أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - غلالة وردية/ قصة














المزيد.....

غلالة وردية/ قصة


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 5699 - 2017 / 11 / 15 - 14:20
المحور: الادب والفن
    


تنهض من سرير قيلولتها في عزّ الأصيل، تتمطى أمام النافذة التي تطلّ على النهر العريض، ينتابها الإحساس بأن الشيء الذي تريده سيحدث هذا اليوم قبل المساء. كل الموجودات الأليفة في بيتها الأنيق تقول ذلك: السرير المكين، أرضية الغرفة المفروشة بالسجاد، رفوف الكتب، اسطوانات الموسيقى، فساتينها الزاهية المتناثرة في كل الأنحاء، والغلالة الشفافة التي تنسدل على الجسد البض معلنة عن رقة بلا حدود.
تخلع الغلالة في تباطؤ مقصود كما لو أنها تستثير عيوناً خفية ترصدها من مكان ما، وتدرك أنها ملّت العلاقات التي تجري وفق روتين تعودت عليه النساء: لقاء، دعوة للرقص ثم إغراق في شرب النبيذ تعقبه عودة إلى البيت، والنوم في لذة حتى الصباح. مزاجها اللجوج يتوق إلى شيء مختلف، تحدق في النهر وهي عارية، يتواطأ النهر مع رغباتها بتدفقه الرصين، تنطلق نحو الباب، تفتحه، ترنو إلى الجدران والسلم الهابط والعتمة الخفيفة التي تضاعف من حدة الصمت، تترك الباب موارباً على نحو مثير للتساؤلات، إنها تلعب لعبتها الغامضة، وتعود، تستلقي في الحمام تحت انصباب الماء على الجسد، وتتوقع أن الشيء الذي تريده سيحدث هذا اليوم قبل المساء.
ينهض من سرير قيلولته قبل المغيب بساعات، يتأمل من نافذة البيت في الطابق الثاني عشر شرفات البيوت في البناية المقابلة، تجلس النسوة الأوروبيات حاسراتٍ ثيابهن في الشمس البهيجة التي لا تظهر إلا لماماً، وثمة غسيل متنوع بألوان صارخة يتدلى من الشرفات: إنها حياة كاملة يحياها الناس. يتأكله الحنين إلى بلده البعيد، فقد أضجره التنقل من بلد إلى بلد وأعياه الإنتظار. فجأة يستفزه إحساس غامض يدعوه إلى مغادرة البيت بحثاً عن أجواء لم يعشها حتى الآن، فقد ملّ هذا الروتين اليومي المتكرر الرتيب.
يرتدي ملابسه، يمضي بمحاذاة النهر تاركاً لقدميه أن تأخذاه إلى أي مكان، يغتاظ قليلاً وهو يلمح أن النهر في احتدامه العميق يخفي عنه سراً ما، يتمنى لو أن له مصباً ينتهي إليه مثل هذا النهر كل مساء، ويمضي، لا يلتفت للنساء المتسكعات في الطرقات وخلفهن أطفال يتراكضون في جذل، يقترب من صف البنايات الجديدة التي لها رونقها الخاص، يهم باجتياز مدخل البناية الأولى. غير أنه يقرر في اللحظة الأخيرة ودون سبب واضح أن يتخطى البناية الأولى والثانية، يجتاز مدخل البناية الثالثة دون قصد، تثير العتمة الشاحبة عند أول السلم نشوة غامضة في داخله ممزوجة بظلال لمخاوف عصية على التفسير، لم يخطر بباله أن يتجه إلى المصعد، فهو يحب ارتقاء السلالم لأن لها تاريخاً يستطيع قراءته دون عناء، فثمة آثار بشر وروائح تظل عالقة بالسلالم، فتجعلها باعثة على التأمل والخشوع وتوقع المفاجآت.
يتوقف عند بسطة السلم في الطابق الثالث، يحدق في الأبواب الثلاثة المغلقة بإحكام، يصغي بانتباه لعله يميز شيئاً خلف الأبواب، يسمع الرنين العذب لكؤوس الزجاج، يسمع تنهيدة خافتة كأنها قادمة من زمن سحيق. كم هي مثيرة للفضول هذه البيوت التي تنطوي على عالم من الأسرار! يسمع صرخة طفل، يكتئب لحظة، يفكر بالرجوع من حيث أتى، غير أنه يغالب نفسه ويواصل الصعود. لدى بسطة السلم في الطابق الخامس يشم روائح أطعمة، وثمة امرأة تغني كعادة بعض النسوة وهن يعددن الطعام، في الطابق السابع كان جرس الهاتف يرن بإلحاح، وليس في البيت من أحد، لأن رنين الجرس انقطع بعد برهة مخلفاً في الصمت بعض الحزن وكثيراً من الاحتمالات. في الطابق الحادي عشر باب مفتوح، يحدق بحذر عبر الباب، يرى عن بعد غلالة وردية مطروحة فوق السجاد، لا يفكر بالضغط على زر الجرس، فالباب مفتوح، والصمت المتمدد في الداخل يغري بالدخول، يدخل دون استئذان، ويدرك أن هذه مغامرة طائشة، غير أنه لا يرعوي، يتوقف برهة عند الغلالة كأنها قطة تنام، يحملها بين ذراعيه، يلقي بها برقة فوق السرير. يمشي بخفة نحو الحمام. هناك، كانت المرأة تسبح في بركة من الدم، عيناها شاخصتان نحو الأعلى دون حراك.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن القدس والسينما/ مقالة
- أحد عشر قطًّا/ قصة
- بيت الأخت/ قصة
- عائد من الحرب/ قصة
- له قلب طفل/ قصة
- الوالدة العزيزة/ قصة
- خاصرة العروس/ قصة
- تحت ضوء الثريّات/ قصة
- ثدي الأم/ قصة
- مطر متأخر/ قصة
- قماش ملون/ قصة
- قحط/ قصة
- قطٌّ شريد/ قصة
- ضياء شاحب/ قصة
- لا مكان للقطة/ قصة
- مارتا التي تشبه العصفورة/ قصة
- خوف متبادل/ قصة
- في الغابة ومعنا الطفل/ قصة
- عادات أسرية/ قصة
- رحيل متكرر/ قصة


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - غلالة وردية/ قصة