أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - عزيزي ربنا …. ممكن أعرف عنوانك؟














المزيد.....

عزيزي ربنا …. ممكن أعرف عنوانك؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5459 - 2017 / 3 / 13 - 17:17
المحور: حقوق الانسان
    


==================

أعتذرُ لهُواة ملاحقة الكُتّاب بقضايا التكفير إن خيَّب هذا المقالُ أملَهم في ملاحقتي بقضية جديدة، بعدما انعش عنوانُ المقال أملَهم في سَجني، وأسالَ لعابَهم. فذاك السؤالُ الوجوديّ: “عزيزي ربنا … ممكن أعرف عنوانك؟"، ليس سؤالي، بل جاء على لسان صبي جميل في الثالثة عشر من عمره، مصابٍ بالتوحّد (Autism) وأيضًا مصاب بالسرطان.
شأنه شأنَ مصابي السرطان، نحيلٌ هزيلٌ لن يعيش طويلاً؛ لهذا لن يقضي قاضٍ بسَجنه، لأنه لن يعيش إلا أيامًا قليلة، وحين يصدر الحكمُ بسجنه؛ سيكون الصبي قد فارق الحياة. وشأنه شأن المتوحدين، يكره الزيفَ والكذب؛ لهذا لا يُحبّ أصحاب الأقنعة والتديّن الشكلي، ولم يسمح لأحد بأن يخترق عالمَه إلا ممرضةً واحدة في المستشفى التي يعيش فيها أيامه الأخيرة مع رفاق ثلاثة في نفس عمره هم "بسطرمة"، "فشار"، "آينشتين". أجرى مؤخرًا عملية زراعة نخاع فاشلة، جعلته يتألم ويعيش في عزلة مُضافة لعزلته الأساسية مع التوحّد، وجعلت عالمه يزداد فقرًا وجفافًا وهو يسمع من حوله يتهامسون بأن أيامه في هذا العالم أوشكت على الانقضاء.
وحدها الممرضة المثقفة العجوز، التي أسماها "ماما الوردية"، نجحت في إنعاش حياته بقدر هائل من الفرح والشعور بالأمان حين أقنعته بأن كلَّ يوم متبقٍ له في الحياة يكافئ عشر سنوات. مَن الذي حدّد أن اليومَ أربعٌ وعشرون ساعة، وأن الساعةَ ستون دقيقة، وأن الدقيقة ستون ثانية، وأن العامَ أيامٌ كثيرة؟ إنسانٌ فعل هذا، وبالتبعية فإن أيَّ إنسان آخرَ بوسعه أن يبتكر شيئًا آخر. وأقنعته تلك الحسبةُ الرمزية بأنه سيعيش مائة وعشرين عامًا، خلال الاثني عشر يومًا المتبقية له في هذا العالم الطيب. وحين اشتكى لها وحدته، أخبرته أن بوسعه أن يصادق الله، الحبيب الأعظم الذي لا يعرف الوحدةَ كلُّ مَن يحبّه ويحادثه. لماذا لا يكتب كل يومٍ رسالةً إلى الله ويطلب منه كل ما يتمنى؟ وبدأ الصبيُّ حياته الغنية الجديدة بعدما عرّفته على “الله” الذي لم يكن يصدّق وجوده؛ بعدما اكتشف حين نضج الخدعةَ الكبرى التي عاش فيها طفلا: عدم وجود شيء اسمه “بابا نويل”. لكن ماما الوردية/ الممرضة، أفهمت الصغيرَ بأن الله يحقق الأحلام الصعبة "المعنوية"، بعكس بابا نويل الذي لا يجلب إلا الهدايا البسيطة "المادية" مثل الشيكولاتة واللعب، هذا بفرض وجوده الزائف، عكس وجود الله الحقيقي، وأن وجود الله مرهونٌ بدرجة إيماننا به. كلما اقتربنا منه وأدخلناه في تفاصيل يومنا، ازداد وجوده في حياتنا. وبدأ الصبي المريض، مع إشراقة كل يومٍ جديد، يكتبُ إلى الله رسالةً جديدة، يحكي له فيها أفكاره ومخاوفه وأحلامه، ويطلب منه أمنيةً واحدة فقط كل يوم.
يبدأ رسالته الأولى بعبارة "عزيزي ربنا"، وحكى له عن ماما الوردية وطبيبه الحزين لفشل علاجه، وأمه وأبيه اللذين تركاه في المستشفى ويأتيان لزيارته يومًا واحدًا في الأسبوع: الأحد، وعن رفاق المرض ومنهم البنت الجميلة التي أحبها، وفي كل يوم يطلب من الله أمنيةً، ويختم رسالته بسؤال محدد: “دلوقت أنا مش عارف عنوانك، أبعت الجواب ازاي؟ إلى اللقاء بكره، قبلاتي"
في الرسالة الثانية طلب من الله أن يزوره. وحدد له مواعيد الزيارة من الساعة 8 صباحًا حتى الساعة 9 مساء، ولو قرر اللهُ أن يزوره في موعد نومه، عليه إيقاظه من النوم، لا مشكلة. وظل ينتظر الزيارة كما العيد. بوسعه أن يزوره في أفكاره، في أحلامه، بالطريقة التي يختارها الله.
في الرسالة الثالثة، أصبح عُمر الصبي بالقياس الجديد، بضعًا وعشرين عامًا. وعاتب اللهَ لأنه لم يأت لزيارته حتى الآن. لكنه شكره لأنه حقق، إلى حدّ ما، كل الأمنيات التي طلبها منه في الرسائل السابقة. وبدأ قلبه يخفق بالحب لرفيقته في المستشفى مريضة السرطان الصبية الجميلة النحيلة. ثم قرّر أن يقف على باب غرفتها حتى يحميها من الأشباح التي تظهر لهم وتقرصهم في الليل وتجعلها تصرخ. في هذه الرسالة طلب من الله أن يُنجح العملية الجراحية التي ستُجرى صباح الغد لحبيبته. ثم اكتشف أن هذا الطلب أمرٌ ماديّ ليس من اختصاص الله، كما أفهمته دادا الوردية، فقرر أن يُعدّل الأمنية ويطلب من الله أن يجعل حبيبته تفرح بالنتيجة سواء نجحت العملية، أو فشلت كما فشلت عمليته.
في العشر سنين التالية/ اليوم التالي، سيعيش الصبيّ المتوحد أصعب أيام عمره، أثناء عملية حبيبته. اعتزل الرفاق واعتكف بغرفته في انتظار النتيجة. سأل ماما الوردية: “ليه ربنا بيخلق ناس مرضى زيي وزي حبيبتي؟ هو ربنا شرير عشان كده بيعاقبنا؟" فعلّمته الممرضة الطيبة أن المرض والموت ليسا عقابًا بل قدرٌ طيب ككل أقدارنا. لهذا أشفق على الدبّ اللعبة بعدما سقطت عينه وانفه وانفرط القطن من أحشائه، أشفق على مرضه واحتضنه ورفض الدب الجديد الذي جلبه له أبواه بدلا من ذلك الدب المعتلّ. نجحت عملية حبيبته وفرح الصبي لهذا لم يطلب من الله أي أمنيةً في خطاب اليوم مكافأة له على شفاء حبيبته.
الآن وقد أصبح عمره أربعين عامًا على الروزنامة الافتراضية، قرر أن يُرسل هدية إلى الله مقابل كل هدايا الله له طوال عمره السابق، وسأله: “تحب أجيب لك ايه هدية يا ربنا؟”. وأقنعته ماما الوردية أن أجمل هدية يحبها الله هو أن يصالح الصبي أباه وأمه اللذين كان يكرههما لأنهما تركاه في هذه المستشفى وحيدا.
الأسبوع القادم نكمل حكاية الصبي مريض السرطان، المتوحد، الذي أتمّ مائة وعشرين عامًا.


فاطمة ناعوت
اليوم السابع



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطرقُ باب بيتٍ لا يعرفُ الحَزَن
- المعاصي سرُّ الغلاء .... يقول الإمام
- إنهم يصنعون المستقبل في الإمارات
- المرأةُ العفريت … المرأةُ الصقر
- المعاصي سرُّ الغلاء
- لستُ متسامحة دينيًّا
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (5)
- الأقباط ليسوا بحاجة إلى بيوتنا بل إلى بلادهم
- فيس بوك من دون زجاج
- امنعوا بناتكم من التعلّم!
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (6/6)
- إنهم يصنعون المستقبل
- تكفير داعش مسألة أمن قومي
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (4)
- طارق شوقي … نراهن عليك في رحلة -النكوص-
- ابسطوا قلوبكم مرمى للسهام
- احنا فقرا قوي!
- كاميرا خفية لضبط المعلّم الطائفي
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (3)
- زغاريدُ وحزامٌ ناسف


المزيد.....




- الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة الأونروا بقيمة 15 ...
- اليونيسف: مقتل ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
- الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة -الأونروا- بقيمة ...
- حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية
- بن غفير يدعو لإعدام المعتقلين الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ ال ...
- حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية
- المواجهات تعود لمدينة الفاشر رغم اكتظاظها بالنازحين
- شهادات مروّعة عن عمليات التنكيل بالأسرى داخل سجون الاحتلال
- دهسه متعمدا.. حكم بالإعدام على قاتل الشاب بدر في المغرب
- التعاون الإسلامي تؤكد ضرورة تكثيف الجهود لوقف جرائم الحرب بح ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - عزيزي ربنا …. ممكن أعرف عنوانك؟