أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - بين الزمان والمكان














المزيد.....

بين الزمان والمكان


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 5678 - 2017 / 10 / 24 - 17:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أحد الأخوة, صديق لي على صفحة التواصل الإجتماعي, لم يكن مخطئا حينما سألني عن سبب إغراقنا, نحن الذين خرجنا من العراق, على الإصرار في الحديث عن قضاياه, وربما أكثر مما يتحدث الساكن فيه.
هذا الصديق يرى ان خيار الإغتراب قد أكل من حقنا, على الأقل في حجم هذا الإغراق, إن لم يكن في طبيعته, متسائلا عن ما إذا كان من حق المغترب, الساكن في بحبوحة الغربة بعيدا عن الهم العراقي, أن يمنح نفسه حق الحديث كحق ساكنه, ذاك الذي يعيش المحنة بكل تفاصيلها المؤلمة.
لا أشك بالنوايا, فالرجل كان بصدد العثور على تفسير مقنع, أكثر مما كان بصدد مصادرة حق, وهو على الأقل كان يظن نفسه محقة في الإعتقاد أن حديث المغترب عن مِحنٍ لم يعد في الوسط منها هو نوع من الترَف الذي قد يفقد المغترب عمق الإحساس, وربما يفقده أيضا صدق النوايا, والأكثر انه قد يفضي إلى نتائج لا تنضبط ضمن حسابات المكان وإحتراساته.
كثير من الأحاسيس ربما تفسر ببلاغة هذه الإشكالية التي طرفاها, واحد يصر على أن الذين ليسوا في المكان ليسوا في الزمان, وآخر يرى أن مغادرة المكان لا تعني مغادرة الزمان, فيبقى فيه, بكل روحه, رغم أنه غادره, بكل جسده.
وأعلم أن الحوار حول ذلك قد يجرنا, أو قد يستدعي الدخول في تعريفات فلسفية لمعنى المكان والزمان, فترانا ندخل في عالم من الأفكار والفسلفات التي ستشغلنا كثيرا عن بساطة الجواب على سؤال كان صاحبه قد صاغه بمشاعره, قبل وعيه, وكان قد نفثه من معاناة, منحته لشدتها, شعورا بأن كل من يتحدث من مكان غير مكانه يمارس في الواقع نوعا من الترف الفكري الذي لا صلة له بالأحاسيس ولا علاقة له بالمشاعر, فهو إذن بالتالي فاقد لصدقية الحديث عن شئء لا يعيشه يوم فقد الإحساس به كما أهله الذين يعيشون فيه.
لكن الهجرة العراقية اليوم لم تعد كسابقاتها حين كانت النقلة من المكان العراقي إلى مكان الإغتراب هي نقلة خيارية أكثر منها نقلة قسرية. إن آلافا من العراقيين, بل عشرات الألوف منهم, بل مئات الألوف منهم, بل عدة ملايين وجدوا أنفسهم فجأة مضطرين للهرب من مكان طارد لهم. وكانت الأخطار التي دفعتهم إلى هجرته قد تراوحت بين الموت ذبحا وبين الموت حنقا أو الموت إكتئابا وقرف.
هؤلاء لم يفارقوا المكان حبا في غيره, ولم يتركوه بحثا عن متع أو لأجل زيادة في أرباح, وإنما هم إضطروا إلى مغادرته تاركين وراءهم ذكريات عُمْر لم يعد ما تبقى منه كافيا, أو قادرا, أو مشجعا, أو محفزا لبناء حياة جديدة بإمكانها أن تعوضهم عن حياتهم العراقية السابقة التي كانوا تركوها خلفهم قسرا.
حتى الشباب منهم, الذين حققوا نهارا نصف نقلة خارج الزمن العراقي ترى البعض منهم يلجأ مساء للعودة إليه من خلال أكلة للمسكوف في مطعم عراقي أو أنفاس لشيشة فواحة بعطر التفاح.
أما الشيوخ منهم أو العابرون إلى الشيخوخة, الذين لا يملكون خطاب المهجر,فأنت تراهم يعيشون على حافته, وفي داخل أمكنة صنعوها لأنفسهم حتى تراها وكأنها مدن عراقية تعويضية.
وهم, حينما وجدوا أنفسهم في مدن المهجر, فقد دخلوا مكان المهجر, لكنهم لم يدخلوا زمانه, حيث الدخول إلى الأول قد تكفلت به سمة الدخول, أما الدخول إلى الثاني فكانت تعوزه سمة لا يحصل عليها المرأ من سفارة أو يشتريها من مهربين, بل هو يحصل عليها من داخل ذات لم تعد قادرة على أن تجد نفسها في مكان غير مكانها القديم.
إسأل أي واحد منهم عن أكلته المفضلة فسوف يقول لك أنها المسكوف أو الدولمة أو التشريب او الباجة, ولو أنك طلبت منه ان يعدد لك اسماء الوجبات المهجرية لما إستطاع أن يتعرف إلى أكثر من واحدة, أما لو أتيح لك أن ترافقه في سيارته فسوف لن تسمع غير صوت لمطرب عراقي يتغنى بالمكان والزمان العراقي, وإن حدث وإن جلست إليه في داره فسف تراه يطارد الفضائيات العراقية والعربية بحثا عن آخر الأخبار.
هؤلاء العراقيون قد يكونوا خرجوا من المكان العراقي, لكنهم بكل تأكيد ما زالوا يعيشون الزمن العراقي, بل لعلك تراهم يعوضون فقدانهم المكان بمزيد من الإغراق بالزمان.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البارزاني .. الزعامة القبلية في مواجهة الضاغط الديمقراطي
- من العنصري فينا يا أخوتي الأكراد
- أصل القرد .. إنسان
- إسرائيل وكردستان العراق
- براز الشيطان
- طشاري .. ما بعد الدولة الكردية
- عين على الدولة الكردية أم على الدولة السنية
- كيف أضاع صدام العراق وضيَعّه .. الأثرة والجزع
- هل إحتل العراق الأكراد كما يدعي دعاة الدولة الكردية
- الأكراد .. عرب !
- العراقيون وإسرائيل
- مسعود لن يشق لكم البحر بل سيغرقكم فيه
- بيت بلا أسوار
- الإستفتاء وإعلان الدولة الكوردية المستقلة هل سيكونا كويت الب ...
- علي الأديب وفقه التبعية والعمالة
- الحرب العراقية الإيرانية .. من كان البادئ لها (2)
- الحرب العراقية الإيرانية .. من كان البادئ لها
- تجارة الدولة المدنية وسوق الأغلبيات السياسية في العراق
- أغلبية المالكي السياسية
- من يجرؤ على الكلام


المزيد.....




- السعودية.. مدير مكتب محمد بن سلمان يثير تفاعلا بصور تخرج ابن ...
- لحظة تفاجؤ متحدثة خارجية أمريكا عند علمها من مراسلة CNN بتغي ...
- العراق.. فيديو غضب مقتدى الصدر وما فعله على منصة خلال كلمة م ...
- بولتون: الفوضى جزء من حمض ترامب النووي
- مستشار سابق لبوتين: صفقة المعادن استعباد استعماريٌّ جديد لأو ...
- ترامب يعلن -أيام النصر- للحربين العالميتين الأولى والثانية
- -نحن نغرق-.. نداء استغاثة من سفينة -أسطول الحرية- المتجهة لغ ...
- مع حلول شهر مايو.. موسكو وضواحيها تتعرض لموجة قياسية من المط ...
- -ناطقة بالروسية-.. واشنطن تعين قائمة بالأعمال لسفارتها في كي ...
- عاجل | مصادر للجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مدينة ن ...


المزيد.....

- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - بين الزمان والمكان