أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - سيد حجاب ... مُت ما شاء لك الموت














المزيد.....

سيد حجاب ... مُت ما شاء لك الموت


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5418 - 2017 / 1 / 31 - 09:59
المحور: الادب والفن
    


==========================


غمسَ ريشتَه في محابِرنا ليؤرخ بها يومياتنا في أفراحنا وأحزاننا. في دُويّ أرواحنا، كانت ريشتُه تسرق من مداد ضحكنا العزيز وسُهدنا الغزير لتكتب أغاني نهاراتنا وأشجان ليالينا. وفي دُويّ واقعنا كانت ريشتُه تجول في دروب مشاكلنا تتأمل، لتكتب مع الرفاق دستور بلادنا وترسم خُطا مستقبلنا. له ريشةٌ في محبرة عشقنا، وريشةٌ في محبرة فقدنا ووحدتنا. له ريشةٌ في محبرة فرحنا، وريشةٌ في محبرة حَزَننا. له في محبرة ميلادنا ريشةٌ، وحين نموت تقطرُ ريشته مدادها مع دموع الثاكلين.
فكيف سيكون العالمُ وقد صمت هذا الصوت الذي غرّدت العصافيرُ على حروف كلماته أوجاعَ المصريين وأحلامهم؟! كيف سيكون طعم الحياة دون مذاق أغنياته، ودون بسمته المشرقة بالحكايا والنغم؟!
على مقاعد الدرس، قرأنا في طفولتنا رواية "الأيام" التي كتبها طه حسين بدمِه ودموعه غازلاً على سطورها عذاباته واغترابه بين بشر واسعي العيون شاخصي المُقَل؛ لكنهم لا يُبصرون. بين حروفها، راح الكفيفُ المُبصِرُ يُغلق أبواب طفولته وصباه وشبابه: بابًا في إثر بابٍ في إثر باب. تجرّعنا الوجعَ والقنوط مع كل صفحة من صفحات الرواية . لمست أصابعنا مع الطفل الضرير تضاريس السياج العُشبيّ الموحِش، وخِفنا مع الصبيّ الخائف من عواء الذئاب في القرية الساكنة، حين ظننا مثله أنها صراخ العفاريت كما يقول الكبار. لم تنقشع غماماتُ اليأس وتنتفح أبواب الرجاء واسعةً؛ إلا حين سمعنا الحكاية صادحةً بصوت "علي الحجار" على كلمات مايسترو الأغنية الاستثنائيّ عم "سيد حجاب". لاح أمام عيوننا شعاعُ الأمل في غدٍ أبهى حين تلألأت كلمات تقول: "من عتمه الليل النهار راجع/ ومهما طال الليل بيجي نهار/ مهما تكون فيه عتمة ومواجع/ العتمة سور يجي النهار تنهار/ وضهرنا ينقام/ أيام أيام أيام...”
كيف تكوّنت تلك الموهبة الفريدة: "سيد حجاب"؟ تكوّنت على صوت هدير الماء وتلاطم الموج ورائحة اليود الشهية، وزرقة البحر وبياض الزبَد.
على ضفاف بحيرة المنزلة، كان والد الطفل "سيد حجاب" يجالس الصيادين في أمسيات الشتاء القارسة يتدفأون على لهيب الأخشاب ويُلقون الشعر. ومثلما كان كلُّ صيّاد يُلقي شِباكه في بحر النهار ليلتقط رزقه المقدور، كان كلُّ صياد إذا جنّ المساءُ يُلقي قصيدته تحت عتمة الليل ليلتقط الرفاقُ من رزقه الروحي. ثم يحتكمون أيُّهم يفوق الجميع في تأليف القصيد وقراءته. وكان الطفلُ النابه يُنصِتُ في صمت، ويُدوّن في كراسته ما يجود به الصيادون من نزيف أرواحهم أغاني وقصائدَ. فإذا عاد إلى بيته واختلى بنفسه في مأمن من عيون الناس، أخرج شَبَكته/ كراسته، وألقى ما بها من رزق وفير، يحاول أن يُحاكي ما استمع إليه في الصباح. يكتب قصائده الصغيرة، ويُخفيها عن عيون الرقباء. حتى جاء يوم وقرّر أن يُطلع أباه على قصيدة كتبها عن شهيد غدرته غدّارةُ الغدر. فأعجب أبوه بما كتب صغيرُه وشجّعه على المضي في دنيا القصيدة. ومن يومها راح يسطر مشاعر أبناء قريته وأحلامهم وأحزانهم في أغنيات عذبه، حتى صار مع الأيام هذا الهرم الشعري الأكبر: سيد حجاب.
مات سيد حجاب، ولم يمت، ولن يموت. مات الذي قال: “تحت نفس الشمس فوق نفس التراب/ كلنا بنجري ورا نفس السراب/ كلنا من أم واحدة/ أبّ واحد/ دم واحد/ بس حاسين باغتراب/ من حنان الحب هلّ الغلّ جانا/ من مرارة الغل جلجل صوت رجانا/ نبكي من الغل اللي بيعكر حياتنا/ واللا من الحب اللي هدهدنا و شجانا/ يا زمان الغربه ليلك بيحاصرنا/ وفي ظلامه المر طوانا وعصرنا/ بس طول ما الحب بيرفرف علينا/ الجدور هنمدها ونصنع مصيرنا/ كلنا من أم واحدة/ أب واحد/ دم واحد/ بس حاسين باغتراب.”
يا عمّ سيد حجاب، مُت ما شاء لك الموت، واسترحْ بعد عناء. لكنْ، اتركْ لنا ابتسامتك وإشراقها فنحن نحتاج إليها، مثلما ستترك لنا طوعًا كلماتك في دستورنا، وأغنياتك على أحبال حناجرنا.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بالأمس تعلمت شيئًا: مبروك عليكم السما
- وإن أصابتك ركلةٌ في أسنانك
- فرسان الإمارات … شهداء الإنسانية
- أُقبِّلُ قلبَك … رسالة شريهان
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (1)
- حلم مريم
- رسالةُ الإرهاب| نذبحكم في كل مكان!
- صديقي معتز الدمرداش
- شريهان … قطعة البهجة والعذوبة
- صدقةٌ جبرية …. منحةٌ من الله!
- الوسادةُ الإلهية …. كنزُك
- بيكار … ريشةٌ ملونة طمسها الظلام
- متى ينتهي كتابي عن الإمارات؟
- لأن الله يرى ولأن مصر تستحق!
- طائرةٌ للفاسدين والسد العالي الجديد
- الأقباط … يركلون أمريكا
- لأن الله يرى!
- الشنطة بيني وبينك
- المصري اليوم تحاور الشاعرة فاطمة ناعوت
- على هامش البطرسية


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - سيد حجاب ... مُت ما شاء لك الموت