أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ماذا قالت مصرُ للمصريين أبناء الحياة؟














المزيد.....

ماذا قالت مصرُ للمصريين أبناء الحياة؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5496 - 2017 / 4 / 19 - 02:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


====================
قبل خمسة آلاف عام، كان المصريون القدامى يحتفلون بذلك اليوم، "شم النسيم"، بإقامة مهرجان رسمي هائل، يحتشدون فيه أمام الواجهة الشمالية للهرم الأكبر، قُبيل الغروب. ثم يشخصون نحو قرص الشمس البرتقاليّ وهو يميل بالتدريج غاربًا مقتربًا من قمة الهرم. حتى تستقرّ الشمسُ جالسةً فوق ذؤابة الهرم كأنما تُتوّجه. هنا تحدث ظاهرة فلكية مدهشة، حين يخترق شعاعُ الشمس واجهةَ الهرم، فكأنما يشطره نصفين، في مشهد أسطوري دراماتيكي. استطاع عالمُ الفلك البريطاني "بركتور" رصده وتصوير لحظة انشطار واجهة الهرم عام 1920، وفي عام 1934 سجّل تلك الظاهرة الفريدة العالمُ الفرنسي "بوشان" عن طريق الأشعة تحت الحمراء.
شمّ النسيم هو أقدمُ مهرجان شعبيّ في التاريخ يحتفل بالحياة وعبقرية الخلق من العدم. فالمصريون أكثرُ شعوب الأرض حبًّا للحياة واحتفاءً بها. لهذا اختاروا له الربيعَ تاجًا، لأن فيه تتفتح الزهورُ لتعلن عن ميلاد جديد. يبدأون احتفالَهم مع شروق الشمس، فيُلوّنون البيضَ، فكأنما يلوّنون الحياةَ. فالبيضةُ رمزُ الحياة التي تُخرِجُ الحيَّ من الميّت. لأن الكتكوتَ المفعمَ بالحياة والدهشة، يخرج من كهف جامد صلد يوحي بالموات، مثلما تخرجُ اليرقةُ من شرنقة الحرير، فتطيرُ وتملأ الفضاء حياةً وفرحًا.

حتى وإن مرّ علينا عيدٌ في إثر عيد، دون أن يدخلَ الفرحُ قلوبَنا. حتى وإن توالتَِ الأعيادُ على مصرَ، ومصرُ قلبُها مجروحٌ ينزف. حتى وإن مرَّ الأمسُ بعيد "شمّ النسيم" ونحن المصريين حزانى، لأن مصرَ حزينةٌ. لكن الثابتَ، رغم هذا، هو أن المصريين أبناءُ الحياة، لا أبناء الموت. مصرُ حزينةٌ موجوعةُ القلب، مقروحةُ الجفن، لأن أبناءها يقتلون أبناءها! لكنها نادت من فوق الهرم بصوت حاسم جسور: "قاتلُ أخيه فيكم، ليس مِنّي. فأنا لا أنجبُ الحوشةَ والسِّفلة. بريئةٌ أنا من نسَب كل غادر ومن كل قابيل. نِيلي وطمي أرضي مُحرّمان على كلِّ خائن جبان. مباركٌ شعبي، ومَن يدخل مصرَ آمنٌ. القاتلُ ليس من نسلي، أنا الأرضُ التي ابتكرت فنونَ الحياة، وخصّتها بيوم فريد، توّجتُه أولَ الزمان. جعلت من نهاره موسمًا للخلق، ومن غروبه مهرجانًا ملوّنًا يسامرُ فيه شعبي نسائم الطبيعة ليحتفل معها بفنّ صناعة الحياة والخصب، وعبقرية الحضارة. أبنائي هم أبناء الحياة.”

تعلّم المصريُّ القديم أن يحدّد بداية السنة الشمسية باليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار طولا، وقت حلول الشمس في برج الحمل. كان يؤمن أن بداية خلق العالم كانت في ذلك اليوم الربيعي الفريد، 25 برمهات. ولهذا اعتبره المصريون أول الزمان. وهو يوم الأمس، عيد شم النسيم، الذي اعتبروه أول الربيع وغُرّتَه. كانوا يقيمون فيه مهرجانًا ضخمًا صاخبًا يملأ الدنيا أغاني وألوانًا ومرحًا. لهذا أيضًا اختار بنو إسرائيل ذلك اليوم تحديدًا، والمصريون مشغولون بعيدهم وصخبهم، ليخرجوا مع النبيّ موسى عليه السلام، من مصر الفرعونية إلى أرض الكنعانيين. فاعتبره اليهود رأسًا لسنتهم الدينية العبرية، وأطلقوا عليه اسم عيد "الفصح"، وهي كلمة عبرية تعني "الخروج" أو "العبور"؛ ويعتبرونه عيدًا للتحرر من العبودية بخروجهم مصر إلى حيث خرجوا، كما قرأنا في سِفر التكوين. وحين دخلت المسيحيةُ مصرَ، كان عيد "شمو"، الذي تحوّر اسمُه إلى "شمّ النسيم"، يقع أحيانًا، بسبب التقاويم المصرية والميلادية، في وسط فترة صيام المسيحيين الخمسة وخمسين يومًا التي تنتهي بأسبوع الآلام، فجعل المسيحيون ذلك العيد في اليوم التالي لعيد القيامة، حتى يتسنى للمصريين الاحتفال فيه بأكل الأسماك والبيض الملوّن، الذي يرمز في الأدبيات المصرية للخلق والحياة، وبداية تكوين الكائن الحي من العدم.

المصريون أبناءُ ثقافة الحياة. ليس منّا من يُهرق الدماءَ البريئة على بُساط أرضها ليكسو الوجوهَ بالحَزَن. ليس مّنا مَن يُثكِّل الأمهاتِ ويُرمّل الزوجاتِ ويُيتّم الأطفالَ. ليس مِنّا من يأتزر بالسترات الناسفة ليقتل أبرياءَ يُصلّون إلى ربّهم خاشعين صائمين. ليس منّا من يُدثّر البيوت بثياب الحداد. انهضي يا مصرُ من كبوتك.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مّن فجّر الكنيسة قبل أن أجدل السعف؟
- حاضر عن المتّهم
- رسالة مسيحي …. إلى وكلاء السماء
- مصر لم تجدل عيدان السعف!
- دموعي في كف الأبنودي
- سمير فريد … عصفور النقد النبيل
- الطفل الأحمق والطفلة الغبية
- محمد عناني … ذلك العظيم
- حاكموا: فقر خيال نجيب محفوظ!
- الأرنبُ الصغير … يا وزير التعليم!
- أمهاتٌ على أوراق الأدباء
- مَن يكره عيدَ الأم؟
- مصحفٌ من يد دميانة
- محمد عبد الوهاب طاووس الشرق
- تحية احترام للبابا تواضروس
- عزيزي ربنا …. ممكن أعرف عنوانك؟
- أطرقُ باب بيتٍ لا يعرفُ الحَزَن
- المعاصي سرُّ الغلاء .... يقول الإمام
- إنهم يصنعون المستقبل في الإمارات
- المرأةُ العفريت … المرأةُ الصقر


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ماذا قالت مصرُ للمصريين أبناء الحياة؟