|
هنا دمشق من القاهرة
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 5452 - 2017 / 3 / 6 - 21:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هنا دمشق من القاهرة تميم منصور لم يجد محرر ملحق " الاهرام العربي " طريقة لإحياء ذكرى الوحدة ال 49 التي تمت بين مصر وسوريا ، أفضل من اطلاق صرخة نداء تحمل كل المعاني " هنا دمشق من القاهرة " ، المعنى الحقيقي لهذا النداء خاصة في هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن العربي ، وبالأخص سوريا ، له دلالاته الوطنية والقومية ، ربما رأى من أطلقوا هذه الصرخة ايقاد شمعة لتبديد حلكة الظلام الذي تحول الى نفق ضيق يرفض غالبية قادة الأنظمة العربية الخروج منه . نعم " هنا دمشق من القاهرة " تعني الشيء الكثير ، حيث تعيد الأمل الى النفوس والمعنويات المرهقة ، المتعبة ، لتؤكد بأن سوريا ومصر توأمان لأم واحدة ومرجعية قومية إنسانية تاريخية واحدة ، تؤكد بأن القاهرة هي حاضرة المصريين والسوريين ، وكذلك دمشق عرين العروبة وقِبلة الحضارة معاً ، أن أي لقاء بين القاهرة ودمشق يبقى مميزاً وله المردود التاريخي الهام ، يكفي أن نذكر ما هو مردود هذا اللقاء عشية معركة حطين عام 1187 ، فقد أدرك القائد صلاح الدين الأيوبي أنه بدون التلاحم السوري المصري ، لا يمكن هزيمة غُزاة المشرق العربي إبان العصور الوسطى ، الذين رفعوا شعار الصليب ، والدين بريء منهم ، وهذا ما تفعله التنظيمات التكفيرية اليوم في العراق ومصر وسوريا باسم الدين وباسم الإسلام . هذا النداء " هنا دمشق من القاهرة " لا يعبر فقط عن عمق الارتباط والعلاقات بين الشعبين في أرض الكنانة وربوع الشام ، بل فيه اعتراف لدور سوريا وشعبها الى جانب مصر أثناء العدوان الثلاثي عام 1956 بعد أن قام الرئيس " جمال عبد الناصر " بتأميم قناة السويس ، لقد أعلن حينها عبد الناصر على الملأ بأن الدولة الوحيدة التي وقفت الى جانب مصر وطلبت الدخول في المعركة بشكل مباشر هي سوريا ، وعندما قامت الطائرات المعادية بضرب محطات الارسال لإذاعة القاهرة وصوت العروب ، بهدف اسكات صوت مصر ، توقفت إذاعة القاهرة عن البث ، عندها ظهر المعدن الحقيقي لسوريا وشعبها ، فسارعت إذاعة دمشق الى إذاعة النداء التاريخي المشهور وهو "هنا القاهرة من دمشق " و" هنا صوت العرب من دمشق " بعد هذا النداء أصبحت سوريا تتحدث باسم الثورة المصرية ، وباسم الشعب المصري ، تنقل اخبار المعركة ، وتنقل خطابات عبد الناصر التي ايقظت ضمائر العمال العرب في موانىء لبنان وسوريا ، فقاموا في الحال بتفجير الخطوط التي كانت تنقل البترول من السعودية الى الموانىء المذكورة ، ولا ننسى البطل " جول جمال " الذي قاد طوربيد وفجر نفسه في السفينة الفرنسية المعتدية جان دارك ، وقد اطلق تاريخياً على الجيش السوري الجيش الأول والجيش المصري الثاني ، وسوريا الإقليم الشمالي ومصر الإقليم الجنوبي . ومع ذلك فأنه من أهم العوامل التي أدت الى حسم المعركة وتوقف العدوان الإنذار الذي وجهه الاتحاد السوفياتي في حينه بقيادة " بولغانين " الى كل من بريطانيا وفرنسا ، بأنه اذا لم يتوقف هذا العدوان ، فأن الاتحاد السوفياتي سوف يقصف لندن وباريس بالصواريخ العابرة للقارات . ان الخطوة التي أقدمت عليها " صحيفة الاهرام " وما صرح به قبل حوالي أسبوعين أحد الدبلوماسيين المصريين ، بأن مصر ترى في سوريا جزءاً لا يتجزا من أمنها وأمن العرب القومي ، كل هذا غير كاف لمسح العار الذي لحق بمصر ، بعد أن اذدنبت وانحرفت في مواقفها القومية والسياسية ، ولهثت وراء حلف تقوده أمريكا وبريطانيا وفرنسا والسعودية وقطر وبقية دويلات المسخ العربية ، لقد أقيم هذا الحلف للقضاء على محور المقاومة التي تُعتبر سوريا أحد أركانه . ان وقوف مصر الى جانب المعسكر المعادي لسوريا ، جعلها جزءاً من المؤامرة عليها خدمة لمصالح إسرائيل العسكرية ، واستمراراً لردة السادات ، كما أن موافقة مصر على طرد سوريا من عضوية الجامعة العربية دون تردد يؤكد بأنها جزءاً من المؤامرة ، وقد قامت بذلك خدمة لملاحقة القوى المعادية للامبريالية والصهيونية والرجعية العربية ، الغريب ان النظام الحالي في مصر بقيادة الرئيس السيسي لا يزال يتخبط في مواقف مصر اتجاه سوريا خاصة ، واتجاه محور المقاومة ، فالإعلام المصري الذي تموله السعودية ، لايزال يروج بأن ايران دولة إرهابية ، خدمة لرغبات أمريكا والسعودية ، ولا يزال يعتبر ايران بأنها المسؤولة عن اثارة القلاقل في منطقة الشرق الأوسط ، اما فيما يتعلق بسوريا فإن هذا الاعلام يتعامل بخجل وتردد ضد القوى المعادية لسوريا ، يخشى من قول الحقيقة بتسمية الإرهاب باسمه ، وبأن أمريكا وتركيا والسعودية وقطر وغيرها من الأنظمة والدول ، هي التي كانت ولا تزال تقوم بتمويل القوى الإرهابية بدعم من إسرائيل . ان تعاطف مصر المحدود مع سوريا وعدم وقوفها بقوة ضد كل القوى التي تدعم الإرهاب لن ولم يعيدها الى موقعها الطبيعي في صدارة القوى الى تحسم الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط ، ولم يعيد لها هيبتها الدولية ، كما ان تحيز النظام في مصر الى جانب عناصر فلسطينية مشبوهة لفظها الشعب الفلسطيني ، أمثال دحلان وغيره ، سيزيد من عزلتها ويقلل من وزنها في حل القضايا المصيرية في المنطقة . أما بالنسبة لذكرى الوحدة بين مصر وسوريا ، فان هذه التجربة بحلوها ومرها لا تزال في ضمير هذه الأمة ، وان الحتمية التاريخية تفرض تكرارها ، ولكن على أسس وثوابت مدروسة ، وأهمها وجود أنظمة تمثل شعوبها مع توفير الحريات الكاملة لهذه الشعوب ، ان فشل تجربة أول وحدة عربية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية التي فرضت الوحدة على العرب سياسياً وجغرافياً ، لا يعني أن وحدة الأقطار العربية وشعوبها مستحيلة ، في نفس الوقت فأنه من غير الممكن قيام أي نوع من أنواع الوحدة الا تحت مظلة الاجماع القومي الاجتماعي التقدمي ، وليس على أساس مذهبي ، ولا يمكن قيام أي صورة من صور الوحدة دون فصل الدين عن الدولة ، لأن الحماس القومي لا يكفي ، والحماس الديني لا يوحد الشعوب . " هنا دمشق من القاهرة " تبقى همسة قادمة من زمن عشناه وفي أعماقنا الآمال العريضة ، وكلما غرقنا في مستنقع الحاضر نحمل قنديل " ديوجين " ونفتش في زوايا الذاكرة عن صور مشرقة .
#تميم_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوجه امريكا والعجيزة اسرائيل
-
ريفلين وقفزة القط الشرير
-
بلدية البيض في القدس
-
بالأمية والغيبيات تُحكم الشعوب والبلدان
-
وحدها الشعوب العربية قادرة على الزام امريكا بالتغيير
-
وماذا بعد الاستقالات ؟؟؟
-
الاعلام الإسرائيلي يُسقط نتنياهو بحفرة الشبهات
-
حُلم عثمنة تركيا تبدد تحت وقع الإرهاب الاردوغاني
-
الأصابع المرفوعة في السجلات المختومة بالقبلة الامريكية
-
جدل عقيم وحمى الاتهامات
-
الربيع العربي أدخل اسرائيل العصر الذهبي
-
صفق أنت فلسطيني
-
فيدل كاسترو البصمة التي أوجعت امريكا
-
بين فكي كماشة بلفور والتقسيم يعيش الشعب الفلسطيني
-
لا يفتح الطريق المسدود امام الفلسطينيين الا الشعب الفلسطيني
-
مقاييس التكريم محاطة بالجماجم
-
بين الهيئة العربية العليا والقائمة المشتركة
-
موعد مع الغدر في ليلة المجزرة
-
عروبة الحرم القدسي الشريف ليس رهينة لقرارات اليونسكو وغيرها
...
-
حقائق التاريخ تدين الوزير - بينيت -
المزيد.....
-
كاميرا مراقبة ترصد ما فعلته دببة عندما شاهدت دمى تطفو في مسب
...
-
شاهد: خامنئي يدلي بصوته في الجولة الثانية من انتخابات مجلس ا
...
-
علاج جيني ينجح في إعادة السمع لطفلة مصابة بـ-صمم وراثي عميق-
...
-
رحيل الكاتب العراقي باسم عبد الحميد حمودي
-
حجب الأسلحة الذي فرضه بايدن على إسرائيل -قرار لا يمكن تفسيره
...
-
أكسيوس: تقرير بلينكن إلى الكونغرس لن يتهم إسرائيل بانتهاك شر
...
-
احتجاجات جامعات ألمانيا ضد حرب غزة.. نقد الاعتصامات وتحذير م
...
-
ما حقيقة انتشار عصابات لتجارة الأعضاء تضم أطباء في مصر؟
-
فوائد ومضار التعرض للشمس
-
-نتائج ساحرة-.. -كوكب مدفون- في أعماق الأرض يكشف أسرار القمر
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|