أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - زغاريدُ وحزامٌ ناسف














المزيد.....

زغاريدُ وحزامٌ ناسف


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5426 - 2017 / 2 / 8 - 17:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



بمجرد أن دخل ساحةَ الكنيسة صندوقٌ خشبيٌّ أبيضُ، ترقد فيه صبيّةٌ جميلة، من أجل الصلاة عليها، قبل تسليمها إلى مثواها الأخير، ضجّتْ جنباتُ الكنيسة وجدرانُها بالزغاريد كرجع صدى لحناجر النساء اللواتي رُحن يزغردن والدمعُ يخايلُ مآقيهنّ. حدث هذا في جنَّاز إحدى شهيدات الكنيسة البطرسية التي فجّرها تكفيريٌّ بحزام ناسف امتشقه بعدما أغواه أربابُ الفتن وشيوخُ الويل والتكفير وأفهموا ضحالةَ عقله بأنه يقدّم لله قربانًا بشريًّا طمعًا في فردوسٍ وأنهار عسلٍ وجداول لبنٍ وحور عينٍ وولدان مُخلّدين. صكّت أذنيَّ زغاريدُ النساء وهتافاتُ فرح الرجال، بينما يمرُّ النعشُ داخلا علينا، فارتجّ الأمرُ عليّ وارتبكتْ أفكاري ولم أفهم! هل هو جنازٌ أم حفل زفاف؟!
بثقافتي المصرية والعربية والإسلامية، قرن عقلي الزغرودةَ بالعُرسِ ولحظات النجاح في المدارس، لكنّ للموت طقوسًا أخرى تبدأ بالنحيب والنشيج وتنتهي بالعويل والصراخ، فماذا تفعلُ "الزغرودةُ" في يوم حزين مثل هذا؟!
قرأتُ كثيرًا في الأدبيات المسيحية، وأعرف أن "الموت" لديهم ما هو إلا "انتقالٌ" من "مؤقتٍ" إلى "دائمٍ"، ومن "زائل" إلى "أبدي" ومن "منسيٍّ" إلى "خالد"، وهو ما يتفق مع مفهوم ثقافتنا المصرية القديمة عن الموت عند أجدادنا الفراعين ويتجلّى في عنوان كتاب "الخروج إلى النهار"، الشهير بالخطأ باسم "كتاب الموتى". باعتبار الحياة ظُلمةً وليلاً، نخرج بعدها، في لحظة الموت، إلى نور النهار الدائم. وكذلك في أدبياتنا الإسلامية نُعرّف الدنيا بدار "الباطل"، ندخل بعدها دار "الحقّ" الأبدية. لكن هذا لا يمنعنا نحن المسلمين من النحيب والعويل على مَن نفقد من أحباء وأهل، ونحن نُسلّمهم إلى القبر؛ رغم معرفتنا أنهم ذاهبون إلى دار الخلود والحق.
وأنا طفلة، كانت تستهويني قراءةُ صفحة الوفيات بجريدة "الأهرام" المصرية، والمقارنة بين صِيَغ النعي المتباين حال كان المتوفى مسلمًا، عنها لو كان مسيحيًّا. صيغتنا الإسلامية في نعي المتوفى تبدأ عادة بالآيتين الكريمتين: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" آل عمران185، “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي” الفجر 27-30. بينما تستهلّ الصيغةُ المسيحية نعيَ موتاهم بعبارات من قبيل: “رقدت على رجاء القيامة عروس السماء، أو عريس السماء" أو "مع المسيح ذلك أفضل جدًّا". وحضرتُ كثيرًا من طقوس العزاء عند مسيحيين، فلم أشهد دمعًا أو نحيبًا أو صراخًا. وكنتُ أظنّ أن الدموع سُكبت والصرخات أشرقت نهارًا، في طقس الجناز والدفن، وحانت لحظاتُ الصمت والتسليم في جلسات العزاء مساءً. لكنها المرة الأولى التي أشهدُ فيها جنازًا مسيحيًّا في كنيسة. ومَن المتوفّى؟ صبيةٌ في عمر الزهر لم تُكمل الخامسة عشر من عمرها. وكيف ماتت؟ ماتت مغدورةً بشظايا حزام ناسف فجّرَ أوصالها، كان يتدّثر به جهولٌ أعمى مريضٌ بالطائفية والتكفير يظنّ أن في قتل المسيحيين خيرًا وإيمانًا! فكيف حلّتِ الزغرودةُ مكان الصرخة؟ والابتسامُ مكانَ الغضب؟ إنها قوّة بأسهم التي تُرهق الإرهابَ ومفهومهم الخاص عن الحياة والموت الذي يُخيّب أمل الإرهابيين. ابتسامة الرضا في عيون الأمهات الثكالى تقتلُ فرحةَ الإرهابيين وتقول لهم: “شكرًا لكم... أردتم بنا سوءًا وويلا، لكنكم أوصلتم أبناءنا وبناتنا إلى السماء شهداءَ أبرارًا أحياءَ عند ربهم يُرزقون.”
في جناز الطفلة دميانة، الذي شهدته بالأمس في الكنيسة البطرسية التي فجّرها الإرهابي "محمود شفيق"، كان الدمعُ كلُّه مُسلِمًا. كنّا نحن المسلمين نذرف الدمعَ، وكان المسيحيون من أقارب الشهيدة وأصدقائها وأمُّها وأبوها وشقيقاتُها ينظرون إلى الأعلى ويبتسمون وهم يقمعون الدمعَ في العيون لكيلا يهطل فيفسد "العُرس". نعم "عُرس"، لم أخطئ في كتابة الكلمة. وأنا أتلفّت حولي لأبحث عن مناديل ورقية أخبئ فيها دموعي وأنا واقفةٌ أمام نعش الفتاة، ربتت على كتفي الراهبةُ "رِفقة“، وناولتني بعض أوراق الورود لألقيها على النعش وهمست في أذني معاتبةً لي على دموعي: “بالتأكيد دي دموع الفرح، فرح زفّة العروسة للسماء.”
إنهم يطفئون صوتَ الرصاص بالزغاريد، ويواجهون الإرهابَ بالابتسام والرضا، إنهم أولو بأس أشدّاء يوجعون قلوبَ الإرهابيين حين يخفقون في إتعاسهم بقتلهم أبناءهم. لكن يدَ القانون يجب أن يكون لها حساباتٌ أخرى غير حسابات الإيمان والتسليم والرضا بالمكتوب. يدُ القانون عليها أن تئد الإرهاب في مهده بمعاقبة مَن يفتون بقتل المسيحيين، ثم يجلسون أمام الشاشات يتفرجون ببلادة على ضحاياهم من ضحلاء العقل وهم يذبحون المسيحيين على رؤوس النواصي، ويفجّرون الكنائس بالأحزمة الناسفة والقنابل التي تحصد أرواح الأبرياء المسالمين وهم يُصلّون.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دميانة … الزهرة رقم 29
- اتركْ طرفَ الخيط يا مُتطرّف!
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (2)
- سيد حجاب ... مُت ما شاء لك الموت
- بالأمس تعلمت شيئًا: مبروك عليكم السما
- وإن أصابتك ركلةٌ في أسنانك
- فرسان الإمارات … شهداء الإنسانية
- أُقبِّلُ قلبَك … رسالة شريهان
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (1)
- حلم مريم
- رسالةُ الإرهاب| نذبحكم في كل مكان!
- صديقي معتز الدمرداش
- شريهان … قطعة البهجة والعذوبة
- صدقةٌ جبرية …. منحةٌ من الله!
- الوسادةُ الإلهية …. كنزُك
- بيكار … ريشةٌ ملونة طمسها الظلام
- متى ينتهي كتابي عن الإمارات؟
- لأن الله يرى ولأن مصر تستحق!
- طائرةٌ للفاسدين والسد العالي الجديد
- الأقباط … يركلون أمريكا


المزيد.....




- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - زغاريدُ وحزامٌ ناسف