أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - بُنية القص في ( الغائب )..















المزيد.....

بُنية القص في ( الغائب )..


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5419 - 2017 / 2 / 1 - 18:04
المحور: الادب والفن
    


مقالة نقدية لقصة ( الغائب) للقاص يعقوب زامل الربيعي
بقلم/ رنا صباح خليل
..........
عندما نلج القصة المنشورة في عدد مجلة ( الاقلام) لعام 2009 والتي عنوانها الغائب للقاص يعقوب زامل الربيعي، فإن أول ما يلفت النظر فيها أننا نحس بأجواء الهجوع للنوم من بعد تعب وكد ثم التدرج نزولا للحلم الذي يأخذنا في متاهة امتزاجه بالحدث ومحاولة دمجه بالواقع لخلق توازن نفسي لبطل القصة الذي هو السارد نفسه الذي يقول: " ومن مكان سحيق، هس طنين متواصل كأنه من شيطان صغير ملصوق في جدار الظلمة ". وفي هذا اشارة الى عمق الألم الذي يكابده في حلمه هذا، ويبدو لي أنه أقض أيام حياته وفي صحوه أيضا، فوصفه بشيطان صغير ملصوق في جدار الظلمة يحدث طنيناً متواصلاً، ما هو إلا معادل دلالي لما يحدث في حياته من أذى فكري ينطوي على موقف عالي الوعي من واقع مضاد له دلالات قسرية حولته فيما بعد إلى هيئة أخرى " متشنجة ملمومة ذات فم صغير منكمش على أسنان مصطكة مثل فأر خائف ". جاء هذا الخوف نواة سريعة تحيلنا إلى ظاهرة الانتظار أو التخفي أو اللقاء ثم الغياب، كونه يبحث عن أخيه الغائب منذ سنين. وللغياب بنية توصلنا إلى حالة تتطلب الكشف، وربما تحيلنا إلى ما يعاكسه، أي أنه بنية مستقلة تستشف من خلالها تأكيدات تساؤلية تقودنا إلى حوار ذاتي احتمالي. فالغائب والذي أخذته جهة عسكرية، إلا أن الشخص الذي أخذه بيده ما هو الا رمز للفقد. فالقاص صور لنا الفقدان بهيأة رجل " رأيته بعينيّ يذهبان معاً، ومثل ذئب يسوق حملاُ لحتفه. " رأيت كيف دس رفيق الخراب يده تحت أبطه كي لا يفلت منه. في تلك اللحظات، كنتُ مشلولا أراقب المشهد".
ولكن ما معنى تكرار مفردة الرحيل، هل هو احساس بالفقدان المحتوم عندما يتفشى في مجتمع ما، الحكم فيه بالاضطهاد والتعسف؟ أو ربما ذلك الرحيل إشارة لموت محقق أخذ بأنيابه ذلك الشاب الذي " يحمل كيسا ًأزرق في يده وفي اليد الأخرى بيرية سوداء"، تمويها لما نصفه بمعاقل للحرب والموت، أي جبهة القتال؟. وما تلك الحشود المتجمعة في يأس على مبنى حكومي " متوسدين غرفة الاستعلامات بانتظار نائب الضابط الذي سيقرأ عليهم أسماء لمجولين" فقدوا من أهاليهم، وكان البطل وحده واحداً من تلك الحشود. ربما هي أسماء لأسرى أو مفقودين أو لأناس أعدموا، لا نعلم إلا أنهم كانوا معبأين على شكل عظام في كراتين مكتوبة عليها اسماؤهم. الذي يمكننا الوصول إليه هو أن الموقف مؤلم يحفه الظلم واللانسانية من جميع جهاته، وهو في النهاية يوصلنا إلى الفراغ واللاجدوى من الأنتظار " بين رؤوس تشبه مزرعة البصل. كان رأسه في الخلف ، يشاهد مثل الجميع أثريات متحجرة في قوالب كارتونية قديمة، مركونة في جوانب الواجهات الزجاجية لغرفة الاستعلامات كأنها في متحف اثريات سبقت تاريخ الجميع. شيء كالتسلية المجمدة.. الضائعة كالمستقبل. لكنها وبهذا الاجتياز المضني، استحقت كل هذه الاحتفالية المدهشة. وكان الجميع يلّوحون إليها بمناديلهم وفاءً :
ــ سأذهب ، قال وقد أحس بالجزع والملل يملأن قلبه.
ــ لا تذهب ... ستأتي قائمة أخرى.
صوت من بين الواجهات الزجاجية قال. وصوت آخر تبعه سريعا :
ــ عيب يا جماعة.. أنتم كبار ولستم صُبْية..... "
نجد القاص أتخذ زمن السرد الآتي منذ لحظة الاستهلال في مفتتح القصة، إلا أنه يخرقها بين حين وآخر بزمن العودة إلى ما قبل الآن، حيث أُخذ منه أخوه مع شخص قلنا أنه رمز للفقدان تأبط يده ساحباً إياه إلى هوة سحيقة مكمنها العدم واللا وجود. في ذلك الحين كان هو منشغلا في حديقة المنزل عندما قال له اخوه " سأذهب " إلا أنه كان مرتبطاً مع الموقف ارتباطاً وجدانياً يجعله يحس من وقع قدميّ أخيه على الاسفلت بطعم الرحيل والغياب واللا عودة إلى الأبد. والقاص بذلك أخذ حيزاً لتوسيع زمن التخليق المقصود، بينما بقيت التراكيب اللغوية الدالة التي أحدثها القاص لشد أنتباه القارئ إلى قصديته الغائبة في مستواها المتنامي عبر ضخ أكبر قدر من المواقع التصويرة للحركة الداخلية، بمعنى أن القاص يمد المتن بتخليق مركب له عدة غايات تابعة للحركة الخارجية بتصوير تجمع الناس والحوار الدائر بينهم الذي يتماوج بين الأمل والحتمية السوداوية التي تنتظرهم بفقدانهم لأبنائهم من جهة، وللحركة الداخلية بتصوير وضع البطل النفسي المتأزم من جهة أخرى ، لمزج الذاكراتي باللحظات الآنية. لاستخلاص ما سيكون من قصد، فتتكون لنا بؤر لصراع جديد بين الشخصية الرئيسة والشيء المخلق مع الانتقال بمراحل القصد من مكان إلى آخر، عن طريق رسم الصورة القصصية ووصفها بتقنية كمادة أولية مساعدة في إنتاجية القصة التي هي عبارة عن محنة يمر بها البطل وهذه المحنة هي البحث عن دور مهم له بصفته أخاً للغائب المستلب في عالمنا الراهن وهذا الدور يجب أن يكون فاعلاً ولأجل ذلك كان في أغلب المواقف واشدها قسوة، صامتاً، وكأنه يتحدى بصمته واصراره ذلك الغياب غير المبرر. فهو فقدان لهوية بلد مثلته تلك الرؤوس الخائبة المنتظرة لمعجزة ترجع لهم ما فقدوه، رغم أن القاص لم يعين زمناً للقص ولا مكاناً معلوماً تنص عليه القصة بقدمين ثابتتين وتجيب على أكثر الاسئلة، إلا أنها مع ذلك كانت صادقة ومليئة بالعزم والاصرار الذي يؤكد عملية الفن هي التي تحدد قيمة العمل بقدر ما فيه من تجربة وصدق وانسياب رشيق، تأكد في هذا العمل من خلال التوازن بين لحظات الانتقال من الواقع إلى الحلم أو من الحلم إلى الواقع، وهي مهمة ليست سهلة على أية حال. لكن القاص احتواها جيدا. مؤكداً فهمه واستيعابه لهذا النوع من التناول في القصة وبذلك استطاع أن يجعل من موضوع الغياب ما يومئ إلى تاريخ متراكم من الظلم والقهر والاستبداد، يطفئ الحدود الفعلية بين الماضي والحاضر والمستقبل، وبذلك تبقى عملية القص متذبذبة بين نقطتين قريبة وبعيدة. واحدة تمثل الماضي، وأخرى تمثل الحاضر، ثم تتداخل اللقطات على نحو يجعل الزمن نفسه لغزاً. أي زمن النقطتين. وأيهما الخيال وأيهما الوهم؟.
....................
نشرت المقالة في جريدة الزمان السنة الثالثة عشرة العدد 3584 في مايو آيار 2010.




#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغريبان والعنكبوت قصة قصيرة
- كن أول من يحطم الارض كأسه!..
- هكذا .. حدث هذا ببطء!.
- لمحاولة أبعد !..
- سوق الجمعة ....
- إلتماس...
- الفرص، غير مؤاتية دائماً..
- لا شيء أكثر من ذاك !..
- ما يُحلقُ صدفة...
- هناك، حيث ولدتُ تباعاً !...
- لمن أنّاه أنا !..
- مريء النطفة....
- بعض حالات التورية ..
- لطارش القداح والعصافير !...
- ما يأتي ببطء ..
- المخفوق بالطين قصة قصيرة
- زيارة حلم....
- سَرَيان بلا تؤدة..
- الاردية الزيتونية قصة قصيرة
- إلى كل هذا...


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - بُنية القص في ( الغائب )..