أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عبد المجيد - لماذا زهد المصريون في كتاباتي؟














المزيد.....

لماذا زهد المصريون في كتاباتي؟


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 1436 - 2006 / 1 / 20 - 09:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رسائلُ كثيرة تصلني مطالبةً بالتوقف عن تذكير المصريين بفاجعتهم، وبأنّ حذاءَ الرئيس يلعقه الملايين، وبأنّ كرامةَ المصري في عهد أسرة مبارك أقلّ مِنْ كرامةِ جيفة ملقاة في أحد الشوارع الجانبية!
مللٌ شديدٌ وواضحٌ بدأ منذ فترة يتسلل إلى نفوس القرّاء الكرام الذين كانوا يتسابقون لمطالعة كتاباتي، والشَدّ الدافيء على يدي، وتشجيعي بكلمات رائعة تمنح القلمَ طاقة جديدة للاستمرار في معركة من أجل الحق والعدل والحرية.
عندما تدلف إلى أحد المنتديات والمواقع ستجد حتما مقالاتي هي الأقل قراءة وتعقيبا، ويمر عليها الموجوعون والوطنيون وكل الغاضبين من حكم الرئيس حسني مبارك مر الكرام، فكما قال لي أحدهم: إنك تُذكرّني بكرامتي التي مسح بها الرئيس الأرض من ثغرها إلى حلايبها، وتجعلني أتحسس قفاي ومؤخرتي صباح كل يوم، وأكاد أبصق على المرآة التي تعكس صورة واحد من ملايين الخائفين المرتعدين ذعرا من حاكم لا يملك من أمر جسده أو روحه شيئا.
ثم يردف صاحبنا: لذا لم أعد أقرأ لك، ويفعل مثلي كثيرون، فأنت تحوّل أحلامَنا إلى كوابيس، وصمتنا إلى جُبن غير مبرَر، ورضانا العبودي لنهب وطننا إلى مذلة وهوان.

أكثر من عشرين عاما وقلمي المسكين أغمسه في قلبي، وأحَبّر ريشته بدمي، وتشغلني كرامةُ المصري كما لم تشغلني من قبل كل قضايا الدنيا وما فيها.
لماذا لا يعيش المصريون كبقية خلق الله؟
لماذا قطعنا ألسنتنا بأيدينا، وثبّتنا عيوننا في الأرض، وعَرّينا ظهورَنا لسوط الرئيس وابنه؟
عشرون عاما وكلما انتهيت من مقال ظننت أنه الأخير، وأنه سيجتث العفن والفساد، وستفور الدماء في عروق قارئيه، وستسري في أوصال أبناء بلدي رعشة كرامة كأنها البيان رقم واحد للقضاء على أعفن نظام فاسد حكم مصر منذ بناة الأهرام.
أحلم لبلدي بالتحرير من ربقة أعتى الطغاة، وأجلس دامع العينين لأخطط لكل صغيرة وكبيرة، من حرية الرأي والسجون والمعتقلات والتعليم ودور النشر والتربية واختيار الأكفاء ونظام الادارة السليمة وكيفية الانتهاء من ملايين القضايا المعروضة على العدالة البطيئة، أعني الظلم الطويل.
أفكر بتفاصيل دقيقة في فتاة على وشك الزواج وهي تحلم بأن يقرأ والدها الفاتحة مع عريسها، لكن الوالد غائب في زنزانة باردة ورطبة تحت الأرض منذ سنوات طويلة وبدون محاكمة وفقا لمزاج وغضب السيد الرئيس.
ثم تشغلني صورة شاب يعود إلى بيته في أول أيام الدراسة ويتمنى في الطريق أن يجد أباه الذي لم يره منذ طفولته فهو قابع في معتقلات الرئيس ولا أمل في خروجه مادام الاجرام طليقا، ورقاب شعبنا تنحني في امتهان لم تعرفه أقل شعوب الدنيا امتهانا وانكسارا وسخرة.
منذ عشرين عاما كتبت ( كرامتنا يا فخامة الرئيس)، وظللت أكتب، وكلما دب اليأس في نفسي تأتيني كلمات أكثر دفئا من شمس مسقط رأسي لتعيد لي تركيب الروح في الجسد، وتدفعني للاستمرار في أعنف كتابات ضد أعتى الطغاة.
قال لي محاوري: لو هدأ قلمك، وكتبت عدة كلمات في مديح الرئيس القادم جمال مبارك فستتمكن من زيارة بلدك، وتسير في شوارعها، وتضرب غطسا في بحرها ليغسل أحزانك، وتقوم بزيارة قبري والديك، رحمهما الله، وتقبل ما رضي به الملايين، أي أمل كاذب في أن يُغيّر الذئبُ أنيابه، وتتحول تخشيبات أقسام الشرطة إلى صالونات أنيقة يغوص فيها جسد الشاهد والمتهم ريثما يأتيك مأمور القسم بقدح من الشاي بالنعناع بعدما كان يُعلق قدميك في سقف حجرته.
خُمْس قرن وقلمي يعصي رغبتي في قليل من الهدوء لئلا يتسرب الملل إلى القراء، لكن قشعريرة غضب ينتفض لها الجسد والفكر معا عندما أتذكر حجم المأساة التي يعيشها أبناء بلدي.
أبعث آلاف النسخ من المجلة مع صدور كل عدد، وأرسلها لأكثر من تسعين سفيرا مصريا في دول العالم، ثم جاء الانترنيت فموقع طائر الشمال فضلا عن المنتديات والمواقع ومئات العناوين التي تتلقى مقالاتي.
لم يعد قارئو مقالاتي قادرين على الاستمرار حتى السطر الأخير، فهي وصف للنكد والحزن والكوارث، وتكرار مُملّ وصارم وجاف لحقيقة يعرفها القاصي والداني وهي انهيار وانحدار أم الدنيا، وانحسار دورها الانساني والسياسي والاجتماعي والروحي والتسامحي والعلمي والثقافي والرياضي، ثم يُخْرج لنا سيّدُ القصر لسانه، فهناك ست سنوات كاملات باختياركم الطوعي لكي أحرق لكم بلدكم وأسَلّمها لأجيال من بعدكم خرابا وبوما ناعقا ومصارف مفرّغة ورجال أعمال من أصدقاء ابني يتمتعون في منتجعات أوروبية بأموالكم.
ويشتعل الغضبُ في نفسي عندما يتعمد قراء كثيرون القفز فوق الموضوع وفحواه وتعمد اهمال حقائق الوضع المصري المأساوي ليبدأ الهجوم الأحمق على شخصي وغربتي وعدم مصداقية كلماتي لأنني بعيد عن زائر الفجر، وكف المخبر، وسوط الباشا المأمور.
حتى لو انسحبت من الساحة رافعا الراية البيضاء، ومقدما ولائي لليأس طريقا وحيدا لحياة هادئة لكي أختار التغزل في الطبيعة في شمال الشمال، والطلب من العناية الالهية أن تتولى عنا القيام بهذا العمل الشاق، واعتبار كل أبناء بلدي جبناء غير قادرين على التغيير، فلن أستطيع وسيعصيني قلمي فالقارعة في مصرنا الحبيبة أشد هَوّلاً من أعنف طوفان شهده بلد آمن في يد رب رحيم.
تلك هي خلجات نفس تقف حائرة بين رغبة القراء في تقديم أوراق مزيفة لوطن يحتضر وبين رغبة قلم في أن يستمر إلى ما شاء الله، لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرا.ولا يزال قراء مقالاتي في انحسار وابتعاد وملل حتى ينفض آخرهم.



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعوة لتحرير مصر من الرئيس مبارك .. تجديد العصيان المدني
- نعم لقتل السودانيين
- أيمن نور .. لن نسير في جنازتك
- جمال مبارك: سوطي ينتظر ظهوركم العارية
- الوصايا العشر للاطاحة بالرئيس حسني مبارك
- الدبابة تتحدث بلسان المواطن .. موريتانيا نموذجاً
- الحسن الثاني يراقب ابنه من قبره
- متى ينفد صبر التونسيين من الرئيس؟
- هل هناك جهة ليس لها مكتب استخبارات في لبنان؟
- كيف تقنع المصريين بأن لهم كرامة؟
- الخيار الجزائري .. العفو عن القتلة
- حكام الإمارات وتحقيق العدل المستحيل
-  مَنْ ليس فيه مِنْ صدّام حُسَيّن فلَيرْجُمَه
- سوريا .. القهر بعد الخوف.... لماذا لا يجنب الرئيس الشاب سوري ...
- لماذا لا يتعلم الفلسطينيون من تجاربهم؟
- المسلمون والأقباط .... الفتنة بأوامر عليا
- انتحار الرئيس المصري حسني مبارك
- عبد الناصر .. عشرون عاما على ذكراه الخامسة والثلاثين
- رسالة خاصة من الرئيس حسني مبارك .. طُزّ في حمارك
- الحوار المتمدن وطائر الشمال .. كلمات شكر


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عبد المجيد - لماذا زهد المصريون في كتاباتي؟