أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حكاية من كتاب الأقباط: سامح الله من لامني في حبهم














المزيد.....

حكاية من كتاب الأقباط: سامح الله من لامني في حبهم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5537 - 2017 / 5 / 31 - 09:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



المعلم عاطف منير ذكي


دعوني أحكي لكم اليوم حكايةً جديدة من حكايا أقباط مصر الشرفاء ليعرف، مَن لا يعرف، لماذا أحبّهم وأعتزُّ بهم، وأفخرُ بحبي لهم وأعلنه على الملأ تاجًا فوق هامتي، يزيدني جمالا ويؤكد لي أنني إنسانٌ صالحٌ عاقلٌ يحمل روحًا طيبة، يُعمر الحبُّ قلبَه.
"أبو قرقاص"، إحدى المدن الجميلة في محافظة "المنيا". زاخرةٌ بالآثار الفرعونية الخالدة من عصر الدولة الوسطى، حول عام 2000 قبل الميلاد، حيث الأسرتان الحادية عشر والثانية عشر، وهو العصر الذهبي في مصر القديمة، الذي ازدهرت فيه الفنون والعمارة والآداب، وتميّز بالرخاء الاقتصادي والرغد؛ لأن ملوك تلك الحقبة المصريين عمدوا إلى إنهاض مصر اقتصاديًّا عن طريق الاستثمار في الموارد الطبيعية وإقامة مشاريع الري والزراعة والتجارة الخارجية. وفي تلك الحقبة نجح الملك "منتوحت الثاني" في توحيد بلادنا مصر وتخليصها من الاحتلال البدوي وإصلاح حال الفوضى التي حلّت بمصر بعد تمزيقها في العهد الانتقالي الأول. وفي تلك المدينة، مازالت شامخة قاهرة للزمن جدارياتٌ فرعونية فاتنة تصوّر السلف المصري القديم يمارس الفنون والرياضات البدنية المختلفة والألعاب الذهنية. وكذلك تتجلى عشرات المقابر غنية الأناقة من عهد "إخناتون" منحوتة في الصخر على جوانبها نقوشٌ مذهلة فنيًّا تسجّل حياة الجدّ المصري القديم في حياته اليومية وطقوسه خلال النهار والليل. ليس كل ما سبق هو سرّ عظمة تلك المدينة وحسب، ولا كذلك مناظرها الطبيعية الخلابة التي يشاهدها الواقف على صهوة منطقة الآثار حيث يرى سفح الجبل ينام على وسادته نهرُ النيل العظيم وهو يخترق جوف الصحراء، تترامى على ضفتيه الحقولُ والمزارع التي لا تغيب عن عين الرائي حتى تتقاطع مع خط الأفق مع نهاية البصر. ليس كل ما سبق وحسب، إنما هناك سرًّا آخر من أسرار عظيمة تلك المدينة الخالدة.
أنجبت تلك المدينة الخالدة رجلا نبيلا اسمه "عاطف منير ذكي". مصريٌّ من أقباط مصر الشرفاء. يعمل هذا الرجل في المقاولات المعمارية، وذائع الصيت في براعته وأمانته وإتقانه عمله، شأنه شأن جميع أقباط مصر الذين يبرعون في أي عمل يُوكل إليهم فيؤدونه بكامل الأمانة والدقّة والحِرفية والإتقان. قرر القائمون على مسجد "التقوى" القابع في شارع "التقوى" بمدينة أبي قرقاص، أن يُرمّم المسجدُ وتُجرى له أعمال الصيانة الداخلية والخارجية. ووقع اختيارهم على هذا المقاول المسيحي. تم التعاقد معه على استلام الصيانة "من بابها". أي أن يقوم بتوريد المواد الخام وجلب العمال بأجرتهم اليومية وإطعامهم وكافة الأمور المتعلقة بإتمام صيانة المسجد. أنهى الرجلُ مهمته على خير وجه، وجاء وقت الحساب. هنا تنفتح صفحةٌ جديدة من صفحات الكتاب الثري المُسمّى "عظمة أقباط مصر". رفض المقاولُ المسيحي أن يتقاضى قرشًا واحدًا مقابل صيانة المسجد. دفع الفاتورة كاملة من جيبه الخاص من المواد الخام وأجرة العمال وإطعامهم وما غير ذلك. وقال: “كيف أتقاضى أجرًا في أعمار بيتٍ من بيوت الله؟!”
كل ما سبق جميلٌ وخالدٌ؛ سوف تدّونه مصرُ في كتاب تاريخها العريق. لكن مصر، للأسف سوف تُدّون مع ما سبق من أناقة خلقية، شيئًا مُرًّا موجعًا ليس جميلا. هذا الرجل المقاول الطيب، المعلم "عاطف منير ذكي"، استشهد بالأمس مع شهداء مصر الأقباط في مذبحة المنيا الأخيرة الذين كانوا في طريقهم لزيارة دير "الأنبا صموئيل المعترف". مسلحون أجلاف عميان القلوب والأرواح، فتحوا النيران يوم الجمعة الماضية عشية الأول من رمضان على حافلاتٍ ثلاث كانت في طريقها للدير بمدينة "العدوة" بمحافظة المنيا، فأسقطت عشرات الشهداء معظمهم من الأطفال والأمهات، وعشرات من المصابين في حالات حرجة بالمستشفى يرقدون على فُرُش الألم والدهشة من تجبّر الإنسان على الإنسان. ولم ينس الأجلافُ السفاحون أن ينثروا فوق جثامين الشهداء أوراقًا مكتوبًا عليها: “صومًا مقبولا وإفطارًا شهيًّا ورمضان كريم"!!!!!!!!
هذا شعبُنا القبطي الراقي المتحضّر، الذي أبدًا لم يلاقِ الإساءة بالإساءة، بل ظلَّ، ويظلُّ يُعلّمنا أن الإنسان الذي يحبُّ الله لا يقدر أن يبغض خلقَ الله. سامحَ اللهُ مَن لامني في حبّهم.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأةُ في عيني نيتشه
- تاريخ الأقباط وجنود داعش في مصر
- ليلة... بكى فيها الشيطان
- هؤلاء وأولئك ….. أكثرُ منّا إيمانًا!
- هؤلاء وأولئك … أكثرُ منّا إيمانًا!
- ماذا قالت الراهبةُ للشيخ
- مصر الجديدة كما يرجوها شبابُها
- محمد عبد الله نصر.... الإسلامُ بريءٌ من المُنفّرين
- حاضر عن المتهم
- كنيسةٌ سماوية لكل المصريين
- ألفُ خطيئة في حق العربية!
- طوبَى لصُنّاع السلام
- إبراءُ ذِمّة … وشهادة
- أحلَّ سفكَ دمي في الأشهرِ الحُرمِ!
- حوار مع كائن فضائي: صليبٌ وسيف
- لماذا قبَّلَ البابا أقدامَ المسلمين؟
- ماذا قالت مصرُ للمصريين أبناء الحياة؟
- مّن فجّر الكنيسة قبل أن أجدل السعف؟
- حاضر عن المتّهم
- رسالة مسيحي …. إلى وكلاء السماء


المزيد.....




- السودان.. قوى مدنية تبدأ حملة لتصنيف -الإخوان- منظمة إرهابية ...
- الأردن.. إجراءات بحق جمعيات وشركات مرتبطة بتنظيم -الإخوان-
- إغاثة غزة.. منظمات يهودية أميركية تضغط على إسرائيل
- الناخبون اليهود في نيويورك يفضلون ممداني على المرشحين الآخري ...
- الأردن يحيل شركة أمن معلومات تابعة لجماعة الإخوان المحظورة إ ...
- كيف تدعم -خلية أزمة الطائفة الدرزية- في إسرائيل دروز سوريا؟ ...
- الخارجية الفلسطينية تدين دعوات اقتحام المسجد الأقصى غدًا بحج ...
- 3 أسباب تُشعل الطائفية في سوريا
- آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى وسط قيود ...
- جولي دهقاني في بلا قيود: لدينا أفراد في الكنيسة لا يقبلون سل ...


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حكاية من كتاب الأقباط: سامح الله من لامني في حبهم