أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - عدت والعود ليس أحمدُ 4















المزيد.....

عدت والعود ليس أحمدُ 4


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5099 - 2016 / 3 / 10 - 13:02
المحور: الادب والفن
    


نظر إلي, والقلم في يديه, لم يحرك ساكنًا, قال:
ـ عليك أن تجلب لنا نص القرار من محكمة أمن الدولة في دمشق, ووقتها, نرفقها بطلب خطي منك, تطلب فيها تسريحك من وظيفتك.
ـ وبعدها, متى يصدر القرار؟
ـ سنرسل هذا الطلب المرفق بقرار الحكم إلى الإدارة العامة للإسكان العسكري. من هناك سيرفع, سيذهب هذا الكتاب إلى وزارة الدفاع, فشعبة المخابرات العامة, ثم يعود, ربما يأخذ عام كامل إلى أن تأتي الموافقة.
نظرت إليه, إلى نفسي, إلى سورية المتخلفة, إلى النظام البربري الذي يعيش قبل زمن الكتابة والقراءة, قلت في نفسي:
ـ هناك عام كامل ينتظرني, علي أن أفعل شيئًا, أن أدخل الحياة, أن أقرر كل شيء. قلت في نفسي, غير ظفرك ما يحك جلدك.
أنتظرت سفر أختي صونيا وأبنها كيفن, وأنتهاء فترة استقبال الناس والمعازيم وقررت السفر إلى دمشق. كان في استقبالي صديقي الحارث النبهان, الذي قضى معي سنوات طويلة في السجن, ذهبنا إلى محله, ثم زرنا الصديق سلامة كيلة وزوجته الصديقة ناهد بدوية في بيتهما في المزة, وكان الأخ جاد عبد الكريم الجباعي موجودًا. عندهما تناولنا الغذاء, ثم تحدثنا عن السجن, ومحكمة أمن الدولة والاحكام القرقوشية, وقرقوش الزمان, البدوي القادم من الجبل, حافظ الاسد.
اتصلت غادة غيبور بسلامة, ثم بناهد, ثم بي, قالت, تعالوا ننتظركم في النادي العمالي أنا وكاترين التللي. ذهبنا أنا والحارث بسيارته هونداي إلى هناك, كانا في انتظارنا بلهفة وشوق عند باب النادي, كلاهما, كان قلبه في السجن, فكاترين كانت تريد أن تعرف ظروف والدها جريس التللي في سجن تدمر, صحته, ظروف عيشه. وغادة, كانت بانتظار أخبار مازن شمسين, خطيبها الذي أصبح زوجها فيما بعد. كانا كوردتين جميلتين, مملؤتان بالحيوية والنشاط.
دخلنا إلى النادي, حاولا تقديم الطعام لنا, بيد أننا قلنا لهن, كما تعلمان, تغذينا في بيت سلامة كيلة وناهد بدوية. قدمتا لنا مشروب بارد, بيرة الشرق اللذيذة, على أثرها انتعشت أفئدتنا, استرخيا ثم تحدثنا. قليلا.
أنظر إلى الطاولات, الناس المسترخين, استمرار الحياة بإيقاعها الطبيعي. أعرف أن الموجودين لا يعلمون أن أحدهم خرج من سجن تدمر قبل أيام قليلة, ولا يعرفون مقدار التعذيب والألم والحرمان الذي عشته. فعلى السطح كل شيء هادئ, طبيعي, والناس يتابعون. فالقضية العام تصبح خاصة عندما يتخلى عنها الجميع, ويتبناها المرء وفق قناعته. وعندما يتخلى عن القضية العامة, أو لا يهتم بها أحد, تتحول إلى لا هم.
كنت أنظر إلى وجه كاترين, أرى, النضارة والشباب يرقصان على خديها كعصارة عمر جميل, فألتفت إلى نفسي قرأت الأمل المنزاح, العمر الجميل, زهوة الشباب الذي سرقته الأيام السوداء المعتمة, فقدته خلال السنوات الطويلة التي قضيتها في السجن. كنت أقول في نفسي:
ـ الجمال هو الشباب, هو النضارة والفرح. ثم أنظر في المرآة, فأقول, ما هذا الذبول الذي رسمه السجن والزمن. كان وجهي قبل السجن, مثل الفجر المحمر عند استيقاظه من النوم أو الحلم الجميل, فغدا كالغسق المغبر الذي يسرع في الهروب. لقد سرق الديوث حافظ الأسد أعمار السوريين ومستقبلهم وما بقي هو تحصيل حاصل لواقع مهزوم مثل وجهي وشعري الأبيض ووزني الذي لا يتجاوز الأربعين كيلو غراما.
اعتذر الحارث منا, طلب الأذن بالذهاب إلى عمله في مقره الكائن في مساكن دمر على أن يعود ليلا عندما ينتهي. مشيت برفقة غادة وكاترين إلى مركز باصات قدسية في البرامكة على ما اعتقد, وانطلقنا من هناك إلى بيتها. كل شيء كان غريبا بالنسبة لي, وجوه الناس والسيارات والحافلات, المشي لمسافات طويلة أو قصيرة, الفضاء الواسع, الناس بأعداد كثيرة, اصغي السمع للأصوات العالية التي تصدر من البعض دون مناسبة. أمتع نظري بالأشجار, باللجهة الشامية, بالناس القاطنين حولها, علاقاتهم.
تعلق كاترين بوالدها كان مذهلاً بالنسبة, كان ولعاً إلى درجة كبيرة جداَ, تريد أن تعرف أدق التفاصيل عنه, كيف ينام أو يأكل؟ سألت كثيراً عن الضرب, عن صحته؟ اعتبرته رمز كبير لها, طاقة أمل, تستمد من نهجه في الحياة نهج حياتها.
في الساعة الثامنة جاء الحارث بسيارته, أكملنا السهرة, تحدثنا عن السجن, أساليب التعذيب, الحرمان من الزيارة, من التنفس ورفع الرأس. كنت سعيدًا بهذه الرفقة القريبة مني, فالحارث عاش معي احدى عشرة سنة في السجن, وغادة كانت سجينة في سجن دوما عدة سنوات, وحبيبة صديق لي, مازن شمسين, وكاترين ابنة معتقل ما زالا, مازن وجريس التللي يقبعان في سجن تدمر. كانت الغصة تفرش ظلالها علينا وتترك الحسرة في قلوبنا جميعا. مع كل لقمة طعام أو شراب نشعر بالمسؤولية الأخلاقية والاجتماعية والسياسية نحوهم. فهم منا ونحن منهم, من هذا الوطن الجميل الذي ضمنا في قلبه الحنون. كانوا حاضرين, المعتقلين بيننا, ساعة نومهم, لحظات الحزن والأمل المفقود وضياع الحلم والفرح بالمستقبل. رغبة الحب الذي كان بيننا, الحب النقي, كنا نفكر بالماضي, بالغائبين عنا. نشعر أن وجودهم يجب أن يكون بيننا, فهم رسلنا إلى الحرية ومكانهم الحقيقي في بيوتهم وبين ناسهم. كنت أقول:
ـ الأن, جميهم نيام على خصرهم, الطماشة على عيونهم والعسكري فوقهم يراقب أنفاسهم ويدون تجربتهم ليرميها في سلة الزمن الهرم. أنظر إلى الجلسة اللطيفة, إلى الوجوه الجميلة, إلى ثقتنا ببعضنا, بسلوكياتنا وأفكارنا والحدود التي رسمها كل واحد منا عن الأخر بقلبه وعقله ومساحة الفرح والتقدير الذي تركه على صفحته وصفحة المقابل له, كنت أقول:
الثقافة هي الرحم الذي يغلف أي شعب في هذا العالم, يصونه, يحميه, يعزله, يقوقعه, يأخذه نحو الصعود, أو يرميه في الدرك الأسفل. بالرغم من أن الإنسان أسير الثقافة. لقد جاء إلى هذه الحياة, ووجد نفسه يتغذى بها, لغة, دين, عادات وتقاليد, تاريخ, جملة الفنون, الموسيقا, الغناء, أسلوب الفرح أو الحزن...هذه الثقافة إذا لا ترفعك, تضعك في مصاف الأقوياء, أرفعها أنت, صرم حراشفها, قصقص أظافرها, قلمها لتكون على مقاس دفعك إلى الأمام, ووضعك في النهر العالمي.
وإن بقت تقيدك, تمسك بك, وتحط منك, وتدفعك نحو العجز. أرمها وراءك. وأبحث عن بدائل.
يتببع ـ





#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدت والعود ليس أحمدُ 3
- عدت والعود ليس أحمدُ 2
- عدت والعود ليس أحمدُ
- السلطنة العثمانية والجنوح نحو الغرب
- الثورة والتواصل الاجتماعي
- الخروج من المأزق الوطني
- رسالة إلى صديقي
- الملك السويدي إيريك الرابع عشر
- الأرض المحرمة النهاية
- الأرض المحرمة الفصل الخامس عشر
- الأرض المحرمة الفصل الرابع عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثالث عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثاني عشر
- الأرض المحرمة الفصل الحادي عشر
- الأرض المحرمة الفصل العاشر
- الأرض المحرمة الفصل التاسع
- الأرض المحرمة الفصل الثامن
- الأرض المحرمة 6
- الأرض المحرمة الفصل السابع
- الأرض المحرمة الفصل السادس


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - عدت والعود ليس أحمدُ 4