أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - لأن الشمس غير عادلة والقمر كاذب!














المزيد.....

لأن الشمس غير عادلة والقمر كاذب!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5551 - 2017 / 6 / 14 - 07:38
المحور: الادب والفن
    




في صالوني الشهري الأخير، سألتني إحدى القارءات: “لماذا اختفت الرومانسيةُ من الحياة؟ حتى القصائد غابت عنها الرومانسية، لماذا يا أستاذة؟ هذا أمرٌ مخيف!”
ولأن سؤالها جاءني بعد انتهاء الصالون وأنا في طريقي للمغادرة، ولأهمية السؤال، وعدتُها بأن أجيبها في مقال كامل. وها أنا أفي بوعدي.
واقع العالم اليوم صار أقرب لحاله وقت الحربين العالميتين اللتين انتهت آخرهما عام 1945. فإن كانت الحروب النظامية تشتعل بين أنظمة كبرى ودول وجيوش، فإن حروب اليوم الجارية في كل بقاع الأرض، صارت أسوأ وأقسى لأنها حروب غير نظامية بين أسوياء (الدول العاقلة والبشر الطبيعيين المسالمين)، وبين أشباح (الدول حاضنة للإرهاب وعصابات الإرهابيين المسلحين). والشاعر، منذ قديم الأزل، يحلم بأن يغيّر العالم، ويصنع يوتوبيا فوق الأرض. لهذا كان شعرُ الشعراء فيما مضى، كونيًّا شاملا يحمل طاقات من الحب والجمال والرومانسية، وطاقات من الشجب للبغض وللقبح. لكن شاعر اليوم، فطن أخيرًا لضعفه أمام قوى الشر، وضآلة قلبه النابض بالحب، أمام هول قلب البغضاء الذي شمل العالم بأسره. فلم يملك الشاعرُ إلا أن يتواضع فيُلقي من بين أصابعه أطراف الكرة الأرضية، ويقبض على بقعة صغيرة من الأرض مساحتها متر في متر، هي التي يقف فوقها.
أصبح الشاعر الجديد أكثر إنصاتًا للحياة الراهنة بضجيجها وعبثها ووحشيتها وكوميدياها. لم يعد ممكنا الآن استلابُه بنَجم مراوغ يبرق في السماء، وقد غادر مكانه الظاهريّ منذ سنوات، ولم تعد تغريه شمسٌ غير عادلة تحرق أمكنةً باللهيب وتنسى أمكنةً أخرى فيسكنها الصقيع، ولا أصبح يفتنه قمرٌ مظلمٌ نعرف جميعنا أنه كاذبٌ يعكس ضوءًا ليس له.
الشاعر الجديد لم يعد يصدق إلا ما يراه ويلمسه ويسمعه من صليل سيوف وأزيز طائرات وقتل أطفال وسبي نساء وتسميم محاصيل بالإشعاع. آمن الشاعر أخيرًا أن قانون الأقوى يسود، لذلك عمد في قصيدته إلى تحطيم كل سلطة تغيبية. وهذه هي الحسنة، ربما الوحيدة، للخطاب ما بعد الحداثي الذي ابتكره الغرب في ستينات القرن الماضي بعدما تأمل الإنسانُ كيف خرّب البشرُ الكونَ في حربين مهولتين لا معنى لهما. ثم تساءل: "لصالح مَن هذا التشويه والدمار؟" لصالح الصناعة وبيع السلاح والاستحواذ والاستعمار. الشعراء الجدد انغمسوا في تفاصيل الحياة اليومية، وتركوا جانبًا القضايا الكبرى العالقة فوق مشجب التاريخ تنتظر حلا عُلويًّا في يد زعماء وساسة لم يعد يعنيهم الإنسان كإنسان بقدر ما تعنيهم أمور، لا تعني الفقراء في شيء، مثل السيادة والنفوذ وامتلاك زر تدمير العالم في لحظة لو شاءوا.
تخلى الشاعرُ الجديد عن مكانه فوق جبل الأوليمب المجيد لأنه أدرك أخيرًا أنه أضعفُ من أن يغيّر العالم. لم يعد يؤمن أنه نبيٌّ ولا فارسٌ ولا مُجيبٌ عن سؤال في عقل قارئ. بل أصبح كلُّ همِّه أن يصوغ "هو" سؤالا مناسبًا لكل ما يجري حوله، ولا إجابةَ ثمة. لأن طرح إجابةٍ ما، إن أمكن، ربما يعني كارثةً كبرى. فالإجابةُ تحتاج إلى تنفيذ، ومَن ينفّذ؟ أدرك الشاعرُ أن العالم جميلٌ هكذا بكل قبحه وفوضاه ووحشيته. ولا سبيل لإصلاح شأنه كما توهّم أفلاطون في جمهوريته، أو الفارابي في مدينته الفاضلة، أو توماس مور في مدينته الخيالية، أو كامبانيللا في مدينة الشمس. الشاعرُ التفت إلى "ذاته" النحيلة، لأنه ببساطة أدرك أن إصلاح تلك الذات وتعميره المتر المربع الواحد الذي يحيطه كاف جدًّا، طالما المرء لا يقبض على زمام أمره ومادامت أرواحُ البشرية في يد ثلة صغيرة تتحكم في مصائر الجنس البشري. لم تعد القضايا الكبرى تشغل بال الشاعر الجديد لكن ما يعنيه حقًّا، وهو الأهم برأيي، هو أثر تلك الأزمات الكبرى على الفقراء والعجائز والضعفاء والمنكسرين. فمع سقوط السلطاتُ سقط البطلُ والفارس، فقد كان أحد أسباب دمار الكون، واحتلّ مكانه، ومكانته، المهمّشون والمنبوذون والمتروكون جانبًا والمقصيّون عن دائرة الضوء. أصبح "الظلُّ" و "الهامشُ" هو البطل. فنجد القصيدة الجديدة حافلة بالحديث عن هؤلاء "الأبطال الجدد". الخادمة، والبوّاب، والإسكافي، والكوّاء، ومُحصّل الكهرباء، والنجّار، والكمساري، وعاملة النظافة في الفندق والعجوز الفقيرة، والعانس الوحيدة، والكهل المشلول، صاروا هم أبطال الحكايات. فإن لم يكن الشعرُ عن هؤلاء وحول هؤلاء ولصالح هؤلاء، فعمن يكون؟ إن لم ينتصر الشعرُ لمن هجرتهم الدنيا فلا شعر ولا شعراء! صحيحٌ أن الرواد من الشعراء لم يغفلوا تلك النماذج كليّةً كما وجدنا "المومس العمياء" عند السيّاب و"بائع الليمون" و"لاعب السيرك" عند أحمد عبد المعطي حجازي وغيرهما، لكن الفارق أن هؤلاء المأزومين غدوا "متنًا" كاملا لبعض الشعراء الجدد وليس "هامشًا" على متن، يظهر في قصيدة أو اثنتين خلال تجربة عريضة مُقفلة القوس. هؤلاء المأزومون، هم من نلتقيهم "كل يوم" في حياتنا، ومن ثم توجّب أن يكون الحديثُ عنهم بلغة "كل يوم"، الخالية من الرومانسية. شاعرُ اليوم أدرك أن الشعر لم يعد يأتي من المجاز ومن اللغة بقدر ما هو مخبئ وكامن في الحياة. في حاراتها الخلفية المظلمة، في البيوت الصفيح والأحراش والعشش. وفي كل مكان تنأى عنه الشمسُ، الظالمة، غير العادلة أبدًا، والقمرُ الكذوب أبدًا.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرس الكنيسة لإفطار رمضان
- كيف سمحت بالدم ... وأنت كريم!
- حكاية من كتاب الأقباط: سامح الله من لامني في حبهم
- المرأةُ في عيني نيتشه
- تاريخ الأقباط وجنود داعش في مصر
- ليلة... بكى فيها الشيطان
- هؤلاء وأولئك ….. أكثرُ منّا إيمانًا!
- هؤلاء وأولئك … أكثرُ منّا إيمانًا!
- ماذا قالت الراهبةُ للشيخ
- مصر الجديدة كما يرجوها شبابُها
- محمد عبد الله نصر.... الإسلامُ بريءٌ من المُنفّرين
- حاضر عن المتهم
- كنيسةٌ سماوية لكل المصريين
- ألفُ خطيئة في حق العربية!
- طوبَى لصُنّاع السلام
- إبراءُ ذِمّة … وشهادة
- أحلَّ سفكَ دمي في الأشهرِ الحُرمِ!
- حوار مع كائن فضائي: صليبٌ وسيف
- لماذا قبَّلَ البابا أقدامَ المسلمين؟
- ماذا قالت مصرُ للمصريين أبناء الحياة؟


المزيد.....




- حضور لافت للسينما العراقية في مهرجان عمان السينمائي
- إستذكار الفنان طالب مكي ..تجربة فنية فريدة تتجاوز كل التحديا ...
- براد بيت اختبر شعورا جديدا خلال تصويره فيلم -F1-
- السويد.. هجوم جديد بطائرة مسيرة يستهدف الممثلية التجارية الر ...
- -البحث عن جلادي الأسد-.. فيلم استقصائي يتحول إلى دليل إدانة ...
- تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك ...
- هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو ...
- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - لأن الشمس غير عادلة والقمر كاذب!