أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - موفق كمال قنبر وفي - محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 15















المزيد.....



محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 15


موفق كمال قنبر وفي

الحوار المتمدن-العدد: 5421 - 2017 / 2 / 3 - 19:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دار الحديث اثناء فترة الاستراحة عن نتائج الانتخابات الامريكية وما قد يفعله الرئيس الجديد الذي قد يكون اسوء من سابقيه ولكنه فاز بفعل كراهية الشعب الامريكي لنفاق وكذب السياسيين التقليدين من كلا الحزبين وبفعل سياسة اوباما التي تساهلت كثيراً مع المهاجرين الغير شرعيين. جلب صديقي انتباهنا الى احتفال تنصيب ترامب والخطبة التي قام بها رجل الدين اليهودي الذي كان يردد انشودة " On the river of Babylon when we sit down" من مزامير داوود التي تتحدث عن توق الرجوع المسبيين في بابل الى اورشليم ، وفي هذه الانشودة مقطع يتحدث عى أمرأة بابل وأبنها الصغير الذي سوف يحطمون رأسه وينثرون مخّه وهم فرحين. أيّد الاستاذ بهنام صحة كلمات الانشودة وتنبأ بأيام شؤم لا تكتفي بنقل السفارة الامريكية الى القدس الغربية بل بما هو اسوء على حساب المطالب الفلسطينية العادلة.
بدأت بالجزء الثاني من المحاضر وقلت: ابدأ هذا الجزء من المحاضرة بقصة النبي موسى ااذي يعتبر المؤسس الحقيقي لأولى ديانات التوحيد الابراهيمية ولكن قصته بين التوراة والاخبار التاريخية والاساطير المتناقلة تبدو في غاية الغموض. فمن الناحية التاريخية لا يوجد ما يؤكد وجود النبي موسى بصورة قطعية ، فأن كان هناك وجود حقيقي لمصلح تاريخي او نبي ديني بهذا المسمى فهل كان مولده في مصر؟ وهل هنالك ما يدفعنا الى تصديق قصة انتشاله من الماء ورعاية العائلة الفرعونية له كما ورد في التوراة؟
القصّة التواتية لا تختلف كثيراً عمّا في القرأن تتحدث عن ولادة النبي موسى في مصر وانتشاله من نهر النيل ، بعد ان سيبته امه به لتلافي قتله من قبل الفرعون وذلك لخشيته من ان مُلكه سوف يُنتزع منه ، معروفة كما في المقطع التالي من سفر الخروج في التوراة:
2: 2 فحبلت المراة و ولدت ابنا و لما راته انه حسن خباته ثلاثة اشهر
2: 3 و لما لم يمكنها ان تخبئه بعد اخذت له سفطا من البردي و طلته بالحمر و الزفت و وضعت الولد فيه و وضعته بين الحلفاء على حافة النهر
يُنتشل من الماء وتتبناه ابنة الفرعون وتسميه موسى.
سأل سمير: هل تعرف ما هو تاريخ ولادة النبي موسى؟
قلت: يُعتقد انه في حدود سنة 1300 الى 1350 قبل الميلاد ، واصلت حديثي:
ان القصة التي يرويها لنا الملك سرجون (2340 – 2248 ق م) مؤسس الدولة والسلالة الاكدية تشابه الى حد بعيد حكاية ولادة النبي موسى وانتشاله من الماء كما في النص التالي الذي وجد في مكتبة نينوى عاصمة مملكة اشور
"أنا سرجون ، الملك العظيم ، ملك اكد ... كانت امي كاهنة عليا ، مدينتي هي آزوفيرانو ... حملت امي بي ووضعتني سراً واخفتني في سلة مقيرة من الحلفاء وغطتني ورمتني في الماء ، فلم يغرقني النهر بل حملني الي آكي سقّاء الماء ، فأنتشلني آكي بدلوه ، ورباني واتخذني ولداً وعينني بستانياً عنده ، وبينما كنت اعمل بستانياً احبتني الالهة عشتار فتوليت الملوكي".
قال صديقي: يبدو ان الملك سرجون عاش حوالي 92 سنة وقصتة تسبق قصة النبي موسى بحوالي الف سنة ... فهل ان قصة موسى هي نسخة محورة عن قصة سرجون الاقدم؟ فأن كانت كذلك فكيف وصلت هذه القصة الى مصر ولماذا تم نسخها؟
قلت: ان التناقضات الكثيرة في القصة موسى التوراتية اضافة الى حقيقة ان مصدر معظم التشريعات الموسوية الموجودة في التوراة منقولة نصاً من تشريعات دولة لكش وتشريعات الملك حمورابي كما في الوصايا التوراتية ... اضافة الى ان معظم القصص التوراتي حول الخليقة والتكوين وادم وحواء والطوفان مثلا ، مصدرها ارض الرافدين وامتدادها في سوريا وفلسطين ... واضافة الى افكار دينية اساسية اخذت من الزرادشتية مثل فكرة العقاب والثواب والجنة والنار والحياة بعد الموت ويوم القيامة تجعلنا نفكر في فرضية تحل مشكلة هذه التناقضات.
قال السيد حسين: إن ما ستقوله هو فرضية ..فهو إذن ليس حقيقة ... فكيف نصدق به؟
قلت: كثير من العلوم تبدأ من فرضيات ولكنها تقترب من الحقيقة كلّما كانت تطبيقاتها وتوقعاتها اقرب الى الواقع ... والبحث التاريخي الموضوعي هو بحث علمي يقترب من الحقيقة كلما كان السرد لحوادث تاريخية معينة له دلائل على ارض الواقع ...
قال السيد خالد: مع احترامي لك انا لا يمكنني ان أكذّب كلام الله في القرأن والايات التي تذكر قصة موسى ... وقصة ادم وحواء ونوح وأصدّق ما تقوله في فرضيتك ... انا مؤمن بكل مافي القرأن الموحى من الله وكل ما هو من الله حقيقة مطلقة.
قال الاستاذ محمد: لماذا تفرض ان قصة ادم وحواء ونوح في القران حقيقية ... لم يذكرها الله في القران على انها حقيقة بل كقصّة.
قال السيد خالد: القرأن "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" ... صدق الله العظيم
ردّ الاستاذ محمد: إليك آية من القران تقول ان فيه قصص"نحن نقص عليك احسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرأن وإن كنت من قبلِهِ لمن الغافلين" ... القرأن فيه قصص والقصّة فيها خيال وقد يكون فيها بعض الحقيقة.
قلت: خلاصة القول ... انا سأذكر فرضية وعليكم ان تختاروا بين الفرضية التي بنيتها على وقائع تاريخية وبين ألايمان الحرفي بالقرأن وتفسيرات فقهاء الزمن الغابر ...
قال السيد خالد: أنا أؤمن بأن ما في القرأن الكريم هو الحقيقة المطلقة وارفض كل ما يخالفه.
قال الاستاذ محمد: بل تؤمن بتفسير معيّن للآيات القرأنية وترفض كل ما يخالفها ... هذا يضعك في موقف صعب فكثيراً ما تبرز حقائق علمية جديدة تخالف ما جاء في القرأن وهذا الانغلاق على تفسير معين يجعلك تبتعد رويداً رويداً عن الواقع الملموس وتعيش في بفكرك في عالم هؤلاء المفسّرين قبل الف سنة او أكثر.
سأل السيد خالد: مثل؟ .. اعطني مثال من آية تخالف العلم.
ردّ الاستاذ محمد: "ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين" ... النجوم وقسم منها الاف المرات اكبر من الشمس مصابيح ورجوم للشياطين! ، قهقه صديقي ضاحكاً بملئ فمه.
قال السيد خالد: سوف استمع برحابة صدر الى فرضيتك يا استاذنا.
قلت: الحمد لله ... لنرجع الى صلب الموضوع ...ان اسم موسى باللغة العبرية هو "موشي" ... كلمة موشي تشبه كلمة موَشّى بالماء باللغة العربية! ... ولكن فرويد يؤكد بأن اسم موسى هو اسم مصري خالص فالكلمة المصرية "موسَ" تعني "طفل" وكثير ما يطلقها المصريون على اسماء مركبة كصفة مثل "امون موس" اي امون الطفل و "بتاح موس" اي بتاح الطفل وتعني ان آمون انجب طفلاً وبتاح انجب طفلاً. وبذلك يفترض فرويد مؤَيداً من قبل باحثين اخرين ان موسى كان مصريا خالصاً وعلى اكثر الظن من الطبقة الاستقراطية ، وكان مولده في حوالي سنة 1350 ق م معاصراً للفرعون الموحد اخناتون. ولعل موسى المصري هو احد قُوّاد حملاته العسكرية المدعو تح موس الذي جاء منتصراً اثر حملة عسكرية في الحبشة. ويدّعي فرويد ان موسى كان في خدمة الفرعون اخناتون الذي أنشأ ديانة توحيدية عظيمة مستمدة من عبادة إله واحد ممثلاً برمز الشمس واهبة الحياة "أتون"
قال صديقي: لا زالت كلمة أتون باللغة العربية تعطي تقريبا نفس المعنى فهي عين النار المتوقدة.
واصلت حديثي: ديانة أتون كانت شائعة بين بعض الشعوب الكنعانية التي كانت تحت جنح الامبراطورية المصرية. فاشعة شمس الاله الواحد أتون تغطّي شعوب الامبراطورية ، ذلك الاله الذي لايرى و"لم يلد ولم يولد" كما جاء في كتاب الاموات ... انظروا الى هذه المنحوتة الجدارية لأخنانون يتعبّد الى الاله الواحد تغمره اشعة الشمس ووراءه زوجته نفرتيتي


http://asset1.skynewsarabia.com/web/images/2013/12/08/488533/598/337/1-488533.jpg


هجر اخناتون العاصمة ممفس التي هي ايضاً المقر الرئيسي لعبادة آمون ليؤسس عاصمة له في طيبة يحكم منها برفقة زوجته نفرتيني وابدل عبادة آمون بعبادة أتون حتى جاءته المنية ، فأنقلب عليه كهنة آمون اللذين فقدوا سلطتهم وعزهم ايّام حكم أخناتون فنكّلوا بعبَدَة أتون وطاردوهم. فشدّ الامير المصري تح موسَ الرحال مع رهط من العبرانيين ، الذين كانوا قد حطّوا الرحال في أراضيه ، بأتجاه سيناء حتى وصلوا الى قادش غرب شبه الجزيرة العربية. وعندما التقى العبريين الفارين من مصر مع قومهم من العبريين ساكني قادش الذين يعبدون اله للبراكين يدعى يهوه أرتدّوا عن ديانة أتون وشاركوا قومهم في عباداتهم الوثنية مما اغاض تح موس فانزل بهم اشد العقاب. ولكنهم تآمروا (حسب رواية فرويد) لقتل هذا الامير الذي ليس منهم ويلثغ بلغتهم فقتلوه.
قال السيد حسين: لعل ثقل لسان موسى المذكور بالقران يُعزي الى عدم اتقانه اللغة العبرية.
قلت: هذا هو عين استنتاج فرويد لكون موسى ليس كأخيه هارون الذي ربما كان أخ غير شقيق من ام عبرية فموسى مصري لا يتقن تلك اللغة ... ، واصلت حديثي: يقول فرويد ان ذكرى الاب القاسي وتعاليمه بقت في النفوس يتناقلها قومه اللاويين بضعة اجيال حتى ظهرت في دين توحيدي انتشر بين العبريين اُبدل فيه اسم تح موس الى موسى و الاله أتون بأله البراكين يهوه.
سأل قيس: ومن هم اللاويين؟
ردّ الاستاذ بهنام: هم من اقرباء النبي موسى المقربين ...ولعلهم فرع او فخذ من العشيرة العبرية ، واصلت حديثي: ... واصل العبريون مسيرتهم في صحراء سيناء ... ارض التيه حتى وصلوا الى ارض الفلسطينيين فحطوا الرحال نهائياً واسسوا مملكة يهوذا (975 – 586 ق م) وعاصمتها اورشليم ( القدس مدينة السلام) التي عاشت اكثر من مملكة اسرائيل التي قضى عليها الاشوريين سنة 721ق م.
سأل سمير: فهل كانت هناك مملكتان لليهود؟
قلت نعم: في يهودا التي جاء منها اسم اليهود ومملكة اسرائيل في السامرة ... مملكة يهودا غزاها نبو خذ نصر عدة مرات لقمع ثوراتها وأنهى وجودها سنة 586 ق م وحطم ابنيتها ومنها هيكل سليمان وسبى قومها واتى بهم الى عاصمته بابل. وكان الكثير من السبايا قد اختلط بشعب بابل الذي يتكلم لغة قريبة من لغتهم واصبحوا كأبناء البلد يساهمون في حياة البلد واعماله.
لقد كان اليهود في غربتهم يخشون الذوبان في شعب بابل وضياع ذكريات مملكتهم وهيكل سليمان المحطم واخبار واسفار ابائهم وتعاليم موسى ... وهذا كان حافزاً لتدوين تراثهم في التوراة فشرعوا يكتبون مستلهمين من تراث حضارات وادي الرافدين ، فنسبوا نتاج التراث البابلي والكنعاني الغزير لهم واصبحت قصة الخليقة البابلية جزءاً منه واصبحت قوانين حمورابي الواح تشريعات جاء بها موسى من ربه ... كان لأصحاب الاعمال اختام على شكل اسطوانة عليها صور اونقوش تترك انطباعاً على الطين الطري فهو بمثابة توقيع صاحب العمل على وثيقة ... انظروا الى انطباع هذا ختم من الفترة الاكدية في العراق حوالي سنة 2200 ق م ...

https://www.google.com/culturalinstitute/beta/asset/adam-and-eve-cylinder-seal/JgFYWzVXpBoYoQ?hl=en


نرى امراة مقابل إله على رأسه قرنين جالسيَن وفي الوسط نخلة والمرأة تمد يدها لقطف ثمرتها وخلفهم الثعبان ... ألا يذكرنا هذا بقصة ادم وحواء!
سأل صديقي: وضّح ... ما هي علاقة قصة الملك سرجون الاكدي الاسطورية بالنبي موسى؟
قلـت: ذكرت ان السبي البابلي كان حافزا لجمع التراث والتاريخ الاسطوري العبري ولكتابته في كتاب التوراة في بابل اولا ثم ليكتمل مع كتب مقدسة اخرى في فلسطين عند رجوع قسم من سلالة السبايا في بابل بعد ان حررهم ملك الامبراطورية الفارسية خسرو سنة 538 ق م الى فلسطين. ولكي يمحي كاتبي النصوص التوراتية كل اثر لمصرية النبي موسى وهو الشخصية المركزية في الديانة اليهودية فقد نسخوا وحوروا اسطورة سرجون وقصة انتشاله من الماء لتكون قصة منتحلة عن موسى العبري الذي انتشلته اميرة فرعونية ليتربى في كنفها. نقول ذلك ولدينا دليل اخر يمكن ان يضاف الى مصرية النبي موسى ... وهو أننا لا نجد اشخاص منحدرين من النبي موسى (اي ما يقابل السّيد العلوي عند المسلمين) بل نجد ان الذين يحملون لقب كوهن ينحدرون من النبي هارون اخو موسى. فلعل النبي هارون ... وهو الاخ الغير شقيق لموسى الذي ينحدر من ام عبرية ويتكلم اللغة الام بطلاقة ، فهو ليس مثل النبي موسى المصري من اب مصري الذي لا يعتبر بنوه يهوداً بعد ان اصبح انحدار الشخص من ام يهودية شرط ليهودية الشخص بعد رجوع قسم من يهود السبي الى فلسطين.
قال الاستاذ بهنام: يبدو ان موسى لا يتكلم العبرية بطلاقة فيستخدم اخوه هارون كمترجم عندما يريد مخاطبة العبريين كما تقول التوراة.
قال صديقي: هذا كلام معقول ... الكوهن اليهودي يقابل السيد العلوي المسلم!
قال الاستاذ بهنام: ان ترجمة كوهن بالعربي هو كاهن ولا يجوز لأحد غير من لقبه كوهن ولاوي ان يكون رجل دين عندهم ... اي ان يكون كاهن.
واصلت حديثي: هنالك جانب آخر لا يقل اهمية من تاريخ اليهود كان مطموراً حتى نشره البروفيسور كمال الصليبي في عدة مجلات اكاديمية مرموقة.
سأل قيس ومن هو كمال الصليبي:
قلت: هو أستاذ جامعي ومؤرخ لبناني قام بأبحاث تاريخية عن لبنان وتاريخ التوراة والإنجيل ... وفي سنة 1985 نشر كتابه "التوراة جاءت من الجزيرة ألعربية" الذي احدث ضجة واسعة في الاوساط الاكاديمية والدينية على حد سواء. فهو يدعي في هذا الكتاب ، وفي بحوث نشرها في الاواسط العلمية الاوربية ، انّه "في بداية الحقبة المسيحية ، تم التسليم بأن شعب إسرائيل التوراتي حفر مساره وبشكل رئيس في فلسطين. وفي ما وصلنا من إرث مدون عن غربي جزيرة العرب ، كما هو موجود في جل موروثها الشفاهي ، يبرز بني إسرائيل بوصفهم السكان القدماء لذلك الاقليم". يدلل صليبي على ادعائه بالرجوع الى الاصل العبري للتوراة مصحوباً ببحث معمّق في جغرافيا التوراة تدلل على ان اكثر من 70% من اسماء الاماكن التي ذكرت في التوراة تقع غربي الجزيرة العربية وتنحصر في مناطق تضم عسير والجبال الوعرة المطلة على البحر الاحمر والطائف والحجاز ومشارف المناطق المتصلة بوادي الاردن التي انحدر منها بعض المهاجرين ليعيشوا في فلسطين. ومما يعزز من نظرية صليبي هي القصة التوراتية (صموئيل الثاني 24: 5-8) عن احصاء لسكان "بني اسرائيل من دان الى بئر السبع الذي اضطلعت به لجنة من رؤساء الجيش بناء على اوامر الملك داود". فبينما وجد مفسروا التوراة صعوبة جمّة في متابعة سير لجنة الاحصاء عبر الاراضي الفلسطينية لعدم وجود الادلة التاريخية على وجود معظم الاماكن المذكورة في التوراة يتابع صليبي مسار لجنة الاحصاء عبر جبال ووهاد غرب الجزيرة بأنسيابية تامة مارا بمعظم القرى والمدن المذكورة بالتوراة والتي لا زال معظمها يحتفظ بنفس الاسم المعرب.
سأل السيد خالد: هل لك ان تأتي ببعض الأمثلة على وجود ما يشابه الاسماء الواردة في التوراة في الجزيرة العربية وليس في فلسطين التاريخية؟
اخرجت كتاب "التوراة جاءت من الجزيرة العربية" من حقيبتي وتصفحت اوراقه: هذا مثال ... أرض التيه لبني اسرائيل تناظر جبل التيه بين الطائف ومكة ... صهيون يقابلها مكان في الحجاز يدعى قعوة الصيان او تلة صهيون ... "سدوم التوراتية وعمورة وادمة وصبوييم لا يمكن ان تكون مدناً في الاردن والبحر الميت في فلسطين ، بل هي بلدات قديمة للوديان الخصبة من الاراضي المنخفضة الساحلية من منطقة جيزان في غرب الجزيرة العربية". ويشوع الذي عبر نهر الاردن (هيردن بالعبرية – الهاء تقابل ال التعريف العربية) بصعوبة بالغة كما تسجل التوراة تلك المغامرة البطولية لم يعبر نهر الاردن الصغير الذي لا يتطلب جهدا ومغامرة كبيرة بل عبر منحدر (هيردن) الجبلي عند الجبال المطلة على البحر الاحمرعبر السيول الجارفة التي سببتها الامطار ووصل الى مكان يدعى جلجال ، وهو اليوم قرية تدعى جلجول ... كذلك يدّعي الكتاب ان مفسري التوراة لم يجدوا اي اثر لمدينة لكش التي حاصرها الملك الاشوري سنحاريب في احدى حملاته فعزوا موقع المدينة عند منطقة تل الدوير في فلسطين بسبب لقية وحيدة من كسرة فخارية مكتوب عليها الحروف "ل ك س" وجدوها هناك ... ولكن انظروا الى صورة هذا المجسّم الحجري الذي اكتشف بين اثار نينوى وهو يصور سنحاريب وجيشه المنتصر على سفح جبل تحيطه اشجار الصنوبر واشجار مثمرة وتظهر مدينة لكش على منخفض من الجبل وهذا ما حيّر مفسري التوراة فأرض فلسطين ليست جبلية مما حدى بصليبي الى تعزيز نظريته حول موقع الحدث التاريخي في غرب الجزيرة الجبلي حيث لا زالت هناك قرية على سفح منخفض من الجبل تدعى لكثة.

https://www.flickr.com/photos/timothyfhart/6115811400

أكملت حديثي: لعل فيما ادعاه صليبي كثير من الصحة فيما يتعلق بنشوء اليهودية وتواجدها في غرب الجزيرة العربية ولكنني لا أتفق معه من ان التوراة جاءت من الجزيرة العربية. وتفسيري الذي يمكن ان يوحد الرؤية التاريخية لتسلسل الاحداث هو ان اليهودية نشأت وترعرعت بين الشعوب العبرية التي كانت تجول مناطق غرب الجزيرة العربية في مرحلة المشاعة البدائية ثم المرحلة القبلية. ثم استقر ت في مجتمعات قروية على طول مناطق في غرب الجزيرة وفي فلسطين ايضا لتنشئ مجمعات قروية ودويلات في مدن صغيرة لم تدم طويلاً في محيط من امبراطوريات عظمى.
قال الاستاذ محمد: بعد كل هذه التوضيحات من حضرتك فهل يحق لليهود ان يقولوا ان ارض فلسطين وعد من الرب لهم وأسرائيل الحالية هي تحقيق لهذا الوعد؟
قال الاستاذ بهنام: المشكلة ان هذا الوعد لن يكتمل إلّا بكامل الاستيلاء على الضفة الغربية ايضاً.
قال صديقي: مع اعتزازي باليهود لأنهم كانوا بيننا في العراق كأخوة في وطن واحد ومساهماتهم في اغناء الحضارة الانسانية في مجالات العلم والادب والموسيقى كبيرة ولكن هذه البحث في التاريخ اليهودي الذي قدّمه الدكتور موفق لا يبرر تلك الحجج.
أختلط صوتا السيدان خالد ومحمد وهم يلعنون إسرائيل الدولة اللقيطة حسب تعبيرهم.
قلت: لا يمكننا الحديث عن تاريخ الدين اليهودي من دون الحديث عن الحجج الصهيونية في الحق الديني والتاريخي لليهود في ارض الميعاد ، والتي كان من نتيجتها نشوء دولة اسرائيل في عام 1948 بعد اغتصاب اراضي فلسطينية وتهجير سكانها ... الواقع ليست هناك دلائل تاريخية لقيام دولة موحدة حكمها على التوالي شاؤل وداود وسليمان بل ان قيام مثل هذه الدولة مستحيل نظراً لعدم توفر القاعدة السكانية والاقتصادية ، لحوالي 200 مستوطنة زراعية بدائية من العبريين ، استوطنت الهضاب قبل حوالي 1200 سنة بين الكنعانيين المتحضرين وتطبّعت بثقافتهم وديانتهم ... اختفت مملكة السامرة الى الابد من التاريخ بعد ان دمّرها الاشوريون عام 721 ق م امّا يهوذا فقد عاشت بعد دمار اسرائيل قرابة قرن ونصف من الزمان ثم انتهت عندما قام نبوخذ نصر الكلداني بتدمير اورشليم نحو 586 ق م ، سبى قسماً كبيراً من اهاليها الى مناطق بابل ، وبقوا هناك حتى سقوط العاصمة بابل بيد قورش الفارسي عام 539 ق م.
قال الستاذ بهنام: من معلوماتي البسيطة ان دولة يهودية نشأت في فلسطين تحت حكم من يسمون بالمكابيين فما شأنهم؟
قلت: ان المقاطعة اليهودية بقت كمستعمرة في عهد الاسكندر المقدوني والسلوقيون من بعده الذين أضفوا عليها طابعاً اغريقياً بنشر المؤسسات الثقافية والدينية الاغريقية الطابع مثل الجمنازيوم والستوديم، ولكنهم ايضاً منحوها شيئاً من الاستقلال السياسي القائم على السلطة الكهنوتية.
سأل قيس: من هم السلوقيون؟
قلت: احتلّ الاسكندر المقدوني اراضي واسعة تمتد من مقدونيا الى افغانستان ومات شاباً في بابل في طريق عودته من افغانستان فأنقسمت امبراطوريته الى قسمين قسم حكم مصر وقسم اخر هم السلوقيون الذين اسسوا عاصمتهم على نهر دجلة قرب طاق كسرى وكانت فلسطين تحت حكمهم.
واصلت حديثي: وفي ظل ضعف الحكم السلوقي سيطرت الاسرة اليهودية المكابية على المقاطعة اليهودية وتمكن احد افرادها (سمعان) من اعلان استقلال المقاطعة سنة 143 ق م ثم نصب نفسه كاهناً اعلى وحاكماً مطلقاً ، والغى كل مظاهر الثقافة الاغريقية واعاد تطبيق الشرائع المتزمتة تعاونه في ذلك طائفة الصدوقين التي تلتزم التفسير الحرفي للتوراة. وفي ظل تدهور السيطرة السلوقية تمكن الملوك- الكهنة المكابيين من ضم اجزاء اخرى وسعت من مملكتهم الى شرق الاردن ، وكان لسياسة التهويد القسرية والقتل والقسوة المبالغة حتى على السكان اليهود اثراً بالغاً تمردت اثره فئات واسعة من اليهود يقودهم ألفريسيون الذين يميلون الى الاعتدال الديني ويمثلون الطبقات الشعبية ... ان تاريخ تلك الفترة مرتبك بعض الشئ فقد تداخلت فيه مصالح الفئات المحلية.
قال الاستاذ بهنام: اعرف ايضاً ان ملكة تدعى سالومي تولت الحكم فهل تعرف شيئاً عنها؟
قلت: القليل جداً فبعد وفاة زوج سالومى الملك الكسندر يناسوس عام 76 ق م فتولت سالومي العرش وحكمت لمدة تسع سنوات حتى تمكن ابنها الصغير من تولّي الحكم.
قال الاستاذ بهنام: بُنيت حول سالومي كثير من القصص الوهمية تحول واحد منها الى فلم سنة 1953 ، من بطولة ستيوارد كرينجر وريتا هايورد، شاهدناه في الصغر. وفي الفلم تحب سالومي ضابطا رومانياً تحول الى المسيحية وتسعى جاهدة ولكن من دون جدوى لانقاذ يوحنا المعمدان من الاعدام.
واصلت حديثي: انتهت اخر دولة يهودية مستقلة دامت قرابة ثمانين سنة (من سنة 142 حتى سنة 63 ق م) بعد ان دمّر الرومان عاصمتها اورشليم فعادت كمقاطعة صغيرة ضمن الامبراطورية الرومانية. وقد عاصر حاكم المقاطعة هيرود (Herod) ولادة المسيح واُعطيَ صلاحيات واسعة على المقاطعة وسمي بملك اليهود ... ويقال انه من اصول غير يهودية بل عربية لذلك لم تعترف به طبقة الكهنوت كيهودي ولم يكن هو ايضاً يهودياً إلّا بالاسم. احب هيرود الثقافة الرومانية المنفتحة عالمياً فقمع كل مظاهر التعصب اليهودي وشجع انصهار المجتمع بالحضارة الرومانية ، ثم اعاد بناء هيكل سليمان بأبهى صورة ليكون رمزاً عالمياً يتقارب فيه اله اليهود واله الرومان زيوس. وعندما تمرّد يهود فلسطين مرة اخرى بقيادة الحشمونيين وحاولوا الاستقلال عن السلطة الرومانية تم تدمير نواة دولتهم وهيكل سليمان فتفرق اليهود في البلاد وتحول الكثير منهم الى المسيحية.
قال السيد خالد: ألا تفقهون ما يقوله الاستاذ موفق ... التبرير اليهودي لدولة اسرائيل باطل ... هم غرباء احتلّوا أرض فلسطين ... محتلّين يجب طردهم وتحرير ارض فلسطين من دنسهم.
قال صديقي: هم واقع على الارض ولا يمكن لقوى تعارض وجودهم في فلسطين ان تطردهم بالقوة.
قال السيد خالد: هم محتليّن ومقاومتهم مشروعة ... من العدل طردهم من فلسطين.
قال صديقي: نحن العرب محتلين ... احتلينا ارض العراق وسوريا بحجّة الفتوحات الاسلامية ... الولايات المتحدة الامريكية احتلت اراضي الهنود الحمر فهل من العدل ان نُطرد من العراق ونعطيه الى سكانه الاصليين من البابليين والاشوريين ويخرج الامريكان من امريكا ويعطونها الى السكان الاصليين من الهنود الحمر؟
قلت: انا والكثير من الناس المنصفين لا يدعون الى ازالة اسرائيل من الوجود ولكني أقول ان الادعاء التاريخي بأرض اسرائيل ادعاء باطل يضر بمصلحة اليهود أنفسهم. فالادعاء التاريخي حتى لو صح لا يضفي شرعية توجب وجود بلد ما ... ولكن منطق الواقع يدفعنا الى الاعتراف بأن شرعية وجود اي دولة نابع من وجودها الفعلي الثابت على ارض وكجزء لا يتجزء من الحضارة الانسانية. وان كونها جزء من الحضارة الانسانية يحتّم عليها الاعتراف بتجاوزاتها أللاإنسانية ، اي كما فعلت الولايات المتحدة الامريكية مثلاً بأعترافها بالمجازر ضد السكان الاصليين من الهنود الحمر وتعويضاتها السخية لهم.
قال الاستاذ بهنام: ان التمسك بالخرافة لم يعد ينفع بعد ان تكشفت الحقائق للجميع في عصرنا هذا ، عصر الثورة العلمية وتكنلوجيا المعلومات ، فمن مصلحة اليهود على المدى البعيد المساهمة في كشف خرافة التاريخ اليهودي بأنفسهم وعدم تكرارهم في فلسطين فضائع ألعنصريين واعداء السامية ضدهم في اوربا ... نأمل من يهود اسرائيل الاعتراف بحقوق الشعب ألفلسطيني المشروعة وتعويض المنكوبين منهم والكف عن سلب اراضيهم ومشاركتهم في العيش بأخوة حقيقية وسلام.
قلت: قبل ان نختم هذه المحاضرة من الضروري ان اتحدث عن قليلا عن يهود العراق في الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الاولى ونشوء الدولة العراقية سنة 1923 ... كنت في لندن وحضرت المؤتمر الذي اقامه الكاتب العراقي كنعان مكّية وذلك في محاولة يتيمة للتواصل مع يهود العراق في اسرائيل و اقطار العالم التي نفوا اليها اوائل هذا القرن الماضي ... ساهم في هذا المؤتمر بعض اليهود من اسرائيل وخارجها منهم الكاتب الاسرائلي من اصول عراقية سامي ميخائيل ... صاحت سيدة يهودية من لندن موجهة كلامها الى كل العراقيين المتواجدين بصوت عالٍ فيه عتاب شديد يشبه الشتيمة "نحن اعرق منكم في العراق يا عرب... نحن العراقيين وانتم الدخلاء ... لم نرجع الى اسرائيل بعد عتقنا من السبي البابلي قبل اكثر من الفين وخمسمائة سنة ... بقينا في العراق عراقيين ولم نذهب الى اسرائيل لمّا طردنا من وطننا اخيرا لاننا عراقيين وسوف نبقى عراقيين". كان منظراً مؤثراً اثار حزناً وسكوناً وقتياً مشحوناً بالتوتر ، والحقيقة ان في كلام السيدة اليهودية الكثير من الصحة. فلا يمكن تصور العراق الحديث والهوية العراقية من دون مساهمات يهود العراق التراثية والثقافية والموسيقية ، فيهود العراق ينظرون الى أنفسهم كعراقيين اصيلين ساهموا مساهمات كبيرة في صنع تاريخه الحديث ولهم عمق تاريخي يتجلى في مراقد ومقامات الانبياء اليهود الذي يربوا عددها كما سمعت منهم على اربعين مرقدا ومقاماُ.
قال الاستاذ بهنام: هذا صحيح ... خذ مثلاً مقام النبي يونس في الموصل والذي هو نبي في الاسلام ايضاً ... وهناك مرقد النبي ناحوم قرب الدير الكبير في قضاء تلكيف كما أتذكّر.
قال الاستاذ محمد: هناك مقام عزرا الكااتب في ناحية العزير في محافظة ميسان و ذو الكفل في الحلّة.
قلت: ذو الكفل هو نفسه النبي حزقيال الذي كان في بابل ايام السبي.
قال صديقي: هل تعرفون لماذا سمي بذو الكفل ... الكفل هو التثنية في عمل وذو الكفل كان مستشاراً ومفسراً لأحلام الملك من جهة ونبي لقومه من جهة اخرى.
قلت: اليهود العراقيين فيهم من صار عربياً ويتكلم العربية بلهجة خاصة تشبه اللهجة الموصلية والمسيحية ، وفيهم من صاركردياً وفيهم من صار تركمانياً. وقد انتشروا في كافة محافظات وقرى ونواحي العراق ولكن تركيزهم الاكبر كان في بغداد حيث كانوا في اواخر القرن الثامن عشر يمثّلون ثلث سكان بغداد التي بلغ تعدادها اكثر من نصف مليون نسمة. وكانت الطائفة اليهودية في العراق طائفة متكاتفة متداخلة ومتعايشة بسلام والفة مع المسلمين وكافة الطوائف الاخرى ، ويسيّر حياة مجتمعها الروحي والمدني مجلسان. المجلس الاول هو المجلس الروحاني الذي يبتّ في القضايا الدينية ويضم كبار حاخامات الدين من اماكن عباداتهم (وتسمى في العراق بالتوراة) التي يقصدونها افواجاً كل يوم سبت. اما المجلس الثاني فهو المجلس الجسماني الذي يبت بأمورهم المدنية ويضم جملة من كبار التجار والمتنفّذين من موظفي الدولة.
ساهم اليهود ألعراقيون مساهمات جمّة في التراث العراقي ويرجع اليهم الفضل في وضع الكثير من التراث الموسيقي المسمى بالمقامات وأسماء الكثير من مؤلفيهم الموسيقيين وقارئي المقام والمطربين من امثال صالح واخيه داوود الكويتي وفلفل كرجي وسليمة مراد لا زالت معروفة يردد الحان اغانيهم الكثير من العراقيين اليوم ... وقد اغتنت الحركة الادبية بكثير من الباحثيين والادباء اليهود من امثال مير بصري وانور شاؤل وشموئيل موريه وكان من بينهم الكثير من ذوي الشهادات والاختصاصات العالية ممن ساهم في شتى نواحي الحياة ، فقد عيّن اسحق ساسون كاول وزير مالية في الدولة العراقية الناشئة سنة 1922 وقد ساهم مساهمة جليلة في تطوير النظم المالية على اسس عصرية ، وساهم ايضاً في تطوير النظم القضائية والبريدية وفي تأسيس غرفة التجارة سنة 1947.
قال الاستاذ محمد: من هنا جاء المثل العراقي الذي يُضرب على البخيل الحريص على ماله فيقال له حسقيل لأن الوزير حسقيل كان حريصاً على اموال العراق ... مو مثل مسلمي السلطة اليوم.
تابعت حديثي: وكان بينهم الكثير من الاطباء المشهورين ، والمحامين والمهندسين والمعلّمين وغيرهم. وكان لهم الباع الكبير في مجالات الاعمال الحرة من تجارة وصناعة. وفي مجال المهارات المهنية اشتهر اليهود بصياغة الذهب وكخياطين ماهرين. وقد اهتمت الجالية اليهودية بصورة خاصة بتعليم ابنائها فأنبرى أغنياؤهم لتمويل مدارس خاصة كمدرسة المُحسن فرانك عيني ذات التعليم المكثّف الراقي ، وكانت تقبل في صفوفها نسبة من الطلاب المسلمين والمسيحيين المعدمين والايتام.
سأل الاستاذ محمد: عدى المساهمات الفنيّة والادبية والتجارية هل ساهموا بالسياسة وهل كان بينهم من سعى لنشوء اسرائيل؟
قلت: لعلمي ان اليهود العراقيين لم يخرجوا الى اسرائيل إلا لضروف قاهرة لأنهم كانوا وطنيين ويحبون العراق ... ساهم الكثير منهم في الحركة السياسية وخصوصاً الحركة الشيوعية التي جذبت الكثير من الكادحين او ذوي الدخل المحدود المتأثرين بالمد الثوري الذي يدعو الى المساواة والتأخي الاممي والانساني ، والذي كان بصورة عامة يجتذب الاقليات المضطهدة في ظل تصاعد المد الشوفيني العروبي. فقبل يوسف سلمان مؤسس الحزب الشيوعي العراقي (واسمه الحزبي فهد) كانت هنالك تنظيمات ماركسية ساهم فيها اليهود ، وعندما تأسس الحزب الشيوعي العراقي سنة 1934 كان الكثير من قيادييه من اليهود ، بل كان كلّ اعضاء عصبة مكافحة الصهيونية التي اسسها فهد سنة 1946عقب تأسيس اسرائيل من اليهود العراقيين.
سأل الاستاذ محمد: وماذا عن الفرهود؟
قلت: دخلت كلمة "فرهود" المحوّرة من " فر اليهود" الى قاموس اللغة العراقية الدارجة حتى يومنا هذا. ويرمز الفرهود الى أعمال عنف ونهب نشبت في بغداد في سنة 1941مستهدفة سكان المدينة من اليهود عقب سقوط حكومة رشيد عالي الكيلاني وهو رئيس وزراء عراقي ذو ميول قومية ودينية استولى على الحكم بأنقلاب ايدته المانيا النازية. انتهت الحادثة في اليوم التالي لدى دخول القوات البريطانية بغداد بعد ان راح ضحية الفرهود اقل من مئتي قتيل وألف جريح يهودي.
تكّلم سمير بعد صمت طويل: أنا لم اعرف او ارى يهودي في حياتي ... سمعت عنهم من الراديو والتلفزيون وكله يسئ اليهم ويكرههم فتصورت انهم وحوش غادرة لولا الوالد الذي تحدّث لي عن جيرانهم اليهود الطيبين في مدينة العمارة حيث وُلِدَ أبي.
قلت: لم تعرفهم لأنهم تركوا العراق ... لقد ترك الفرهود أثرا عميقا لدى اليهود العراقيين وساعد على سرعة هجرتهم الطوعية والقسرية في كثير من الاحيان إلى إسرائيل خصوصاً اثر تصاعد العداء لليهود عقب تأسيس دولة اسرائيل في سنة 1948. فبحلول عام 1951 هاجر أكثر من 80% منهم إلى إسرائيل وبذلك يعتبر الفرهود بداية النهاية للوجود اليهودي في العراق الذي امتد لأكثر من 2600 سنة منذ ألسبي ألبابلي.
قال صديقي: يترائ لي حلم بعيد المنال ارى فيه يوم يعترف فيه البرلمان العراقي بمظالمهم فيصدر قانوناً بتعويضهم عن حقوقهم المسلوبة من املاك وعقارات ويمنحهم الجنسية العراقية ، اضافة الى جنسية البلدان التي يتواجدون فيها الان ، ويدعوهم للمشاركة في بناء الصرح الحضاري الجديد في العراق.
قال الاستاذ بهنام: لا يحب السياسيين الاسرائيلين حلمك هذا ففيه تقويض لحلم اسرائيل كبرى تجمع فيه كل يهود العالم على كل ارض فلسطين.
قلت: على كلٍّ لا يمكن ان يتحقق هذا الحلم مادام العراق هكذا ... تمزقه الصراعات الدينية ومطامع الدول فيه وينخر فيه الفساد ...لن يتحقق هذا ما دام اهل العراق من العرب والاكراد والتركمان ومن المسلمين والمسيحيين وغيرهم مسلوبة حقوقهم ومظلومين ... لقد وصلت الى نهاية المحاضرة على امل اللقاء بكم في محاضرة قادمة ...



#موفق_كمال_قنبر_وفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 14
- محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين (13)
- محادثات فلسفية مع صديقي (12)
- محادثات فلسفية مع صديقي (11)
- محادثات فلسفية مع صديقي (10)
- محادثات فلسفية مع صديقي 9
- محادثات فلسفية مع صديقي 8
- محادثات فلسفية مع صديقي 7
- محادثات فلسفية مع صديقي 6
- محادثات فلسفية مع صديقي 5
- محادثات فلسفية مع صديقي (4)
- محادثات فلسفية مع صديقي الملحد (3)
- محادثات فلسفية مع صديقي الملحد (2)
- محادثات فلسفية مع صديقي الملحد
- امي المؤمنة ونار جهنّم
- عراقي
- شيخ الازهر والطالب النجيب قصة قصيرة ذات عبر


المزيد.....




- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - موفق كمال قنبر وفي - محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 15