أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - سيناريو الحلم والانهيار.. قصة قصيرة.















المزيد.....

سيناريو الحلم والانهيار.. قصة قصيرة.


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5426 - 2017 / 2 / 8 - 15:02
المحور: الادب والفن
    



-ثلاثون.. واحد وثلاثون.. اثنان وثلاثون... ثلاثة وثلاثون.. اربعة..
"كفى... ارجوك كفى"
قاطعة بحدة. كان ذلك اشبه بالوثوب نحو مرتفع، لكنه شعر بأنه يتهاوى من الداخل بتأن، كذئب جريح مطارد. كان يتحمس مع عنف النظرات العاتبة، الهازئة، التي كأنها توقظك من فوق امرأة لا يحق لك مطارحتها. حاول ان ينفلت من الخناق.
على جسده العاري، شيء ما.. لزجٌ، وحارٌ، ونتنٌ – مثل قطران ساخن – وكان الامر اشبه بدعابة وقحة، محزنة، موبوءة. لم يحملها على محمل الجد. لذلك كفَّ عن التفكير للانفلات من المصيدة الكابوس في وقت كاد قبل لحظة، ان يذل نفسه، امام اكثر من اربعين مخدراً. وكان لذلك طعم السهر الطويل. قال في نفسه: "سيواصل العد..".
أصابع يده اليمنى بدأت تؤلمه. فكر: " في الامر نكاية.. تعمد.. مثل تمثيل في جثة. من الحماقة أن اقاطعه. سيبدو الامر مرعبا. كم سأستطيع تحمل ذلك؟. " احساس شديد بأن للأرقام مذاقا هندسيا.. احساس بالاستطالة.. مذاق شراب آسن، داخل فجوة البلعوم. " ماذا لو كان الامر مجرد مزحة.. كذبة "؟
وكان استياء أبيض قد سقط فوق ركبتيه، وبين اصابع قدميه، حاول ان يصور ما يجري، على انه فكرة ساذجة، ومضغوطة، ومفروغة من الشكوك. ذلك ما شعر به، وربما جعله مرتاحا.. ارتياحا مؤقتا دون تعنيف ودون حاجة للتطرف في التفكير. وكان يكره التكفير عن أفعاله الداخلية.
طعم من الانفعال المخجل شعر به وتقبل ذلك على انه استنزاف للتطرف. انشدّ الى اصابع يده المتألمة. كان الألم يتلبس جسمه كاملا. يشده اليه. ولو استطاع لشمه، وكان يحسه مثل ثقل، يفكر به ومثل واجب لتحريك اصابعه "حركة.." حرَّكها. بدت نهاياتها متصلبة. انتفض، قرقر في داخله شيء ما، ارتعب في داخله، واستصعب الامر من كل دواخله. كانت حركة اصابعه تأتي بطريقة بطيئة لها تململ الجنين داخل غشاء الرحم. لم يعد فيها ذلك الاستنفار الاعتيادي الذي يشعر به اي أمرئ بانه ما يزال حيا. قرر ان لا يحركهما. شعور بالشلل، والمحدودية. وكان مستباحا. دونما مقاومة، مثل انبيق، مجوف، يتثاءب الهواء فيه. تذكر بوضوح: "عشرة ايام بعيدا عن زوجته".
ــ تسعة وثلاثون.. اربعون.. واحد و....
الألم حار، مسمر في اصابعه، ورغبة خائفة في ان يراقب يده جاءت متعثرة، راقبها من احدى زوايا عينيه. كانت اصابعه متشابكة بأصابع يد صديقه (اخطبوطان في حالة استثنائية) فكَّر: " كم هو بحاجة الى مثل هذه الصرامة ". كان منسحقاً امام هذين الاخطبوطين اللذين كانا في حالة استثنائية وكان في جو نفسه شيء ينذر بكارثة الاستسلام، والوداعة، والحقد، في آن معا. وكان من المجدي لو اتخذ هيئة مرعوب، ذليل. ليتوسل به " كفى أرجوك. كفى " ربما ستنتهي اللعبة، ويتوقف الألم.
- تسعة واربعون، خمسون.
" لابد من العد". فكر باستسلام كامل، مد ساقيه تحت المنضدة أتخذ هيئة من ينوي التفكير بشيء محدد، ومستعجل. وكان يبحث عن وسيلة للتماسك ازاء الافكار، التي تجعله يتهاوى في الداخل، ويقرقر في الداخل، ويرتعب في الداخل، ويستصعب الامر من كل دواخله.
راقب الرجل الذي تسرب للتو من شق اوصد خلفه. كان الرجل يزحف على قدميه زحفا، بوجه سمح ومخيف في نفس الوقت. اسمر دقيق، وكان أنفه معقوفا فوق شفتيه العليا. يرتدي قميصاً دون ياقة. وكانت له رقبة، تبدو ببساطة اطول من المعتاد، مما يعطي للرجل الزاحف على قدميه، هيئة نسر عجوز. وكان فيه شيء اشد وضوحا: متحفزا لأن يغضب في اول فرصة، وان يخجل في اول فرصة، وان يتمزق كذلك في اول فرصة، ثمة " يشماغ " ملفوف كان على بعضه، بدا طويلا، وكان يجره خلفه، قال متفحصا الرجل: ".. معه افعى! "
كان يستمري ذلك، مثل طعم الماء البارد، اشبه بأمر الزامي، ومفروض . لم يكن قادرا على تمييز الوجوه المتلاصقة ببعضها. حلقات من العيون المنتفخة، كانت تبدو معلقة على جدران الحانة. كأنها محفوظة داخل قوالب زنكية صدئة، انتظرت طويلا لتعلَّب، وتُصدَّر لمجاهل الدنيا. ولشدة ما بدت مغلقة، خيل اليه: انها لا تنفتح الا لتستريح من اغماضها. نوع فطري من الفعالية المكتسبة لتقوي التحدي والترصد.
انطلق صوت من المذياع، كان مشوشا لرجل ذئبي:
-العدو الصهيوني يتوعد العرب اثر عملية "مطار اللد.."
بدا الصوت أحرداً، اول مرة:
ــ "دايان" يزداد هلعا من المقاومة داخل الارض المحتلة.
يكتسب الصوت قوة النبرة الخطابية الصقيلة :
ــ الجو سيكون هذا اليوم، صحوا. مع رياح جنوبية شرقية، مع احتمال تغيرها الى شمالية غربية. اما درجات الحرارة فستكون ان شاء الله.. في معدلاتها المؤشرة.
فتق احدهم عينا واحدة في وجهه فكر: "يراوح" احتسى الذي راوح عينيه للتو، شيئا من العرق. سال بعض منه على حنكه، وصدره. علق في نفسه: "لو لم يفتح العين اللعينة!"
من جديد يعود الصوت المشوش قبل قليل، ناعما، مثل صوت النساء:
ــ كما طلب الاغنية فرحان وفرحان وفرحانة... يهدونها الى فرحان وفرحان وفرحانة. ومن فرحان الى الاخوة...
يستمر الصوت صقيلا... مرصوفا كالرخام، ومهانا، كلما ازداد عدد طالبي الاغنية.
-خمسة وخمسون.. ستة وخمسون... سبعة...
" لا يستطيع معها، ان يطأ الليلة زوجته.."
-ـ " ثمانية وخمسون ".
- لزوجته الحق، ان تسأم. يأخذها السأم عنه!..
-ـ " ستون ".
" من المسؤول، عن خيانة الزوجة؟ او عن خيانة الصديق؟ عندما تنهال عليه بالحذاء مائة مرة. بأمر من جلاد، أو من غيره ؟ أمن الخطأ ان نفكر دون خيانة "؟.
ــ " ثلاثة وستون ".
" انأ هنا، انتظر، انتظر المحنة والفرج! انتظر فقط. ولأني انتظر، فلا ضير ان اتواطأ مع السأم الذي سيكون بديلي في فراشي. اصبحت عاجزا من الرفض. فمن غير المعقول ان أبدو رافضا. لقد طلبتْ الطلاق مني منذ فترة، وما زالت تلح. وكنت على خطأ حينما اشرت لها: ان غضبي سينزل بها يوما.. إن هي فكَّرتْ بخيانتي. لم اضع بالحسبان ان اغدو يوما بلا غضب".
"امرأة لا يمكن إلا ان تحبها بقوة. دون خيار اخر. اقرب الى الليونة، كالهواء. غير انني كنت انتظر حتى تنام، ليندس بديلي معها".
ازدحام الاجسام اللينة، النتنة، في السوق المكتظة. وكانت الشمس تسيل من خلل الشقوق الزنكية للسقف. تسقط قطعا فوق الاجساد العارية. على صدور النساء، وذقون الرجال، والرؤوس، وكان هو مهموما، يستشعر ثقلا في بطنه. وشيء يشبه العافية في وجنتيه.
ترك يده مرات عديدة، تسقط خلسة، او تهرب، لتلامس الاجساد الملساء الطرية الناعمة وكان بداخله يضطرم شبق عنيف. احساس بالجنس محمولا عليه. ومدعوكا به. وكان يتلوى من الداخل. ويتضاءل. وشي من خجل معتق، يعاوده: " اضرب.." قال رجل الأمن وهو يستنشق الهواء من خلال ارنبة انفه اليسرى فكر: " سيبكي" أحسَّ بلسعة نار سيجارته التي ذوت بين اصبعيه. رمى العقب دون احساس كامل. عشرات الاقدام، كانت تواكب السير، والأصوات : " اصمد.. اصمد.. سينتهي العد". لم يدر كم من المرات عبر السوق جيئة وذهابا؟ "سيبكي" صرخوا مهددين " بقوة ".
ــ واحد وعشرون، اثنان وعشرون...بقوة...ثلاثة وعشرون.. ابن العاهرة.. اربعة.
اليد المعروقة المخدرة تمسك بالحذاء لئلا يسقط.
حاول ان ينتفض. يحتج، ان يقول لهم: "هذه سرقة مفضوحة، انها الضربة الرابعة والأربعون" على الاقل كان سيحاول، مجرد محاولة. غير انه رءاه يتشبث بالحذاء لئلا يسقط، وبالاحتجاج لئلا يخرج من جوفه. كان يستسخف الافكار والمحاولات، وكأن الامر منتهيا. احاسيس باردة كان يحسها تحت لسانه. وتحت ابطيه. وكان رجل التحقيق ما يزال يعد الضربات:
- سبعة وثلاثون.. آه انه يبكي
القى نظره نحو الرجل الذي راح يبكي: "حقا؟ هل حدث ذلك بسببي؟ ان المئة على وشك النهاية ".
ثلاثة صبية احدهم تبول على جدار عند ثمة زقاق مغلق، بينما راح صديقاه يدخنان بلهفة الصبيان، وكان يراقبهم.
الشمس كانت تغطي الصبي المتبول. وكان هو يستشعر بالحاجة للعطاس، اذ كانت الشمس سببا في هذه الحاجة. كان السوق تحت الشمس ابيضا، امرداً، املساً، دونما اهتمامات.
وكان في داخله، بريق احمر، يشغله عن السوق. كل ما فيه يتركه موبوءاً مع افكاره، وعواطفه، الرجل الذي جاء توا، كان يرتدي قبعة قشية. أحسَّ بانه سينافسه على هؤلاء الصبية، ومن المؤكد أنه كان قد خطط للأمر.
كان الرجل قد سرق نظره مرتين عندما عبر السوق. حقد عليه بالمصادفة، وعندما شاهده ينشد للصبي المتبول دون غيره، غضب منه. لم يكن يفوتّ على فضوله فرصة انتفاخ بنطلون الرجل بين اعلى الفخذين، وكان يدعك ذلك الانتفاخ كل لحظتين، وكان محاصراً، ومشدوداً، ولوطياً، ومسناً.. بقبعة قشية.
في المساء، كان مختنقا بالقرف، وكان مشهداً غير حقيقي، مشهداً مزيفاً، ومبالغ فيه، " كيف حصل ذلك؟ ". ليس بالدقة، ان يهتم بهذا الصغير المستسلم، وكان مستباحا بطريقة عدائية، الذي حدث كان بطريقة غير معقولة، وبالمصادفة ان يكون الصبي هو شقيقه الصغير، وليس غيره.. اية مصادفة سخيفة، التجربة الاولى لماذا من غير رفيقيه كان هو المتبول؟ وربما الشمس كانت هي السبب؟
كان يبحث عن وسيلة للتماسك، وكان مأكولاً من الداخل. الصقيع الصغير مثل عصفور قلق داخل قفصه الصدري بين الرئتين، والالم الصلب يحط على اصابع يده، وكان يشم بإحساس معفن انه سينهار... سيغيب عن الوعي، وكان يقاوم مبررات ذلك الانهيار" هل اقدر ان اراقب نفسي وانا منهار؟ " وكان يود ان يحقق ذلك. وكان بحاجة الى المطاولة في الوعي عندما سيسقط في الاغماء.. والى المقاومة كي لا يسقط الحذاء من يده.
يومها كان الوقت مساء في غرفة التحقيق، ومساء في كل الوطن، ومساء في بلدان اخرى. ومساء وقت وصله هدير مياه التواليت القريبة. وثمة من بدأ يتقيأ. وصرصار مع انثاه في زاوية من زوايا التواليت كل في اتجاه معاكس. متحدين من الخلف.
الجو يومها كان حاراً، بارداً معتدلا ممطراً صحواً. وكان يشكو حزناً، هدوءً، ارباكاً، لا يعلم لِمَ كان ذلك اشبه بالصدمة.
............
1972 – بغداد
نشرت في مجلة الهدف البيروتية 24/ تشرين الثاني/ السنة الخامسة.عام 1973. ونشرت في المجموعة القصصية " صمت الغرانيق ".



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا إذا شحَ المُعنّى؟!..
- قراءة في كتاب...
- كان أسمه - أنا - !..
- ديرم أسمر...
- على وشك...
- تصلب الحب قصة قصيرة
- حكاية الشعبة (د) سيناريو قصة قصيرة
- لعمق جهاتكِ وجهي...
- موشح.. لما يعتري!..
- عليلا شفيتَ..
- بُنية القص في ( الغائب )..
- الغريبان والعنكبوت قصة قصيرة
- كن أول من يحطم الارض كأسه!..
- هكذا .. حدث هذا ببطء!.
- لمحاولة أبعد !..
- سوق الجمعة ....
- إلتماس...
- الفرص، غير مؤاتية دائماً..
- لا شيء أكثر من ذاك !..
- ما يُحلقُ صدفة...


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - سيناريو الحلم والانهيار.. قصة قصيرة.