كأنّه أبي. الفصل الثّالث. 1.

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

الحوار المتمدن-العدد: 5559 - 2017 / 6 / 22 - 22:24
المحور: الادب والفن
    

امرأة من قشّ
أحتاج للنّقع بالماء
لبعض الألوان
وأكون جاهزة لصنع الأطباق
إنّني امرأة من قشّ
فتّشتُني بعد انتهاء العاصفة
لم أجد جسدي
لمست الجهة اليسرى
لا قلب
لا عينين
لا أعضاء مؤنّثة أو مذكّرة
من أنا؟
أخرجتُني منّي
فكنت كومة قشّ
غسلت مكوناتي بماء نهر نظيف
أجلستها على عرش من وهم، طأطأت برأسي .مملوءة بفراغ كبير. سقطُت أرضاً ، تبعثر القشّ، فأصبحت خبيرة بجمعه وغسله. أنا امرأة من قشّ!
. . .
ماذا أرى؟
هل يمكن أن أكون أنا من أنجب ذلك الجمال
صبيّة تقول أنّها ابنتي
تعاتب عن عمرها
تبحث عن حصتها من الفرح
عن دائرة عيشها، وأستمع
أخشى عليها أن تسير على نفس الطريق، وتنسى أنّها أنثى جميلة، تقع في حبّ فتى تعلّمه كيف يمارس عليها فنون الرّق عليها وتتفتّت إلى شرطان من قشّ مثلي. هي الحياة تمنحنا دائرة للفقر والجهل.
كل النساء المضحيّات تحوّلوا إلى نساء من قشّ.
-تفضّلي أيتها الجميلة. قولي ما عندك.
- أحتاج لبعض المال كي أشتري عطراً وأحمر شفاه يا أمّي. . .
-لا بأس! سوف أفتح لك حساباً في البنك وأضع لك بعض المال كلّ شهر فيه كي لا تطلبي مني عندما تحتاجين.
إن لم أفعل ذلك سوف تأتي على آخر قرش عندي، فهي على ما يبدو واقعة في الحبّ، والحبّ يعني أن تسّلم مقاديرك لشخص يدير حياتك بينما أنت مغمض العينين. لو سألتها عن الأمر لأدى الموضوع إلى صراع أقلّه اتهامها لي أنّني لا أحبّها، لكن عندما أفتح لها حساباً بنكياً بمبلغ محدود قد يمرّ أمر الحبّ بأقلّ الخسائر.

. . .

دابّة من لحم ودمّ تمرّ أمامي. تعرف طريقها، تصل في نهاية المطاف إلى مربطها. لو كنت مثلها أعرف ما تعرف.
البدايات عندي مقهورة والخواتيم مكتوبة بأسماء مستعارة فلا أنا أشبهني، ولا الدّابة تغيّر طريقها، ولا النروج ينعّم ما بي من تبن.
لو كان لي قطيع أنضمّ إليه لخفّ الأمر عليّ، وضاع الحابل بالنابل. لا قطيع لدّي خلقت قطعة من شجرة سكنت في غابة مليئة بالقطعان ، الكل يرفضها.
يسألني رجل عن الحبّ. أنسى أن أجيب
أراه بطلاً، وأرى نفسي مملوءة بالقشّ
يقهرني الكلام
لا أعرف بماذا أجيب لمن يطلب حبّاً
لم تتلاقى نظراتنا
يزيح نظره عنّي بينما يحدثني عن الحبّ
هي قصّة نتوارثها نحن آل القشّ
جدتي تركها جدي
وأمي تركها أبي
وأنا تركت الملاك الطاهر
رحلت من العش إلى القش
. . .
سوف أشتري هذا الكتاب. أراه مختلفاً.
عندما عانقتني أمّي وتوماس وأخواتي البارحة بعد نجاح المسرحيّة شعرت بالحياة. ليس هناك أجمل من أن تشعر أنّك على قيد الحياة.
عندما صفّق لي الحضور. شعرت بالتّواضع
عندما حضنتني ميّ شعرت بالرّغبة بالطّيران.
كتاب امرأة من قش يلهمني
قد أحوّله إلى مسرحيّة
يمكنني تسميتها
مملكة القش
وتكون جميع مسرحياتي تتحدّث عن الممالك. من قشّ، أو زمرّد.
لم أقرأ سوى القليل من الكتاب ولم أعرف اسم الكاتب. الكاتبة: إكسانا
لم أسمع بها. لكنّها كتبت تعريفاً عن نفسها. إكسانا هو اسمي المستعار. كتبت هذا الكتاب ونشرته على حسابي، ولم أسّوّقه. تعودت على نمط حياتي، وأصبح الفقر كالحبّ والجمال قيمة، لكنه غلب كل القيم الأخرى، استولى على روحي.
أفكّر بجعل الفقر بطلاً، والجوع حصاناً، والحاجة فتاة تشبهني.
في مرّة تصارع الفقر والجمال. انتصر الفقر
في مرّة كانت امرأة غنيّة وقع في حبّها عدّة رجال
قال لها الفقير: أنا الأفضل. لدّي قيم ترفعك. صدّقته. أخذ المال، انتصر الفقر، أصبحت المرأة من قشّ.

في يوم من الأيّام. قد يصل هذا الكتاب إلى يد مخرج أو ممثل فيعتمده ليشرح مأساة نساء أتوا إلى الدنيا بلحم وعظم ، ثم تحوّلوا إلى نساء من قش.
أين سوف تهربين منّي يا أكسانا؟ سوف أعرف من أنت. شكراً لك . وصل الكتاب.
. . .
يمكن أن أكون رجلاً من قشّ أيضاً. مادام هناك سلالات من قش. عليّ أن أعرف لمن أنتمي؟ لأبي أم لأمّي. أمّي أيضاً مصنوعة من حشيش قد يتحوّل إلى قشّ، وأبي يقول أنه مصنوع من الكهرمان. ثمين ونادر. يتدحرج في السوق ، وتشتريه النساء بمالها. أسرّ لي مرّة عندما كنت في عامي الأوّل وبينما كان يرغمني على أكل طعام لا أحبّه أن لا علاقة له بالكهرمان. هو مجرّد حجر عاديّ ، وعليّ أن أكون ذكيّاً مثله. أبي يدّعي الذكاء.
كم أنت سخيف يا غريب!
لم تعد طفلاً تسرد لنفسك قصصاً عن أبيك. آسف يا أبي!
لا تعد. لن أعرفك لو عدت
ابق مكانك
فأنت مصنوع من الحجارة ، وأنا رجل من قشّ.
-مي. هل سمعت بامرأة من قشّ؟
-إنّني أسمع الآن، وأرجو أن لا تكون أسطورة.
-لم أقرأ منها سوى بضع صفحات، لكنّني وقعت في عشق الرّواية. خبّأتها كي نجلس معاً في الليل، ونسرد حكايتنا. ماذا لو كانت تلك المرأة أنت، وكنّا رجلاً وامرأة من قشّ؟

#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل