أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - المناضل السابق جهاد النِّمْس














المزيد.....

المناضل السابق جهاد النِّمْس


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5568 - 2017 / 7 / 1 - 02:49
المحور: الادب والفن
    


ما الذي يعيقنا عن تسمية الأشياء والأحداث والأشخاص بمسمياتها الحقيقية؟ هل تكمن الإعاقة في الأخلاق المجتمعية أم في القانون أم في الخوف من الفضائح ولا سيّما إذا ما كانت بيوتنا أيضاً من زجاج، كبيت من نريد الحديث عنه بالكلمات والحجارة؟ أما من لم يكن بيته من زجاج فمن حقه أن يتكلم بوضوح، لكن دون الحاجة للحجارة.

كنّا أطفالاً عندما دخل العشرات من الدراويش في عام 1979 وعام 1981 إلى السجون بتهمةِ الاِنتماء الصداقيّ إلى واحد من التجمعات الحزبية المَحْظُورة، دخلوا إليها في الحقيقة طواعيةً، هذا إذا ما أخذنا العامل النفسي بعين الاعتبار ورغبتهم في التحول إلى رمز وبطل على مستوى القرية أو العائلة، دون وجه حق.

بعد مرور سنة أو سنتين أطلق من كانوا يسمونه بالدكتاتور سراح معظمهم، بعد أن بكوا نادمين، توسلوا وأقسموا له بالأولياء وبالمزارات ذات الأسرار المقدسة وكذلك بحياة الخليفة الرابع، ووعدوه بأنهم مهما طال الزمن سوف لن يقتربوا من مربع الكلام السياسيّ، أمضوا تعهداتهم وعادوا إلى عائلاتهم، واستراحوا من العبء الذي لم يكونوا قدّه.

ولا تنسوا أن هناك قسم منهم ممن قام أقرباؤه العاملون بالقطاع العسكري والحزبي بحرق إضبارته وإخراجه من السجن بعد عدة أيام. وهناك أيضاً من يقول أنَّ السيد عبد الرؤوف الكسم، رئيس سابق للحكومة ولاحقاً لمكتب الأمن القومي، قد تبّنى في نهاية الثمانينات أضابير البعض منهم والمقدّمة من قبل عائلاتهم، وساعد بذلك بعض الأهالي على إيجاد مخارج آمنة لأولادهم ممن تورطوا في طرح شعار إسقاط السلطة.

أسميناهم الدراويش، لأنَّ الثقافة كانت بريئة من أغلبهم، وكذلك المعرفة العامة واللباقة الاجتماعية والعائلية، وكانت تلك التي تُسمّى بالكاريزما معدومة، حتى أنَّ البعض من أفراد عائلاتهم، الزوجة أو الأم مثلاً، رغم عدم دخولهن المدرسة يوماً، كان يعتقد باقتراب تحقيق شعار التجمع، المطلب الاستراتيجي المتمثل بدحر الدكتاتورية، بل ويجهِّز نفسه لاستلام حقيبة وزارية.

خذوا على سبيل المثال حكاية البطل سليمان، التي حدثت فعلاً:
بعد أن أفرجت السلطات المعنية عنه، زاره أهل الضيعة يهنئونه بالسلامة، سألوه في إحدى الأمسيات: قُل لنا أيها الغالي سليمان وأنت المثّقف السياسي الكبير في قريتنا: ماذا يعني هذا المسمّى "صراع طبقي"؟
نظر الكبير إليهم بحزنٍ وفوقيةٍ نظرةَ تأنيبٍ، ولم يستطع الإجابة! لعله شرب كثيراً ذلك المساء، كما عادته، قال لهم باستهزاءٍ: اذهبوا من هنا... تبوّلوا وناموا... من العيب طرح مثل هذه الأسئلة.
في تلك السهرة لم يتمالك أبو الحسن، أحد فلاحي الضيعة، أعصابه، شعر بالإهانة، قال بصوتٍ ساخرٍ: دعوه بحاله يا جماعة، بحضي بديني مفتكر صاحبنا الصراع الطبقي عبارة عن طق طباق ألمنيوم بعضها ببعض، ليس إلا... يالله يا جماعة تصبحون على خير، نهضَ ونهضَ معه الزوَّار.

ما الذي وددت إخباركم به؟ أتمنى ألّا أكون قد ضيّعت الفكرة، ثم أنّ لا رغبة لي في إعادة قراءة ما كتبته هنا، لأنّ هذه القصة تفتقر لخصائص القصة، أرجو أن تعذروني إن لم تصلكم الفكرة، لحظة من فضلكم، لقد تذكرت ما أرغب أن أختم به هذه الحكاية...
قلتُ: كنّا أطفالاً عندما دخلوا المسرح، رغبة منهم بالظهور.

ومع هذا ولجهلنا كأطفال ولاحقاً كمراهقين، ولغياب المعلومة الصحيحة، ولخوفنا من ألسنة نسائهم الأُمِّيَّات فعلاً، تلك الألسنة الصفراء التي كانت دائماً بالمرصاد لكل شاب وشابة، ممن حاولوا نقد بعض الممارسات السياسية الغبية للتجمع، ظناً منهن أنهن قُوَّاداته الحقيقيات، فكان أبسط ما يمكن لهن قوله عن شخص ما، ولا سيما إذا كان ناجحاً بدراسته، محبوباً من وسطه، أو بدأ يكوّن ثروته الثقافية: هذا الشخص مخبر لا تثقوا به، أو هذا الشخص لا أخلاقي، أو مشكلجي. لهذه الأسباب كلها، رحنا نظهر احترامنا وتقديرنا لكل من دخل المسرح وخرج منه، معتقدين أنّه يملك المعرفة وعادة الثقافة السرية.

وقبل أن تضيع الفكرة، سأسارع إلى النهاية.
واحد من هؤلاء واسمه جهاد، قصير القامة والقوائم، مستطيل الجسم والذَّنب، دون رقبة، وجهه يشبه المُضَلَّع سُداسيّ الرؤوس، يصطاد طعامه في الماء العكر، يتغذَّى على الأفاعي السامة والجِرْذَان، رائحة فمه كريهة، أما وضعه المادي فكان في ذاك الوقت ممتازاً ، لذا كان يعتقد أنّه من سلالة الديك الرومي.
المهم هذا المجاهد الذي يكبرني على الأقل بخمسة عشر سنة، والذي لم أدخل إلى بيته إلّا مرة واحدة في حياتي برفقة جاري العزيز نبيل، حيث تحدثنا معه قليلاً بشأن أمرٍ خاص وشربنا عنده فنجان قهوة وودَّعَناه، وأنا كلي فخر لرؤيته، إذ أني، كما كنت أعتقد يومئذٍ، كنت جالساً مع رمز سياسي.

المهم راح هذا المواطن الوقح بعد ذاك التعارف ومازال إلى هذه اللحظة يلاحقني منذ ربع قرن، مع العلم أني لو رأيته اليوم سوف لن أتعرّف على وجهه القبيح بعد هذا الغياب الطويل، يتكلم هذا الأبله عني بالسوء حالما تتاح له الفرصة، يقول للآخرين مثلاً: ابتعدوا عنه، شاب لا أخلاقي، فاشل اجتماعياً، غير محبوب، لا يستطيع أي إنسان معاشرته، مشكلجي، يُغلق الشوارع ويضرب ويقتل، لا أنصحكم بالتعامل معه وما شابه...

المهم، ها أنا أصل إلى النهاية، سأتبرع بباقة ورد لمن يلتقيه ويقول له: عيب يا جهاد، ألا تخجل من أفعالك؟ ما الذي يدفعك كل هذا العمر كي تحقد على شخص، لم يجلس معك أكثر من نصف ساعة في حياته، دون أن يقدم لك أي إساءة، بل على العكس، فقد كان فخوراً بك لأنك دخلت المسرح، بغض النظر عن كيفية خروجك منه، نعم باقة ورد وفوقها بطحة عرق لمن يبصق على لسانه، نيابةً عني.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجر العيد
- نَوَافِذ مَفْتُوحَة على مَصَارِيعِها
- أيام في مدينة لايبتزغ
- هانسغروهي
- حفلة مُنَوَّعَات
- اِسْتِنْفار في مدينة حلب
- الحَكِيّ بسركم يا جماعة
- فاصولياء يابسة
- حوار ودّي
- مِنَ الرَّفْشِ إلى العَرْشِ
- الهارب حسّان
- اعتقال الفصول الأربعة
- الرَّفْش ولا العَرْش
- الشاورما تجعلك أجمل!
- قَالُواْ حَرِّقُوه
- بيض أومليت
- جمعة الكهرباء
- شخصيات يهودية مهمة -1-
- تأثير الفراشة
- حصة رسم وأشغال


المزيد.....




- إعلامية لبنانية تتوعد المطربة أصالة بالسجن
- موعد عرض “ولاد رزق 3” سينيما عيد الأضحى.. قائمة أفلام عيد ال ...
- وكالة أنباء أميركية تفضح زيف الرواية الإسرائيلية لتبرير حرب ...
- المؤسس عثمان ح161 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 161 مترجمة HD ...
- ملحمة تاريخية… مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 25 باللغة الع ...
- الثقافة واليونسكو يؤكدان أهمية دعم القطاع الثقافي في فلسطين ...
- الشعلة الأولمبية على السجادة الحمراء لمهرجان كان السينمائي
- فستان الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت يثير جدلا في مهرجان كان ...
- -عائدة-.. فيلم وثائقي يحقق حلم العودة إلى فلسطين
- افتتاح متحف لأعمال الفنان بانكسى فى نيويورك


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - المناضل السابق جهاد النِّمْس