أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - دميانة … الزهرة رقم 29














المزيد.....

دميانة … الزهرة رقم 29


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5424 - 2017 / 2 / 6 - 16:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


===============

حين التقيتُ بهما قبل أسبوعين، في إحدى طرقات مستشفى الجلاء العكسري، كان الأملُ يملأني بأن موعدًا آخر سوف يجمعني بهما في بيتهما وأنا أحمل الزهور الملونة حين تطيبُ الصبيّةُ الجميلةُ وتغادر فراشَ الجراحة والألم، وتعود إلى غرفة بيتها حيث كتبها وكراساتها ودُميها وفساتينها الملونة. أمٌّ شابةٌ جميلةٌ على وجهها سماتُ الإيمان بالله والتسليم المطلق بمشيئته التي هي خيرٌ في كل وقت ومهما تكون، وأبٌ شابًّ نذر عمرَه للكدّ والتعب ليدبّر لزوجته وطفلاته الأربع ما يسُرّ به قلوبهن ويؤّمن غدَهن. كنتُ آملُ أن أدخل غرفتها بالمستشفى وأُقبّل جبينها مثلما فعلتُ مع بقية المصابين يومها، لكنهما أخبراني بأنها نُقلت إلى غرفة العناية الفائقة ومُنعت عنها الزياراتُ بأمر الأطباء. أخبراني يومها بأن طفلتهما حالُها يسوء يومًا بعد يوم، لأن الكبد تهتّك والأمر الآن، ومن قبل ومن بعد، بين يدي الله، ولم يعد من شيء يفعله الأطباءُ سوى الرجاء في معجزة.
واليومَ، اختارتِ الطفلةُ "دميانة" مستقرّها الأجمل. اختارت أن تغادر هذا العالم الملوّث بالطائفية والضغينة، إلى عالم أرقى وأجمل لا يعرف سوى الحبّ والسلام في حضرة الله الذي أحبّنا ووهبنا من رحمته الشاسعة ما يغمر قلوبَ البشر أجمعين، لكنّ بعضنا لفظ هدية الله وأغلق قلبَه على تعاسته؛ فلم تدخله رحمةٌ، ولم يعرف الحبَّ. أولئك كتبوا على أنفسهم ألا يذوقوا الفرحَ مدى أعمارهم، فراحوا يوزّعون رصاصهم وقنابلهم وشظاياهم علينا، حتى نشقى شقاءهم، ونتعس تعاستهم.
قبل برهة من كتابة هذا المقال، سقطت زهرةٌ جديدة من غصن المصابين في واقعة البطرسية الشريرة، لتُكمل غصنَ الشهداء بالزهرة رقم 29. سافرت الطفلة "دميانة" للسماء ولم تكمل عامها الرابع عشر. في مقال سابق كنتُ أدعوكم للدعاء لها لكي لا يزيد عُقد الشهداء لؤلؤةً جديدة، لكنّها أكملت العقد ولحقت بمن سبقوها للسماء بعدما قطفت عمرَها القصيرَ شظايا حزام ناسف دثّر به نفسَه خسيسٌ وغدٌ حرم نفسه من رحمة الله ومن ترحّمنا عليه، بعدما قتل بريئات وأبرياء لم يُخطئوا في حقّه ولا في حقّ أحد، كنّ وكانوا يُصلين ويصلّون صائماتٍ وصائمين قبل عيد الميلاد مع نهايات العام الماضي.
حسابُ هذا المجرم عديم القلب عند الله، ولكنّ حساب مَن لقّنه أن يفعل ما فعل، مازال في عنق الدولة المصرية والأزهر الشريف والقانون وضمير مصر، وفي عنق كل مواطن مصري شريف.
قلبي مع الأم الثكلى "إيفون"، والأبّ الصابر "أمير"، اللذين قدّما فرحة عمرهما فداء لهذا الوطن المأزوم بالبغضاء والعنصرية. حين التقيتُ بهما في المستشفى وهما واقفين على باب غرفة العناية الفائقة يحرسان ما تبقّى من طفلتهما فوق فراش الجراحات والألم، ارتبك الكلامُ فوق لساني ولم أجد ما أقوله لهما من كلمات التشجيع والمؤازرة في مثل تلك المواقف العسرة.
ولكنني اليومَ، وقد تعلّمت درسًا في حفل تأبين شهداء البطرسية الأسبوع الماضي في الكاتدرائية، وأنا أتأمل صور الشهداء مرفوعةً على أكفّ الأطفال الصغار وهم يغنّون في فرح، قد يراه المرءُ غريبًا على حفل تأبين، قائلين: “مبروك عليهم السما/ والفرحة بالأكاليل"؛ أعرف ماذا سأقول. أعرف الكلمات التي سأقولها لذلك الأب وتلك الأم حين ألتقي بهما في لحظة العزاء، وقد حان الوقت الذي لن يريا فيه صغيرتهما أبدًا على هذه الأرض. سوف أقول لهما: "مبروك عليها السما. وطوبى لكما شفاعتها لكما أمام الله العادل الذي يكره الظلمَ والقتل والعنصرية والبغضاء.”
ومن جديد أقول للرئيس عبد الفتاح السيسي وللأزهر الشريف وللدولة المصرية: “سوف يستمر خيطُ الدم يسيلُ من أعتاب الكنائس والأديرة ومن قلوب الأمهات والآباء المفجوعين بثكل أولادهم، مادام القتلةُ الحقيقيون طلقاء. القتلة الحقيقيون هم أولئك المشايخ الإرهابيون الفعليون الذين يملأون أدمغة البسطاء الأغرار بفتاوى الإهلاك والقتل، وهم مسترخون على أرائكهم مُنعّمون بالمناصب فوق منابر الزوايا وعلى شاشات القنوات التحريضية، وألسنهم تقطرُ قيحًا وويلاً لمصر ولأهل مصر. هناك عشراتٌ ومئاتٌ من ذلك السفّاح "محمود شفيق"، يتم الآن إعدادهم ليقتلوا مزيدًا من الأبرياء، طالما ألسنُ القتلة الحقيقيين مازالت طليقةً تنطق بالدمار والويل.”
سامحونا.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اتركْ طرفَ الخيط يا مُتطرّف!
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (2)
- سيد حجاب ... مُت ما شاء لك الموت
- بالأمس تعلمت شيئًا: مبروك عليكم السما
- وإن أصابتك ركلةٌ في أسنانك
- فرسان الإمارات … شهداء الإنسانية
- أُقبِّلُ قلبَك … رسالة شريهان
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (1)
- حلم مريم
- رسالةُ الإرهاب| نذبحكم في كل مكان!
- صديقي معتز الدمرداش
- شريهان … قطعة البهجة والعذوبة
- صدقةٌ جبرية …. منحةٌ من الله!
- الوسادةُ الإلهية …. كنزُك
- بيكار … ريشةٌ ملونة طمسها الظلام
- متى ينتهي كتابي عن الإمارات؟
- لأن الله يرى ولأن مصر تستحق!
- طائرةٌ للفاسدين والسد العالي الجديد
- الأقباط … يركلون أمريكا
- لأن الله يرى!


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - دميانة … الزهرة رقم 29