أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جورج حداد - السعودية تغامر بمصيرها في اليمن















المزيد.....



السعودية تغامر بمصيرها في اليمن


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 5400 - 2017 / 1 / 12 - 17:59
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


ان الايام القليلة التي تفصلنا عن استلام دونالد ترامب رسميا مهام الرئاسة الاميركية وتشكيل الحكومة الاميركية الجديدة تقتضي التحفظ الشديد في اي تحليل او رأي يتعلق بالاحداث الجارية في منطقة الشرق الاوسط بأسرها. ذلك ان كل السياسة الاميركية، التي اتبعت منذ اكثر من ربع قرن، ولا سيما السياسة الخارجية، على نطاق العالم بأسره، تخضع الان لاعادة نظر جذرية. ولا يستطيع احد التكهن منذ الان هل ستستمر الولايات المتحدة الاميركية في انتهاج الخط ذاته، او تغيير هذا الخط، وفي اي اتجاه، بالنسبة لاي قضية مطروحة، واي مشكلة ، واي منطقة او بلد.
ومع ذلك علينا النظر في اي حدث، او قضية، او مشكلة، بالمعطيات التي هي جارية بها الى الان.
الحرب السورية والحرب اليمنية
من هذه الزاوية نظر علينا ان نحلل طبيعة وآفاق الحرب اليمنية، مع المرور الالزامي على الحرب السورية، للمقارنة، من جهة، وبسبب ترابط الازمتين او الاصح الحربين، من جهة ثانية. وعلينا ان ننظر اولا في الملاحظات التالية:
ـ1ـ اذا كانت الحرب الافغانية ترتبط بالافيون والهيرويين، فإن الحرب السورية، واليمنية (كالعراقية، والليبية، والسودانية، والمصرية، والكردية، والنيجيرية الخ) ترتبط كلها بالنفط وممراته الدولية.
ـ2ـ ان مراكز القرار والاجهزة الاعلامية والسياسية والمخابراتية والعسكرية لاميركا، وجميع حلفائها واذنابها الاوروبيين والعرب وتركيا واسرائيل والمنظمات المقاتلة الاسلاموية والمعارضات "الدمقرطية" السورية واللبنانية والعراقية الخ، كانت قد تهيأت على نطاق واسع، تحت شعار "الربيع العربي" المشؤوم، لشن هجوم كاسح ضد سوريا، وشق الطريق عبر الاراضي اللبنانية الى البحر، لتمرير الاسلحة الثقيلة وعناصر ووحدات الجيش الاسلاموي العالمي والقوات الناتوية، بكثافة، الى الداخل السوري، من جهة، ولتدمير واحتلال اللاذقية، وتطويق وخنق القاعدة الروسية في طرطوس، من جهة ثانية.
وكانت اميركا وحلفاؤها يأملون في السيطرة على حلب ومطارها وعلى مطار دمشق، ومن ثم الانقضاض على دمشق واسقاط النظام السوري بسرعة، كفيلم هزلي على طريقة اسقاط النظام الليبي. ومن ثم "تعتيم الكاميرات"، والشروع في تقسيم سوريا ولبنان، وذبح وطرد جميع المسيحيين والشيعة والعلويين والدروز من البلدين. واخيرا اقامة حلف عسكري متين بين امبراطورية عثمانية اردوغانية في الشمال ودولة اسرائيلية كبرى في الجنوب، تتوسطهما وتتحالف معهما دويلات (ولايات) "سنية!" عربية موالية للغرب، تمهيدا للانقضاض على شيعة العراق وايران وعلى اليمن.
ـ3ـ ولكن صمود الجيش الوطني السوري، والدعم الذي قدمته للشعب السوري الجمهورية الاسلامية الايرانية والمقاومة الوطنية الاسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله، والدور الوطني الذي اضطلع به الجيش اللبناني وقوى الامن على الارض اللبنانية، ومساندة المتطوعين الشعبيين العراقيين، ـ كل ذلك افشل هذا المخطط، وحال دون سقوط سوريا ولبنان في براثن هذه المؤامرة الجهنمية.
ـ4ـ واخيرا حدث ما لم يكن في حسبان القيادة الاميركية وحلفائها وهو التدخل الروسي لمساعدة الشعب السوري بطلب من السلطة الشرعية السورية.
وكان قادة المخابرات الاميركية والناتوية والتركية والسعودية والجيش الاسلاموي العالمي يعتقدون انه، في اسوأ الاحتمالات، اذا تدخل الروس، فإنهم سيتدخلون بشكل اساسي بريا لنجدة القوات الوطنية السورية. ولاجل استنزاف الروس واجبارهم على الانسحاب كما جرى سابقا في افغانستان للجيش السوفياتي، فإن الجيش الاسلاموي العالمي في سوريا كان مجهزا سلفا، وبكثافة، بالصواريخ والاسلحة المضادة للدبابات والآليات.
ولكن الروس خيبوا ظن المخابرات الاميركية واذنابها، ولم يأتوا من البر، بل جاؤوا، كالطير الابابيل، من الجو. وكانوا على درجة من "القحة" انهم لم يبلغوا الاميركيين بتدخلهم الا قبل دقائق من وصول طائراتهم وشروعها في القصف. وقد اعترف الجنرالات الاميركيون انفسهم ان الروس بلغوهم قبل ربع ساعة فقط من وصول طائراتهم، اي بلغوهم على طريقة "ابعدوا طائراتكم من طريقنا والا...". وكان هذا الشكل للتدخل بحد ذاته يعني، اولا، عدم اعطاء فرصة للاميركيين لتبليغ "جماعتهم الاسلامويين" على الارض بأن يحتاطوا. ويعني، ثانيا، تمريغ العنجهية الاميركية في الوحل. وقد اعترف الطيارون الاميركيون انفسهم ان الاوامر وصلتهم وهم في الجو بأن يلغوا مهماتهم ويتولوا فتح الطريق امام الطائرات الروسية. ولو حدث غير ذلك وفكر اي معتوه او مغرور اميركي بالتصدي للطائرات الروسية، لكانت اميركا تلقت المفاجأة الاكبر وهي بداية سقوط الصواريخ النووية الروسية على جميع المدن الاميركية ذاتها وطحن اميركا ومحوها من الوجود.
ولم تكتف روسيا باستخدام الطائرات من مطار حميميم قرب اللاذقية، بل واستخدمت الطائرات او القلاع الطائرة الستراتيجية عابرة القارات المخصصة لحمل القنابل النووية، والتي قدمت من الاراضي الروسية مباشرة، كما استخدمت الصواريخ المجنحة المخصصة ايضا للقنابل النووية، والتي انطلقت من بحر قزوين، ومن البحر الابيض المتوسط الذي احتشدت فيه مختلف القطع الحربية والغواصات الروسية بالاضافة الى حاملة طائرات شاركت ايضا في القتال. وكان ذلك كله يمثل "رسائل" واضحة لاميركا واسرائيل والسعودية وقطر وتركيا والمنظمات الارهابية الاسلاموية المرتبطة بها في جميع الدول الاسلامية السوفياتية السابقة.
5ـ والان، بعد هزيمة حلب، من الواضح تماما انه قد بدأت نهاية تواجد قيادات وعناصر الجيش الاسلاموي العالمي على الارض السورية. ومصيرهم جميعا هو واحد من اثنين: اما الموت المحتم في سوريا، او قبول "الاتفاقات السلمية" على الانسحاب والخروج من سوريا (الاجانب منهم والسوريون).
وفي هذه الحالة الى اين سينسحبون؟
ان اميركا وبريطانيا وتركيا والسعودية وقطر الخ، التي جاءت بهم، لم تعد تريدهم، لان الجميع يعرف ان هؤلاء المقاتلين الشرسين، الذين تركوا سابقا بيوتهم وعائلاتهم واشغالهم وجاؤوا للقتال في سبيل "الاسلام!" كما افهموهم اياه، فإن الدول التي جلبتهم قد خذلتهم الان ولم تعد تريدهم وهي تبيع جلودهم. ولهذا فهم اصبحوا حاقدين على العالم بأسره، بمن في ذلك على الدول التي سبق وجلبتهم، والكثيرون منهم اصبحوا مستعدين للقيام بعمليات ارهابية وحتى انتحارية ضد هذه الدول ايضا، بل واولا. فإذا كانت دولهم الاصلية والدول التي جلبتهم لم تعد تريدهم وتخشى منهم، فماذا سيفعلون بهم؟
من الممكن انزال بعضهم بالهليكوبترات في صحارى ليبيا والصومال وسيناء، لقتال الجيش الليبي والصومالي، وقتال الجيش المصري. ولكن قلة منهم قد ترضى مؤقتا بذلك لانهم سيقاتلون مسلمين سنة مثلهم.
ويرجح بعض الخبراء ان يجري تجميعم في مخيمات صحراوية في السعودية وتحضيرهم بالاسلحة والآليات المناسبة للقتال ضد اليمن. ومن شأن هذه الخطة:
اولا ـ تعزيز القوات البرية للجيش السعودي الضعيف وحماية السعودية من هجوم معاكس للقوات الشعبية والقبائل الثائرة اليمنية.
ثانيا ـ إلهاء المنظمات الارهابية التي يتشكل منها الجيش الاسلاموي العالمي، والتي هزمت في سوريا (والعراق)، والتي تدين بالفكر التكفيري سعودي المنبع، ـ الهاؤها بـ"حرب جهادية مقدسة" ضد الشعب اليمني، الذي يدين بغالبيته الساحقة بمذاهب تتعارض مع الفكر الديني التكفيري السعودي ومع السلطة السعودية المعادية للهاشميين.
ثالثا ـ "التعويض" عن خسارة سوريا، بفرض قبضة حديدية على اليمن باسم "الشريعة الاسلامية!"، وهذا يقتضي بالاخص سحق موروثات التيارات القومية العربية ـ الناصرية والاشتراكية ـ الماركسية في شمال وجنوب اليمن، بعد استهلاك دور الزمر المخدوعة بعبد ربه منصور هادي والتخلص منه شخصيا.
وهذا يقتضي النظر عن قرب في المشكلة اليمنية، التي هي "المشكلة" الرئيسية التي تهدد وجود السعودية كدولة.

السعودية لا تريد بجوارها
دولة يمنية موحدة، غنية وقوية

بالرغم من ان المملكة السعودية والجمهورية اليمنية هما اكبر بلدين عربيين وجارين في شبه الجزيرة العربية، وتبلغ الحدود المشتركة بينهما 1470 كلم (حسب دراسة سبق ونشرتها جريدة الحياة) وتبلغ نسبة الكثافة السكانية في بعض مناطق الحدود 100 نسمة في كل كلم2، مما يدل على التقارب السكاني، فإن العلاقات بين البلدين هي علاقات سيئة بشكل مزمن، لاسباب معيشية وقبلية ومذهبية وسياسية قديمة. وفي سنة 1934 نشبت حرب بين البلدين، ومنذ ذلك الحين تتهم اليمن المملكة السعودية بالاستيلاء على مناطق عسير ونجران وجيزان بالقوة وبالتعاون مع الانجليز في ذلك الوقت. وهي مناطق نفطية.
عصر النفط
وبعد ان بدأ استخراج النفط بكثافة في السعودية وتحولت الى دولة غنية تحت الوصاية الاميركية، لم يكن من مصلحتها البتة ان تتحول اليمن (اليمنين قبلا) الى دولة موحدة، قوية وغنية، والى قاعدة لحركة التحرر العربية (سواء بشكلها القومي العربي الناصري، او اليساري، او الشيعي). ولهذا حينما قامت ثورة عبدالله السلال في شمالي اليمن سنة 1962 وازيل نظام الامامة واعلنت الجمهورية في اليمن ونشبت الحرب الاهلية اليمنية في الشمال، دعمت السعودية بقوة الاماميين ضد انصار الجمهورية، فيما دعمت مصر الناصرية الجمهوريين، الذين انتصروا في النهاية بالرغم من هزيمة الجيش المصري في حرب 5 حزيران 1967 واحتلال اسرائيل لسيناء واغلاق قناة السويس واضطرار الجيش المصري للانسحاب من اليمن.
اكتشاف النفط في اليمن
وهناك ابحاث تقول ان منطقتي الجوف وصعدة اليمنيتين، والمحاذيتين للمملكة السعودية، تحتويان ايضا احتياطات جوفية نفطية كبيرة جدا من شأن بداية استثمارها تحويل اليمن الى بلد نفطي غني يضاهي السعودية. وكان الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح يجري مفاوضات مع كارتيلات النفط الاميركية والغربية لاجل استخراج واستثمار النفط اليمني، وقد اراد اشراك روسيا في ذلك، وهذا ما ازعج الدول الغربية. ويعزو بعض المحللين محاولة اغتيال علي عبدالله صالح الى هذا السبب بالذات. وبعد تنحي علي عبدالله صالح، وانتخاب عبد ربه منصور هادي رئيسا لفترة انتقالية مدتها سنتين، وتشكيل حكومة يمنية جديدة برئاسة خالد محفوظ البحاح، تم ما سمي "انقلاب الحوثيين" (حركة "انصار الله") الذين سيطروا على العاصمة صنعاء وعلى مدينة عدن وتعز وجميع المدن اليمنية الاخرى في الشمال والجنوب بدون قتال، واتهموا الرئيس المؤقت بممالأة السعودية، فاستقال البحاح، ووضع عبد ربه منصور هادي في الاقامة الجبرية، ثم افرج عنه ففر الى السعودية، حيث شكل حكومة جديدة في المنفى تخضع كليا للسعودية.
وقد تحالف "انصار الله" وحزب "المؤتمر الشعبي" بقيادة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، واتهموا هادي بأنه تحول الى اداة وعميل للسعودية، واتهموا السعودية بأنها تريد السيطرة على اليمن وتحويلها الى دولة فقيرة وضعيفة (كالصومال) تابعة لها، وانها تريد لاحقا ان تسيطر على استخراج النفط من الاراضي اليمنية بالتعاون مع الاميركيين. فيما اتهمت السعودية وانصار هادي "الحوثيين" بأنهم "اداة ايرانية". وبنتيجة ذلك انشق الجيش والمؤسسات الامنية والادارية اليمنية، كما انقسمت القبائل التي ايد بعضها عبد ربه منصور هادي على اساس قبلي ومذهبي، دون ان يعني هذا التأييد التبعية للسعودية.
وجرت مفاوضات بين الطرفين اليمنيين المتنازعين، برعاية من الامم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي (باستثناء عمان التي وقفت على الحياد). واسفرت المفاوضات عن الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية ينضم اليها الحوثيون وانصار صالح وانصار هادي وممثلو القبائل في الشمال والجنوب.
السعودية تعرقل اتفاق اليمينيين وتشن "حربها" على اليمن
ولكن هذا الاتفاق لم ينل رضا السعودية، فحرضت هادي وانصاره على عرقلته، وسلحتهم ومولتهم ودفعتهم لمهاجمة "انصار الله" وانصار علي عبدالله صالح، والعمل لطردهم بالقوة من المدن اليمنية. الا ان انصار هادي فشلوا في المطلوب منهم، ولم ينجحوا سوى في اشاعة ما تسميه الدوائر الاميركية "الفوضى البناءة" وتحويل الاراضي اليمنية بمجملها الى ساحة حرب واسعة. ولمواجهة هذا الفشل الذريع قررت القيادة السعودية، للاسف الشديد، التدخل العسكري المباشر في الحرب اليمنية، طبعا بموافقة ودعم اميركا. وشكلت ما سمي التحالف العربي، وبدأ على الفور القصف المكثف لليمن بالطائرات في اذار 2015، وهو مستمر الى اليوم، كما شاركت بعض الوحدات الخليجية في المعارك البرية ضد "الحوثيين" وانصار علي عبدالله صالح، ولكنها تلقت ضربات "اقنعتها" بأن "تنقذ جلدها" وتنسحب ولا تعيد الكرة، وان يقتصر العدوان على الشعب اليمني على القصف الجوي، المستمر يوميا وبكثافة.
حرب ابادة لليمنيين ...دفاعا عن "نبي الله اسرائيل = يعقوب"
وبعد ان انجز طيران السعودية وحلفائها في بضعة ايام قصف كل المواقع الواردة في "بنك الاهداف" التي يمكن ان تسمى عسكرية او مقرات سياسية، استمر منذ سنة وثمانية اشهر القصف اليومي للبنى التحتية والمؤسسات الانسانية والتعليمية والدينية والاجتماعية والخدماتية والدور السكنية والاسواق الشعبية والساحات العامة وكل اشكال الحياة في اليمن، بهدف قتل اكبر عدد ممكن من اليمينيين، وتدمير مدنهم وقراهم واجبارهم على التشرد والعيش في العراء، ورميهم في براثن الجوع والعطش والمرض، وابادتهم كشعب. وتقول مؤسسات الخدمات الانسانية الدولية ان العدد، القليل اصلا، من المستشفيات اليمنية لم يعد يعمل بسبب فقدان الادوية والادوات الطبية والكهرباء والوقود، وان المجاعة بدأت في اليمن، وان 2،2 مليون طفل يمني يعانون من امراض نقص التغذية ومنهم نصف مليون طفل يعانون من امراض النقص الحاد في التغذية، وانه كل بضع دقائق يموت طفل، والطواقم الطبية تحولت الى مجموعات لدفن الاطفال الموتى، وان ملايين اليمنيين اصبحوا يعيشون في العراء، حتى بلا خيم للاجئين وبلا فراش وبلا بطانيات وبلا ثياب احتياطية وبلا طعام ولا ماء ولا دواء، وانهم يهيمون على وجوههم في الجبال مع اطفالهم الجياع والمرضى، فيما الطائرات تلاحقهم بالقنابل الحارقة بتهمة انهم "ارهابيون"، و"انقلابيون"، و"شيعة" و"خوارج"، واعداء "للدمقراطية" ولاميركا والسعودية واسرائيل، وعملاء لايران. وللعلم فقط ان "الحوثيين" (انصار الله) شعارهم هو: "الموت لاميركا، الموت لاسرائيل!"، وهو يشبه الشعار الرئيسي الذي يطلق في المظاهرات الشعبية في ايران، والعياذ بالله! (وفي رد بعض انصار السعودية على شعار "انصار الله": "الموت لاسرائيل" يقولون ان العداء لاسرائيل هو حرام وكفر، لان "اسرائيل" هو نبي الله يعقوب، وكلمة "اسرائيل" تعني بالعبرية: عبدالله؛ "أسر" = عبد، و"ئيل" = الله، جل جلاله). والنتيجة ان كل من يعادي اسرائيل هو عدو الله، ويستحق الموت، في عرف انصار السعودية هؤلاء. اي ان كل الشعب اليمني، باستثناء عملاء السعودية، هو عدو لاسرائيل (عبدالله = نبي الله: يعقوب) ويستحق الموت. وهذا ما تأخذه القيادة السعودية على عاتقها في اليمن، مثلما تأخذ دولة اسرائيل وداعش واخواتها على عواتقهم ابادة الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين... "اعداء نبي الله: يعقوب = اسرائيل!" ايضا وايضا.
جريمة ضد الانسانية لاجل النبي يعقوب
وهذه الجريمة ضد الانسانية ترتكب تحت نظر العالم بأسره، دون اي اهتمام جدي، باستثناء طبعا الجهود التي يبذلها مشكورا مبعوث الامم المتحدة السيد اسماعيل ولد الشيخ احمد، الذي يتنقل بين الرياض وعدن وصنعاء وبعض العواصم الخليجية في مساع حميدة للحصول من وقت الى اخر على هدنة يومين او ثلاثة لسحب الجرحى والقتلى ودفنهم، وغالبا ما يتم خرق تلك الهدنات.
ببركة اميركا
ان الاوساط المتطرفة في القيادة السعودية، مدعومة من اميركا (حتى الان) تبيح لنفسها شن هذه الحرب الظالمة ضد الشعب اليمني الفقير والمحب للحرية، بحجة ان اليمن هي شيعية او "تتشيع"، وتتحول الى اداة لايران في هذه المنطقة ذات الاهمية الستراتيجية والاقتصادية والتجارية، خصوصا فيما يتعلق بكون باب المندب معبرا رئيسيا للنفط والتجارة العالمية.
اجماع على شيطنة ايران
وتؤكد السعودية هذه التهمة بحجة ان "الحوثيين" يحصلون من ايران على الاسلحة، ومنها بعض الصواريخ التي يقصفون بها التجمعات العسكرية والاراضي السعودية.
وتؤيد هذه الوجهة نظر اميركا والكتلة الغربية والمنظمات الارهابية الاسلاموية والمعارضة "المعتدلة" السورية وجميع الابواق "الدمقراطية" الموالية للغرب.
الطيران السعودي هو ابابيل سماوية
وهذه الحجة ليست سخيفة فحسب بل تدعو الى السخرية: فاذا كان الحصول على بعض الصواريخ من ايران للدفاع عن النفس هو جريمة، فماذا نسمي حصول السعودية على كل هذه الطائرات (والارجح الطيارون ايضا) والصواريخ والقنابل الذكية ومختلف الاسلحة بعشرات مليارات الدولارات للعدوان على الشعب اليمني وتدمير اليمن؟ أليست اسلحة اميركية؟ ام انها طيور ابابيل سماوية؟ فكيف يجوز للسعودية ودواعشها ان يتسلحوا من اميركا، ولا يجوز للمقاومة اليمنية، واللبنانية، وحتى الجيش الوطني اللبناني، ان يتسلحوا من ايران او روسيا؟
الفشل التاريخي للستراتيجية الاميركية

ان المخططين الستراتيجيين الاميركيين، والعسكريين السعوديين الذين ينفذون خططهم، يرتكبون خطأ مميتا لهم ولخططهم اذا كانوا يعتقدون ان الهجوم على اليمن يمكن ان يكون نسخة مكررة عن الهجوم على الجيش العراقي، الذي غزا الكويت، في 1991، وهو الهجوم الذي عرف باسم "عاصفة الصحراء". او نسخة مكررة عن الهجوم على طالبان والقاعدة في افغانستان سنة 2001.
فـ"عاصفة الصحراء" كانت ضد جيش صدام حسين، الذي كان يحكم العراق بالحديد والنار الا انه كان معزولا عن الشعب. وحرب افغانستان كانت ضد تنظيمي "طالبان" و"القاعدة" اللذين كانا دخيلين على افغانستان. اما ما يجري الان في اليمن فهو حرب ابادة ضد الشعب اليمني بذاته: ضد القبائل، والمدن والقرى، ومعسكرات الجيش اليمني، والمستشفيات والمدارس والمؤسسات الرسمية والاجتماعية. نقول ذلك مع الاخذ بالاعتبار عملية اللعب على النزاعات القبلية التقليدية وامكانيات "شراء ولاء" بعض شيوخ القبائل بالذهب السعودي والدولارات الاميركية. ولكن في الحساب الاخير فإن الشعب اليمني المحب للحرية لا يمكن ان يرضى بالاحتلال السعودي والتبعية للسعودية، وهو لا يمكن ان يستسلم. والطفل اليمني يحمل الخنجر والكلاشينكوف قبل ان يتعلم المشي. واذا كانت الاموال السعودية تستطيع ان تشتري مؤقتا بعض شيوخ القبائل اليمنية، فإنها لا تستطيع شراء الشعب اليمني بأسره، والمقاومة اليمنية بأسرها.
السعودية "عدو وطني" لليمنيين...
وفي نهاية المطاف، و"بفضل" هذا العدوان الغاشم، فإن الحرب في اليمن ستتمحور كحرب سعودية ـ يمنية، وستصبح السعودية بالنسبة لجميع اليمنيين، عدوا وطنيا، كما هي اسرائيل الان بالنسبة لغالبية الشعب اللبناني. او كما هي المنظمات الارهابية الان بالنسبة لغالبية الشعب السوري. وسيلتف الشعب اليمني كله حول المقاومة اليمنية و"انصار الله"، كما يلتف الشعب اللبناني كله حول المقاومة الوطنية الاسلامية و"حزب الله".
الستراتيجي اللوذعي
ان السيد عادل جبير وزير الخارجية السعودية، ولكي يعطي "حقنة معنويات" للارهابيين الاسلامويين الذين تمولهم السعودية حينما كانوا "على آخر نفس" في حلب، صرح بالامس القريب ان الرئيس بشار الاسد سيسقط سلما او حربا. وبدون النظر في كيفية سقوط الاسد، فإن الذي سقط في اليوم التالي هو اسلامويو الجبير الذين كانوا يحتلون حلب. فاذا كان قادة السعودية يعملون بنصائح "حكيم زمانه" السيد عادل جبير، بالنسبة لليمن، فهذا سيجر الكوارث على السعودية ذاتها، لان الشعب اليمني لن يصبر طويلا على العدوان السعودي، وسيتحضر لشن هجوم معاكس على السعودية بكل الاسلحة التي يمكن ان يحصل عليها من اي جهة كانت.
ميزان القوى بين السعودية واليمن
وخلافا لاي مظهر خادع، فإن نسبة القوى بين السعودية واليمن ليست البتة في صالح السعودية، ونورد فيما يلي المقارنة السريعة التالية:
• ان الاراضي اليمنية المأهولة هي في الغالب اراض جبلية يصعب اقتحامها. في حين ان غالبية المدن السعودية هي ذات طوبوغرافيا مكشوفة ودفاعات هشة.
• ان عدد سكان السعودية هو حوالى 32 مليون نسمة منهم 10 ملايين غير سعوديين. وبالطبع يمكن للسعودية الغنية جدا ان تجند المرتزقة، ولكن تجنيد المرتزقة سيشكل عبئا سياسيا على السعودية، كما ان المرتزقة سيكون دورهم هامشيا، لانهم يقاتلون لاجل المال وليس لاجل قضية. ولكن بامكان السعودية ان تجند الاسلامويين الاجانب الذين سيفرون الان من سوريا والعراق، وهم مقاتلون شرسون بكل معنى الكلمة، ولكن وجودهم في صفوف الجيش السعودي سيمثل فضيحة عالمية للسعودية، وسيقف ضدها وضدهم العالم اجمع. كما ان هناك جيوب وخلايا ضمن هؤلاء الاسلامويين يحقدون على السعودية ذاتها وسيشكلون خطرا "داخليا" عليها وعلى جيشها.
• في حين ان عدد سكان اليمن هو حوالى 27 مليون نسمة اكثر من نصفهم ذكور، اي حوالى 15 مليونا، 75% منهم هم دون الثلاثين من العمر، حسب الاحصاءات الدولية، اي حوالى 11،5 مليونا. فاذا اسقطنا من الحساب ثلث هذا العدد كأطفال دون العاشرة، واضفنا مليونين ونصف المليون فقط رجالا ما بين 30 و50 سنة، فسنحصل على رقم يناهز 9 ملايين "مشروع مقاتل" يمني يحقدون حقدا لا سابق له ضد السعودية التي دمرت بيوتهم وقتلت آباءهم وامهاتهم واطفالهم ورمتهم في براثن التشرد والجوع والعطش والبرد والمرض.
• وهذا الجيش الضخم من الجياع والمشردين، والذين هم في الوقت ذاته مقاتلون شجعان ابا عن جد، لا تستطيع قوة في العالم ان تقف في وجهه متى قررت قياداته الثورية القيام بهجوم معاكس على السعودية.
• ومع تحييد مكة المكرمة بوصفها مدينة مقدسة لجميع المسلمين، فإن المدن السعودية الاخرى، ولا سيما قصور امراء العائلة المالكة ستكون عرضة لهجمات ملايين المقاتلين اليمنيين.
• ونظرا لكون اليمن تتحكم بمضيق باب المندب، ولكونها مرشحة لان تصبح دولة منتجة للنفط اكثر من السعودية، فإن اميركا والدول الاوروبية التي تقف الان مع السعودية، ستعيد النظر في مواقفها وستتسابق بشتى الطرق الملتوية والقانونية لتسليح اليمنيين ضد السعودية. وستنقلب حينئذ الآية وتصبح الاراضي والمدن السعودية هي المعرضة للقصف بالصواريخ والطيران بلا رحمة، كما تفعل السعودية اليوم في اليمن.
ايران وروسيا هما اللتان تحميان السعودية
وبخصوص اليمن وغيرها من نقاط الاختلاف مع الكتلة الغربية، فإن ايران وروسيا تتعرضان لحملة ظالمة من التشهير والافتراء والتجريح على لسان "حكيم زمانه" عادل الجبير و"الجزيرة" و"العربية" وكل آلة البروباغندا الغربية الضخمة، بتهمة انهما تدعمان من يسمونهم ظلما "الانقلابيين" في اليمن، وخاصة "الحوثيين" و"انصار الله".
ولكن الاحصاءات الغربية ذاتها تعترف ان "الحوثيين" وحدهم (سواء وضعوا تحت العنوان القبائلي، او المذهبي، او السياسي) يملكون اكثر من نصف مليون مقاتل من اشرس المقاتلين واشدهم بأسا واستعدادا للتضحية. ولو كان صحيحا انهم "انقلابيون" او "ارهابيون" (كدواعش اميركا والسعودية) كما تصفهم آلة البروباغندا الغربية و"حكيم آخر زمان" عادل الجبير، لكانوا حولوا الحياة الى جحيم في جميع المدن السعودية بواسطة العمليات الارهابية والاستشهادية، ولكانوا حصلوا على عشرات مليارات الدولارات عن طريق ممارسة القرصنة وابتزاز الشركات البحرية والتجارية وشركات التأمين، ذات العلاقة بالبواخر التجارية وناقلات النفط التي تعبر مضيق باب المندب، وعن طريق عقد الاتفاقيات السرية لاستخراج النفط في اليمن مستقبلا مع كارتيلات النفط الغربية التي لا تهمها سوى مصالحها المباشرة، ولكانوا اشتروا بهذه المليارات شتى انواع الصواريخ ارض ـ جو وارض ـ ارض والمدفعية بعيدة المدى والدبابات الحديثة والطائرات بدون طيار، التجسسية والحربية، ولكانوا باشروا منذ الان الهجوم المعاكس على السعودية وحولوا الحياة فيها الى جحيم.
روسيا وايران تدعوان الشعب اليمني لضبط النفس
ولعله ليس سرا القول ان ايران، بالتشاور والتعاون مع روسيا، تمارسان نفوذهما في اليمن لدعوة الحوثيين وحلفائهم للالتزام بضبط النفس وعدم الانجرار الى رد الفعل واتباع نهج انتقامي من السعودية.
روسيا وايران تطبقان عقيدتيهما وستراتيجيتيهما

وبطبيعة الحال انه لا ايران ولا روسيا هي جمعية خيرية او جماعة صوفية طهرانية. بل ان كل منهما هي دولة كبرى، اقليميا ودوليا، ولكل منهما مصالحها القومية وستراتيجيتها وعقيدتها الدينية والسياسية. والنهج الحكيم والنبيل الذي تنتهجه قيادات هاتين الدولتين الكبيرتين انما ينطلق بالضبط من مصالحهما وستراتيجيتهما وعقائدهما. ونلخص ذلك فيما يلي:
ايران
ـ1ـ ان قيادة الجمهورية الاسلامية الايرانية تدين بالمذهب الشيعي الاثني عشري، ولكنها تؤمن بشدة بمبدأ الوحدة الاسلامية، وهي تخضع كل سياستها الداخلية والخارجية لتطبيق هذا المبدأ.
ـ2ـ ان مشاركة المتطوعين الشعبيين الايرانيين في القتال الى جانب الشعب العراقي والشعب السوري ضد المنظمات الارهابية الاسلاموية، انما ينطلق من مبادئ تجنب الفتنة المذهبية السنية ـ الشيعية والفتنة الدينية الاسلامية ـ المسيحية، وخنق الفتنة في مهدها، ومجابهة النزعة التسلطية الامبريالية واليهودية والعثمانية بواسطة المنظمات الارهابية الاسلاموية.
ـ3ـ ان مصلحة ايران تلتقي مع مصلحة السعودية، على صعيد التفاهم والتعاون، وليس المزاحمة العدائية الضارة للطرفين، في قطاع استخراج وتصدير الطاقة والاستخدام الرشيد لمضيق هرمز ومضيق باب المندب.
روسيا
ـ4ـ ان الدولة الروسية برزت تاريخيا بوصفها "دولة ارثوذكسية" (مسيحية شرقية)، والاغلبية الساحقة للشعب الروسي الان هي ارثوذكسية. وهذا ما يعطي الارثوذكسية مكانة خاصة في الدولة الروسية بكل المعايير "الدمقراطية". والعقيدة الارثوذكسية تعتبر الدين الاسلامي الاولي والاصلي مكملا للمسيحية الشرقية، وليس معاديا للمسيحية كما فعلت بعض المذاهب المسيحية الغربية التي وقفت تاريخيا خلف الحملات الصليبية. ويتميز الروس الارثوذكس بالاحترام الشديد للارض العربية والشعب العربي القدبم (= الفلسطيني، السوري، الفينيقي، السرياني، الاشوري، الكنعاني، الارامي، القبطي) الذي اعطى العالم الديانة المسيحية الاصلية (اي المسيحية الشرقية التي ينتمي اليها السيد المسيح ذاته). ومعلوم تاريخيا ان الروس الارثوذكس (ككل الارثوذكس) لم يشاركوا في الحملات الصليبية، بل حاربوا ضد "الصليبيين الشماليين" (السويديين والتوتونيين = الجرمان والبولونيين وغيرهم) وانتصروا عليهم في اواسط القرن الثالث عشر. مما اسهم في حينه في اضعاف وهزيمة الصليبيين في القسطنطينية وفي الشرق العربي في القرن الثالث عشر.
ـ5ـ تنطلق القيادة وغالبية الشعب الروسي من قناعة بأن الاتحاد السوفياتي السابق انما كان يمثل اتحادا بين المسيحيين السلافيين الارثوذكس وبين الشعوب الاسلامية في اسيا الوسطى. والروس اليوم منتشرون بكثافة في كافة الجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة، وبالمقابل يوجد في روسيا الاتحادية حوالى 25 مليون مسلم روسي. والقيادة الروسية تقول بمبدأ ان روسيا هي دولة مندمجة ارثوذكسية ـ اسلامية.
ـ6ـ تنطلق السياسة الداخلية والخارجية والستراتيجية الروسية بأسرها من نظرية "الاوراسية" التي تؤمن بها القيادة الروسية. وتنبني هذه النظرية على اسس رئيسية من اهمها:
ـ اقامة علاقات وثيقة بين روسيا والعالم الاسلامي بأسره.
ـ تأخذ القيادة الروسية بالاعتبار الدور المميز الذي تضطلع به كل من السعودية ومصر وايران وتركيا في العالم العربي والاسلامي. وترى روسيا ان من مصلحتها التقارب مع هذه الدول، من جهة، والعمل لازالة الخلافات والتقريب فيما بين هذه الدول من موقع الصديق للجميع، من جهة ثانية. وفيما يلي امثلة عملية عن تطبيق روسيا لهذه القناعات الاساسية:
أ ـ التعاون الوثيق، السياسي والاقتصادي والعلمي والعسكري، الذي يقوم بين روسيا وبين الجمهورية الاسلامية الايرانية.
ب ـ عملية ضبط النفس المثيرة للدهشة لدى قيام القيادة التركية ومخابراتها وعملائها بالمشاركة في اسقاط الطائرة المدنية الروسية التي كانت تنقل سياحا روسا فوق سيناء، ثم اسقاط الطائرة المقاتلة الروسية التي كانت تطارد المنظمات الارهابية داخل الحدود السورية وقيام الاردوغانيين بقتل الطيار بمنتهى الخسة والنذالة بعد ان هبط سالما بالمظلة. واخيرا عملية الاغتيال المشبوهة التي تعرض لها السفير الروسي في انقرة. ومع كل ذلك لم تتخل روسيا عن الموافقة على مد انبوب الغاز القاري الى اوروبا الجنوبية والشرقية، عبر الاراضي التركية، بالرغم من الاستفزازات التركية الغادرة ضدها. كما وافقت روسيا على بناء مفاعل نووي لانتاج الكهرباء الرخيصة لتركيا سيكلف مليارات الدولارات.
ج ـ وخلال اللقاءات التي تمت في السنة المنصرمة مع الامير السعودي محمد بن سلمان، اكدت القيادة الروسية الاستعداد لبيع الاسلحة الدفاعية المتطورة للجيش السعودي، ولبناء 16 محطة نووية لانتاج الكهرباء الرخيصة في السعودية، كما ان روسيا التي تمتلك 25% من المياه العذبة في الكوكب الارضي على استعداد لتوريد المياه للسعودية بواسطة الصهاريج البحرية العملاقة او بواسطة مد انبوب قاري لنقل المياه من الشرق الروسي نحو شبه الجزيرة العربية، وكذلك بيع الاتربة للسعودية لتتريب قطاعات صحراوية واسعة وتخضيرها وتحويلها الى اراض زراعية مأهولة، ومساعدة السعودية على استهطال الامطار الاصطناعية لري الاراضي.
د ـ بالرغم من حادثة اسقاط الطائرة المدنية في سيناء والتي كانت تقل سواحا روسا عائدين من مصر، فإن روسيا تعمل بكل الوسائل لتطوير العلاقات مع مصر في كل المجالات الممكنة، والتي تساعد مصر على تقوية دفاعها وتدعيم استقلالها ومحاربة الارهاب والتغلب على ازمتها الاقتصادية.
للصبر حدود
ولكن بالرغم من كل معطيات سياسة اليد الممدودة نحو السعودية من قبل ايران وروسيا، فإذا استمر العدوان الوحشي السعودي، والاستفزازات الاعلامية على "طريقة عادل الجبير"، ضد الشعب اليمني والقبائل اليمنية التي لا تنام على ضيم، فإن لكل شيء حدودا، حتى "صبر ايوب". وربما تفلت الامور حتى من ايدي القيادات الحكيمة في اليمن وايران وروسيا على السواء، وتندفع بعض القبائل والجماعات اليمنية للثأر والانتقام داخل الاراضي السعودية وفي مضيق باب المندب وبحر العرب والبحر الاحمر، مهما كان الثمن.
واذا حدث ذلك لا سمح الله، وتحول العدوان السعودي على اليمن، الى حرب يمنية ـ سعودية فوق الارض السعودية ذاتها، فمن يضمن ان لا يتقاطر مئات الاف بل وملايين المقاتلين الشعبيين، من مختلف الاقطار العربية والاسلامية للانضمام الى صفوف القوات الشعبية اليمنية والقتال ضد الغزاة السعوديين وحلفائهم الخليجيين. فهل سيستطيع الامراء والشيوخ السعوديون والخليجيون المترفون ان يصمدوا في القتال، مثلما يصمد الان الشعب اليمني الفقير والمظلوم؟
لا شك ان السعودية وحلفاءها يستطيعون تجييش عشرات الاف المقاتلين الاسلامويين السنة من كل انحاء العالم، كما جرى في ليبيا والعراق وسوريا. ومراكز القوى المتطرفة المشبعة بالحقد المذهبي الاعمى ستراهن على قيام فتنة كبرى سنية ـ شيعية. ولكن التجربة المريرة الاخيرة في سوريا ولبنان، ولا سيما خلال معركة حلب، وكذلك تجربة العراق وليبيا ومصر وغيرها تثبت ان الغالبية الساحقة من الجماهير الاسلامية السنية ذاتها اكدت بالتجربة الملموسة انها لن تنجر الى الفتنة، وان العصابات الارهابية الاسلاموية مهما كان فيها من المضللين، فهي ستبقى اقلية معزولة عن غالبية الجماهير العربية والاسلامية السنية، وهي في نهاية المطاف ستهزم شر هزيمة.
النصر للشعوب
واذا اخذ الصراع هذا المنحى المأساوي، وفي مقابل الدعم الاميركي ـ الناتوي ـ الاسرائيلي و(ربما!!!) التركي والباكستاني، فإن شعوب ايران والعراق، وروسيا والصين، وغيرها من الدول التي لا تسير كالتابع خلف اميركا والناتو، لن تقف مكتوفة الايدي، وستدعم بكل قوة الشعب اليمني ومناصريه. وقد اثبتت تجربة اوكرانيا وجورجيا وافغانستان والعراق وليبيا ومصر ولبنان واخيرا سوريا، ان كل دولة وكل منظمة تسير مع اميركا والكتلة الغربية ستخسر وتهزم شر هزيمة. وحتى اسرائيل التي كانت تتنمر على جميع الجيوش العربية، ولى زمن غطرستها، واصبح يوم الحساب العسير معها اقرب مما يتصور قادتها الاغبياء وجميع "حكماء صهيون".
سينهارون كما انهار الارهابيون في حلب
واذا استمرت السعودية في العدوان على الشعب اليمني، واستمرت اسرائيل في غطرستها، فإن مصيرهما لن يكون افضل من مصير العصابات الاسلاموية في حلب (والموصل!).
واميركا والناتو والاتحاد الاوروبي لم يكونوا يدعمون "اصدقاءهم!" كالسعودية واسرائيل، الا من اجل الحصول على المكاسب. ولكنهم لن يدعموهم بعد الان في معارك خاسرة. واذا قاموا استعراضيا بدعمهم، فإنهم سوف "يدعمونهم" بطريقة "ملغومة" ويدفعون بهم الى الخسارة، فيما هم يساومون خصومهم من وراء ظهورهم.
طوق النجاة الاخير
لا شيء ولا احد بعد الان يمكن ان يحمي اسرائيل والسعودية من الهزيمة الساحقة سوى: الوساطة الروسية.
فبالنسبة لاسرائيل يوجد فيها اكثر من مليون مواطن روسي يهودي (وغير يهودي!). وروسيا لا تريد استرجاعهم كمجموعة (حتى لا تترسخ لديهم الفكرة القومية الصهيونية) وان كانت لا تمانع في عودة من يريد العودة منهم فرديا كمواطنين روس، وفي الوقت ذاته لا تريد ان تحل بهم مأساة انسانية، وهي التي سبق وحمتهم وحمت آباءهم واجدادهم من الفناء على ايدي الهتلريين. وهذا هو الاساس الذي يدفع روسيا للتوسط لايجاد حل فلسطيني ـ عربي، انساني، لوجود اليهود على الارض الفلسطينية والعربية، ومنحهم الجنسية الفلسطينية والعربية كما جرى للمستوطنين الفرنسيين في الجزائر بعد انتصار الثورة.
اما بالنسبة للسعودية، فإن روسيا، وانطلاقا من ثقافتها الارثوذكسية وباعتبارها دولة نموذجية للتآخي المسيحي الارثوذكسي ـ الاسلامي والعقيدة "الاوراسية" لقيادتها، لا تريد ان يتم تحويل السعودية الى ساحة حرب، وان يتم تدميرها كما دمرت اليمن، والعراق وسوريا وليبيا، بفعل "الربيع العربي" المشؤوم. بل ان روسيا، وادراكا منها لما للاماكن المقدسة الاسلامية في السعودية من اهمية دينية وحضارية تاريخية، للانسانية جمعاء، تريد للسعودية ان تكون لا طرفا خلافيا بين العرب والمسلمين، بل ان تكون معقلا للصلح والتآخي بين العرب والمسلمين، وللتفاهم والتعاون والتفاعل بين المسلمين والمسيحيين في العالم اجمع، ضد العنصرية والاستعمار والتعصب والارهاب، ولاجل خير الانسانية جمعاء.
فهل ينتصر منطق العقل والعدل في السعودية؟
ام ينتصر "منطق" داعش وعادل الجبير؟
وحينذاك ينطبق على السعودية المثل القائل: على نفسها جنت براقش!
وعلى الباغي تدور الدوائر!
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفشل التام لنظام القطب العالمي الاوحد لاميركا
- العلاقات الاميركية - الروسية ستنقلب عاليها سافلها
- روسيا تواجه بحزم -الحرب الباردة- الجديدة ضدها
- روسيا مستعدة لكل الاحتمالات في الحرب على الارهاب
- روسيا تعمل لاحتواء تركيا بسياسة العصا والجزرة
- طبعة روسية جديدة لسباق التسلح الكلاسيكي
- مناقشة حول ثورة اكتوبر والستالينية
- توجه جديد في الجيوستراتيجيا الروسية
- المتوسط يتحول الى -بحيرة روسية-
- انتصار نهج بوتين في الانتخابات البرلمانية الروسية
- الدبلوماسية الاميركية تتدهور امام الدبلوماسية الروسية
- مفهومان لاهوتي واجتماعي للمسيحية
- سباق التسلح مع اميركا قضية وطنية عامة لروسيا
- التحالف الستراتيجي الروسي الإيراني... في العمل!
- تركيا لن تعرف الاستقرار بعد اليوم
- الفاشية التركية الى مزبلة التاريخ
- اميركا ستخسر في كازاخستان أيضا
- روسيا تحاصر اميركا نوويا وتحقق التفوق العسكري في الحروب الاق ...
- ناغورني كارباخ: مشروع حرب داعشية جديدة لالهاء روسيا
- روسيا السلافية الاورثوذوكسية تقلب الجيوستراتيجيا العالمية


المزيد.....




- سعيد يأمر باتخاذ إجراءات فورية إثر واقعة حجب العلم التونسي
- بايدن يخطئ مجددا و-يعين- كيم جونغ أون رئيساً لكوريا الجنوبية ...
- شاهد.. تايوان تطلق صواريخ أمريكية خلال التدريب على المقاتلات ...
- عشرات الجرحى جراء اصطدام قطارين في بوينس آيرس
- في أقل من 24 ساعة..-حزب الله- ينفذ 7 عمليات ضد إسرائيل مستخد ...
- مرجعيات دينية تتحرك قضائيا ضد كوميدية لبنانية بعد نشر مقطع ف ...
- شاهد.. سرايا القدس تستهدف الآليات الإسرائيلية المتوغلة شرق ر ...
- شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لبلدة بشرق خان يونس
- واشنطن: -من المعقول- أن إسرائيل استخدمت أسلحة أميركية بطرق - ...
- الإمارات تستنكر تصريحات نتانياهو بشأن -مشاركتها- في إدارة مد ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جورج حداد - السعودية تغامر بمصيرها في اليمن