الحرب الأهلية في رواية ذهب مع الريح

آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5364 - 2016 / 12 / 7 - 09:29
المحور: الادب والفن
    

الإبداع هو الخلود، هو المدخل إلى الغيب والغوص في ثناياه، لمحاولة معرفة الواقع، عبثه أو قوته أو جنوحه، انكساره أو صعوده، هو المدخل إلى ممرات الجمر والقبض على المجهول أو التحكم في مجرياته من موقع الفاعل، الراصد الأمين لزمانه وعالمه وتحولات ظروفه في ارتقائه أو سقوطه.
مارغريت ميتشل، الروائية الأمريكية المبدعة أخذتني عبر روايتها الرائعة، ذهب مع الريح، إلى عالمها بكل ألوانه وتنوعاته، الناس والمجتمع والطبيعة وبقية الكائنات. ففي هذا العمل الكبير الذي يمتد على مساحة ألف ومائة وأربعة وأربعون صفحة من القطع الكبير دخلت معها حيوات الناس في عالم الولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في مقاربة عميقة للواقع أثناء السلم وأيامه، والحرب وويلاتها وآلامها، حرق مدن، مزارع وأراضٍ وبيوت ومحلات وغابات، وضحايا بالجملة والمفرق، عسكريون ومدنيون، أطفال ونساء وشيوخ، جوع وبرد وتشرد وخوف وخراب نفسي وأخلاقي على كل الصعد، وما يتعرض له الناس من سلب ونهب وسرقة، وكل ما يقع تحت أيدي الجنود المنتصرين، اغتصاب النساء وقتل الرجال دون مراعاة للسن أو المرض أو وضعه الضحية النفسي والعقلي.
لقد رصدت الرواية تغيير أمزجة الناس أثناء وبعد حرب الأخوة وحيواتهم، وتغيير البنى الاجتماعية خلال مرحلة زمنية قصيرة وانقلاب المفاهيم والمعايير القائمة وتغير العادات والتقاليد.
الحرب كما هو متعارف عليه هي زلزال اجتماعي ونفسي وعقلي وروحي. حالة نكوص وهزيمة وانكسار وارتداد إلى الوراء. ففي الحرب يتحدث تحول نوعي، نزول قطاعات اجتماعية كبيرة من عليائها إلى الدرك الأسفل ودمار حياة المهمشين والفقراء الذين هم أول الضحايا أثناء القتال أو في وسطه أو في أواخرها. بالإضافة إلى هزيمة الحياة ودمار الاقتصاد، وهبوط العملة الوطنية لمناطق القتال، وازدياد حالة التضخم التي تطرأ على البلاد وفقدان المواد الغذائية والمضاربة والتهريب وكثرة المهربين والتجار في السوق السوداء.
استطاعت الروائية أن ترسم عالم الولايات المتحدة من خلال شخصيات العمل بدقة متناهية، وحولت المكان الكبير، الولايات المتحدة إلى أشبه بقرية واحدة متصارعة.
أهم الشخصيات في الرواية هي سكارليت أوهارا من منطقة تارا. هذه الصبية الصغيرة التي لم تتجاوز السادسة عشرة من العمر، طموحة، جامحة في حبها لذاتها، للصبا والشباب لحياة اللهو والرقص وحفلات الغناء في الطقس الجميل تحت ظلال الشمس اليانعة بحضور عائلات المزارعين النافذة الذي يمتلك كل واحد منهم عدداً كبيراً من عبيد الأرض وعبيد البيوت، ومزارع القطن المعد لتصديره إلى انكلترا وبيعه بأسعار عالية.
كل شاب أو فتاة في الجنوب لديه اعتداد بنفسه، يشعر بذاته، كأنه ملك زمانه.
كان لأبناء الجنوب رغبة شديدة في الانفصال عن الشمال، وعملياً أعلنت إحدى عشر ولاية ذلك. فليدهم قطاعات واسعة من الأرض ويشعرون بالغبن من جراء العلاقة مع الشمال واستغلالهم.
أغلب الشباب في الجنوب كانوا متحمسين للحرب، لبساطة تفكيرهم واعتقادهم أن الحرب نزهة على حصان أبيض يذهب إليه عدة أيام ثم يعود إلى بيته مكللاً بالغار والانتصار، وفي قلب كل واحد منهم حماس هائل للقتال من أجل استقلال الجنوب.
كانت سكاريت اوهارا تحب شاباً اسمه أشلي، وفاتحته بهذا الحب في يوم زفافه، وخططت لخطفه في هذا اليوم بالذات، دون أي اعتبار للعواقب، مثل أي مراهق صغير لا يعرف مقدار المسؤولية التي يترتب على هذا الفعل. وعندما تفشل في الوصول إلى مبتغاها تتزوج من شاب صارحها بحبه، اسمه تشارلز، تنجب منه طفلاً دون أن تحب أو لديها أية مشاعر نحوه ولم تعش معه سوى شهر واحد. ترحل إلى مدينة اتلانتا التي لم يتجاوز عدد سكانها عن العشرة آلاف نسمة بيد أنها كانت مدينة حيوية جدا لكونها محطة لتقاطع القطارات القادمة من الشرق والغرب والشمال والجنوب.
بعد رحيل زوج سكارليت، تشارلز، وحبيبها أشلي، وجميع الشباب الذين في هذا السن إلى الحرب. يموت زوجها بعد شهر من رحيله ويأسر حبيبها، مما يجعلها ترحل عن منطقة والديها، تارا، والعيش في بيت حموها الذي تكون زوجة حبيبها أخت زوجها في مدينة اتلانتا.
تصف الرواية سير المعارك في كل مدينة ومنطقة، تفوق الشمال العسكري والاقتصادي والسياسي، وقدرته على فرض مسار المعارك، حاصروا كل الموانئ والبحار وسيطروا على الممرات المائية.
الناس ومنهم سكارليت كانوا يتابعون سير المعارك عبر الجرائد والأخبار الشفهية المتناقلة.
لقد بدأت مارغريت ميتشل في كتابة الرواية في العام 1930 وانتهت منها في العام 1936. لقد مارست أسلوب بسيطة وعميق في رسم ملامح كل شخصية وخارطة كل حدث بدقة متناهية، وبقلم كاتب محترف كأنه يمسك قماش ويطرز عليه ألوانه، عبر أسلوب مقطع إلى أقسام، بحيادية كاملة دون أن تشعر القارئ بالملل في الوقت الذي تكتب عن الحرب والموت والحرق والدمار والجوع. تجعل من يمسك أول الصفحة كأنه يجول في أعماق عالم الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، العادات والتقاليد التي تشبه بلادنا العربية، التمسك بالقيم والأخلاق والفروسية، والخوف من أحاديث الناس وثرثراتهم عمن يحيد عمّا هو سائد. فالمرأة عليها الالتزام في البيت بانتظار مجيء زوجها، فمن المعيب أن تخرج للترفيه أو الذهاب إلى حفلة أو مرقص أو تقف مع شاب أو محادثته في الشارع، لهذا عليها ان تحافظ على سمعتها وسمعة أهلها وعائلة زوجها وأن تتقيد بالثياب والزي المتعارف عليه.
ثم تأتي شخصية ريد بتلر، الشخصية التي لا تحترم الحرب، بيّد أنها تستفيد منها إلى الحدود القصوى، يعمل في التهريب ولا يتورع عن القيام بكل القذارات من أجل المال، بيد أنه صادق مع نفسه.

#آرام_كربيت (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل