أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نضال نعيسة - سيمفونية في البرلمان














المزيد.....

سيمفونية في البرلمان


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1431 - 2006 / 1 / 15 - 11:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


الإبهار. الإبهار في الإتقان وأداء كل الأدوار، وتقمص كل الشخصيات، في مختلف المناسبات القومية، والوطنية، والكوميدية، والتراجيدية. والإبهار الأكبر في تماهي جوقة العرض الأخاذ التي ارتدت نفس الرداء، ونطقت بنفس الخطاب. الإبهار في قوة التخاطر التي تستجلب من عقول المايستروات كل المشاعر والأفكار، وتسكبها خطبا مسكرة عصماء. الإبهار في فزعة الأحرار في مطاردة الأشرار في زمن التهافت والانحلال القبلي والعروبي. إنه إبهار اللحظة القادمة من زمن موغل في سلفيته السياسية، إزاء عوالم الإنطلاقات المتتابعة في مجرات الفتوحات الإنسانية الكبرى. إبهار تجليات العزف المنفرد ، واللحن النشاز الخارج عن كل مسارات الحداثة، والعصرنة، والحس الرفيع. الإبهار هو العنوان الأعرض لجلسة البرلمان الشعبي التي كرست لممارسة طقوس العشائرية السياسية المثلى، وتأكيد الولاء للقبيلة الستالينية التي بعثرتها ضربات العولمة واندماج الأقوام في كل مكان. وبدا الحدث الكرنفالي المتقن كبدوي قادم على بعير من عمق الصحراء إلى ميدان يعج بمختلف صنوف السيارات الحديثة. إنه الإبهار القاتل حيث تموت بعض الكائنات والمخلوقات الحية حين تخرج من قعر الظلام، وعتم الأوكار إلى فضاء النور والحياة، وهذه حقيقة علمية، وطبيعية خالدة جسدها بحرفيتها هؤلاء الببغاوات. فحين أرادوا أن يقولوا إنا ها هنا، شُطِبوا من كل الذواكر التي خرجوا منها، أصلا، من زمان.

إنها مشهدية فاقعة الإغراء بالمتابعة، ومسيلة للعاب الشامتين، والمبهورين بتحري تلك الأسباب السحرية، والأسطورية الغامضة، التي أنطقت الأحجار والصم البكم الخرسان، والتسليم بقدرة القادر وحده، بعد ذاك، على بعث الأرواح في الأجساد الرماد. إنه تناغم الإضداد، ومسح التناقضات المضبوط بقوة السلاح، وعنجهية العسكر، وسطوة الطغيان، في ساحة جمعت الأصولي المتمشيخ في ميدان بني "علمان"، يؤم بهم "مطوع" قبلي، وكان قد أذّن لهم في مباشرة طقوس الرجم بعثي متحزب، فيما قبع شرطي يراقب في مخفر بعيد عن الكاميرات، وأعين الحساد. والدهشة الصاعقة الأولى هي في انفلات اللحظة الراهنة من عقال التعتيم، والتكميم، وأصفاد الاستبداد "تقبيحا" لرسم نحتت قدسيته، وحافظت على عذريته نفس الجوقة في زمن غابر من أيام الأمجاد، والنضال. وعندما تدافع الكهنة المخلّدون في كاتدرائية الثوار، أولياء الشعب المغيّب بأعتى الفرمانات، لرمي "إبليس" الذي كفر بالمقدسات، وخرج عن المسار، كانت حمى الولاء المدعّم بالامتيازات والمارسيدسات، وفقه الإذعان الأعمى، والطاعة العصبوية لهيكلية لا يشك ويشرك بها إلا المارقون الأوغاد، هي ما جعلت تلك "الجمرات" المباركة لا تصيب إلا نفس الشيطان. فلا حصانة لمحكوم بمعصية الحاكم إطلاقا، حتى ولو قضى جل عمره في جنة السلطان، يأكل من أطاييبه، ويفترس ماشاء من حوره العين الملاح، ويتملك من إيمائه، ويراود صبيانه المرد الغلمان. فمن أدخله الجنة ذات يوم، فهو قادر، ومتي يشاء، على حرقه بالنيران. وفي اللحظة التي صدرت فيها فتوى إجازة التهام الصنم الأصغر بنهم، كان الانتقام المبرمج بإحكام، والمعرفة العميقة بسر، وآداب المائدة والطعام، هو الخيط الجامع بين هؤلاء الأنام.

نعم، الإبهار وحده، هو ما يمكن أن يطلق على ذاك الأداء المتناغم الذي بلغ حد الإتقان. كان الجميع يعزف أوركسترا فيها الكثير من التناغم السيمفوني الرائع الذي لا يسمع إلا في لحظات التجلي الكبرى هياما، وعشقا بربابنة السفن التي تتهادى تيها، وغطرسة في الأيم الغاضب المضطرب. فلم يخرج أحد من الجوقة عن "النوتة"، ولم ينشز أو يشذ لوهلة عن الإيقاع العام، فالكل يعي بعقله الباطن، وحسه الأمني المرهف، أن من يداعب خياله الجنوح، وتزين له "نفسه الأمارة بالسوء" فسق الاستدارات المباغتة، فسيكون له نصيب آخر، ربما، أكثر توجيعاً، وإيلاما من "طبقة" القدح الصوتية هذه التي جاوزت كل المحظورات.

من أيقظ هذه الأوركسترا النائمة بارعة الأداء في زمن الصحوات النادرة ولكن فيه الكثير من العقوق والفلتان، والنعيق المسموع في الأجواء؟ وكيف ولّفت، ودربت نفسها بسرعة لعرض أوبرالي يبهر الأبصار، ويصهر الألباب، ويحظى بمتابعة من ليس له أي باع في الدف، والعود، وفنون التراقص على الحبال؟ فلا تبك أيتها الأوطان المنكوبة بعنف التحولات، وكثرة الانكسارات، والمحروقة بوهج الاستفشار، وعمق الانحدارات، وتطرف التبدلات، فهاهم أبناؤك في أبهى حلل التوافق الوطني والائتلاف المطرزة بإبداعات الشعراء، والمتوشحة بالطهر، وإعجاز البيان في دهر التشرذم، والتفتت في كل الاتجاهات.وها هو المايسترو الخارق يفسح في المجال، ويفتح آفاقا لا متناهية لتقبيح الجمال، واستعباد الأسياد، وتأليه الاصنــام , وتجريم الأبرياء، وتكفير الأتقياء، وتبرئة الجناة، وتجميل الفاسدين، ومداراة المحصنين والمحصنات، وتلميع الصدأ، وتغييب الظواهر، وفضح الأسرار، وتأجيج المشاعر الفاترات، وتوجيه المهاترات، وإثارة الحميات، والبحث عن المكونات الضائعة في لحظات الانهيارات الكبرى، وتلاشي الأحلام، وتبدد الأوهام، وسقوط الرجال. وما على المتابعين سوى التصديق والهتاف وطلب المزيد من هذا الثغاء.

كيف تمت هذه التوليفة العجيبة؟ ومن وزع، وكيف حفظت هذه الأدوار؟ وكيف تم الإخراج؟ ومن هو المايسترو الخارق الذي برع في إخراج هذه الأوركسترا الخطابية المتناغمة إلى الوجود، بالرغم من نشازية الأحداث؟

ويبقى تفرد الحدث الأبرز، ربما هو في نبش مستحاثات محنطة من حقب أزلية طواها النسيان، حافظت على وظائفها الحيوية، السمعية، والحركية، والصوتية، بالرغم من كل عوامل التمويت، والتحنيط، والتقادم، ومظاهر الوفاة.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم المزبلة الوطني
- خدام في المنطقة الحمراء
- بأية فضيحة عدت يا عيد
- سامحكم الله أيها الرفاق
- مقالب خدّام
- نكتة الموسم الشامية
- حرب المزابل والنفايات السياسية
- المنشق السوري الكبير
- تعقيبا على تعقيب
- مرايا السوريين
- البرلمان العربي: سراب السراب
- شجرة الحرية
- الحجاج نويل
- الأجندة العربية والأجندة الأمريكية
- صلوات لاستسقاء الديمقراطية
- نقطة نظام
- عندما تطفئ الشموع
- لِمَ الإحراج يا سيادة الرئيس نجاد؟
- نبوءة علي الديك
- مدرسة الحوار المتمدن


المزيد.....




- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...
- -عار عليكم-.. بايدن يحضر عشاء مراسلي البيت الأبيض وسط احتجاج ...
- حماس تبحث مع فصائل فلسطينية مستجدات الحرب على غزة
- بيع ساعة جيب أغنى رجل في سفينة تايتانيك بمبلغ قياسي (صورة)
- ظاهرة غير مألوفة بعد المنخفض الجوي المطير تصدم مواطنا عمانيا ...
- بالصور.. رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -الم ...
- -إصابة بشكل مباشر-.. -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مقر قي ...
- واشنطن تعرب عن قلقها من إقرار قانون مكافحة البغاء والشذوذ ال ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نضال نعيسة - سيمفونية في البرلمان