|
الربيع العربي أدخل اسرائيل العصر الذهبي
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 5370 - 2016 / 12 / 13 - 22:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الربيع العربي أدخل إسرائيل العصر الذهبي تميم منصور في إحدى المحاضرات التي استمعت اليها في مركز الدراسات الخاصة بقضايا الشرق الأوسط التابع لجامعة تل أبيب ، قدمها في حينه المستشرق المعروف موشه شامير ، الذي وصفه محمد حسنين هيكل ، بأنه يعرف عن مصر أكثر مما يعرفه المصريون عنها ، كان يجلس الى جانب شامير مستشرق آخر متخصص في شؤون سوريا ولبنان ويدعى رابينوفيتش ، نوه شامير في هذه المحاضرة بأنه لا يرى في الأفق البعيد حدوث أي تقارب أو تصالح بين إسرائيل وبين أية دولة عربية ، خاصة بعد أن ذاق العرب طعم النصر في حرب يوم الغفران عام 1973 . لم يعرف شامير وهو يتحدث عن هذه التقديرات بأنه سوف يصبح سفيراً لإسرائيل في القاهرة بعد سنوات ، وعلى ما يبدو أنه لم يدرس شخصية السادات الذي خلف عبد الناصر ، وان السادات رجل مزاجي ، وان الانتصارات التي حققها في يوم الغفران أصابته بجنون العظمة والغرور والفكر الضلالي ، لم يعلم شامير بأن السادات صدق ما وصفه به الشيخ الشعراوي ، بأن هذا الرجل وهو يشير الى السادات " لا يخطىء " فبدأ يتخبط وينسب نفسه الى الرجال العظماء في التاريخ أمثال نابليون والقياصرة والملوك العظام الذين غيروا وجه التاريخ ، وقد وصف نفسه مرة بأنه يملك فطنة تشرشل . قال شامير في هذه المحاضرة ، بأن استراتيجية الأمن الإسرائيلي مبنية على عدة أسس لبقائها في الوجود ، الأساس الأول خروج مصر من دائرة الصف العربي المعادي لإسرائيل ، لأن مصر من وجهة نظره ، تملك طاقات بشرية واقتصادية وثقافية كبيرة جداً ، قادرة على جمع شمل العرب اذا ارادت ، ولها تأثير سياسي ومعنوي وعسكري ، واعترف بأن هناك ثلاثة جيوش عربية قادرة على استيعاب واستعمال أحدث الأسلحة في مقدمتها الجيش المصري ، ومن وجهة نظره بأن مصر تلعب دوراً هاماً داخل دول عدم الانحياز ودول القارة الافريقية وداخل مجموعة الدول الإسلامية ، كان زميله " رابينوفتش " يهز رأسه إشارة الى موافقته على ما يقوله شامير . أما الأساس الثاني الذي حدده شامير للمحافظة على أمن إسرائيل ومنع تهديدها ، الفصل والايقاع بين سوريا والعراق ، لأن التعاون بينهما أو اتحداهما يشكل قوة عسكرية وسياسية واقتصادية هائلة ، بامكانها تهديد أمن إسرائيل ،مرة أخرى عندما توقف شامير ليلتقط أنفاسه ، ابتسم زميله " رابينوفيتش " ورفع ابهام يده إشارة الى أنه يوافق على كل كلمة يقولها . على ما يبدو أن أبواب السموات كانت مفتوحة ، وأن تقديرات وطروحات شامير تحولت الى وعظ وأدعية يجعل ما تمناه واقعاً مع أنه كان ضرباً من ضروب الخيال ، فلم تمض الا سنوات قليلة حتى تحول السادات الى " قابلة " ثانية بعد بريطانيا ، أعلن وبارك ميلاد إسرائيل الدولة من جديد لأن اعتراف مصر بشرعية وجود إسرائيل بحدودها يعتبر شهادة ميلاد وشهادة إقرار وتثبيت وجودها ، لا تراجع عنه ، لأن هذا الاعتراف كان بضمانات دولية . سارت إسرائيل لاستغلال واستثمار ما حصلت عليه ، لأنها تريد دائماً أكثر ، خاصة أنها تعرف بأن العرب بدون مصر ، كالجسم بدون رأس ، لذلك ضاعفت من سياستها العدوانية وتفرغت لجهات أخرى قررت حسمها ، كما أن خروج مصر من المعركة شجع إسرائيل على التنكر أكثر لحقوق الشعب الفلسطيني ، فحولت الاحتلال من عسكري الى احتلال استيطاني ، كما فعل البيض في جنوب افريقيا والجزائر وغيرها . لقد اتسعت أبواب السماء أكثر لينهمر منها ما يزيد من قوة إسرائيل ، ويجعلها تثق بنفسها أكثر ، فقد نشبت حرباً دامية بين العراق وايران ، استمرت هذه الحرب ثمان سنوات ، اشغلت هذه الحرب غالبية الدول العربية وانهكت قوة الدولتين المتحاربين ، وأهم نتائجها أنها زادت من القطيعة بين العراق وسوريا ، لأن الأخيرة رفضت هذه الحرب ووقفت الى جانب ايران ، ولا تزال هذه القطيعة قائمة . لقد منّ العرب على شعب الله المختار في إسرائيل بمزيد من المن والسلوى السياسي لم تحلم به ، فقد قررت منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بوجود إسرائيل مثلما فعلت مصر في كامب ديفيد ، واكتفت هذه المنظمة بدويلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس العربية ، وقد اعتقدت منظمة التحرير بأنها بعد خطوتها هذه سوف تحصل على نياشين من أكبر دولة عنصرية وهي إسرائيل ، فسارعت للتوقيع على اتفاق للسلام ينهي حالة الحرب ويضع حداً للصراع ، وقد تم ذلك في اتفاق أوسلو عام 1993 ، أنهى هذا الاتفاق الانتفاضة الأولى ، التي تميزت عن أي كفاح شعبي قام به شعب آخر يرزح تحت الاحتلال ، وقد حظيت هذه الانتفاضة بدعم غالبية دول وشعوب العالم ، هذا الاتفاق يذكرنا بالاتفاق الذي انهى ثورة 1936- 1939 بوساطة الأنظمة العربية ،و هو يشبه من حيث مردوده السياسي الكتاب الأبيض الثالث الذي أصدرته بريطانيا ووافق عليه العرب ، والهيئة العربية العليا . لقد خدعت بريطانيا العرب عندما أصدرت الكتاب الأبيض الثالث ، وأبلغتهم بأن وعد بلفور لم يعد قائماً ، هكذا هو اتفاق أوسلو ، فقد خدعت به إسرائيل منظمة التحرير بالتعاون مع أمريكا ، لأن إسرائيل رأت بهذا الاتفاق تثبيتاً للاحتلال ، وشرعية للوجود الإسرائيلي كما أن هذا الاتفاق أزال كل الحدود والعوائق والعداء بين الكيان الصهيوني والأنظمة العربية ، باستثناء بعضها خاصة سوريا ، كان اتفاق أوسلو هو المفتاح الذي استلمه النظام الأردني كي يفتح به كل أبواب التصالح والعلاقات والتطبيع مع إسرائيل ، وقد انتظر النظام الأردني هذه اللحظات التاريخية منذ زمن طويل ، لأن اتفاق وادي عربة كان بين توأمين جيناتهما وصلبهما واحد ، والقابلة واحدة هي بريطانيا. إسرائيل لم تكتف بما امطرته سموات الأنظمة العربية من المن والسلوى السياسي المجاني ، فانتظرت أكثر ، انتظرت حروباً أهلية داخل الأقطار العربية ، وانتظرت صراعات طائفية ، خاصة بين السنة والشيعة ، استطاعت الولايات المتحدة تأجيجها خدمة لإسرائيل . نعم نعترف بأن إسرائيل تعيش اليوم في عصرها الذهبي ، مما جعلها في حالة انفلات عدواني وعنصري استيطاني ، لا أحد يحاسبها ، بعض الدول الغربية تلومها بخجل ، لكن تدعمها سراً وعلناً ، إسرائيل دولة قطفت ثمار الربيع العربي ، ووضعته في سلة طموحها العسكري ، وقوتها الاستيطانية والنفوذية ، لقد أدى هذا الربيع الى اضمحلال الدول العربية وانشغالها بمشاكلها من اقتتال داخلي ، الى انهيار اقتصادي ، ونسيان القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا التي ترفع قيمتها عالياً . في الربيع العربي ربح الشتاء الإسرائيلي الصهيوني ، شتاء الاستيطان والتفوق والسيطرة .
#تميم_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صفق أنت فلسطيني
-
فيدل كاسترو البصمة التي أوجعت امريكا
-
بين فكي كماشة بلفور والتقسيم يعيش الشعب الفلسطيني
-
لا يفتح الطريق المسدود امام الفلسطينيين الا الشعب الفلسطيني
-
مقاييس التكريم محاطة بالجماجم
-
بين الهيئة العربية العليا والقائمة المشتركة
-
موعد مع الغدر في ليلة المجزرة
-
عروبة الحرم القدسي الشريف ليس رهينة لقرارات اليونسكو وغيرها
...
-
حقائق التاريخ تدين الوزير - بينيت -
-
حمامة بيرس للسلام في قفص التساؤلات
-
عباس في خطابه أمام الأمم المتحدة أسقط البندقية وكسر غصن الزي
...
-
نتنياهو من فزعة يوم الانتخابات الى اللعب بورقة التطهير العرق
...
-
من اسحاق رابين الى الكابتن نضال
-
لسنا جسراً للسلام الذي يحلم به الاحتلال والسلطة في رام الله
-
هل نحن أمام مشروع مارشال جديد في غزة ؟؟؟ ..
-
الطائفة المسيحية ستفشل مشروع ساعر بيكو
-
عندما ينزلق الأزهر ويقع في شباك النفاق
-
الجبناء وحدهم لا يغضبون
-
العدوان على غزة كان بمثابة الغربال الذي اسقط زوان العنصرية
-
ديمقراطية الانياب الدموية في وسائل الاعلام الصهيونية
المزيد.....
-
ماذا قال أوباما عن الرجال السود الذين سيصوتون لترامب بدلا من
...
-
-وول ستريت جورنال-: دول عربية تبلغ واشنطن رفضها استخدام أراض
...
-
بري: الأمريكيون يتواصلون معنا ويقولون إنهم مع الحل في لبنان
...
-
ميلوني تعلن موعد انعقاد المؤتمر القادم حول أوكرانيا
-
بوتين يصل إلى تركمانستان في زيارة عمل
-
-واينت-: إسرائيل تعتقل صحفيا أمريكيا لكشفه الأضرار الناجمة ع
...
-
-نيويورك تايمز- تتنبأ بموجة غضب شعبي عارمة ضد زيلينسكي بسبب
...
-
تنزانيا تسجل أول إصابة بجدري القردة
-
المتطرفون الأوكرانيون يطلقون النار على سكان كورسك ويطردوهم م
...
-
سيناتور أمريكي: الصراع الأوكراني يجب أن ينتقل إلى التفاوض من
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|