى هذا المنزل الموحش إلا من أجل ألا يدعا جولييت وحيدة ، فهى أيضاً قد أبعدت عن مكانها الطبيعى ، مثلهما ، فقد سقطا هناك ، ويتساءل المرء : لماذا وكيف . كل ذلك يثير السخرية .. وخلعت جولييت حذاءها وجلست أيضاً بقدر ما أستطاعت قريباً من المدفأة ، واستسلمت للأحلام .
الأحلام ؟ كانت جولييت تعرفها .. لكن حين يينساب الحلم متغلغلا فى الحياة ، فمن الطبيعى تماما أن يعيشة المرء ، وسيمشى على الماء ، وسيجد أن هذا طبيعى تماما ... ( هذا أمر عادى ) كما كان يقول الدكتور الأشقر حين تحكى له حكاية من أشد القصص اغراقاً فى الخرافة والبشاعة ، تتعلق ، بمغامرة هروب ، أو بأسعار السوق السوداء ، أو حين يحكى له أحد عن الرعب الذى يحيط بالرهائن حين يطلق عليهم الرصاص ... هذا عادى ... ومع ذلك فليس الأمر الا حلما ، يتمثل فى أن جولييت نويل ، الكاتبة على الآلة الكاتبة ، بدلا من أن تعمل فى الجريدة ، وتعود الى الخالة ألين والصغير جوزية ، استطاعت أن تسير بمفردها فى الطرقات التى تغطيها الثلوج ، وأن تبقى وحيدة فى هذا المنزل ، محاصرة بفراغ أبيض ممتد ، تنصت الى ركض الجرذان ... ولم يكن من الواجب أن يكون هذا هو الحلم الجميل الذى يلهم حياتها ، لقد كان حلم شخص آخر ، لأن أحلام جولييت ، فى الأعماق الخفية لقلبها ، كانت ببساطة أحلام بالحب ، ليس حباً مثل الذى عرفته ، فلن يكن سوى عار وهوان ... أه ! أن الرجل الذى لا يرقى الى مستوى ما ينبغى ان يكون للحب من سمو، يجب أن يطرد بعيداً عن مملكته حتى لا يكون الحب دنسا ، وحتى يصبح شاملاً كأنه الحرب .

ولكن أى زمن ، هذا الذى لم يدع جولييت وقت الفراغ الذى يتيح لها أن تحلم بالحب ، بل جعلها تجرى فى الطرقات التى تغطيها الثلوج ؟

بدأ اللهب يتضاءل ، تشوبه الزرقة ، ومازال للحطب شكله الأصلى ، الا أنه أصبح مثل الآنية الشفافة ، تملؤها نار سائله . حركت جولييت النار بقضيب من الحديد ، واضرمت نارا جميلة يتطاير شررها ... وفى الماضى ، كانت تخاف ان تبقى وحدها فى الليل ، وهى فى قلب باريس ، فى منزل كبير يملؤه السكان ، من أعلى طابق الى أسفل طابق ، وكان الاغماء يدركها حين كانت ترى فاراً صغيراً !

هكذا كانت : جولييت كان بمقدورها أن تختار ، كانت تخاف ، تشعر بالبرد ، تحس بالأرهاق . أما حين لا يعود بمقدورها أن تختار... وهل كان بمقدورها أن تختار فى عام 1942 ؟ ( بعد غزو فرنسا ) لم تعد النار الا كومة من الذهب . وكان عليها أن تنام قبل أن ترتعش من البرد مرة أخرى .

نعم ، الأحلام .. كانت جولييت تعرفها ... لقد كان فارس أحلامها يشبة أحيانا جارى كوبر ، وأحيانا أخرى شارل بواييه .. لكن كيف تحلم بالحب ، وهى راقدة على كومة من القش ، بين رقص الجرذان ، مع هذه الظلال التى تترامى على السقف المخطط باللونين الأبيض والأسود ، تحت هذه الدعامات التى تبدو وكأنها تهبط رويدا رويداً ، حتى توشك أن تهوى على رأسها؟.. لم تطفئ جولييت المصباح ، فربما أبعد الضوء الجرذان ... لقد بقيت الكهرباء فى هذا المنزل بمعجزة ، وهى لم تكن تبدو هنا على طبعيتها ، فقد كانت تنقطع ، وتضعف ، بينما كان المصباح الكهربائى – وهو معلق بمسمار فوق المنضدة فى نهاية سلك حتى يمكن تحريكة – يحمر ويضئ بصعوبة ، ثم يكتسب لونا أبيض باهراً ... لقد كان هناك كثير من المسامير والخطاطيف المثبتة فى الدعامات السوداء ، وفى المسافات المدهونة بطلاء أبيض وأصبحت قذرة ملوثة بالدخان بين هذه الدعامات . ومن المؤلم الاعتقاد أن فوقها بيدراً غير معروف ، تركض فيه الجرذان ... وحين بدت تباشير الصباح ، كانت ضجة محرك طائرة تملأ الفضاء كله ، وهى تنطلق ، بينما على الأرض تحتها ، فى المنازل التى تنتمى الى العصر الحجرى ، كان الناس ينهضون ليعنوا بدوابهم ، ويشعلوا النار ، ويخرج الاطفال فى الصباح الباكر ، وهم يتخذون طريقهم الى المدرسة ، رافعين أنوفهم فى الهواء حتى يروا الطائرات الالمانية وهى تمر ، وفكرت جولييت مرة بعد مرة فى صبى الأمس ، بقبعته التى وضعها فوق رأسه ، وسترته الصوفية الممزقة ، والذى كان سيصبح مجنونا اذا لم تكن الفتاة الصغيرة قد رغبت فيه . وتراءت لها ضفيرتاها الصغيرتان الشقراوان اللتان تحيطان برأسها ، وفى ثقوب الجورب الاسود ... أى قوة يهبها لك الحب داخلك ! لقد تمنت جولييت أن تحب انسانا جميلاً ... كالتالى يبدو من خلال الموسيقى ، والأغانى .

نهضت جولييت ، فلابد أن تشعل النار ثانية ، ذلك رعب الحياة الريفية ! رمقت يديها الملطخة بالسواد . لا حياة هنا الا من أجل بقاء الجسم ، والغذاء ، والتدفئة ... آه ! ألا ينبغى أن يسمع الفلاحون أحيانا غناء القبرة ؟ فكرت أنهم يحتاجون الى آلات الحرث حتى يتوفر لهم الوقت لسماع هذا الغناء ، لكنها لم تدرك خطورة أفكارها ... وألتقطت جولييت بيديها المخدرتين من البرد ، حاجاتها ، وكانت المؤن التى أعطتها لها عائلة بورجوا موجودة من قبل فى لفافة ( وكان من بينها أرنب ) ! فلا يستطيع الانسان ان يعرف ابدا ماذا سيحدث ....

كان عليها أن تقطع عشرة كيلومترات حتى تصل الى قرية ب.... وأرتادت جولييت الطريق الصغير الذى يخترق الغابة ، هاهوذا السفح الآخر ، بجبالة العارية . من حسن الحظ ان هذا السفح كان منحدراً ! أن جولييت كانت تخاف الطريق الطويل ، بعد أن قضت ليلتها دون نوم ، رغم هذا الصباح الجميل ، ورغم هذا الاستعراض الذى يقوم به اللون الابيض حولها ، فقد تساقط الثلج مرة أخرى أثناء الليل ، ولا أحد يسير فى الطريق ، وكانت المزرعة الوحيدة التى تجاوزتها تبدو مهجورة ، ولم ينبعث من مدخنتها دخان . ومع ذلك فقد كان هناك عمال يعملون هنا ، وكان الطريق مبقور البطن يبدو خليطا من التراب والحصى المسنن الكبير . وأحست جولييت بالضيق بسبب حذائها ، الحذاء الوحيد المتين الذى تمتلكه على الرغم من أنه لم يكن متينا بما يكفى بحيث يصلح لمثل هذا الطريق ...وبدأت الحقيبة ولفافة الأرنب تثقلان ذراعيها . لذلك كان عليها أن تتوقف عددا من المرات ، والحق أنها لم تعد تحتملها أكثر من ذلك . وأخيراً ظهر الطريق العام : ولا بد أن القرية التى تراها هناك فى قاع الوادى . هى قرية ب .... كان الطريق المسور بعلامات المسافات البيضاء الجميلة المزخرفة باللون الأحمر ، ناعما وعريضاً للغاية ... لكن كانت هناك أبر رقيقة من الجليد ، وتلك كارثة آخرى . وتقدمت جولييت فى بطء . وهى تضع مرة بعد مرة أمتعتها على الأرض .

أعلنت القرية مقدمها بخرائبها غير البهية ، لقد كانت لا تزيد ببساطة عن أن تكون جدرانا ضخمة تستند كل منها على الأخرى ، ثمة مقبرة ، ومنازل صغيرة ذات حدائق صغيرة ، وقنطرة صغيرة ، والشارع ... ومكتب البريد ، وحانوت لوزام الخياطة ... ومقهى ... والكنيسه ... وميدان صغير ... هاهوذا المقهى الذى يتوقف خلفه الأوتوبيس .

وكان فى المقهى موقد جميل مثقوب فى المنتصف يبعث الدفء ، وضعت جولييت أشياءها على الطاولة ، وذهبت لتجلس بالقرب من الموقد ، وهى تكتم زفرة ، لان ذراعيها يؤلمانها ، لقد أتت مبكرة كثيراً بالنسبة الى موعد قيام الأوتوبيس ، ولم يكن فى المقهى سوى فى اللفافات والطرود ، بينما جلس عاملان يتناولان وجبة سريعة فى أحد الاركان ، وأتى كلب هزيل يتشمم يدى جولييت ، سألتها صاحبة المحل وهى امرأة ودود بشوش ، عما تريده ، من باب العادة فحسب ، فلم يكن لديها ماتقدمه لزبائنها ، لاشئ بالمرة ، لا للشرب ولا للأكل، سوى شراب الليمون المحلى بمادة السكرين . لقد كانت المرأة المسكينة تحس بالخجل يغمرها : (لولم نكن نقدم خدماتنا فيما يتعلق بالطرود لأغلقنا ...) ، وضع العاملان ما تبقى من طعام وزجاجة النبيذ الفارغة فى مخلاة . لقد كان شيئا حسنا أن اعطت المرأة الشجاعة مدام بورجوا ، جولييت بالاضافة للأرنب ، قطعة كبيرة من الخبز ، وبعض الجبن ، والبيض المسلوق ، وتهيأت جولييت للأكل وسرعان ما خرجت صاحبة المقهى من مؤخرة الحانوت وأتت وهى تحمل لها قدحا من النبيذ ، ثم قالت ( هذا على حسابنا ، ماذا تريدين ، أندعك تآكلين هكذا دون شراب ... ) فشكرتها جولييت بوقارها البسيط الذى تعودته ، وأضفت الغمازة التى بدت حينما ابتسمت قيمة أكبر على شكرها .

وصل الأتوبيس الصغير الرمادى الكريه ، متأخرا ساعة كاملة ومزدحما ، ونسى الناس الآن كيف كانت فرحة الأعياد ، عشية عيد الميلاد الطهور فى الأعالى . وظهر مع الأتوبيس فى نفس اللحظة أحد رجال الشرطة . ويشعور بأهميتة طلب بطاقات الهوية من الرجال ، الذين يهبطون ، والذين يصعدون . وكان هناك مكان لجولييت على مقعد خشبى فى الصف الامامى وواجهتها تلك المساحة المزدحمة بالحقائب . وكان جارها قوى البنية يرتدى شارة حصولة على وسام من أدنى الدرجات . وقد طوى ساقية الطويلتين حتى تتمكن جولييت من أن تضع حقيبتها الصغيرة . ثم تخلى عن مكانه لامرأة تحمل طفلا على ذراعيها . أعلن عن حضوره بأقصى ما استطاع من صراخ ، وقد أصبح هو أيضاً فى وضع أفضل لكى يختلس نظرات الاعجاب الى جولييت ، وكان الطفل الصغير كارها للسفر ، ويعتقد أن الجدة أيضاً ( كانت هذه جدته ) تكره السفر أيضاً كما تكره صراخه . وأخذ كل المسافرين يضاحكون الطفل ، ويسألون الجدة عن أخبار ابنتها ، وعن الاطفال الصغار الآخرين ... كان الناس يصعدون فى كل محطة ويودعون الطرود عند السائق حتى اكتظت العربه بها . وفى مثل هذه الظروف ، لا تعود مسألة تتبع المنظر الريفى ممكنة . وكان أمام جولييت ظهر امرأة عجوز ، مغطاة بملابس سوداء ، وقد اختارت لها كنقطة ارتكاز ركبتى جولييت ، حتى تستطيع أن توازن بين ثقل سلالها الثلاث ، وفى احدى هذه السلال ديك رومى على قيد الحياة ، وفى الثانية ، ديكان روميان آخران ، وكانت الثالثة محشوة بالطرود ، وانتشرت رائحة كريهة فى داخل الأتوبيس منذ أن ظهرت المرأة . وكانت رؤوس الديكة الرومية المذعورة بلونها الأحمر تخرج من السلال . وكان الجالس بجوار جولييت قد نبه المرأة العجوز مرتين أو ثلاثا ، حين كانت على وشك أن تجلس على ركبتى جوليت ، وكان الاوتوبيس يتعثر ، بينهما راحت الديكة الرومية ترمى بافرازتها على جورب جولييت وحذائها . وأخيراً .. وأخيراً وصلوا . وتوقفت العربة أولا أمام مكتب بريد لارسال الطرود ، وكان عليها أيضا أن تخترق المدينة الصغيرة بكامل طولها حتى تصل الى مستقرها بالمحطة .

انتظر المسافرون ، لكن الأمر لم يكن قد أنتهى بعد ، مادامت هناك ، طرود عيد الميلاد . كان الأوتوبيس الذى انحشر فى الشارع الصغير ، والذى يسمى ( بالشارع الكبير ) يسده تماما . بينما راح بوق سيارة مزعج يجلده على ظهره . لقد أنتهى أمر الطرود ولكن مولد الغاز أصابته نزوة ، فلم يعد الأوتوبيس يتحرك . حاول السائق اصلاح المحرك ، بينما كان المسافرون نافذو الصبر يهبطون ... ظهر أمام الرادياتير جندى المانى فى ملابس الميدان الرمادية . وهو يشير اشارات معينة . والآن ، حين أصبح الأوتوبيس خالياً تقريباً استطاعت جولييت أن ترى عبر النافذة الخلفية عربة المانية ، وقد كانت هى التى تطلق بوقها مثل كلب مسعور . تحرك الأوتوبيس فجأة . وابتعد الألمانى عن طريقه . ثم أستقر السائق امام عجلة القيادة وصرخ قائلاً ) هذا حسن ! هؤلاء الناس متعجلون ! وكأنهم يجرون وراء النصر !... ) انحنت المرأة الجالسة خلف جولييت عليها حتى تقول ) سيان يرغب المرء حقا فى أن يراهم يرحلون ! متى ينتهى كل هذا ... قالت جولييت – بالتأكيد ...)

أودعت حقيبتها فى الأمانات ، وتسلمت ايصالاً بها ، ثم ذهبت للبحث عن غرفة : اذا وجدت غرفة ، فسوف تنام هنا ، وإلا ستأخذ القطار فى نفس المساء ، وتقضى الليلة فى مكان آخر .
كان الشارع الكبير مليئا بالحركة ، وكان يمكن للمرء أن يعتقد حين يرى واجهات المحلات ، أن هناك حقا أشياء يمكن شراؤها . لقد عرضت المحلات كل ما لديها من أجل الأعياد . الأحذية التى تصرف بالبطاقة ، الصناديق الملفوفة بشعر الملائكة . وأيضاً الدمى الصغيرة ، والمزاود . وكانت الكنيسة ذات الاعمدة تبدو هناك حيث يتسع الطريق ، وكأنها شخص كبير بين أطفال ، بمقدار ما كانت عالية ، وضخمة ومهيبة ، اذا ما قورنت بمنازل ( الشارع الكبير) ولم يكن الفندق بعيداً ، وكانت توجد بالفعل غرفة ، ولكن لم يكن بها أغطية ، بمعنى ، أنه كانت هناك أغطية ، لكنها لم تكن جافة ، لانها بدلا من أن تجف تجمدت : ( اذا كنت تودين الانتظار حتى تجف ياآنسة ... لم تتم بعد تدفئة الغرفة ، لكن يمكنك الجلوس فى قاعة الطعام ).

كان يمكن تدفئة قاعة الطعام ، حيث لم يعد يقدم الطعام ، اذا أراد المرء . جلست جولييت على مقعد بالقرب من المدفأة ودخلت امرأة ترتدى ثيابا صوفية بعضها فوق بعض ، ويبدو أنها عانس يتبعها كلب . وكانت لها مشية من به مرض فى قدميه ، ولا يستطيع أن يقرر على أى قدم يعرج . كان الكلب البكينى يعدو خلفها ، ثم مدت الآنسة يديها المشوهتين فوق المدفأة ، وتسلق الكلب مقعداً وأخذ يعطس .

قالت الآنسة وهى تبتسم الى جولييت – انه مصاب بالروماتيزم ، وعرفت كيف تضع فى هذه الكلمات الثلاث ، كثيراً من اللكنة الانجليزية ، سمعتها جولييت قبل ذلك فى الطريق تتحدث الانجليزية ، ربما كان هذا مكانا للاقامة الجبرية . وأخرجت العانس طعاما من قاع حقيبة ووضعته ليجف على المدفأة ، لانها لا تغامر بأن تحرق الطعام ، وقالت وهى توضع الأمر : (أن الجو رطب فى الغرفة ، ولا شئ يجف فيها ... أوه .أوه ، ميلى ، لا تسعل هكذا) ! وكان الكلب يشهق .

كانت الشمس تسطع فى الخارج ، بينما تتساقط الثلوج كقطع من الماس ، منتثرة فى غير انتظام . وقالت الآنسة الانجليزية : ( ألا يمكنك أن توقفى هذا ؟) ، وهى تشير بيدها الى الثلج مخاطبة صاحبة الفندق التى ظهرت من كوة فى الجدار ، كانت تمرر منها الأطباق قديماً ، وأبتسمت صاحبة الفندق ، للدعابة : ( آه ، هذا لا ، أننى أريد ذلك حقاً ، لكن فى ليلة عيد الميلاد لابد وأن تسقط الثلوج ..) ثم اختفت ، ودخلت الى القاعة فتاة فى حوالى الخامسة أو السادسة عشرة ، صاحت :( ماما ، هل سنأكل هنا أم فى الغرفة السفلى ؟) ثم نظرت الى جولييت دون رقة ، فربما كانت جولييت هى التى سدت قاعة الطعام الى الحد الذى يجعل الناس مضطرين للأكل فى الغرفة السفلى ..! لقد كان لها قد جميل ، وغديرتان ليستا فى حاجة الا الى طراز خاص فى التصفيف . وواصلت الآنسة الانجليزية المزاح قائلة : ( ألا يمكنك أن توقفى هذا )، ( لا ، ياآنسة ، فى ليلة عيد الميلاد لابد وأن تسقط الثلوج ...).

وفتحت الباب على مصراعية لتخرج منضدة ، فربما سيأكل النزلاء فى الغرفة السفلى ، لقد أحست جوليت بمزيد من الضيق فى هذا الفندق ، الذى لا يبدو أن أصحابه يحبون النزلاء . ثم التقطت لفافة الأرنب وخرجت بينما الفتاة الصغيرة تصرخ فى أحد الأشخاص ، بصوت مستثار : ( تعالى الى الغرفة السفلى ، لقد أشعلوا النار فى المدفأة ... ماما ، الشطائر ..!).

كانت الثلوج تسقط على أرض رمادية ، بينما كان النهار قد تراجع ، واتخذت جولييت طريقها الى المحطة ، وتوقفت من جديد أمام واجهات مصففى شعر السيدات الكثيرة ، وهى ترمق باعجاب زجاجات الروائح العطرية ، والشعر المستعار ، والأزرار فى محل يبيع الخردوات ... وحينما دخلت الى محل أحذية ، وقد فتنتها أحذية قماشية للأطفال تباع خارج البطاقة ، لم تجد بينها مقاس جوزية لأن قدمية كانتا كبيرتين بالنسبة الى طفل فى السادسة من عمره وأشترت فتاة يصاحبها فتى زوجا من الأحذية له نعل خشبى ، لكنة مبطن بالجلد ... ! لابد أنهما خطيباًن ، ثم دخلت جولييت الى صيدلية وهى تحاول ان تشترى مقياساً للحرارة ، فقد كسر جوزية ما كان لديها ، ربما وجد المرء فى المدن الصغيرة ، ما يحتاجه بسهولة أكبر من المدن الكبيرة ... لكنها لم تجد مقياسا للحرارة .. والناس يعتذرون فى كل مكان بأنه ليس لديهم ما يطلبه الآخرون منهم ، وتبدو عليهم المهانة بسبب ذلك .

وفى القطار الصغير ذى الألواح المهشمة ، كان هناك ضابط شرطة حسن التغذية ، ذو فخذين سمينتين تملآن سرواله الأزرق ، يتحدث طوال المسير الى شاب يبدى له الاحترام ، لابد انه كان خارجاً لتوه من عند الحلاق ، لأنه كان معطراً . وقد يمكن استنتاج أن ضابط الشرطة متجه الى الجنوب ليدفن حماته . وتساءل الشاب ليعرف اذا كان ذلك يستلزم العزاء ، (آه .. ذلك من سوء الطالع . ففى بعض الأحيان أيضاً ... ليست هذه الحالة ... ) وترك الجملة دون اكمال ولم يجعل ضابط الشرطة مهمته سهلة ، فلم يقل شيئاً ، وبقى العزاء معلقاً هناك على نصف ابتسامة . بعد ذلك تطور الحديث ، فلم يعد فيه الا ما يتعلق بجبال التزحلق على الجليد ، بالبطولة ، وكان هذا الحديث يدور حول الحدود الايطالية حيث لا يقوم المرء بعمل سوى الانزلالق الممتع على المنحدرات ، بيد أنه من وقت لآخر كان الحديث عن الحرب يطرق الآذان ، قال الشاب : - ( بلى ، لقد كنت أعرفه جيداً ، كان فتى أسمر ضئيلاً ، وقد سقط بجانبى فى يونيو عام 1940 ، لقد كنا فى نفس الفصل الدراسى ...) . ولم يكن القطار يتقدم ، وكان ذلك مأساويا ، أثناء الحديث عن التزحلق على الجليد ، وبعد أن تطور الحديث أكثر فأكثر ، ظهرت أسماء نساء ، تصحبها نظرات قليلة فى اتجاة جولييت ، وأخيراً ، أخيراً ، جاءت نهاية الخط الحديدى .

وكان الليل مطبق الظلام ، وفى هذه المحطة المضاءة بمصباح ساهر خافت ، كان هناك حراس متحركون ، أشد سوادا من الليل ، بينما احتشد المسافرون على الرصيف ، فكان عليهم عبور الممر ، ولهذا لابد من انتظار رحيل قطار آخر ، كان قطار بضاعة ، بدأ فى الحركة على الفور ، ورمقه الناس وهو يمر صامتين : السيارات ، والرشاشات ، والمدرعات موضوعة على منصة مكشوفة ، بينما وقف الجنود الالمان يحرسونها ... بعد ذلك مرت العربات المغلقة ... انه قطار يشبه شبحاً ينزلق بلا نهاية ، وضجيج العجلات يعلن حقيقته ، وأحياناً يرى المرء رأساً ترتدى خوذة تنحنى على باب عربة موضوعة على منصة ... قال شخص ما وراء جولييت بصوت خفيض : ( لم يبق لديهم كثير من البنزين ، ما داموا ينقلون العربات بالقطار ....) ولم يكن لدى جولييت اجابة على ذلك . وقال صوت نسائى : ( أنهم يتجهون الى باريس ..) آه ... لقد كانت هى نفس المرأة التى التقت بها فى الأوتوبيس ... فأجابت جولييت : ( نعم ، وأنا الذى كنت أعتقد أنهم يجب أن يتجهوا الى البحر ...)

قالت المرأة : هذا امر غير مفهوم ..انهم يخطفون كل شئ من هنا, وحين نذهب الى الريف , لكى نحصل على قليل من المؤن , فاننا نخاطر كثيرا .. توقف القطار , وكوابحه تحدث ضجة كبيرة , ثم بدأ فى التراجع , كانت الاصوات الالمانية تصرخ بشئ ما , وركض جندى المانى بطول الممر , وقام القطار بمناورته وقالت المرأة التى كانت معها فى الاتوبيس مرة ثانية ( ان الجو بارد .. ان هذا القطار مجهز بحيث يسافر فى الميعاد سوف يفوتنا القطار ) . ارتج القطار من جديد , ثم بدأت العربات فى التتابع , عربات كأنها بلا عدد.

وكان لابد من انتظار القطار طويلا . انتظرت جولييت وهى تستند الى عامود ( كم تدفعين ثمنا للأرنب ياانسة ؟ ) لقد بدأت هذه المرأة تزعجها , ولم تكن قد حلت فراءها , فقد كان الجو باردا , بل وتتزايد برودته ... وواصلت المرأة حديثها ( لكنك ترين ، أنهم سوف يرحلون سريعا ، كأنهم لم يجيئوا على الاطلاق ..)) كان الناس ينفضون نعالهم وينظرون بعيدا ،آملين أن يأتى القطار ، أخيراً ، شوهد مقبلاً ، مخيفاً فى سرعته ، فى قوته ، وجذبت جولييت الحقيبة وتسلقته ومعها لفافة الأرنب ، والمرأة خلفها ... لقد كان القطار ممتلئاً بالركاب .. ممتلئاً ... ولكن هاهوذا مكان للجلوس ، ودخلت جولييت الى الديوان ، ثم قالت للمرأة التى كانت تتبعها دائماً : ( لا يوجد سوى مكان واحد ) ،( ليس هذا امرا مهماً ...) لكنها بدت حزينة ، وكأن أعز صديقاتها قد خانتها . ودون أن تواصل البحث أستقرت فى الممر بالقرب من ديوان جولييت وحقيبتها الصغيرة السوداء على قدميها ، وادارت عينها حتى تتثبت من وجود جولييت ، وشعرها يشبه ياقة فرائها الاسود المبتل بالثلج .

وفى ديوان الدرجة الثالثة – هذا – كان هناك شاب نحيف ضئيل الحجم ، شاحب اللون ، ترافقه زوجته ، وطفلة صغيرة رقيقة ، بينما فى أحد الأركان ، جلست امرأة فتية يصعب تحديد عمرها ، ترتدى الملابس السوداء ، وربما كانت فى فترة حداد ، أما فى مواجهة جولييت فقد كان هناك رجل عائد من عربة الطعام ، لونه يترواح بين الأشقر والرمادى ،فظهر كأن لا لون له فى جملته ، وكأنه يسبح متضائلا داخل سترته الواسعة . انه ديوان مريح ، وجلد مقاعده متين . وبعد أن تلقى الرجل النحيف ضئيل الحجم والد الفتاة الصغيرة ، من خلال النافذة حقيبة يد لأحد السيدات ، ولفائفها ، وأيضاً حافظة أوراق من الجلد الأصفر ، قال : ( والبقشيش ياسيدتى ! البقشيش ) . كانت حقيبة اليد لأمراة تلبس قبعة ، لابد أنها كانت أمراة جميلة ، فى يوم غير بعيد ... أما فى اللحظة الراهنة ، فيبدو أنها لم تعد تفكر فى زينتها الا لماما ، بحكم العادة ، وتصبغ شعرها بالحناء . بينما كانت تستخدم المساحيق كيفما اتفق . وتبع حافظة الأوراق الجلدية صفراء اللون ، شاب شرقى الملامح ، جميل الوجه ، ذو شعر طويل الى حد ما ، يرتدى معطفا محكم التفصيل ، واضطر الناس الى تبديل أماكنهم حتى تتجمع العائلة فى مكان واحد ، وقد كان ذلك أكثر مدعاة للراحة حين تناول الطعام .

سألت جولييت المسافر الذى يواجهها ، وهو الرجل السابح فى سترته التى لا لون لها : عفوا ياسيدى ، هل يوجد مكان فى عربة الطعام ؟

- يمكنك أن تذهبى الى هناك ! لكن مقابل خمسة وثلاثين فرنكا سيكون لك الحق فى بطاطس ، مجرد قطعة صغيرة ، هذا كل شيئ . آسف – الكرفس ... الكرفس ... ستهيمين به حباً ، ولكن لأمثالى المصنوعين من مواد دسمة ، فأنه لا يصلح !

ورفوف الابتسام على الديوان .

قال الرجل- حسنا ، أنا اذهب عادة الى مارسيليا وأتجه الى صاحب حانه يعمل فى السوق السوداء ، وهناك تقدم لى شرائح باردة من لحم الخنزير ، ثم انتظر ما يليها ... وعلى المائدة التى بجوارى يوجد بعض السادة الذين يتناولون عشاءهم مثلى ، أننى أقول مثلى مثل الملوك ! وما كدت افرغ من لحم الخنزير الذى كان امامى ،حتى نهضوا وأتوا الى وقالوا :( أيها السيد ، لقد أكلت لحم الخنزير ، بطاقة اثبات هويتك ،من فضلك ) قلت لهم آنذاك انه اذا كان المرء قد تناول عشاءه مثلهم ، فلا موجب لأن يأتى أحد لينازع الناس من اجل قطعة سجق وأن يطلب منهم بطاقة اثبات هوية ... ورفضت أن أطلعهم على بطاقتى ، هاهى ذى القصة بكاملها ، لقد أحضروا الشرطة ، وهكذا ! أمضيت فترة عقوبة اصلاح سلوكى .

قال والد الفتاة الصغيرة – كلنا ننعم بحرية مؤقتة .
- فى غضون ذلك ، لم أعد ( بكرا )
- ضحك المسافرون ،وفهمت الشابة التى ترتدى الملابس السوداء ما يعنية ذلك ، أما السيدة ذات القبعة ، فقد سألته :
- وكيف ذلك ؟
- لم تعد صحيفة سوابقى عذراء – وكان يبدو شديد الانزعاج – ونقص وزنى بمقدار عشر كيلو بقصص الكرفس هذه . أنظرى ياسيدتى ! واخرج من حافظته اوراق بطاقته الشخصية وبها صورته – أنظرى كيف كنت وكيف أصبحت !...
قالت السيدة – حقاً .
واصل الرجل الذى يسبح داخل ملابسه حديثه قائلاً : - ان أقل وقت لاستمرار ما نحن فيه .. هو عامان على الأقل ... وصاح كل المسافرون – أوه ، لا !

قال الرجل العائم فى سترته مؤكداً : - ان الألمان مازالوا شديدى القوة ، أنظروا اليهم ، كيف يلبسون ، والى العتاد الذى لديهم ....!
يجب أن تروهم فى باريس ..
- هل أتيت من باريس ؟
- أنا اتحرك مثل المكوك ....
قالت جارته ذات القبعة :- مثلى تماما ، لقد عبرت الخط خلسة ما يقرب من عشرين مرة .
قال والد الفتاة الصغيرة : - آه ، لا ، اننى عامل فى السكك الحديدية ، وقد أتيت من باريس ، ويمكن للمرء ان يرى فى باريس أنهم هالكون .. ان (( دوريو)) قد أصبح على وشك الاختفاء .
- هل هذه القصة حقيقية ؟
- أعتقد ذلك تماما ! بمعنى ، أننى لا أعرف ما اذا كان قد مات ، لكن فيما يتعلق بمحاولة الاعتداء فهى محققه !
قالت المرأة ذات القبعة :- أن ابنى سجين ، وقد كتب لى أنه فى اليوم الذى سيعود فيه السجناء .... فأنهم لا يستطيعون ان يفهموا كيف يستطيع احد ان يكون على وفاق مع سجانيهم . انه لأمر شنيع ! هل يمكن القول بأن الذين يتصرفون على هذا النحو فرنسيون .... لا شئ سوى تدابير ضد اليهود ، ما يحدث ، يقتلنا عارا وخزيا ... يالهم من فرنسيين !

وقال السيد الذى لم يعد بكراً : - الآريون الطيبون .... ليسوا طيبين فى شئ ! وحركة الانتفاضة ؟ لا أعرف ما هو رأيكم فيها ، لكن جدى على سبيل المثال ، لم يعد يفكر فيها !
واعتدل الجميع فى جلستهم وبينهم الفتاة التى ترتدى السواد، فقد ظهر المانى فى الممر ، حاملا بين ذراعية حقيبة ، وكان يبلغ من العمر سبعة عشر عاما ! لا أكثر .. يتبعه آخرون فى ملابس الميدان الرمادية ... ثم أستند على باب ديوان جولييت ، بينما كان هناك رجل يرتدى قبعة ملساء يقرأ جريدة بسط صفحاتها على اتساعها ، سادا الطريق تماما أمام المسافر حامل الحقيبة وأمام رتل الالمان ، وتسبب هذا فى نوع من التدافع المضطرب ، وكان الألمان يبتسمون جميعاً ، بينما الفرنسى يصرخ فى حده ، حتى أمكن سماعه بوضوح عبر الباب المغلق ، داخل الديوان :
( لا تدفعونى اذن ياعصابة الاوغاد ) كان حانقاً؟ بيد ان الالمان مروا بحقائبهم وابتساماتهم .
هتفت المرأة ذات القبعة – هذا ، انه احد اخواتنا ، انه احد اخواتنا ، لقد سمعتوه ، لابد ان يدعوه احد للجلوس ، لان شخصاً ما سيدفعه !...

فتحت الباب وقالت : تعالى ياسيدى ، هكذا يجب ان يكون الكلام ! انك احد اخواتنا ، سندبر لك مكان صغيراً ..........

دخل الرجل وهو مرتبك بهذا الفوز غير المتوقع ، وتحرك الجالسون ودبروا له مكاناً صغيراً ، ثم بدا على الفور ، فى قص حكاية طويلة عن رجل المانى دفع امرأة كان يرافقها طفل ، أثناء وجود صديق له ، وما قاله هذا الصديق ( وما فعله هو بهذه المناسبة )

قال الشاب ذو الملامح الشرقية ، الذى لم يكن قد شارك فى الحديث حتى هذه اللحظة ، قال مجازفاً :
- لقد سمعت ما يقال عن ان الانجليز قد قصفوا مطارا بالقرب من باريس .
- آه ؟
أصبح الاهتمام عاما ، فهكذا كل الباريسيين ، سواء كان يعنيهم الامر أم لا ، فأخذوا يخمنون أى مطار يمكن أن يكون .
قال الرجل العائم فى ثيابة الذى يواجه جولييت ، ذلك الفتى المرح – نعم ، ذلك لا يمنع أنهم مازالوا شديدى القوة .....

قالت جولييت : سوف يصمدون حتى الربيع ، اذا كانت هناك فرصة ، وحتى الخريف ، اذا لم تكن هناك فرصة . وقد ازعجه هذا الطراز من النساء .

-ومن اى مصدر تستمدين معلوماتك ، ياانسة ، من العراف نوستراداموس؟
ابتسمت جولييت له ابتسامة رقيقة ، حتى ظهرت غمازتاها
وقالت له – من الوضع العام ، ثم اخرجت بقية غذائها ، لأنها لن تذهب الى عربة الطعام – فتدفع خمسة وثلاثين فرنكا ثمناً للبطاطس .
قال عامل السكك الحديدية ، وهو يرمق جولييت بنظرة تعاطف :
- لو أن الانجليز قد فتحوا جبهة ثانية فى عام 1942 ، لكان الألمان مهزومين الآن . ان الانجليز هم الذين أنقذوا وضعهم .
ولم يقل الذى يواجه جولييت شيئاً ، بل رمقها وهى تأكل فحسب .
وقال الرجل ذو القبعة الملساء :
- اننى أوافق على هذا ، فالانجليز يتملصون بشكل سئ ، ولنا أن نقول انهم يفعلون ذلك بوضوح ... لكن الروس سوف يحرزون النصر فى الربيع ... وأول كل شئ لم يفعل أحد غير الكذب علينا ، وواصل حديثه فى حمية ، وبدت الحمية بالنسبة اليه امرا طبيعياً لقد كانوا يقولون ، الروس ليس لديهم جيش ، الروس ليس لديهم جنرالات ، الروس ليس لديهم تموين ، وكل أنواع اللغو المماثل ....حسنا ، والآن يقولون لنا أن هذه الأشياء لا تنقصهم !

قاطعه الفتى المرح الذى يسبح داخل سترته :
- هل تعرف كيف تنظر عديد من البلاد الى الجيش بصفة عامة ؟ أن الانجليزى يعتبره حرفه ، والألمانى يعده ضرورة ، وهو للايطالى بمثابة ملابس جميلة ، أما بالنسبة للفرنسى ... فأنه يدفعه الى التبرز .
هاها هاها.... ضحك كل من فى الديوان . وبينهم الفتاة التى ترتدى الملابس السوداء . وقد ابتسمت المرأة ذات القبعة ، التى كانت قد أغلقت عينيها منذ لحظة محاولة أن تنام .

قال الفتى المرح : انك لا تنامى الا بعين واحدة ، اذا جاز لى ان اقول ذلك ، واخذ يهمس لها بأشياء فى أذنها لانها كانت تجلس بالقرب منه .

اغمضت جولييت عينيها ايضا، وبدا الشاب ذو الملامح الشرقية يشارك فى الحديث . تحدث عن تركيا ، ومعادة النازية فى تركيا ، عن مصلحة الأتراك فى أن يقفوا بجانب الانجليز والروس ، لقد كان له صوت خجول ينم عن ثقافة ولا شك أن اللكنة التى كانت لديه لكنة تركية ... وكان الجو حاراً فى هذا الديوان .
قال صوت الفتى المرح – من المتوقع الا يصل الانجليز بسرعة ما لم يصلو الى تونس عبر الرمال ...
اثار قوله موجة استنكار شاملة : هذا يعنى انه لم ينصت الى الراديو ، أو أنه يتصور الخريطة بشكل سئ ! هيا لنرى ! بين له أحدهم بتفاصيل مفحمة ، وبأسماء مؤكدة ، وهو يشير الى عدد الكيلوا مترات التى تفضل النقاط المختلفة والتى سيكون الانجليز فيها خلال وقت قصير جدا....
قال الرجل العائم داخل سترته فى معرض الدفاع عن نفسه :
- لا توجد طرق عامة مرصوفة فى الصحراء ، أنها رمال !
أعقب ذلك نوع من الهدوء المؤقت ، بينما كان الليل فى الخارج شديد السواد ، والسماء تمطر ، وقد بدت القطرات الصغيرة مرسومة على زجاج النوفذ . وفيما يتعلق بالدفاع السلبى ، رفعت الستائر ، وأضاء المصباح الكهربائى الديوان برقة.
قال الفتى المرح مخاطباً جولييت :
- هل لديك غرفة فى ليون ياآنسة ؟
- نعم ياسيدى
- لأننى أجد غرفة دائما . وأنا لا أقترح عليك أن تشاركينى فيها . فان مثل هذه الفكرة بعيدة عن ذهنى ! لكننى فكرت أنه فى مثل هذا الوقت ، اذا لم يكن لديك غرفة ، فأننى أستطيع أن أجد لك ... فى الفندق الذى أقيم فيه عادة ، لقد قلت مرة لفتاة الخزانة ، أنه اذا لم تعطنى غرفة سأنام معها ، كعقوبة ! الآن تفهمين ! هل أحمر الشفاه هذا من السوق السوداء ياآنسة ؟
نظر الى جولييت كمن يلدغ بكلامة دون أن يظهر عليه شئ.
وحينما كانت جولييت تحاول التقدم وسط الزحام على الرصيف ، فكرت أن رجل القطاركان مثيرا للقلق . فالتقتت وراءها عدة مرات . وبدا أنها تقدمت كثيراً على المسافرين الذين كانوا معها فى العربة . وفضلا عن ذلك ، أكان عليه ان تحس بالقلق من كل شخص يدعو للقلق ؟ هل كان من الطبيعى على سبيل المثال أن تتشبث بها المرأة الحولاء ؟ ربما كانت مجرد امرأة تجلب المؤن من الريف للمتاجرة ، وتصورت أن جولييت تفعل مثلها ، ولأنها كانت خائفة ، فقد يطمئنها أن تتصور أنهما شريكتان ... وخرجت جولييت من المحطة ، وأطبقت عليها المدينة ، مظلمة موحلة .

كان موعدها فى صباح الغد ، وكان احدهم قد أعطى لها عنوان أحد الفنادق الذى يمكن أن تجد فيه غرفة ، اذا ما وصل قطارها متأخرا للغاية ، وقد وصلت الى هناك نصف ميتة من الارهاق ، فلم تعد قادرة قطعاً على أن تحتمل ما هو أكثر من ذلك . كان الفندق يقع وسط فناء ، وعلى مقربة من صاحب الفندق كان كلبان ضخمان من نوع الوولف ، بدينان ، يقاومان وهما يزمجران محدثين ضجة هائلة . ولم يطلب من جولييت أن تملأ استمارة فندقية . وقادها من خلال سلم ضيق الى أحدى الغرف ، شديدة الدفء ، وكان هذا هو كل ما عرفته : فقد خلعت ملابسها ، وعيناها مغمضتان ، وتأهبت للنوم فأستغرقت فى النوم على الفور ... ثم نهضت وهى تقفز وارتدت معطفها فوق قميص النوم ، ولبست خفها ، وخرجت الى الدهليز ، فقد نسيت فى مكتب الفندق لفافة الأرنب .

كان الدهليز خانق الصمت تنبعث منه رائحة التدفئة المركزية ... أخذت جولييت تتلمس طريقها حتى السلم ، وأستعدت للهبوط حين رأت من مكانها المرتفع ، باب المدخل يفتح : أنهم رجال ... ثلاثة ... خمسة ... ثمانية ... قبعات ملساء ، ومعاطف ، وظهور غليظة ، وصخب ... وأستندت جولييت على الجدار . ، أملة أن يظنوها أحد رسوم الحائط ، ولم تفر حتى فى أن السلم لم يكن مضاءا ، وأن هناك احتمالا ضئيلاً جداً فى أن يراها أحد من أسفل .
قال أحد الرجال وهو يفرك يديه :
- ها هو ذا المخبأ .
قال آخر – حسناً ! ، وهو يلقى بنظرة دائرية شملت الفندقى الذى خرج من مكتب الفندق والكلبين الضخمين اللذين يتبعانه ، واللذين أخذا يدوران بين الرجال فى الحال بخطوات ذئب ، وهما يزمجران ....
- آه حسنا ، لابد من السير ثمانية كيلو مترات حتى نصل الى هناك ...
ثم مروا ... واحدا بعد واحد ، الى داخل المكتب ... وانتظرت جولييت أعلى السلم فى الظلام ، لابد لها من لفافة الأرنب ، لابد بأى ثمن ... وأخذت تفكر مع وجود مثل هؤلاء الرجال داخل الفندق ، رجال العصابات ، والسوق السوداء ، المسيرة الطويلة على الثلوج ، ولفافتها التى يسحبونها وراءهم على الجليد !! خيم الصمت تماما مرة أخرى ، وانتظرت جولييت برهة طويلة ، ثم اندفعت هابطة . كان المكتب غارقاً فى الظلام ، لكن لم يكن عليها الا ان تضئ النور ، وتذكرت أين وضعتها ... ياليتها لاتزال هناك ... لقد كانت هناك !... حمدالله ... ثم أخذت تصعد السلم قفزاً .

ورقدت مرة أخرى دون أن تطفئ النور ، وظل قلبها يخفق بجنون ، وقد كانت تشعر بخوف شديد ، قبل أن تنام ... وشيئاً فشئياً ، بدأت معالم الغرفة تتبين أمامها ، وبدأـ تفكر من جديد مثلما كانت تفكر فى المنزل الريفى ،(مع ذلك , الديهم الصفاقة ليرسلونى الى مثل هذا المكان ... ! ) لان المرء ليس فى حاجة لان يقيم فى مثل هذه الأماكن لكى يعرفها ، ثم نامت على الفور .

كان هناك بالقرب من الباب لافته نحاسية ممكتوب عليها : دكتور أرنولد ، أمراض نساء ، فقد كان منزلاً جديد تماما ، شديد البياض ، يشبه منديلاً أبيض سقط فى وحل منازل ليون ، ارتقت جولييت سلما، وكانت رائحة الطلاء والجص تنتشر ، ثم قرعت جرس الباب المصنوع من خشب الماهوجنى ، وكانت اللافته النحاسية وزر الجرس يلمعان ، وكأنهما شمسان حقيقيتان وأتت خادمة لتفتح الباب : ( هل لديك موعد ياأنسة ؟) . ثم قادت جولييت الى صالون صحى للغاية ، ذى مقاعد من الخيرزان ، وخشب أرضيته يلمع ، دون سجاجيد ، به منضدة للكتب والجرائد يستقر فوقها غطاء زجاجى ، وخزانتان زجاجيتان فيهما آنية خزفية ، وقد كان مدهشاً للمرء أن يراها بدلاً من الادوات الطبية المصنوعة من الصلب . وأستقرت على الجدران رسوم بالألوان المائية تحت الزجاج ، بينما كانت هناك فى أحد الاركان منضدة مستديرة ذات سطح زجاجى ، تستقر فوقها باقة كبيرة من أزهار الميموزا ( الست المستحية )) ، وجلست ثلاث سيدات ينتظرن وهن ناعسات فى صمت صالون الانتظار . وتناولت جولييت مجلة ( الأحد المصورة ) وحاولت أن تقرأ ... لم تحاول السيدات ان يفعلن حتى ذلك ، فهن ينتظرن فحسب ، ومر الوقت ، ولا شئ يتحرك خلف الأبواب ، فأخذ الصمت يطن فى أذنى جولييت وكأنه ذبابة ضخمة سوداء ، وبدأت تغفو حين أنفتح الباب وظهر الدكتور الأشقر ، وقفزت احدى السيدات منتصبة على قدميها ، فتنحى الدكتور جانباً حتى يدعها تمر . وعادت جولييت الى الانتظار مرة أخرى . ولكن هذه المرة لم يطل ذلك . وحين فتح الباب من جديد . خاطبها الدكتور قائلاً ( هلى تأتين ياآنسة ) قال ذلك وهو يشير بيده فى نفس الوقت الى السيدة الأخرى التى كانت قد تحفزت للنهوض حتى يعيدها الى مكانها ، وقد فعل ذلك بطريقة مفاجئة وكأنه يقوم بحركة جراحية .

قال – ماذا وراءك ؟ وهو يغلق الباب ويذهب للجلوس على مقعد خلف المكتب ، وجلست جولييت فى الاتجاه المقابل . وقد كان لمنضدة الفحص التى جلست وراءها مظهر أداة تعذيب تنتمى الى الماضى ذات أهاب أبيض . أما التحف الصينية فى الخزانة الزجاجية فلم تكن موجودة بالنسبة الى جولييت .
- يمكنك أن ترسل الى هناك عشرة والحد الاقصى أثنا عشر ........ من الواضح ، أنهم ينتظرون تقريباً فى كل المزارع دفعة حاسمة للعمل ... ولكن الرجال هناك سيأكلون جيداً حتى دون بطاقات التغذية ، هناك من الممكن ارسال رجال حركة الانتفاضة بل يمكن اخفاء السياسيين أيضاً .
- - آه . لا يضايقنى هذا ، لدى منهم أثنان ينامان فى صالون الانتظار على الارض . ثم فرك الدكتور يديه ، وكانتا ورديتين لأنه يغسلهما مائة مرة فى اليوم .
- - لقد أحضرت لك هذا ... ونقبت جولييت فى اللفافة ، ورفعت الأرنب ، وأخرجت رزمة من الأوراق المالية :- ان مجموعها مائه ألف .
- - هل حملت هذة الرزمة فى لفافة طعام مفتوحة ، معرضة لكل الرياح ، ألا تكونين حذرة على الأقل ؟. وأحصى النقود سائلا – كيف تسير أحوال دومينيك ؟
- لايبدو أن أحواله تسير بشكل سئ – أنه يبعث اليك بتحياته .
- - هناك أمر آخر ، لقد علمت فى التو ، انهم على وشك أن يعتقلوا ستة رجال من أفينيون ، وهم من عمال السكك الحديدية ومن طراز ممتاز ، وأعتقد أن أمامنا وقتاً نحول فيه دون ذلك ، وعلى اى حال فهناك فرصة ... وليس لدى أحد على الأطلاق لأرسل به الى هناك ، ولا أستطيع أن أذهب بنفسى ، هذا مستحيل تماما بالنسبة الى ..... هل بمقدورك أن تذهبى الى هناك على الفور ... انهم ستة رجال ....
- قالت جولييت – حسنا ، لكن هل سيكون لدى وقت لأعود الى بيتى ، كى أغتسل وآكل ....
- - هناك قطار فى الساعة الرابعة وبعض دقائق .... هذا رائع ! ، شئ آخر : وبما أنك ستذهبين الى أفينيون ، فيمكنك ان تحملى الى هناك فى نفس الوقت بطاقات التغذية ذات اللون الأبيض : لان الفتية اذا كانوا سيرتادون الادغال فسوف تكون ذات نفع لهم ، وعلى اى الأحوال فقد وعدت سلستان بها .... انه يدعى سلستان. الرجل الذى سترينه فى افينيون ، اثناء عودتك ستتوقفين فى فالانس لانه لابد من توصيل بعض البطاقات الى رجالنا هناك ، سوف تكونين حذرة ، اليس كذلك ؟

قالت جولييت – أنى شديدة الحذر ... لكن اذا كان بمقدورك أن تقدم لى قدحا من أى شراب ساخن ... فليست صحتى على ما يرام ... لا اعرف ما بى . اننى لم أتناول افطارى هذا الصباح .

- أننى أسالك الصفح ، فأنا أنسان فظ غليظ القلب – ودق الدكتور الجرس – سوف تحضر اليك ما تريدينه، ثم تتناولين قدحا ضغيراً من الخمر ... لقد رحلت زوجتى مع الأطفال بمناسبة عيد الميلاد .... لكن ليس عليك الا ان تذهبى وتتمدى فى الغرفة . مادلين ، خذى الآنسة الى الغرفة ، وقدمى لها طعاما مسلوقاً ، وخبزاً محمصاً ، يجب أن تستريح قبل ان ترحل . سوف اصرف السيدات بسرعة ثم اصبح تحت امرك .

وكان يبدو على جولييت ما يكفى من الكآبة . فالخادمة التى أظهرت عناية فائقة بهذه الشابة التى ربما كانت حاملا ، لم يثر دهشتها شئ .. ثم رفعت بسرعة غطاء الفراش الحريرى ، وتمددت جولييت على الفراش الزوجى العريض ، فراش الدكتور ونامت بعمق حتى دخل الدكتور الى الغرفة .

قال الدكتور ، وهو يجلس على الفراش :
- شئ آخر ، ان الوقت هو الظهيرة واذا كنت تودين ان تمرى على بيتك ... حين عودتك من أفينيون ...
- لا تنس أنه عند عودتى من افينيون ستكون الاعياد قد انتهت ، ولن اكون حرة الا فى الصباح . وهناك صناديق الخطابات ... ألم تحدثنى عن كوب صغير من الشراب ؟
- أننى انسان فظ غليظ القلب ... مرر الدكتور يدية الورديتين فى أمواج شعره الأحمر :- سوف أبحث لك عنه ... وبدلا من أن يفعل ذلك تناول يد جولييت وقبلها :
- ياطفلتى المسكينة ، هذه ليست حياة ، فى فراشى فتاة جميلة ... وبدلا من أمارس الحب معها ، فأننى اسعى لارسالها الى الشيطان ، لتمارس مهنة لا تلائمها مطلقاً ... اتقولين لى أن هذا شئ عادى .....!
- لا ، انت الذى تقول ذلك !
- لك أن تسخرى منى ، هيا ... انت لا تقولين ان هذا شئ غير عادى ، بينما فى الوقت الراهن كل شئ غير عادى يمكن للمرء ايضاً ، اذا لزم الامر ان يوقع بامراة ... لكن كيف يمكن ان يتوفر الوقت ، وراحة البال الضرورية حتى يمكن للمرء ان يتحدث عن الحب مع طفلة ساحرة مثلك . فلا أحد يجد الوقت لانجاب الاطفال الا بصعوبة ...
وقالت جولييت – لك كل العذر ! وأحمر وجه الدكتور كأنه فتاة صغيرة ، ثم نهض قائلاً :
- سأذهب للبحث عن هذا الشراب وغادر الغرفة .
ارتدت جولييت حذاءها والتهمت الطعام البارد الذى كان موضوعاً على صينية بالقرب من الفراش :
- آمل أن يكون طيب المذاق فى فمك ...- لقد عاد الدكتور وفى يده زجاجة من النوع الممتاز ، وقدحان – أنت تعلمين أن مثل هذا لايمكن العثور عليه فى الوقت الحالى ... ها هى البطاقات ... أين ستضعينها ؟
- تحت الأرنب .
- رائع ، هل هى جيدة ... رائع ... عجلى الآن باعطائى كل التفاصيل ... عن المخابئ عند الفلاحين .
- من الأفضل الذهاب أولا عند آل بورجوا ...
بدأت جولييت تشرح فى تسلسل كيف يجب التصرف – كان دومينيك قد كلفها بأن تقول ، بأنه لا شئ يمكن التأكد منه فيما يتعلق بمنطقة الهبوط ، وأنه سيكون عملا شيطانياً فى هذا البلد المهجور ، حيث الناس طيبون ، طيبون للغاية ... فى بلد آل بورجوا ، اذا كان يمكن للمرء ان يسمى ذلك بلدا رغم المسافة التى تفصل بين المزارع ، لقد صوت الناس جميعاً للشيوعيين فى 1936 ، وهذا يدلك على مقدار حب الالمان لهم (!!) ، لقد حكى لها آل بورجوا ذلك . ومن المضحك أن يكون اسمهم آل بورجوا وهم شيوعيين ... اما منطقة الهبوط القديمة فتعمل بصورة جيدة ، فقد وضع دومينيك بعض الناس هناك ليتلقوا الطرود الملقاة بالمظلات ...

- رائع ... ان قطارك سيقوم فى الرابعة والدقيقة الخمسين . كل ما يجب عليك فعله حين وصولك هو أن تتصلى هاتفياً ، هذا هو الرقم ، وهذه هى قائمة عمال السكك الحديدية المطلوبين ، عليهم أن يهربوا على الفور ، دون أن يضيعوا الوقت فى جمع حاجياتهم ، وفى تقبيل زوجاتهم ... فربما توقف الأمر كله على دقائق ، وربما كانت مسألة حياة أو موت ... هل فهمت ؟ عليك أن تسألى هاتفياً عن السيد سلستان ، وسوف يحدد لك موعداً لتسلميه القائمة ، اذهبى بسرعة ياطفلتى ، هذه مسألة حياة أو موت ، لا تنسى ذلك ...
- - لن انسى ...
- - حسنا ... هل أنت حذرة ؟.
- أنى حذرة .
- تعالى لرؤيتى عند عودتك .
-
- *****
-
حين عرفت الخالة (ألين) و (جوزيه ) انها سترحل مرة أخرى ، اصابهم الغم ، أترحل ليلة عيد الميلاد ... لقد وقفت الخالة ألين فى الطابور طوال ثلاث ساعات لتحصل على المحار ، ولديهم كرنب بالنقانق الحقيقية كبديل عن الديك الرومى ... ولم يستقبل الارنب الذى احضرته جولييت الا بنصف حماسة لانهما سيأكلانه دون أن تكون معهما ، وكان حريا ببابانويل الا يأتى اذا عرف ان جولييت لن تكون هناك ، وارتمى جوزيه على الفراش ... فى الغرفة . وكان سماع انتحابه امرا بشعاً ...
- انى اؤكد لك ياخالتى الين انها مسألة حياة أو موت ...

ولم تقل الخالة الين التى كانت منتصبة القامة دائما على الرغم من أن صدرها قد تهدل وكان رأسها الأبيض يترنح قليلا ، شيئاً ، وبدأت تعبث بالاوانى الموضوعة فوق الفرن . كان المصباح الكهربائى مضاءا فى وضح النهار ... وكان المطبخ مطلا على الفناء وكان يمكن للمرء أن يبقى فيه لانه المكان الوحيد الذى تمت تدفئته ، ووضعت أدوات المائدة على الغطاء ، الذى تقشر طلاؤه ، أدوات لشخصين اثنين ، فلم يعد أحد ينتظرها على الافطار ، ولم يكن هناك سوى البطاطس ، وقطعة جبن بالصدفة ... هل كانت تريد قدحا من النبيذ ... من ناحية المبدأ ، فأن الناس يحتفظون بالنبيذ من أجل ليلة عيد الميلاد ، أوه ... الأمر سواء بالنسبة الى ... فى الغرفة الطويلة الضيقة ، حيث يوجد مخدع بعيد الغور ، كانت جولييت قد جذبت الاسرة بعيدا عنه لانها لم تكن تحب ان تنام فى كوة الجدار ، وقد كانت تلك الكوة مناسبة على العكس من ذلك لتخزين البطاطس ، فى هذه الغرفة الضيقة التى يوجد بها سريران متماثلان من الحديد ، وعند مؤخرتهما سريرجوزية الصغير ، راح جوزية يبكى وهو نائم على بطنه ، وقد دفن رأسه فى وسادة جولييت ( كان ينام دائماً فى فراش جولييت)...

قالت جولييت – يامعبودى الصغير ، ياقلبى ، وراحت تمطره بالقبلات قائلة ، كن رجلاً ، أنت تعرف جيداً ان الالمان اشرار ويجب طردهم من وطننا...

لا أريد أن تطرديهم حين يكون اليوم هوعيد الميلاد ، أطرديهم فى يوم آخر...

سوف تحصل على حصانك وأنا غائبة ، لقد وعدتك به ، وسوف تتعلم كيف تمتطيه حتى تصبح فارساً حقيقياً عندما أكون قد عدت ، بعد غد ، هه، وسوف تحتفظ لى بالكرنب المسلوق ، فهو يبقى فى حالة جيدة ، وأنت تعرف ...
- والمحار ؟
- المحار ، سأشترى منه ثانياً ، ربما أجد بعضاً منه ... أتريد ... سوف تنال قطعة كبيرة من الأرنب ، هل تحب الأرنب .... ياقلبى الصغير المعبود .

أنها لم تعنفة حتى على صعوده بحذائه فوق غطاء الفراش المطرز الذى أحضروه معهم من باريس ... أخذته بين ذراعيها ... بينما بدا الصغير جوزية ، وهى يحترق بالدموع والحزن ، وعيناه ماستان سوداوان ، شعره مموج الخصلات ، وجسمه قوى ، ووجهه متورد من الدم النقى ، كفلاح قطالونى صغير .

- لقد قالت لى الخالة الين أنك تعرف القراءة الآن .... هل هذه القصة حقيقية ؟
جرى جوزية الى المنضدة الصغيرة الواقعة بين السريرين ، وهى منضدة استقرت فوقها صورة فوتوغرافية كبيرة فى اطار من الفضة ملفوفة بشريط حداد أسود (وهى صورة شقيق جولييت الذى استشهد فى ليبيا ) . ودورق ماء ، والكوب الذى تضع فيه الخالة الين طاقم أسنانها قبل أن تنام ، ومنبة صغير مطلى بالنيكل ، حملته أيضاً معها من باريس ، لأنه ثمين ... ولم تكن كآبة هذه الشقة المفروشة لتحتمل من جانب الخالة الين ، دون بعض هذه الاشياء التى تخفى عنها بؤس قطع الاثاث العرجاء ، ( لقد تم طلاؤها بعناية ، لكنها بقيت دائماً مغبرة ، تالفة ، بعيدة عن النظافة ، والآنية المشدوخة ، وأوعية الطهو المثقوبة ، ما أشد كآبة هذا المنزل ، الدهليز ، والدرج المظلم ..... يقال أنهم يدفعون فى هذا الكوخ القذر سبعمائة فرتك فى الشهر ، وهم راضون أيضا بحصولهم عليه بعد عام من الحياة فى الفندق ، ومعهما طفل ..

لقد كان هناك أيضا مغسل فى الغرفة ، ذو مياة جارية ، وخلعت جولييت ملابسها ، واغتسلت بينما جوزية على ساقيها . وقدمت لها الخالة الين ( بلوفر من الصوف ) قد أنتهت من صنعه : هديتها فى عيد الميلاد . فأرتدته جولييت على الفور ، وما أسوا ذلك فسيتسخ خلال الرحلة ، وقد كان جميلا جدا ... أزرق مثل الذى يرتدية الملاحون . يصل حتى أعلى العنق ، وطراز ( غرزته ) شديد التعقيد من ابتكار الخالة الين .

تناولوا أفطارهم فيما يشبه المرح ، وشربوا القهوة ... رغم ان جولييت غمست يدها فى الماء الساخن ، ألا انها لم تنجح ابدا فى تنظيفها بعد هذه الأيام القليلة التى قضتها فى الريف ، ان نار الخشب هذه شئ فظيع ، ونفضت الخالة الين عن معطفها الأرزق – فى لون معاطف البحارة – الغبار بالفرشاة ، وقد كانت الخالة تقول فى كل مرة تضع عليها يدها ، أن جولييت قد أحسنت صنعا فى اليوم الذى اشترته فيه نقدا من بيت تجارى كبير لانه لا يبلى ، وبالاضافة الى ذلك فان هذه المعاطف(السبور) لا يبطل طرازها ابدا ...
( أننى اسأل نفسى عما اذا كان حذاؤك سيبقى صالحا حتى ينتهى الشتاء .... ) قلبته الخالة فى كل اتجاه ، وهى تدهنة بطلاء نفاذ الرائحة ، أن جميع أنواع الطلاء فى الوقت الحاضر لها روائح نفاذة ... لكنها لا تنظف شيئاً ... هل استقبلها الفلاحون بحفاوة آنذاك ؟ لقد كان هناك تقدم اذن فى الروح المعنوية للبلاد ، لذلك ربما ينتهى بهم الامر الى الوعى ... هل تتناولين قدحا من الشاى قبل ان ترحلى ...

وأرتدت جولييت غطاء الرأس ، ثم قبلت جوزية والخالة الين متأهبة لان تلحق بقطارها ، نعم ، سوف تكون حذره ، حذره جدا...

يليه القسم الثانى والاخير



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الأدب الفرنسي المقاوم للنازية - مقدمة
- المنظور اللينينى للقانون - ى . ب باشوكانيس
- المنظور الماركسى الطبقى للقانون - جانيجر كريموف
- الحراك الشعبى والمزاج الجماهيرى - حزب العمال الشيوعى المصرى
- فى ذكرى حرب العاشر من رمضان ( ملاحظات حول حرب أكتوبر 1973)
- عن بعض وثائق حزب العمال الشيوعى المصرى فى المكتبات العالمية
- كارل كاوتسكى ونظريته عن العرق اليهودى
- آليات خطاب السلطة الحقوقى - سامى ادلمان ، كين فوستر
- علم النفس السياسي البورجوازى - نقد العقل القمعى وميتافيزيقا ...
- المقولات القانونية ونشأة الراسمالية - يفيجينى ب . باشوكانيس
- حول مفهوم تأويل النص القانونى - بول ريكور
- بعض المنظورات الماركسية حول الدولة والايديولوجية القانونية - ...
- القانون واستبطان العنف - جاك دريدا
- حدود مفهوم استقلال القضاء فى المجتمع الرأسمالى - بيير بورديو
- فى ضرورة تهيئة الشعب للثورة - تشرنيشفسكى - ترجمة فيتولد ليبو
- فى معنى المقاطعة الايجابية للانتخابات
- العجز والتشوش ف . ا . لينين ( ملاحظات )
- المفاهيم النظرية والسياسية وانعكاس امزجة الثورة المضادة فى ص ...
- التفسخ الايديولوجى والانقسام فى صفوف الاشتراكيين الديموقراطي ...
- من ارشيف حزب العمال الشيوعى المصرى - الكارثة الوطنية فى لحظت ...


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد العليمى - من الأدب الفرنسى المقاوم للنازية - الفسم الأول