أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد حسين يونس - عندما نعيش في أحلام الاخرين ؟؟















المزيد.....


عندما نعيش في أحلام الاخرين ؟؟


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 5450 - 2017 / 3 / 4 - 09:30
المحور: سيرة ذاتية
    


الا توجد لديك أحلام خاصة .. لماذا تعيش في أحلام و مشاكل الاخرين ؟؟
مقدمة
هذا السؤال المحورى في حياة كل منا ..عندما نطرحه مبكرا تستقيم الامور إلي حد كبير .. فأحلامك الصغيرة التي تسعي لتحقيقها .. تساعدك و تدربك علي وسيلة تحقيق الاحلام الاكبر ليصبح إسلوب حياة .
و لكن عندما يكون الحلم (محظورا ) بالامر ..لانه يتعارض مع المقدر و المقسوم .. فإن صاحبه يتحول لريشة في مهب الريح .. تحملة أينما حلت .. و تجعل من الصدفة المؤثر الاساسي في تطور حياته حتي تجيء اللحظة التي يكتشف فيها عشوائية تواجدة و أنه مستنزف و مستهلك في مشاكل مفروضة علية بواسطة الاخرين .. فيتساءل بخجل .. ترى ما هي أحلامك ؟.
في مقالي هذا .. سأقص عليكم بعض من أحلامي خلال مراحل عمرى المختلفة .. مبتعدا بالحوار .. عن ما يجرى اليوم من تردى و سقوط و تفكك لمجتمع .. مضطر لان أعيش فية وينوبني من سخامه ومصائبه الكثير
أسباب ذلك أنه لم يعد بإستطاعتي أو قدرتي إحداث أى تغيير في إتجاه موجات الانحطاط الطاغية .. فالافضل أن أتوقف عن النواح الذى يجعل مني مسنا مزعجا .
و الاخرى ( رغم علمي .. أنني سأواجه أذانا صماء .. و عقولا رافضة منهكة في سباق و صراع حياة مجتمع غير مواتية) أنه ربما كان أى من الابناء أو الاحفاد لديه حلم يكرر به ما حلم الاب .. و قد يحتاج لسماع تجربته رغم فشلها و قصورها

الحلم الاول ...1941.
الفرق بيني و بين أخي حامد سنة ونصف .. لذلك عندما إكتشفت أمي الحمل الجديد نصحوها بفطام إبن التسعة أشهر ((اللي هو أنا )) .. فغربتني لدى خال لي كانت زوجته تركية صارمة .. فرضت علي قوانينها .. و بدأت في تعويدى علي تناول أكل الكبار ومنه نوع من الحلوى يسمي (سد الحنك )لازلت أحبه حتي الان .. و ظلت هي و خالة لي مواظبتين علي تعذيبي بطعام غير مستثاغ لطفل الشهور العشرة الذى بدأ يتحرك منطلقا في المنزل بلا ضابط أو رابط .
بعد حوالي شهرين او ثلاثة .. جاءت والدتي لاسترجاعي فرفضت أن أذهب لها .. و كان النظام في بيت خالي أن يخلع الزوار أحذيتهم أو مداساتهم علي الباب كي لا يلوثوا السجاد بها .. فجلست أمي في نهاية الغرفة بجوار الاحذية علي الارض حزينة واضعة كفها تحت ذقنها كاتمة دموعها ..
تحركت(انا ) ببطء لم يلاحظونه.. حتي أصبحت بجوارها فأمسكت بشبشب .. وظللت أضربها به علي راسها ثم إرتميت في حضنها .
و جاء حامد للدنيا .. كنا في زمن منتصف الحرب العالمية الثانية .. و محظور الاضاءة .. وكانت السلع شحيحة ..و الحالة ضنك علي الجميع.. إلا إبن السنة و نصف ..الذى كان له حلما أخربعيدا عن كل ملابسات هذه الحياة الصعبة .. لقد كان يقف أمام أمة و هي ترضع أخيه .. متوسلا
(( شوفي كدة شوية لبن عند الواد دادى يا ماما )) لقد كان الحلم الاول الذى لم يتحقق .. رضعه لبن من ثدى والدته.
الحلم الثاني.. 1945
كانت شرفة منزلنا تطل علي شارع الشرفا .. و منها كان يمكن .. مشاهدة مدرسة راهبات (نوتردام ديزابوتر)..من الباب الخلفي .. و لقد ألحقتني والدتي بها مع بنات أخوها .
هناك كونت صداقاتي الاولي .. من الاولاد و البنات .. لكن أقربهم لي كانت نهي و أسامة .. لذلك عندما حملت والدتي للمرة الثالثة .. و كانوا يبحثون عن إسم للمولود إخترت الاسمين ووافق والدى فورا عليهما فلقد كنا في ذلك الوقت لا نعرف ما الذى تحملة الانثي في رحمها حتي أخر دقيقة .
عندما طلبت من الراهبة المعلمة أن أذهب لدورة المياة .. كانت إجابتها الرفض .. لقد كانت تحاول أن تعلمنا الانضباط .. و لكنني رجعت ثلاث صفوف للخلف و فتحت زراير بنطلوني و بدأت أتبول .. حتي أفرغت المثانة ثم عدت لمكاني .
المدرسة الراهبة وجدت سرسوبا من المياة قادم أسفل قدمها ويكاد يلمس ثوبها الطويل .. فبدأت تتبعه لتجد( تاختة) فارغة من الاطفال .. جست جميع من كانوا في الصف بما في ذلك انا فلم تجد أى بلل .
لقد وضعتها في حيرة ..و لكنها كانت تشك في كوني أنا الفاعل فتركتني أذهب دون منع خلال الفسحة و عندما بدأت أقص علي إبنه خالي ما فعلت .. وجدت من يمسك أذني و تطلب مني أن أدعو والدتي لتقابلها .
أمي كانت تضحك .. و هي تستمع لشكوى المدرسة .. و الاخرى كانت أيضا تبتسم وعلي غير المتوقع طلبت أن تنقلني لصف أكبر نظرا لان إستيعابي يفوق سني .
في الصف الجديد لم يكن لي أى رغبة في الاستمرارمع الاغراب ..لم تكن تهمني الدراسة ..أو التعلم .. لقد كان كل أملي هو أن أعود لاصدقائي و صديقاتي .. ولكن يبدو أنه كان حلما بعيد المنال .. لم يتحقق حتي غادرت المدرسة لالتحق باولي إبتدائي بمدرسة (الالهامية ) للاولاد ولازالت نهي برادة (او بليغ ) وناهد المنشاوى و أسامة علي .. الاصدقاء الذين فقدتهم مبكرا
الحلم الثالث 1946-1950
عندما جاءت أختي (نهي) للحياة .. أنتهت الحرب العالمية الثانية .. و قررت العائلة الانتقال من شارع (النزهة - الشرفا ) إلي سكن أوسع( 41 شارع كنيسة الاتحاد ) بالسكاكيني المكان الذى قضيت فيه طفولتي و صباى و صدر شبابي .
لقد كانت شقة ذات خمس غرف وفرندة كبيرة تطل علي شارعين فرعيين.. ذات أسقف عالية .. وشبابيك و ابواب مرتفعة و كنا نشعر فيها بحرية وبراح يختلف عن السكن الاول الذى ولدت فيه أنا وأخي و أختي.
وهكذا تم نقلي إلي مدرسة (الالهامية الابتدائية ) بشارع بين الجناين ، التي كنت أذهب إليها صباح كل يوم برفقة زملاء لي أبناء أصدقاء لوالدى وصحبة وحراسة خادمهم.
في المدرسة الجديدة.. أجرى لي الناظر الاستاذ توفيق قبل القبول ما يشبه (الانترفيو) فقد سألني عن إسمي .. و كان ردى (محمد أفندى حسين يونس ).. عندما ضحك و علق لماذا أفندى ، أصلحت من وضع الطربوش ورددت بانني إنتقلت من روضة الاطفال وأصبحت الان في مدرسة الافندية ..
وعندما سألني ماذا أريد أن أعمل في المستقبل قلت مهندسا ..سأل .. لية !! و كان الرد لأكسب فلوس كتيرة .. و أذهب لزيارة ماما .. و معي هدايا و حلويات و جاتوه .. لها و لبابا وأخواى.
هذه الردود يبدو أنهم لم يعتادوا عليها في مدرسة (الالهامية) فلقد أخذني الرجل و طاف بي علي مدرسي المدرسة يسمعهم أحلام طفل في السادسة من عمرة.
بمرور الوقت وضح لهم سرعة إستيعابي .. للدروس .. ثم تفوقي .. لدرجة أن مدرس الحساب الاستاذ شتا .. كان يكتب المسألة علي السبورة و يطلب من الطلاب حلها امامه والذى يعجز يقف بجوار الحائط حتي لا يبق غيرى جالسا فيقول أخرج يا محمد حلها لهم .. و عندما أفعل هذا ببساطة .. يحملني لاقف علي منضدته .. ويمرر علي من فشل لاضرب كل منهم بالقلم علي وجهه .
لقد أصبحت طفلا مكروها من الزملاء الذين كانوا يحاولون رد ضربي لهم في الفسحة رغم أن المدرسين كانوا عادة ما يردعونهم .
لم يعد لي حياة إجتماعية في هذا المكان..فأبناء أصدقاء والدى الذين أذهب معهم للمدرسة تنصلوا مني .. و تهربوا .. و أصبحت أذهب منفردا .. و زميلي ماجد دانش .. عندما ناديت علية لنلعب سويا .. خرج لي والدة مكشرا ثم طلب مني الصعود لمنزلهم فوجدته يدرس لابنه الحساب .. سألني في جدول الضرب فرددت .. ثم أعطاني مسألة حليتها بسهولة .. ثم أخرى أصعب .. فلم تمثل مشكلة بالنسبة لي و إذا به يرفع كفة وينهال بها علي وجه إبنه .. فيصرخ الطفل و تأتي أمة و أخته ليطرداني بينما هو يصيح إياك تيجي هنا تاني .
لم يعد لي أصدقاء و لكنني كنت التلميذ الاشهر في المدرسة حتي أنه بعد سبعة عشر سنة عندما قبض علي أحد الزملاء اليهود اثناء أسرى تعرف علي بسهولة .. وسألني ألم تكن في مدرسة الالهامية .
الطفل المتفوق يصبح وحيدا .. حامد ..لم يعد يتبادل معي الحديث او الكلام بسبب أن المدرسين كانوا يقارنونه بأخية (اللي هو أنا ) .. و حتي بين الاقارب ضرب عمي (علي) إبنه (جمال) عندما سمع إجابتينا علي أسئلته .. و ضرب قريبنا طلعت أخوه إبراهيم غازى في الشارع أمام لجنة الامتحان عندما قارن ردودينا علي إختبار الحساب في الابتدائية و كان صعبا لدرجة أن جريدة (الاهرام) ذكرت ذلك أما أنا فقد حصلت علي 48 من خمسين.
لقد كنت أقابل بالصد من أترابي أينما ذهبت فأشعر بالوحدة.. و الطرد خارج مخططات العاب الاطفال بحيث أصبح حلم إبن العاشرة (الذى لم يتحقق) أن يجد له صديقا لا يهتم أهله بأن يتفوق إبنهم علية
الحلم الرابع ..1948-1951.
عم فؤاد السحار .. صاحب البقالة التي علي ناصية شارعنا مع شارع النزهة .. إشترى منزلنا .. ثم إنتقل بأسرته ليعيش فية .
لقد كان المنزل يتكون من ثلاث طوابق.. أرضي به أسرة نينه أم كمال الارملة التي تربي ثلاث شابات و شابين.. و الدور الاول الذى إحتلته إسرة السحار .. و الدور الثاني الذى عشنا فيه منذ عام 1947 .. ثم دور بناه المالك الجديد غطي جزء من السطح .. و سكنه بعد ذلك إبنه البكرى محمد .
و كعادة أهل ذلك الزمن .. كانت العائلات الثلاث تكون مجتمعا خاصا يضم جميع أفرادها بقيادة والدتي ، التي كانت مدرسة شابة جميلة وذكية وشيك و مودرن و إبنة الاصول فلقد كان والدها (بك) رسمي مش زى بهوات النهاردة.. فكنا في منزلنا لا نتوقف عن إستقبال الزوارمنهم .. و كانت أمي مخزنا لاسرار الصبايا .. و ناصحتهن الامين و مذلل الصعاب أمامهن .. حتي لو أرسلتني مع أى منهن لتبدو مقابلتها لصديقها في إطار الخطوبة الرسمية .
و لانني كنت مستبعدا من أترابي .. لذلك وجدت في مصاحبة الكبار تعويضا مناسبا .. فتعلمت الشطرنج من أنكل كمال و الطاولة من أنكل سيد .. و الاتيكيت من طانت عواطف .. و عوضتني فوزية السحار عن مقاطعه زملاء رحلة الذهاب للمدرسة بأن كانت تصاحبني وهي ذاهبة لمدرسة الالهامية بنات المجاورة لمدرستي أو وهي حاملة للعيش البيتي للتلدين بالفرن البلدى الذى في طريقنا .
بمرور الوقت .. نمت صداقتنا .. و إعتدنا علي أن نقوم بالاعمال التي نكلف بها سويا .. و أصبحت فوزية هي صديقتي الاساسية .. بل قد تكون الوحيدة .
عام 1951 .. جاءني النبأ الرهيب .. فوزية تم خطوبتها لابن عمها عزت .. و ستكتفي بشهادة الابتدائية ..و تتزوج .
كان يوما أسودا يوم حرمت من فوزية بعد أن زفت لزوجها ظللت أبكي مع إندهاش الجميع .. هل يستطيع طفل الحادية عشر أن يحب و يتلوع لفقد حبيبته .
نعم .. لقد كان يحبها .. ولكن حب من نوع خاص يصاحب فترة الصبي قبل المراهقة و يختلف عن أى حب جاء بعدة .
بعد عشر سنوات .. و كان طالب البكالوريوس يهبط السلم مسرعا .. و جد سيدة مدهولة ملخومة بكومة أطفال .. لا تعرف كيف تتحكم فيهم .. و لم يتبين ملامحها من خلال الضوء الخافت لبير السلم فتجاوزها .. ثم توقف عندما سمعها تنادى علية .. لقد كانت فوزية .. بعد أن هرسها الزمان .. و بعد أن محي أحلام الفتي بملازمتها و كم من احلام لك تبخرت يا أبو حميد.
الحلم الخامس 1951-1956.
كان والدى إبن البية (علي).. طاووسا ..رشيقا ..ومتحدثا لبقا .. عصريا في إختيار ملابسة.. وكان (فلانتينو) حليوة تتهافت علية النساء و الشابات.. لذلك لم يكن يهتم إلا بنفسه.. منذ وعيت عليه حتي وفاته في سن الثانية والثمانين .
والدى كان شديد الانانية و لم يكن يكترث بنا كثيرا ..بل يترك عبء تربيتنا لامنا .. بما في ذلك شراء ملابسنا و مصروفنا ..و توجيهنا و تأديبنا و كان يرتضي لنفسة أن يكون البعبع الذى تهددنا به الام .. و عندما يستمع لشكواها من أحدنا.. كانت ردود أفعالة حادة وفي بعض الاحيان غير متوقع عنفها.. فلقد كان مقتنعا (دينيا) بانه يمتلك أى منا ..ثم عندما كبرنا أصبح يتصرف كما لو كان يمتلك أيضا أموالنا.
أبي كان يعاملنا كما لو كنا موظفين تحت رئاسته.. إلا في حالة وحيدة .. عندما يهزمة أحد أصدقائة في الشطرنج .. فيدعوني للعب مع المنتصر قائلا بفخر .. لن أهزمك أنا سأدع إبني يقوم بالواجب .. و لم أكسفة أبدا .
لقد كنا أطفال منزليين .. غير مسموح لنا باللعب في الشارع .. ولكن مسموح بالذهاب لسينما (سهير ) أو (ريالتو) مرة واحدة في الاسبوع ..و كانت تمر علينا الاجازة طويلة .. نتحرك فيها بين شقق منزلنا .. أو يقبع كل منا في حجرته ساكنا .
حتي إلتحقت بمدرسة فاروق الاول الثانوية و كانت تفتح ابوابها و ملاعبها لطلابها في الصيف .. يزاولون فيها أنشطة رياضية و إجتماعية و ترفيهية مختلفة.
لقد كان نادى المدرسة كما كنا نسمية ..متنفسا .. وكنا نتواجد في رعاية مدرسين أكفاء و تربويين عظام يشرفون علي توجيهنا كل حسب قدراته ..أذكر منهم الاستاذ حبيب المشرف الاجتماعي الذى وجهني لاعمال ( خدمة المجتمع) التي كانت تقوم بها جمعية الشبان المسيحين (الواى ) فتطوعت لاشارك في حملة جمع التبرعات من أجل ملجأ للاطفال الايتام بكوبرى الليمون في صناديق صغيرة عليها شعار الجمعية و بادج مركب علي سواعدنا نحملة بفخر و نتنافس لزيادة حصيلة صندوق كل منا .
في نادى المدرسة كان لدينا حمام سباحة .. و كان الاشتراك فية طول فترة الصيف ( نصف جنية ) .. طلبته من والدتي .. فرفضت ..بدعوى أنها تخاف علي من الغرق و لكن في الحقيقة كان النصف جنية في الغالب مبلغا ليس هينا( كان مصروفي اليومي قرش أى أن الاشتراك يوازى مصروف شهرين) ففضلت أمي أن تستخدمه فيما يفيد الجميع بدلا من إحتكارى له .. و لم تجد أى توسلات أو مناقشات أو وسايط ..و ظل حلم تعلم السباحة حلما غير متحققا حتي بعد أن أصبح متيسرا في حمامات سباحة الجامعة و الجيش و النوادى.
الحلم السادس 1954.
بعد أن إنقلب العسكر علي الملك فاروق .. تغير إسم مدرستي .. وشكل العلم الذى يرفع علي ساريتة بأرض الطابور .. و الهتاف الذى نردده صباحا .. وإسم الوزارة و نظام التعليم.
لقد حصلت علي أول إعدادية في تاريخ مصر و بدأنا نتجه نحو الثانوية العامة بدلا من الثقافة و التوجيهية ..
بعد إنتهاء إمتحانات اولي ثانوى (جديد ) وزعونا بالامر علي فصول تانية ثانوى حسب درجات النجاح تحقيقا للعدالة و دون أى إعتبار لرغبة الطالب
لقد كانت هناك أقسام أدبي جغرافيا و تاريخ و إنجليزى و عربي .. و أقسام علمي احياء و كيمياء و طبيعة و رياضة .
في صباح أول يوم دراسة بالسنة الثانية ثانوى .. إتجه كل منا إلي فصلة الموجود بكشوف التوزيع ما عدا أنا .. فلم أجد إسمي في أى كشف ،عندما ذهبت للسكرتارية أسأل .. قالوالي أنني حيرتهم .. فلقد كانت درجاتي مرتفعة .. في أكتر من علم .. وبذلك لم يستطيعوا إختيار مكان لي.. ثم تبعوها ..ب إنت عايز إيه ؟
كان سؤالا غريبا في جو التعليم العسكرى هذا الذى يتحرك فية البشر في طوابير تحقيقا للمساواة و العدل !!(في رايهم ) دون مراعاة لرغبه الطالب أو مهاراته .
كان علي أن أختار بين علوم.. أحياء أو كيمياء توطئة لكارير طب أو صيدلة ..أو علوم.. رياضة لاصبح مهندسا أو أدبي.. تاريخ .. لأصبح .. مش عارف إية بالضبط ..ولكنني سأستمتع بمعرفة جذابة ممتدة لالاف السنين كان فيها البشر يجاهدون للخروج من أسر البدائية .. لنعيم الانسانية ..وقد ينتهي بي الامر كمدرس تاريخ .
ورغم أنني كنت أميل للدراسات الانسانية ..إلا أنني إخترت علمي رياضة فالموضة التي كانت سائدة أن العلوم الانسانية مضيعة للجهد والوقت و أن علينا إذا كنا نريد نهضة حقيقية أن نتجه للعلم والتصنيع و الانشاء .
لقد ضللت نفسي .. وإتبعت الموضة السائدة .. وظللت أعاني من هذا الاختيار لستة عقود كنت فيها مهندسا تعسا بمهنته اللعينة هذه .
نعم لقد أضعت بإختيارى الفرصة و الحلم أن أتفوق وأبدع في الدراسات الادبية لتبق هذه الرغبة مكبوتة داخلي دون تعبير من 1954 حتي يوم أن أصدرت أول رواية لي عام 1984.

الحلم السابع 1955- 1956.
فجأة تغيرت ملامح طلاب ثالثة رياضة أول ..لقد إنضم لهم زملاء من خارج مدرسة العباسية الثانوية (فاروق ) سابقا فلقد أغلقوا المدرسة الثانوية (خليل أغا ) و أصبحت إعدادية و حولوا طلاب ثانوى إلي مدرستنا .
الزملاء الجدد لم يكونوا من نفس عجينتنا .. لقد كانت أصواتهم عالية .. و ألفاظهم سوقية يغلب عليها الافيهات الجنسية .. و مستعدون دائما لجرالشكل والقتال ..و كانت تجاربهم أغلبها مكتسبة من الشارع حادة و عنيفة و غير مهذبة .
سيد شحاته (شحتوت ) كان والده جزار في الحسينية و متزوج غير والدته .. و تعيش العائلتين في نفس المكان رغم ضيقة..
محمد الصفتي كان والدة بياع أحذية في الموسكي يبيع من ميني دكان وكان يفخر أنه إبن سوق لانه يقضي الاجازة في دكان والده يعمل وسط الناس..
ومحمد صلاح الدين السيسي من الجمالية ووالدة تاجر عاديات صغير و كان يعاني من عجز خلقي في ذراعه الايمن عوضة بالتفوق .
و أنور الجمل من مكان قرب سينما ريالتو يصر علي ألا نعرفه أو نعرف عن عائلته أى شيء حتي لأقرب المقربين له سيد شحاته .
و علي الفور حدث إنفصام في الفصل .. حيث تجمع الغرباء حول بعضهم البعض .. و تجمع أصحاب المكان بعيدا عنهم و إشتعلت المنافسة بين الفريقين .. بدأت بالصراخ و الصياح و الفتونة .. ثم تحولت تدريجيا لإظهار أى المدرستين أبناؤها أفضل دراسيا.
عندما ظهرت نتيجة إمتحانات الشهر الاول .. إكتسح القادمون أغلب الاماكن الخمس الاوائل بينما لم يكن لنا إلا مكان واحد أحتلة أنا .. كمركز ثالث يسبقني فية.. انور الجمل الاول.. ثم سيد شحاته .
كانت هذه مفاجاءة للجميع .. الاول يصبح ثالث .. و منذ ذلك الوقت لم يعد لي هم إلا أن أسترجع مكاني .. لقد أصبح حلمي و هدفي .. ولكنه .. لم يتحقق في الشهر التالي بل تأخرت للمركز الرابع بعد أن سبقني السيسي ..
و أصبحت شديد التوتر مع نكات ابناء خليل أغا .. و معايرتهم للعيال المايصين بتوع العباسية .. و كدت أن ايأس .. حتي عرضت علي أنور الجمل أن نذاكر سويا فوافق.
كنت أريد أن أدرس أسباب تفوقه .. لقد كانت زاكرته فوتوغرافية و عقليتة رياضية وذكي للغاية .. رغم أنه يبدو علية الاهمال و عدم الاهتمام .. و دائم التهريج .
علاقتي بانور توطدت .. و أصبح يعيش عندنا أكثر من ما يعيش في منزلهم .. وأفادتني منافسته وحافز أن أتفوق علية في زيادة درجة إهتمامي ..و لكن يبدو أن الحلم كان صعب التحقق .. فلقد جاءت نتيجتينا في الثانوية العامة متطابقة .. بل تخطانا سيد شحاته في الترتيب . ليحبط وافدى خليل أغا حلمي أن أتفوق عليهم وأظل الاول بلا منافس .
في مكتب التنسيق سيد شحاته ..فضل كلية العلوم و أنهي بكالوريوسة مبكرا و حصل علي الدكتورا في الذرة و إنضم لفريق عمل مفاعل أنشاص .. أنور وانا هندسة عين شمس ثم القوات المسلحة وإكتفينا بالبكالوريوس..الصفتي فنون جميلة قسم عمارة ثم رحل مبكرا .. السيسي تجارة عين شمس ثم أصبح (بنكر) متفوقا و إنقطعت علاقتنا.

الحلم الثامن ..1956.
(1)
في 26 يوليو وقف الرئيس جمال عبد الناصر يلقي خطابا طويلا .. عن علاقة الثورة الوليدة بجلاء الاستعمار البريطاني و صفقة السلاح الروسي و قرض البنك الدوليالذى لم يتم و مناورات أمريكا لوقف تطور التقارب السوفيتي..و تاريخ إستغلال الغرب لبلدنا و نهب دخل القناة .. ثم فاجأ الجميع بصوت يملأه الاصرار و القوة بقوله
((قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقنال السويس البحرية.)) وعلي تصفيق وهتاف الحضور .وقفزت من فوق السرير حيث كنت مستلقيا أستمع بإسترخاء للخطاب من خلال الراديو .. أرقص و أقفز .. و أصيح حتي أن أهلي إندفعوا للحجرة متعجبين من هذا السلوك .
كنت قد حصلت علي الثانوية العامة و ترشحت من خلال أول مكتب تنسيق قبول الطلاب في الجامعات عقد في مصرلاصبح طالبا في هندسة عين شمس .
و كنت من الجيل الذى صدق خطب عبد الناصر و يؤمن بثوريته وقدرته علي عمل المعجزات .
و كنت أيضا من الجيل الذى شاهد جنود الاحتلال علي أرضة .. و شاهدهم و هم يرحلون .
الجيل الذى عاصر كفاح شعوب المنطقة ضد الاستعمار و كان معجب (بمصدق ) رئيس وزراء إيران عندما أمم شركات البترول التي تنهب بلادة ويرى هذا الفعل قمة التحدى و قمة الوطنية .
لذلك عندما تصادف تواجدى في اليوم التالي و بعض الاصدقاء من والدى في الفرندة البحرية لمنزلنا .. بعد غروب الشمس .. و من خلال أضواء خافتة لا تظهر و لا تخفي الجالسين ودار حوار حول حدث امس كانا نتكلم بحماس فائق و كان الوالد يرد بشك و عدم يقين و خوف من أن هذا الفعل التاميمي عمل رومانسي دعائي غير مجدى و غير مفيد حيث أن عقد القناة كان سينتهى بعد عدد محدود من السنين .. فما جدوى خلق مشاكل مع الغرب .
حماس يغذى أحلام واسعة للشباب .. سنقضي علي التبعية و الاستعمار و نبني السد العالي .. و نسترد ثروتنا .. و نوجهها نحو رفاهية و امن بلادنا .
وخوف و إحباط جيل عاش حياة يتحكم فيها المندوب السامي .. ولاراد لكلمته .
قال والدى .. سيهاجموننا ويعيدون إحتلال القششِناة .. و رددت .. سنقف امام قواتهم بالملايين ندافع عن بلدنا ..فإبتسم و وقف و غادر المكان قائلا و اللة م إنتم فاهمين حاجة .
(2)
بين مدرسة (فاروق الاول ) العباسية والهندسة (بجامعة إبراهيم باشا ) عين شمس.. شارع عبرته لاصبح طالبا في إعدادى أكاد أن أضع علي ظهرى إعلانا .. يا ناس ياهوه .. صاحبكم في الهندسة لاتميز عن طلاب و طالبات كلية الحقوق الذين يشاركوننا المبني .
ولكن هذا لم يستمر كثيرا .. ففي 29 أكتوبر هاجمت القوات الاسرائيلية الحدود المصرية .. و عبر الجيش المصرى محدود الامكانيات القناة للتصدى لها .. و دارت معارك لم تكتمل بعد أن أنذرت فرنسا و إنجلترا قوات الدولتين المتحاربتين بإخلاء المنطقة حول القناة بعشرة كيلو من الناحيتين و عندما رفضت مصر الانذار هاجمت قوات المنذرين منطقة القناة .
لقد تحققت نبوءة والدى .. و هاجمونا .. لكن حماس الشباب لم ينطفيء .. خرجنا نهتف (( حنحارب ، حنحارب ، كل الناس حتحارب ، مش خايفين م الجايين بالملايين )). وتطوعت مع قوات الدفاع المدني في منطقتنا.. و ذهب الاكبر منا للدفاع عن مدن القناة .. و ساد شعور طاغي بالرغبة في عدم الاستسلام .. و مع ذلك لم يأت الحل من حماسنا و حلمنا ..إنما جاء من الخارج .. عندما أنذر بولجانيين المعتدين .. و امرهم أيزنهاور بالانسحاب .
نتائج عدوان 56 .. لا يمكن حصرها في سطور .. ولكن أهم هذه النتائج أنني رسبت في إعدادى هندسة و أن كرامتي قد جرحت .. وحلم تفوقي أصبح مشكوكا فية .. و لاول مرة أشعر بمرارة السقوط .



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنكشاف الغمة، في سيرة الامة
- الخطايا الخمس لرؤساء مصر.
- المستبد الاكثر فشلا في تاريخ مصر .
- يا ولدى هذا هو عمك السيسي .
- هل نعلن وفاة قومية العرب .
- إحباط لعملية تحرير الاسير
- هؤلاء عسكر وهؤلاء عسكر ولكن هناك فارق .
- من الذى يتأمر علي من !!
- كاد مبارك أن يخرج بنا من هذه الدايلما .
- بوذا، لاوتسي، كونفوشيوس أيضا أنبياء
- هل أصبحنا محترفي دجل و شعوذة . !!
- 6 أكتوبرلكن من 3200 سنة
- ماذا لو كتبت كلمة السيد الرئيس أمام الامم المتحدة .؟
- الغلابة يحسبوها بالورق والقلم
- الموجة عالية يا ولدى ..إهرب !!
- لا اؤمن بما يقال عن الرخاء.
- عبد الناصر .. و إخناتون.
- إضطهاد أقباط مصر مستمر .
- غير راض عن تعاملنا مع قضية المنيا .
- أحاديث النكدى أبو وش عكر .


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد حسين يونس - عندما نعيش في أحلام الاخرين ؟؟