أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أمهاتٌ على أوراق الأدباء














المزيد.....

أمهاتٌ على أوراق الأدباء


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5469 - 2017 / 3 / 23 - 19:01
المحور: الادب والفن
    



=============

في عيد الأم، فكرتُ أن أروي للقراء كيف تناول بعضُ أدباء العالم تيمة "الأم" على أوراقهم. بدايةً برواية "الأم" للروسي العظيم "مكسيم جوركي"، التي تتحدث عن أم بسيطة غير متعلّمة، عالمها محدود بدائيّ لا تعرف فيه غير جمع القروش الشحيحة من بيع الشطائر لعمال المصنع الذي يعمل به ابنها الوحيد. لم تكن تدري أن ابنها ينتمي لجماعة من الثوّار يجتمعون في منزله لعقد الخطط التعبوية لتبصرة فقراء العمال بحقوقهم ومقاومة قيصر روسيا الظالم أيام الإمبراطورية الروسية الفاسدة والتعبئة لإشعال ثورة. بعد القبض على ابنها، بدأت الأم تستوعب ما يجري حولها حين أخبرها رفاقُ ابنها أن الحل الوحيد لتبرئة ابنها وإطلاق سراحه، هو أن يستمر توزيع المنشورات وهو حبيس المعتقل حتى يتأكد القضاة أن أحدًا غيره يقوم بتلك المهمة، فينال البراءة والحرية. تُجازفُ الأمُّ بنفسها وتُخاطر بتوزيع المنشورات التعبوية ضد القيصر على العمال مع شطائرها. ويومًا بعد يوم، يبدأ وعي الأم السياسي في النضوج، حتى تتحوّل إلى مناضلة ثورية مع رفاق ابنها، وتنال لقب "أم الثوار". ولحظة القبض عليها، وبينما الجنود يضربونها ويسحلونها تصرخ في وجوههم بجسارة: “لن تنطفئ شعلةُ الحقيقة، وليس بوسعكم قتل النفوس التي بُعثت من جديد.”
وعلى النقيض من تلك الأم، نجد الأم الانتهازية في مسرحية: "الأمُّ شجاعة وأبناؤها" للألماني العظيم "برتولد بريخت"، التي تُصنّف كأفضل مسرحية في القرن العشرين. فنتعرف على الأم "آنا فيرلنج" التي تمتلك مِقصفًا لبيع الطعام للجنود المتناحرة في حرب الثلاثين عامًا التي دارت رحاها في أوروبا بالقرن السابع عشر. لم يكن يشغلها سوى التكسّب من ظرف الحرب ببيع الطعام لمعسكرات للجنود المتحاربة، لكي تُطعم صغارها. وعيها الغريزي المحدود أنبأها أن إطعام أطفالها، هو الهدف الأنبل في الحياة، بصرف النظر عن مصدر هذا الطعام، وإن كان من أشلاء البشر. يُقتل أحدُ أبنائها في الحرب، فتحرم نفسها من راحة البكاء عليه حتى لا يعرفُ الجنود أن ابنًا لها ينتمي لأحد المعسكرين. كان هدف بريخت من تلك المسرحية هو إبراز ويلات الحرب وكيف أنها تُبرز أسوأ ما في الإنسان من بلادة وقسوة وانتهازية.
أما في مسرحية "الأم" للكاتب المسرحي التشيكي "كارل تشابك"، فنتعرف على سيدة تفقد زوجها واثنين من أبنائها في الحروب الأهلية، وتكاد أن تفقد بقية أولادها. وصراعها الداخلي ينجم من أن أبناءها ينتمون إلى معسكرات متناحرة. تتوسّل إلى أبنائها ألا يخرجوا للحرب، خوفًا على أوراحهم، ولكن حين يهاجم بلادَها عدوّ تنتصرُ وطنيتُها على أمومتها وتدعوهم للخروج والدفاع عن وطنهم.
وبعيدًا عن المسرح السياسي، نتأمل نوعًا آخر من الأمهات في رواية "الأم" للكاتبة الأمريكية "بيرل بك". فلاحة فقيرة شابة راضية بحياتها، وقانعة حتى بزوجها الساخط المتمرد الذي يقسو عليها وعلى أطفالهما، بل يقسو حتى على أمّه العجوز، ثم يترك الجميع ويهرب تاركًا كل تلك الأرواح دون سند ولا عائل. فتؤلف تلك الزوجة المهجورة كذبة من أجل رفع معنويات أطفالها وحفظ ماء وجهها أمام سكان البلدة، زاعمةً أن زوجها سافر للعمل في بلدة بعيدة، وأنه يُرسل لها مصروفات أطفالها. راحت تعمل أجيرة في الحقول طوال يومها وليلها، وتقتص من دخلها الضئيل قروشًا، تُرسلها إلى نفسها بالبريد مدعيةً أنها من الزوج المسافر. يعرف حقيقة قصتها وكيلُ مالك الأرض التي تفلح بها، فيستغلّ عوزها ويغتصب جمالها ويُسقطها في الخطيئة معه. وتبدأ الكوارث تضرب تلك الأسرة التعسة، فتستسلم لها المرأةُ الشابة وهي تؤمن أنها عقاب السماء لها على زللها في الفحشاء. ويكبر أولادها وترى أحفادها يلعبون من حولها فتشعر أن الله قد غفر لها خطيئتها.
أما الأديب الفرنسي "فرانسوا مورياك"، فيقدّم لنا في رواية "أم"، لونًا من الأمهات غير السويّات اللواتي يحببن أبناءهن لدرجة تدميرهم. تُحاصرُ الأم وحيدَها بسياج منيع من الحب والحنو والتدليل، وتغارُ عليه من الجميع حتى ينشأ الابن متصدّع الشخصية مهزوزًا لا يستطيع بناء ذاته. وحين تعرّف على الحبّ في صورة فتاة نقية ملائكية الطباع، تزوجها فأساءت الأمُّ معاملتها حتى ماتت الزوجة الشابة. لكن روحها الطيبة لم تترك هذا الابن التعس فظلّت تُلهمه وتمدّه بطاقة إيجابية حتى نجح في التخلص من أسوار أمه الحديدية المهيمنة وبدأ في العثور على ذاته وتكوين شخصيته الخاصة المستقلة، في حين بدأت الأم يزوي بريقها وتفقد رغبتها في الحياة وتتآكل روحها وهي ترى ابنها يتحرر من طغيانها.
وعلّنا لا ننسى أشهر فجيعة تضربّ أمًّا في السينما والرواية المصرية في قصة "الحرام" لعظيم مصر "يوسف إدريس". الفلاحة الأجيرة الفقيرة عزيزة التي يغتصبها ابن صاحب الأرض وهي تبحث لزوجها المريض عن ثمرة بطاطا اشتهاها. وبعدما أنجبت طفل الخطيئة وضعت يدها على فمه لكيلا يصرخ ويُفتضح أمرها فمات الوليد. فراحت تصرخ في جنون ولوعة بأشهر جُمل السينما المصرية بصوت العظيمة فاتن حمامة: “جدر البطاطا كان السبب يا ضنايا.”
كل عام وكلّ أم طيبة على هذا الكوكب، أكثر جمالا وطيبة.

فاطمة ناعوت



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَن يكره عيدَ الأم؟
- مصحفٌ من يد دميانة
- محمد عبد الوهاب طاووس الشرق
- تحية احترام للبابا تواضروس
- عزيزي ربنا …. ممكن أعرف عنوانك؟
- أطرقُ باب بيتٍ لا يعرفُ الحَزَن
- المعاصي سرُّ الغلاء .... يقول الإمام
- إنهم يصنعون المستقبل في الإمارات
- المرأةُ العفريت … المرأةُ الصقر
- المعاصي سرُّ الغلاء
- لستُ متسامحة دينيًّا
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (5)
- الأقباط ليسوا بحاجة إلى بيوتنا بل إلى بلادهم
- فيس بوك من دون زجاج
- امنعوا بناتكم من التعلّم!
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (6/6)
- إنهم يصنعون المستقبل
- تكفير داعش مسألة أمن قومي
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (4)
- طارق شوقي … نراهن عليك في رحلة -النكوص-


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أمهاتٌ على أوراق الأدباء