أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - آرام كربيت - الملك السويدي إيريك الرابع عشر















المزيد.....



الملك السويدي إيريك الرابع عشر


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 2873 - 2009 / 12 / 30 - 16:52
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ولدت في يوم مشؤوم؟
ولدت في الثالث عشرمن ديسمبرمن العام 1533.
لدى الناس اعتقاد راسخ أن الرقم/13/, رقم سيء, رقم يبعث على الشؤم. كانت يدي مملوءة بالدم لحظة ولادتي. زعم الناس أن الضوء المنبعث من النجوم لم يكن على عادته, أنه يشيرإلى قرب حدوث كارثة, أوفاجعة أليمة. كان والدي كوستا فوزا من الملوك الأقوياء الذي ناضل بقوة وصلابة لكي يجعل من السويد بلداً حراً, قوياً وغنياً. لم اكن اتحلى بالقوة والشجاعة التي كان يمتاز بها أبي. علمتني التجربة والأيام أن لا تأخذني الشفقة أوالرحمة مع الأعداء أوحركات المقاومة فيما إذا أردت النصر.
كنت الولد الأكبرلوالدي. علمت منذ نعومة اظفاري أنني سأكون ملك السويد وأمسك زمام الأمورومقاليد الحكم فيها. لا أتذكرأمي لأنها ماتت عندما كنت صغيراً في الثانية من العمر. الناس كانوا يقولون أنها كانت جميلة جداً وأنني أشبهها جداً.
تزوج والدي امرأة أخرى بعد سنة من وفاة والدتي اسمها مارغريتا وتنتمي إلى عائلة تلقب برأس الأسد. الذين سيصبحون اعدائي فيما بعد, بعد وفاة والدي.
كانت مارغريتا في العشرين من العمرعندما تزوجها والدي. امرأة ذكية, فطنة, دافئة وتتمتع برجاحة العقل وطيب المعشر.
لقد رعتني واهتمت بي عندما كنت صغيراً, لكن مع مرور الأيام أصبح لديها الكثير من المشاغل وأنجبت من والدي عشرة أطفال. الأبن الأكبر لها كان اسمه يوهان ويصغرني بأربعة أعوام وكان لدى أقرباء مارغريتا هاجس قوي أن يتولى يوهان مقاليد الحكم في السويد ويكون ملكاً عليها. فهمت هذا الأمرعندما كبرت. لم يبالوا أنني الأبن الأكبرللملك كوستاف فوزا. لقد زرع هذا الأمرالشقاقا والفرقة بيني وبين شقيقي يوهان, كما دخلت العداوة بيننا, بدل الصداقة والأخوة. هذا الوضع أدخل الحزن والخيبة إلى نفسي وجعلني أحس بالوحدة والعزلة عن بقية المقربين مني.
في السابق كان النبلاء يختارون الملك الذي سيتولى مقاليد العرش وقيادة البلاد, لكن الملك كوستا فوزا ابطل هذا الأمروقررا أن يكون الكبيروارث العرش. لقد اعطاني هذا الحق كي اكون وريثه على العرش وحكم البلاد. كنت أول فرد في السويد, الذي ولد كي يصبح ملكاُ. لهذا تعلمت مسبقاً أن أكون مختلفاً عن أخوتي وبقية الناس.
عندما كنت في السابعة من العمركنت في حراسة أربعة رجال, يلتفون حولي وحول مائدتي من أجل حمايتي. بعد ذلك يأتي أربعة أخوة من عائلات نبيلة مختلفة, ثم يتبعها مجموعة من الخدم ليقوموا غلى خدمتي وفي النهاية تأتي مجموعة أخرى مكونة من أربعة أفراد كحراس لي.
كان والدي دقيقاً في رعايتي, وفي نفس الوقت تعلمت أن أكون مثل الأمراء في البلاد الأجنبية. كتب والدي عدة رسائل إلى مارتن لوثر, الرجل الذي ذاع صيته في كل أرجاء أوروبا, ناشده أن يدبرلي معلماً جيداً كي يدرسني.
يتوجب علي أن اتعلم الكثيرمن اللغات وفي مقدمتها اللاتينية والفرنسية, والمبارزة والرقص واتصرف مع الناس والنبلاء كأميرحقيقي ينحدرمن سلالة الملوك.
كنت ماهراً في ممارسة الألعاب الرياضية, يمكنني القول أنني قفزت عالياً بحيث ضربت رأسي بالثريا المصنوعة من الكريستال المعلقة في صالة القصر. وتعلمت كيف يمكن للمرء أن يحكم ويسيطرعلى مقاليد الأمور في البلاد ويحشد الفرق العسكرية عندما تزف ساعة الحرب والهجوم على الأعداء المحتملين.
في الليالي الشتائية الباردة كنت أجلس وأشقاني أمام المدفأة المركونة في الجدار, بينما والدنا بجانبا يعملنا ويقدم لنا الحلول لمشاكلنا العالقة في المستقبل, في قضايا المُلك.
لكن الوحيد الذي أصبح ملكاً كنت أنا.
تحدث كيف يأخذ الملك بيد رعاياه, الطرق والوسائل التي عليه أن يتبعها. كيف يفكرالإنسان العادي, قناعاته, معتقداته, وكيف يكون موقفه في قضايا الحرب والسلم. على أن يعرف كل ما يتعلق بالحالة الاجتماعية للناس العاديين. كان والدي مثل الأب لجميع الشعب السويدي. كان بسيطاً في حديثه مع الفلاحين, المزارعين, رجال الدين والنبلاء. كانت الأمورتسيردائماً كما يرغب ويريد. يشعرالمرء بصعوبة بالغة أن يكون أبن هذا الرجل القوي والمشهور في حال لم يقم بما قام به.
عندما أصبحت شاباً في مقتبل العمرأحسست أنني وحيد بالرغم من وجود الكثير من الناس إلى جانبي. كان هناك الكثيرمن رجال البلاط والخدم يلتفون حولي أينما ذهبت, يرحبوا بي ويقوموا على خدمتي. كانوا معي, شباب وفتيات في مقتبل العمر, ينحدرن من عائلات ارستقراطية مختلفة, يتمتعون بزهوة الشباب ونضارته وجماله. نرتدي الثياب الأنيقة والجميلة, نقضي أوقاتنا في الحديث عن الكتب والفن والموسيقى أوالرقص في الصالات الضخمة للقصر. في بعض الأحيان كنا نتبارزبالشيش أو نركب الخيول ونتجول في الغابات التي تحيط بمدينة استوكهولم أو نطارد الغزلان أوالخنازير البرية.
أعلم أن الكثيرمن الناس تعتقد أنني ممل وليس لدي روح الداعبة أو حس النكتة والفكاهة. لكن يتوجب علي طوال الوقت أن اتصرف هكذا, أن اتذكر, أن هذا ما يجب عليه أن يكون عليه الملك.
عندما بلغت السابعة عشرة من العمررحت اتمرن على قيادة البلاد وإدارة دفة الحكم واقررما يجب أن يكون عليه الوضع في طول البلاد وعرضها. عندما سافر والدي إلى فيلندا, كتبت الرسائل في فترة غيابه إلى النبلاء والتجارالألمان. كما عقدت الصفقات التجارية والمعاملات والتبادلات السلعة وسمحت للأشياء الضرورية في الدخول إلى السويد حسب حاجتنا لها.
اقمت الكثيرمن العلاقات مع النساء في فترة شبابي ومراهقتي, وهكذا فعل اغلب النبلاء الصغار, لهذا لم اقررفي يوم من الأيام الزواج مع امرأة معينة, تركت هذا الأمرللمستقبل.
لقد اصبحت بمثابة أب للعديد من الأطفال, واهتممت بهم وبامهاتهم وأنقذتهم من براثن الفقر والعوز.
بالرغم من أن أبي لديه الكثير من الأطفال, لكنه كان يقضي اوقات كثيرة معي. لقد بدأت الشيخوخة عليه, لهذا توجب علي أن استعد لتولي مقاليد الحكم كي أصبح ملكاً على السويد.
مع هذا كنت في بعض الاوقات أعيش حياتي الخاصة.
سافرت بعيداً عن استوكهولم. وضعت بعض الحاجات الخفيفة التي يستخدمها المرء في فترة غيابه عن بيته, مواد ضرورية تكفي لمدة شهر. بعض الشراشف, نقود, فضة وأطعمة. ركبت على متن احدى سفننا الشراعية وأبحرت برفقة أصدقائي. توجهنا إلى القصرالملكي في مدينة كالماربالقرب من مضيق كالمار. بالطبع هناك الكثيرمن الفتيات في مثل اعمارنا, يمكن للمرء أن يتخذ من احداهن عشيقة له.
هناك, في ذلك المكان, في قصركالمارحاولت أن اعيش حياة مجون, بذخ وترف مثل الملوك في بلدان أخرى, كبولونيا وفرنسا. أرسلت في طلب الفرق الموسيقية والمغنين والممثلين. أمتلأ القصربالضيوف, رحنا نمرح ونتسلى ونرفه عن انفسنا, ونتمتع باللحظات الجميلة التي منحها لنا الزمن. كتب لي والدي رسالة مفعمة بالتذمر والشكوى من سلوكي, يقول لي فيها, أنني أبدد الأموال في غير وجه حق. أجبت على رسالته, برسالة غاضبة, قائلاً له:
لم أكن اعتقد أن والدي على هذه الدرجة من البخل.
من الطبيعي أنني عشت بصحبة ضيوفي وأصدقائي حياة باذخة ومترفة ومكلفة في كالمارالواقعة على بحر البلطيق. يجب علي أن أعرف عن قرب هؤلاء الناس الذين ينحدرون من عائلات مميزة وبارزة قادمة من الخارج. واتعرف على السويديين الذين درسوا في الجامعات الأوربية المختلفة. هذا الأمريدخل ضمن مراحل تعلمي, لمعرفة أحوال الناس عندما أصبح ملكاً. لقد تعرفت على أحد هؤلاء السويديين, رجل مشهور جداً اسمه يوران بيرشون, درس في جامعة ويتينبرغ في المانيا. لقد عمل تحت إدارة والدي عدة أعوام ككاتب القصر. كنت ويوران متقاربان في العمر. احسست أن هذا الرجل, هو من القلائل من الناس الذين وثقت بهم في حياتي. لم ينظرإلي يوران كملك, أو وريث العرش, سيحمل التاج في يوم من الأيام, أنما كإنسان. مع يوران, تجرأت, أن أكون نفسي, أن اتصرف بشكل طبيعي وتلقائي وبدون كلفة.
لقد مرض والدي, وأصبح عجوزاً طاعناً في السن, مما يترتب علي أن أجهز نفسي لأكون ملك السويد. رحت أبحث عن فتاة, كزوجة, ملكة البلاد حسب متطلبات الحكم والتقاليد في السويد. أن تنجب طفلاً, يكون ولياً للعهد, يحكم البلاد من بعدي فيما إذا أصبحت هرماً أو مت بشكل مفاجئ.
الأمراء لا يتزوجون عن حب. لهذا علي أن أبحث عن عروس لي من بلدان أخرى, تعود بالفائدة على السويد في المستقبل.
لو أني بحثت عن الحب لوجدته.
استفادت السويد من العلاقات الطيبة مع انكلترا. في تلك البلاد, توجد أميرة اسمها إليزابيث, كلانا في الرابعة والعشرين من العمر.
كنت شاباً أنيقاً, وسيماً, لحيتي مشذبة وجميلة. لهذا سمحت للفنانين أن يرسموا وجهي. أخذ معلمي القديم الذي علمني الانكليزية صوري وأبحرها إلى انكلترا, وسلمها لإليزبيث. بعد سفر معلمي, طرحت على نفسي اسئلة كثيرة وعشت في حالة قلق استمر مدة طويلة, فيما إذا قبلت أن تكون زوجة لي أم لا. هل أجابت بنعم أو لا؟ إذا قبلت, ستتغير أحوال كثيرة في كلا البلدين. لأنها, أي إليزابيث ستكون ملكة بريطانيا في يوم ما. بعد ذلك, أرسلت شقيقي يوهان إلى انكلترا على متن سفينة جميلة مثيرة, طرازها رفيع. في ذهابه سيكون متحرراً مني. كان يوهان وسيماً, يبدو عليه الارتياح, ويعرف كيف يتصرف ويسيردفة حياته في جولته في البحار.
لكن إليزبيث لم تقبل عرض الزواج. ووالدي أيضاً كان يعلم أن انكلترا ستكون مفيدة للسويد ويمكنها أن تقدم لنا العون, لا سيما في وقت الحرب. كما يمكنها أن تساعدنا في حركة التبادل التجاري مع الخارج. لهذا قررت السفرإلى هناك, الذهاب إلى انكلترا, لأتحدث مع إليزبيث. جمعت أجمل السفن في بلادنا الراسية بالقرب من مدينة إلسباري عند فتحة قناة كوتا. الميناء السويدي الوحيد المطل على البحر من جهة الغرب في وقتنا.
بينما كنت استعد للأبحار والتوجه إلى انكلترا, جائني فارس من استوكهولم في جعبته رسالة تشير إلى وفاة والدي بعد مرض امتد إلى أسبوع. حدث هذا الأمرفي سبتمبرمن العام 1560. لقد أحتاج الطريق الذي قطعته للعودة إلى استوكهولم إلى مدة شهرين. علاوة على ذلك كان الناس يرحبون بي في كل مدينة أو قرية أمر فيها. ربما لأن ابن كوستا فوسا سيصبح الملك القادم للسويد.
كنت في هذا الحين قد بلغت السابعة والعشرين من العمر.
لقد حازوالدي على السلطة والثروة, وجردهما من النبلاء. انتابني القلق بعد وفاة والدي, أن يقدم النبلاء على استعادة الأشياء التي فقدوها في فترة حكم والدي. لم يكن لدي الخبرة والشجاعة على قيادة البلاد مثلما كانت الحال لدى أبي. الكثيرمن النبلاء كانوا دهاة, ماكرين وخبثاء, وليس في قلوبهم الرأفة أو الرحمة أو الشفقة. لم يرغبوا أن أكون ملكاً على السويد أوأتزوج وأنجب طفلاً ليكون الوريث الشرعي للبلاد. كانوا يرغبون أن يختاروا ملكاً من جانبهم كي يحوزوا على السلطة ويعيدوا الامتيازات التي فقدوها أيام والدي. حاول النبلاء حثيثاً أن يغتالوني. كنت خائفاً أن يتسلل أحدهم إلى غرفة نومي ويستل خنجراً ويغرزه في صدري. كان لدي الكثيرمن الحراس يحموني, لكن القصرضخم, فيه الكثيرمن الممرات السرية. لم يكن لدي الوقت الكافي كي أفكر واخطط أو احتاط لكل الأساليب والطرق التي ستقع في طريقي. لدي دولة, وطن علي أن أرعى شؤونه وأهتم به ويجب أن أتزوج ويكون لي امراة كي تكون الملكة. بعثت وراء يوران بيرشون الذي تعرفت عليه في القصرالملكي في كالمار. أحسست أنني بحاجة إلى مساعدته ودعمه. كان يوران ينحدرمن عائلة فقيرة, أبوه قسيس في الكنيسة, لكنه رجل نشيط, حيوي وذكي, درس في جامعة ويتنبيرغ. كان يوران يعلم أن الناس البسطاء, العاديون, يعملون في ظروف بالغة الصعوبة, عندما كانوا تحت سيطرة النبلاء. هذا الرجل لم يكن خائفاً من النبلاء, الأعداء المحتملين. عندما كنت أريد شيئاً ما, اطلبه من يوران. كنت اعلم أنه يملك القدرة على تجاوزالصعوبات والمصاعب التي تقف عثرة في طريقه. انه رجل شجاع وفطن ويتمتع بالدهاء, ووثقت به بالكامل. في البدء يجب أن يورى والدي الثرى, بعد ذلك سأتوج ملكاً على السويد.
تولى والدي مقاليد الحكم لمدة تتجاوزالأربعين سنة. لقد جعلها دولة قوية وغنية. بالطبع سيكون له العديد من الأعداء والكثير من المريدين, يحبونه كرجل ذكي وحكيم وأب حميم وطيب. كنت بحاجة إلى ترتيب جنازته, أن اشرف على دفنه. في السابعة عشرة من ديسمبيرنقل تابوت والدي من مدينة استوكهولم إلى مثواه الأخيرفي مدافن مدينة أوبسالا. مئات الفرسان ساروا في مقدمة الجنازة وتبعهم الأساقفة, الكهنة, النبلاء وعلية القوم في البلاط الملكي. بعد ذلك جئت ممتطياً حصاني الجميل وسارخلفي بقية أشقائي, ثم تبعنا بضعة مئات من الناس في ثياب الحداد. وفي آخرطابورالجنازة التحق بنا بضعة آلاف من الفرسان والكثيرمن الضيوف الذين قدموا من البلدان الأوربية المختلفة.
بعد أنتهاء مراسم الجنازة بدأت أبحث عن مصادرالمال التي ستغذي مراحل تتويجي كملك على السويد. سيتم تتويجي في كاتدرائية مدينة أوبسالا الكائنة شمال استوكهولم. قررت أن أنهي هذه الإجراءات بأسرع وقت ممكن, عندما يحل الصيف وتعم الحرارة في الأرض.
يجب أن يتم التتويج في احتفال مهيب لاثبت للناس أنني رجل عظيم واحوز على السلطة والقوة مثل بقية الملوك والاباطرة في البلدان الأوربية الأخرى. اطلقت لقب الجلالة على نفسي, وكان هذا شيئاً جديداً في بلادنا.
جلبت الطعام, النبيذ والفواكه من هولندا, ايطاليا وفرنسا. وجلبت فتاتين من قبيلة السامريين الكائنة في المقاطعات الشمالية من السويد وخمسة آيائل من نوع الرنة وبضعة أسود وفيلة حتى يكون الحفل مثيراً في عيون الضيوف القادمين من البلدان الأخرى.
اكليل التاج, التفاح الذهبي, الصولجان, المفتاح, صنعوا في أرقى محلات الصياغة في هولندا. أردت أن اعطي انطباعاً للناس عن العظمة والقوة والسلطة التي اتمتع بها. هذه الأشياء مكلفة جداً وتكلف ثروات هائلة تقع على عاتق الخزينة.
لبست معطفي المرصع باللؤلؤ والفضة, ركبت حصاني الأبيض. سار بنا الموكب إلى الكاتدرائية من أجل التتويج. عند البوابة الضخمة للكنيسة هتف الجميع باسمي وتضرعوا إلى لله مثلما فعلوا مع السيد المسيح من زمن بعيد: تبارك اسمك من العلي القدير. وذلك بصوت عالي ومرتفع.
عند الوقوف أمام مذبح الكنيسة نزعت الثياب عن الجزء العلوي من جسدي ومسحت بالزيت المقدس من قبل رئيس الاساقفة.
لقد رأيت الناس العاديين الذين حضروا هذا الاحتفال الكبيريأكلون قطع اللحم المشوية والمطبوخة والمقيلة بالسمن مع الكثير من النبيذ المراق مثل النوافير في كل الارجاء.
استمرالاحتفال خمسة أيام, انفقت خلالها الكثيرمن الأموال, أكثر من القدرة المالية المتوفرة لدينا. أردت الظهورأمام الجميع بمظهرالغني, الوسيم والكريم مثل ملوك بولونيا وايطاليا وفرنسا.
حتى تقبل إليزابيث الزواج مني.
الأن أنا ملك السويد, لكن النبلاء ما زالوا يشكلون مصدر خطر علي. لقد رشحني عشرة رجال من علية القوم, الذن يمتازون بالحكمة والذكاء والصدق. لكن من سخرية القدر, لم يكن بينهم أي فرد ينتمي إلى طبقة النبلاء. أنني اعول على هؤلاء الحكماء ان يقدموا لي يد العون, لمساعدة الفلاحين الفقراء والمزارعين الصغار, وكيفية التعامل معهم. كما كنت انتظر من هذه الهيئة أوالمجلس, النصيحة والإرشاد من شأنه أن يتكفل بتتبع سن قوانين تحد من سيطرة النبلاء. بهذه الطريقة ومن خلال هذا المجلس الإرشادي يمكنني أن اسيطرعلى طبقة النبلاء أو على الأقل, لمدة طويلة, كي أعرف كيف يمكن أن أقود دفة الحكم في هذه البلاد في المستقبل. كما يجب علي أن احصل على موافقة أشقائي, يوهان, كارل وماكنوس.
أن اكون ملك السويد, وعلى الجميع إطاعة أوامري.
علمت في هذه اللحظة, أن شقيقي يوهان يعمل كل ما في وسعه على التخلص مني. يرغب أن يحل مكاني, أن يكون ملكاً بدلاً عني.
يجب أن أبحث عن زوجة في أسرع وقت ممكن, لتصبح ملكة البلاد وتحضى باعتراف الجميع. أن تنجب طفلاً يحمل اسمي, لكي يصبح ملك السويد من بعدي. تزامن هذا الحدث مع نجاح شقيقي من الزواج من الأميرة كاترينا أبنة ملك بولونيا, العدوالمحتمل لبلادنا. علاوة على ذلك فان أم كاترينا كانت الأغنى بين النساء في أوربا.
زواج شقيقي يوهان, عززفي داخلي احساس عميق بالحزن والقلق.
لم اكن اتمنى ان تتجه سياقات الاحداث بيننا إلى المواجهة أو اعلان الحرب. كنا على نقيضين, أنا مع الشرائح الفقيرة, الفلاحين والفقراء, بينما يوهان إلى جانب الاغنياء, وحائزعلى دعم النبلاء والملاكين الكبار. في الواقع, أصبح يوهان عدواً لي.
بعد عامين من هذا الوقت قررت أن اخطب كريستينا أبنة أحد النبلاء الالمان. لم يسبق أننا التقينا أو تعارفنا. لكن الواجب يفرض علي الزوج.
مضت سفننا الملكية, تمخرعباب بحر البلطيق, لاحضار الفتاة التي ستصبح زوجتي المفترضة, الملكة. في الطريق, تعرضنا لهجوم من قبل السفن الدنماركية, لكن لحسن الحظ تمكنا من الهرب. عندما وصلنا
إلى الموانئ الالمانيا, عدلت كريستينا عن رأيها, ولم تعد تحب العودة إلى السويد.
لم يحالفني الحظ في العثورعلى أميرة من خارج البلاد كي تصبح ملكة السويد. في الوقت نفسه, واسيت نفسي, اقمت علاقات كثيرة مع الفتيات, من وسط شعبي, من عامة الناس
إحدى هذه الفتيات كان اسمها كارين مونسدوتر. كانت تتمتع بجمال آخاذ. خصر نحيف, أقدام صغيرة وجميلة. أنها تنحدرمن عائلة بسيطة وطيبة, عملت كخادمة عند شقيقاتي.
حبي لكارين ملك عقلي وقلبي أكثرمن أي حب آخرعرفته في ما مضى من حياتي. لقد منحتني السعادة والصفاء والهدوء.
مع كارين كنت أحس بالاسترخاء والراحة والفرح. لأول مرة, خلال السنوات الثلاثون التي مرت على حياتي, أحس بمثل هذه السعادة, والحب الجارف والعميق نحو امرأة. كنت متأكداً أنها تبادلني نفس المشاعر والاحاسيس, ليس لكوني الملك السويدي إيريك الرابع عشر, أنما لشخصي. رافقتني كارين في جولاتي في طول البلاد وعرضها, في سفري, زياراتي للقصور الملكية, في مختلف أنحاء المملكة. احضرت لها الثياب الغالية والثمينة, الحلي والذهب. تعلمت كارين بسرعة هائلة كيف تتصرف بلباقة وكياسة كالأميرات.
كنت على علاقة مع الكثير من النساء. الكثير منهن بدأن يسألن عن الأسباب التي جعلتني اتمسك بكارين. البعض منهن اعتقد أنها سحرتني, والبعض الآخرظن انها جرعة حب عابرة ربطتني بكارين. كملك للسويد, يتوجب عليه أن يبحث عن أميرة من خارج السويد, من عائلة ملكية, تناسب أن تكون ملكة. أو على الأقل أن تكون منتمية إلى عائلة سويدية نبيلة.
في شهر اكتوبرمن العام 1566 رزقنا, كارينا وأنا, بطفلة, وبعد مرورعام تزوجنا بالسر.
أنا سعيد بوجود حبيبتي كارين وصديقي يوران بيرشون.
بمقدورالنبلاء أن يغتالوني بنصل خنجر أو أن يدسوا السم في طعامي من قبل أحد المقربين منهم. كنت اعيش حالة قلق وخوف. هناك رجل اسمه ستين, خال اشقائي وشقيقاتي, الذي يسعى جاهداً أن يضع يوهان مكاني. ولدى هذا الرجل, السيد ستين, رغبة عارمة في التخلص مني, لكي يمهد الطريق لأبن أخته أن يكون ملكاً. وهناك عائلة ستورالنبيلة التي ترغب في ازاحتي حتى يتوج أبنها, نيلس ستور, ملكاً على السويد.
وجود كارين إلى جانبي, الهدوء والراحة التي وفرتها لي, غمرقلبي وحياتي بالفرح مما جعلني اتحدث معها في كل القضايا, سواء ما يتعلق بشؤون الحكم أوالهواجس التي تقض مضجعي. احيانا اعزف لها على الجيتارأوأقرأ لها ولأبنتا الصغيرة بصوت عالي.
كان لدى صديقي يوران بيرشون أحد المتسللين, مخبر, في وسعه أن يجالس النبلاء ويسمع احاديثهم وخططهم الخبيثة ضدي. لقد كتب لائحة طويلة بالاسماء الذين يعملون سراً على التخلص مني. لهذا كان بمقدور يوران عندما تستدعي الضرورة أن يعتقل أي فرد يشتبه أنه يشكل خطراً علي. أنه رجل ذكي ويتمتع بالنباهة والفطنة السريعة والحدس اليقظ. كنت أعلم أن هناك الكثيرمن الناس يكرهونه.
كنت أثق بيوران. أما الإنسان الوحيد الذي يعني لي كل شيء هو زوجتي كارين. كنت أحبها فوق قدرتي على الوصف, من اللحظة التي التقيت بها, وإلى لحظة موتي.
لكن الظروف التي مررنا بها, لم تشعرنا بالصفاء والهدوء والسلام.
لقد أقام أخي يوهان عدة أعوام في القصر الملكي في فنلندا التي كانت تابعة للسويد. لكن الأحداث تشير إلى انه يفكر في التوجه إلى استونيا ليبسط سيطرته عليها. تلك البلاد التي ما زالت تحت السيادة السويدية. لهذا يجب علي أن أخذ العلم فيما إذا كان في ذهن يوهان اعلان الحرب ضدي, أم يريد أن يتوج نفسه ملكاً على استونيا.
خلال هذه الفترة اعتقل يوران بيرشون الكثير من اتباع يوهان في مدينة استوكهولم. كنا نلجأ إلى التعذيب الفظيع. نضع السيف في الجمرإلى أن يحمرثم نقطع الأذان, أونفرم الأصاب, ثم نقطعها حتى يعترف فيما إذا كان لديه من معلومات مفيدة, تفيد أن شقيقي يوهان يفكرفي قيادة تمرد أو عصيان ضدي. جلست مرات عديدة لاسمع بأذني ما يتفوهون به. بعثت الرسل إلى يوهان من أجل أن يعود إلى البلاد ويشرح لي ما هو فاعل, ما يفكر به. لكنه لم يرد. كان تصرفه يعد خرقاً للقانون وجريمة خطيرة. أن يستعد لقيادة تمرد أو عصيان ضد الملك السويدي المعترف به. هذا الخرق للقانون, تصل عقوبته إلى الموت.
ارسلت مجموعة من اتباعي إلى فنلندا. اعتقلوا يوهان وجلبوه برفقة زوجته كاترينا إلى قلعة استوكهولم.
أحسست بالحزن والارتباك لأن يوهان شقيقي, ابن الملك كوستا فوسا.
كان لدي الكثير من الادلة التي تثبت أن يوهان كان يحضر للقيام بالتمرد ضد الملك الشرعي.
بدأت خطط ترسم بشكل دقيق ومفصل, أن يتم الاستيلاء على فنلندا واستونيا, ثم يزحف للسيطرة على السويد. لم ارغب في قتله لانه شقيقي. لاننا ترعرعنا في بيت واحد, في بيت واحد, وفي حضن والدنا. لهذا نفيته إلى قلعة كريبس هولم. إلى المكان الذي لن يكون في وسعه الهرب. لقد لحقت كاترينا بزوجها يوهان بالرغم من أنني تركتها حرة ووعدتها أن امنحها المال الذي تحتاجه لحياتها. لم يبق ليوهان اتباع في استوكهولم من أجل العمل على انقاذه.
لقد دققت أعناقهم.
وضعنا أجساد الرجال المفصولة رؤوسهم, الواحد بجانب الأخرعلى طول المرفئ.
نقل يوهان وكاترينا على ظهرالسفينة التي ستقلهم إلى كريبس هولم. طلبت أن يجلس يوهان مكبلا ويرأى بأم عينيه الجثث المقطوعة الرؤوس لمؤيده وانصاره واتباعه.
علي واجب اتجاه بلدي وشعبي, ان ارعى شؤونه وادافع عنه.
نحن الأن في حالة حرب مع دولة مجاورة هي الدنمارك. منذ ثلاثة أعوام, وتحديداً في تموز من العام 1563 تلقيت رسالة من ملك الدنمارك يفيد أنه سيزحف بجيشه على السويد. أعطيت الأوامرأن يعتقلوا كل الدنماركيون المتواجدين على التراب السويد, ويودعوهم في السجن. أخذت مزارعهم وأموالهم, لأننا بحاجة ماسة للمال من أجل تجهيز العدة والعدد والاستعداد للحرب.
عندما اتجهت الفرق العسكرية الدنماركية نحو منطقة هوللاند, متغلغلة نحوالجنوب الغربي للسويد, تقدت فرقي العسكرية ناحية الجنوب. علينا أن نحمي حدود منطقة اسكونا الواقعة في اقصى الجنوب الغربي من السويد. كتبت رسالة لقائد حامية قلعة إلفس بوري, أن يبقى متحصناً فيها, أن يدافع عنها, أن لا يسلمها للدنماركيين. كانت قلعة إلفس بوري أهم موقع لنا في تلك المنطقة, لأنها تحمي الميناء الوحيد لنا, المطل على الساحل الغربي.
لقد تعلمت فنون الحرب في البر والبحرمن والدي ومعلمي. والأن جاء الوقت لكي اثبت للدنماركيين أن ملك السويد, يملك الإرادة والقوة والصلابة في الدفاع عن حدود بلاده.
لكن بعد عدة أسابيع استولى الدنماركيون على قلعة إلفس بوري.
علمت فيما بعد أن الكثيرمن السويديين المتواجدين في تلك البقعة, خونة. أحد هؤلاء الخونة تجرأ على إعطاء الاوامرللجنود كي لا يقاوموا أويدافعوا عن القلعة. الخائن ذاك, كان خال شقيقي يوهان, السيد ستين ليون هوفود.
حاول هذا الرجل, المرة تلو الأخرى, أن يصل إلي, أن يطلب المساعدة مني للافراج عن شقيقي يوهان.
الجنود الدنماركيون حرقوا ودمروا وقتلوا. العديد من هؤلاء الجنود جاؤوا كمرتزقة من بلدان أخرى, كمقاتلين من أجل الحصول على المال. في أثناء سيرهم, نهبوا الكنائس والاديرة, ضربوا الناس, قتلوا. علاوة كل ذلك, ومع استمرار الحرب, حرقت المزارع, البيوت, القرى والمدن. الكثيرمن الرجال والنساء, الأطفال والشيوخ قتلوا أو اجبروا على الهرب من بيوتهم. كانت الحرب ممتدة على طوال الحدود الجنوبية الغربية من البلاد. كما تغلغلوا في طول البلاد وعرضها إلى أن وصلوا إلى أقصى بقاع الشمال السويدي, إلى حدود مدينة يامتلاند.
أصبحت الحرب بين كروفر. مرة نهزمهم ومرة. الكثيرمن فرقنا العسكرية ابيدت عن بكرة ابيها, مات رجالنا ونهبوا.
اعطيت اوامري لجنودي في منطقة رونبي الواقعة على الساحل الجنوبي الشرقي للسويد, في مقاطعة كارلس كرونة, المطلة على بحر البلطيق, أن يقتلوا كل دنماركي يصادفوه في طريقهم, المكان الذي تعود سيطرته للدنماركيين في ذلك الوقت.
كان القتال على أشده, الدماء تسيل بغزارة كمجرى الأنهار. ألفي رجل فقدوا حياتهم.
كما اقدم الجنود الدنماركيون على قتل النساء والأطفال السويديين الذين صادفوهم في طريقهم. كانت فنلندا تابعة للسويد, دخلت الحرب إلى جانبا, ساعدتنا في حربنا ضد الدنمارك.
هكذا هي الحرب, لا رحمة فيها ولا شفقة. على المرء أن يكون شديد القسوة والفظاظة حتى ينتصر.
علمت أن هناك الكثيرمن النبلاء السويديون تعاونوا مع الدنماركيين وقدموا لهم يد العون. أحد هؤلاء كان نيلس ستور, أسوأ أعدائي. لقد هرب مع جنوده بدلاً من أن يبقى ويقاتل.
يجب أن اثبت لهم من هو الذي يحوز على السلطة والقوة, ومن لديه القدرة على معاقبة الخونة.
عندما اقفل نيلس ستورعائداً إلى استوكهولم. قبضت عليه, وطلبت من جنودي ان يركبوه على حصان هزيل, يسحب وراءه جدع شجرة هرمة مكسورة وتالفة. كما وضعت على رأسه أكليل مدورمن التبن. أردت أن امرغ لحيته في التراب, في الخزي والعار, حتى يصبح هذا النبيل المشهوراضحوكة زمانه في طول البلاد وعرضها. عاقبته لأنه كان عدواً لي.
لم يكن نيلس ستورالخائن الوحيد. هناك لائحة طويلة من المشتبه بهم, الذين حاولوا أن يزيحوني من الحكم كملك للبلاد. لم اشاء أن اعدم نيلس ستور. أنا بحاجة إليه في المعركة القادمة, في الحرب القادمة, التي لن تكون لها نهاية على ما يبدو.
حتى الأن مازلت ملكاً على السويد, كتبت مذكراتي عن هذه المرحلة باللغة اللاتينية. أعرف هناك الكثيريرغبون أن يقرأها عندما اموت. أنني اجيد القراءة والكتابة باللغة اللاتينية مثل إجادتي للغة السويدية نتيجة الاهتمام والتربية والرعاية التي تلقيتها منذ الصغر.
في العام 1567 كتبت عن نفسي:
الملك إيرك في عامه التعس.
ولكن لم يكن كل شيء بائساً.
الفلاحون يحبوني لأنني دافعت عنهم وصنتهم من النبلاء, كما حافظت على حقوقهم. أنهم يلقبوني بملك الفلاحين.
طلبت من المنجمين أن يبحثوا عن مستقبلي. علمهم أشار إلى أشياء سيئة تنتظرني, إلى مستقبل غامض يكتنف حياتي. أصبحت قلقاً حائراً, خائفاً من الأيام القادمة. رأى علماء الفلك والنجوم أن هناك رجل, شعره اصفر, يركض ورائي كي يأخذ التاج مني. هذا يدل على أخي يوهان. لكن يوهان في السجن في قلعة كريبس هولم. ربما تكون روح نيلس ستور. بالتأكيد أنه يريد أن ينتقم مني لانني الحقت الخزي والعار به, عندما اجبرته على ركوب ذلك الحصان الهزيل والضعيف.
شعرت اعدائي, العائلات النبيلة, يحضرون أشياء سيئة ضدي, في طريقها للتنفيذ. أصبحت عصبي المزاج, سوداوي الرؤية للعالم المحيط بي. ساورني القلق وجعل تفكيري مشتتا, غير قادر على اتخاذ قرارات صائبةً.
وضعت سفانت ستوروأبنه في سجن قلعة اوبسالا. كان هناك أيضاً السيد ستين والكثير من المزارعين. أصبحت في حالة ارتباك واضطراب يوماً بعد يوم آخر. حاولت زوجتي كارين ان تهدأ خاطري, تتحدث معي بهدوء كي تعيد الثقة والهدوء إلى قلبي وروحي, وتحذرني في نفس الوقت من يوران بيرشون. تقول في محاولة أن تلفت نظري إليه, قالت أنها ترى أن يوران بيرشون مستشار سيء, يتصرف كأنه ملك السويد.
في هذه الأوقات العصيبة التي امر بها, علمت أن أخي يوهان نجح في الهرب من سجن كريبس هولم. الأن هو حر طليق, يمكنه أن يعتدي علي. هناك الكثير من الخونة في صفوف النبلاء ساعدوا يوهان على الهرب. هذه التطورات الجديدة شوشت ذهني تماماً, وجعلتني لا اعرف ماذا أفعل.
لم يكن من عادتي أن اشرب الكثير من النبيذ بعد الظهر. كأس واحدة. أما ليلة الجمعة فقد شربت الكثيرمن الخمرة. لهذا بالكاد علمت أننا في ال21 من أيار من العام 1567. المقربون مني, رووا لي ما حدث لي.
رغم وعدي القاطع لكارين, أنني لن اقدم على أي مكروه يضربالسجناء, نيلس وستور. الا أن الاحداث خرجت من يدي. في لحظة حمقاء, شربت حتى الثمالة, إلى أن غبت عن الوعي. استللت خنجري ودخلت إلى زنزانة نيلس ستور. اتهمته بالخيانة. تضرع إلى الله, ثم الي, أن اشفق عليه, أن لا أقتله. بضربة خنجر مني كان قد مات. حدث كل هذا في لحظة طيش, دون أن أدري. بعدها بلحظات, اصدرت اوامري أن يقتلوا أبوه, أبو الشاب نيلس, سفانت ستور. في الواقع, كان ينبغي علي أن أوافق على قتل السيد ستين ليون هوفود, خال شقيقي يوهان وعدوي الحقيقي. لكنني لم أقدم على هذا القرار. وبدلاً من ذلك اندفعت خارجاً من بوابة اللقلعة, بصحبة جميع السجناء. بعد أربعة أيام وجدت نفسي منقولاً إلى استوكهولم. تولى الاطباء رعايتي والاشراف على صحتي.
من الطبيعي أنني ندمت على ما فعلت. لم أكن في كامل عقلي, مشوشاً وقراراتي غير صائبة. ذهبت إلى منزل عائلة الضحايا. ركعت على ركبتي, تضرعت إليهم أن يسامحوني على ما فعلت. اعطيتهم الكثير من النقود كدية. لكن اعدائي استمروا في البحث عن أكاذيب جديدة, من أجل إزاحتي من على كرسي المملكة. قالوا أنني قتلوا طباخي, لكن هذا إدعاء كاذب بالإضافة إلى اشياء كثيرة من هذا القبيل. كذلك اتهموا يوران بيرشون بأنه اقنعني, بأن اقتل نيلس وأبيه. في الواقع أن السيد ستين هو الذي كال كل هذه الاتهامات الكاذبة لي, حتى يدخل الفزع والخوف في اوصالي. أنا متأكد من أن شقيقي يوهان سيعول مرة أخرى على قيادة تمر آخر ضدي.
طوال الصيف والخريف من العام 1567 كنت أحس نفسي في حالة اضطراب وتوتركبيرين. وهكذا كانت حالة البلاد. الحقيقة, لم أكن أعرف كيف اعالج ابعاد المسألة والاسباب المباشرة لها.
كتبت رسالة مطولة للناس, تولى القساوسة تلاوتها من على منابر الكنائس يوم الاحد. قلت أن الشيطان دخل قلبي في تلك اللحظة, دفعني أن اقتل نيلس وأبيه. لم يذهل الناس. اعتقدوا أن الشيطان هو السبب, ولديه قوة كبيرة تجعل اعظم إنسان يخضع لها, حتى الملك ذاته.
عندما حل الشتاء أحسست أنني في وضع نفسي افضل بما لا يقاس عما كنت عليه في الصيف والخريف من العام ذاته. انجبت كارين أبننا كوستاف. رحنا نرتب له حفلة كبيرة تليق بمجيئ ولي العهد ووريث العرش القادم. كل هذا تم قبل حلول الصيف من العام 1568 . دخلت كارين في عامها السابعة عشرة, بينما أنا احتفلت بعامي الخامسة والثلاثين. بعد شهرمن مجيء طفلنا, جهزنا أنفسنا للعرس.
احتفلنا بعرسنا الأول بسرية تامة, أما الأن فأننا سنتزوج في الكاتدرئية الكبيرة, على مرأى ومسمع الجميع. كان حفل الزفاف رائعاً جدا. لبسنا, انا وزوجتي أفخر الثياب وحملنا معنا طفلينا, سيكريد وكوستاف.
دعيت النبلاء وعائلاتهم كي يكونوا معنا في حفلة الزفاف, لكنهم رفضوا . حتى اشقائي لم يأتوا. بعد ثلاثة أيام توجت زوجتي كارين ملكة على السويد. كنا في غاية الفرح والسعادة. لبسنا الثياب الفاخرة, المخملية, المطرزة بالخيوط الذهبية, وزخرفة كثيرة من اللؤلؤ والاحجار الثمينة. وضعنا شجرة كبيرة أمام القصر, وفوقها طيور مصنوعة من الفضة, يمكنهم أن يغردوا مثل الطيور الطبيعية. جميع الناس كانوا مدعوين إلى سفرة الطعام والشراب. استمرت الحفلات الموسيقية من رقص وغناء لمدة ثلاثة أيام. رفض النبلاء واشقائي حضورتتويج كارين. عملت فيما بعد أنني اقدمت على عمل خطيرجداً, زواجي من فتاة لا تنتمي إلى أوساط الطبقة النبيلة. فقد عم السخط والاستياء في اوساط هذه الطبقة. كما اصر اشقائي على رفضهم لهذا الزواج, لأنهم لا يريدون أن يتزوج شقيقهم من امرأة عاهرة على حد تعبيرهم.
كما لم يحضر أشقائي, يوهان وكارل لحفلة عماد ابني كوستاف. وبدلاً من ذلك, عقدوا اجتماعاً في فولدستين مع ثلة كبيرة من النبلاء تحت حماية العديد من الجنود المسلحين. عقدوا العزم على عزلي من الحكم كملك للسويد. أخذت العلم من مستشاري يوران بيرشون ومخبريه. قررت أن اشن حملة على شقيقي يوهان والناس الذين برقته. أريد مرة واحدة وإلى الأبد أن تنتهي هذه النزاعات والمتاعب وأية محاولة للتمرد. لكن ثبت أن هذا صعب للغاية. الناس متعبة من الحرب الطويلة التي خضناها. كان من الصعب الحصول على عدد وافر من الجنود في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
جمعت هيئة الاستشارية مؤلفة من عقلاء الناس, حكماء, اصحاب خبرة في الحياة, عشرة رجال لا ينتمون إلى طبقة النبلاء. قرروا أن يدينوا المتمردين والحكم عليهم بالموت. لكن التطورات التي حدثت غيرت كل شيء. جمع يوهان وكارل جنودهم في الحال وبالسرعة القصوى وعسكروهم خارج مدينة استوكهولم. حاصروا المدينة. تمكنت من جمع عدد من الناس للدفاع عنها. لكن العديد من الناس طلبوا مني ان اتخلى عن يوران بيرشون وارسله إلى الاعداء المحاصرين للمدينة كي تحل المشكلة. قالوا أن سبب النزاعات والحروب بين الاشقاء هو هذا الرجل. قلت لهم أنكم مخطئون.
ـ ماذا فعل يوران بيرشون. كل ما فعله كان بناء على اوامرصادرة مني. بعد ذلك رافقني يوران بيرشون إلى القصر. لكن الناس كانوا خائفين من يوران. اقتحموا القصرحتى يقبضوا عليه والتخلص منه. لقد فقدت السيطرة على الجموع, ولم استطع السيطرة على مجريات الأحداث. لم يكتفوا به, أنما قبضواعلى والدته العجوزة, الكبيرة في السن. اغلقوا فمها حتى لا تصرخ أوتولول. أخذوا يوران بيرشون وأمه وسلموهم إلى اشقائي. فعلت كل ما في وسعي للحيلولة دون أن تخرج مسارات الأمور من يدي. حاولت أن أحميهما, يوران وأمه لكني لم استطع. كنت عاجزاً. حكموا على يوران بالموت. لكن قبل أن يقدموا على قتله, عذبوه بكل الوسائل والأساليب المتاحة لهم, لانتزاع الاعتراف منه, لمعرفة, فيما إذا طمرت تحت الأرض بشكل سري بعض القطع الذهبية. بالرغم من أن يوران نكر كل الاتهامات التي اوردوها, إلا أن يوران لم يكن يعرف أي شيء عن الذهب المخبئ والمدفون في أعماق الأرض. بعد أن أذاقوه كل صنوف العذاب قطعوا أذنيه ثم علقوه على حبل المشنقة. لكن قبل ذلك ربطوا بطنه حتى لا يتدلى إلى الأسفل ويسقط ميتاً. بعد أن مدوه على أربعة أوتاد, هشموا عظام الركبة, الذراعين وضربوه على صدره بينما هو يصرخ ويصيح من الألم. ثم قطعوا رأسه. في النهاية, توقف عذابه وألمه. كنت اعلم ان اشقائي يكذبون, وأنهم يرغبون في قتلي. خرجت إلى الساحة الرئيسية وقابلت السيد ستين الذي كان راكبا على الحصان.
ـ لماذاً جاهدت طوال الوقت ضدي, طرحت السؤال عليه, وأنا أرتعد من الغضب.
ـ ليس هناك شيء يمكن أن نقوله لبعضنا, رد عليه وأضاف, انزع سيفك من غمده.
من على صهوة جواده, ومثل السابق لم يكف عن محاولاته في وضع شقيقي يوهان مكاني. رأيت حولي مجموعة من رجال السيد ستين تحاصرني. وفي نفس الوقت كان متواجداً بعض رجال في نفس المكان. وقد نجح أحد هؤلاء في غرز رمحه في طرف السيد ستين. بعد ثلاثة أيام مات عدوي الرئيسي.
في ال18 من تشرين أول من العام 1568 اجتمع النبلاء واشقائي في الكاتدرائية ليقرروا أسري. كان يوهان يرغب أن يحجزني في إحدى غرف القصر حتى لا أتمكن من الهرب. زعم أني مجنون. رفعت اصبعي في وجهه وقلت له:
ـ كنت مجنوناً مرة واحدة في حياتي, عندما لم اشدد الحراسة عليك في سجن قلعة كريبس هولم.
أصبحت حبيس غرفة باردة ورطبة هناك. كارين وأطفالي حصلوا على عدة غرف جيدة لكنها على مسافة بعيدة عني.
كتبت إلى شقيقي يوهان, ناشدته أن يظهر مراعاة لي. قلت له, طوال فترة طفولتنا, كنت ترغب في رؤيتي, لماذا أصحت هكذا؟
الأن دارت دورة الأيام والحياة وحصل يوهان على فرصة يثبت فيها قوته وسطوته من خلال حيازته على السلطة. تعامل معي بأسوأ طريقة ممكنة مع إنسان في موقعي. مرات احصل على الطعام ومرات كثيرة لا يعطوني. احياناً كثيرة انام على الأرض العارية دون بطانية تغطي جسدي في الشتاءات السويدية الباردة, الرجل الذي كان ملك السويد في يوم من الأيام. مرات كثيرة قابلت زوجتي كارين وأطفالي الأعزاء. كما تمضي أسابيع كثيرة من غير أن أراهم أوالتقيهم.
في شهر كانون الثاني من العام 1569 نقلت إلى كنيسة في قلعة من أجل محاكمتي. اتهموني إنني فشلت في الحرب ضد الدنمرك. قالوا أنني كنت كنت ملكاً سيئاً. قالوا عني مجنون. كل هذا الكلام كذباً وبهتاناً وزوراً. لكن مع الأسف كنت في قفص المحكمة وحيداً, عاجز وبائساً. لم يكن بيدي حيلة أو قوة حتى أدافع عن نفسي. لم تكد تنقضى بضعة شهورحتى توج يوهان ملكاً على السويد, عن عمر لا يتجاوز الثانية والثلاثون, بينما كان عمري في ذلك الوقت السادسة والثلاثين. قضيت منها ثمانية أعوام كملك في ظروف صعبة ومعقدة ووحيد, وفي حالة عزلة.
لاقى يوهان منذ بداية عهده في الحكم صعوبة بالغة في إدارة البلاد. طالب النبلاء أن يستردوا القوة والسيطرة التي فقدوها خلال فترتي كملك, وذلك لأنهم ساعدوا يوهان ليكون ملكاً على البلاد. في حين كان هناك قلق كبيرلدى المزارعين, والفلاحين الفقراء, ويريدون استمرار بقائي ملكاً.
في مقاطعة سمولاند حمل الناس السلاح لكي يحرروني من حالة الأسر. لعدة سنوات استمر الصراع ما بين النبلاء المتمسكين بيوهان كملك والفلاحين الذين يريدون التخلص منه.
احد السجانين روى لي اغلب الاحداث التي كانت تجري في البلاد.
مضى عام كامل على مكوثي في سجن القلعة في استوكهولم. عشت خلالها في ظروف بالغة الصعوبة.
انتهى ذاك الحب الذي كانت تكنه لي كارين, وبدلاً من ذلك, كنا في اغلب زياراتها نتشاجرمع بعضنا. كانت في مضى من الزمن ملكة السويد, أما الأن فهي زوجة سجين قابع في قلعة بعيدة, يعيش في عزلة قاتلة عن العالم والناس.
ـ أنك تستحق قطع عنقك بعد كل الذي فعلته بنا, صرخت كارين في وجهي.
في بعض الاحيان تكون هادئة ولطيفة وطيبة المعشر, اتمنى خلال زيارتها, أن ابقى معها اطول فترة ممكنة.
في العم التالي, 1570 أصبح يوهان قلقاً من تطورات الظروف التي تمر بها السويد, ولتصميم الناس على الوقوف إلى جانبي والعمل على اطلاق سراحي بقوة السلاح. لهذا قررشقيقي ترحيلي مع عائلتي إلى قلعة أوبو في فنلندا. مغادرتنا استوكهولم وابحارنا عبر بحر البلطيق كان أشبه بالحلم. لأول مرة بعد غياب طويل في السجن, وراء الجدارن السوداء, يسمح لي بالخروج إلى الحياة الطبيعية. كنت مستمتعاً بالهواء النقي والطلق, وون البحروصفائه. عادت الصفاء والالفة والمودة بيني وبين كارين. ولكن لم يمض الا بعض الوقت حتى أصبح يوهان أكثر قلقاً وتوتراً وخائفاً أن يقدم الحكومة الروسية على تحريري.
أخذوا أطفالنا منا, عدنا أنا وكارين وحدنا إلى السويد. رست السفن إلى جوارقلعة كريبس هولم.
لتهدئة الشعب السويدي والتخلص من روح التمرد السارية فيه, نشر يوهان شائعة مفادها أنني توفيت.
عندما نقلوني إلى السويد, ساورني إحساس جميل, بأن هناك أشياء جيدة على وشك الحدوث في حياتي, تقلب الأحداث رأساً على عقب.
مضت عدة أسابيع وتلتها عدة أشهرمن دون أن اسمع أي خبرمن تلك التي سكنت هاجسي في بداية عودتي للبلاد. بدأ الاكتئاب والهواجس المتنوعة تغزو عقلي وتدخل لبي من كل مكان, فتزيد الأعباء والمتاعب علي. احيانا كثيرة اعيش حالة ارتباك وتشوش كاملة, ابقى في حيرة من أمري لا اعرف ماذا افعل.
علمت أن الناس في ابلاند يفكرون في القيام بالعصيان, كما تواردت الاخبارالتي زودني بها احد حراس السجن, أن الكثير من الفلاحين في حالة احتقان وتذمر, وأنهم يريدون عودتي إلى الحكم وقيادة البلاد كملك لهم. حدثت حرائق هائلة في مدينتي اوبسالا وإنشوبينك على أثر التمرد العصيان التي قام بها الفلاحون. لهذا كان يوهان يزداد قناعة يوماً بعد يوم بان موتي هو السبيل الحقيقي للخلاص من مطالبات الناس بعودتي لقيادة البلاد.
لكني كنت مكبلاً, مرمياً في قلعة كريبس هولم, مواضباً على قراءة الكتاب المقدس وكتابة يومياتي.
في شهر كانون الثاني من العام 1573 أخذوا مني الريشة التي اكتب بها والاوراق التي انسخ عليهم.
حصلت بدلا منهما على عود خشبي صغير, اغمره في السخام أو الشحار كي ارسم اواكتب.
في البداية جاءت كارين للقائي في السجن, لتسلم علي وتودعني, ثم اقتيدت مخفورة إلى فنلندا. وضعت هناك في مزرعة لتمكث فيها.
لم يكن يوهان يهتم بمشاعري, بحبي لأطفالي واشتياقي لزوجتي كارين. كنت وحدي ولم اكن. حتى حبيبتي كارين, زوجتي التي اموت شوقاً لرؤيتها, أخذوها مني. أنا أب لثلاثة أطفال. حتى هؤلاء, صغاري, احبائي, اخذوهم مني. وما زال قلبي ينبض بحب الشعب السويدي.
في الوقت الذي كنت اعلم أن يوهان مستعد لقتلي في أي لحظة, تبدد حلمي بالحرية, واستعاد عنه بالخيبة والأمل المفقود.
اصعب شيء بالنسبة لي, في فترة السجن, هي في كوني لا اعرف ماذا يدور حولي من أحداث. منع يوهان الزيارات والرسائل, وعزلني عن العالم الخارجي بالكامل. بعض الأحيان يهمس في أذني أحد السجانين الذين يكرهون يوهان كملك, عن آخرالأخبار التي تدور في البلاد. أحد هؤلاء السجانين ساعدني ايضاً في ايصال رسالة إلى زوجتي كارين, قلت فيها.
إذا كنت تريدين أن تعرفي كيف تمر أيامي, فأنني اعيش في أقسى الظروف.
احلم دائماً, أن نكون معاً, في سعادة وفرح.
كنت على علاقة مع العديد من النساء في ما مضى من الأيام, ومن الصعوبة في مكان أن اعيش في هذا المكان المعزول, وحيداً, بينما تمضي أجمل أيام عمري وشباب هباء منثورة.
نجحت في تسريب رسالة أخرى إلى كارين كتبت فيها.
ـ الله وحده يعلم مقدارالحب الذي اكنه لأولادي الأعزاء, الصبيان والبنات, ولا يمكن أن أنسى الحبيبة الأعزء على قلبي, الملكة كارين.
حتى لا أجن من العزلة الكاملة والوحدة القاتلة, أجبرت نفسي على الكتابة والقراءة. رسمت, ألفت الاغاني بمساعدة قطعة الخشب المغموسة في السخام أوالشحار.
ومع ذلك, كنت أحس في بعض الأحيان بالاضطراب وصداع في رأسي.
ربما كان والدي رجلاً قوياً نجح في كسرعزلته برحابة صدر وطيبة خاطر. لكني لم أكن رجلاً قوياً. يجب أن يكون لي حبيبة, زوجة, أولاد, أعمال فنية, موسيقى, كتب, رقص وغناء.
لقد نشأت في بيت ملك, وجرى السهرعلى تربيتي لأكون ملكاً. كنت معتاداً على العيش مثل الامراء والملوك. الأن جالس وحدي, منحن, مزدري مثل عجوز مريض أصابه البله. ليس مستغرباً أن أجن في بعض الاحيان من هذا القنوط واليأس الذي أنا فيه.
يبدو أن أخي يوهان يرى أن الأزمة ما زالت مستفحلة ومستمرة, وهناك محاولات من الناس لكسرقيودي وتحريري. لهذ تم نقلي إلى قلعة أوربي هوس التي تقع على بعد عدة أميال عن اوبسالا. اعتقد ان هذا تم في تشرين الأول من العام 1573, هذا ما اتوقعه, لأنني لا اعرف التوقيت. مضى على فترة مكوثي في السجن سبعة أعوام. ما زلت مقتنعاً بأن يوهان سيضطر تحت ضغط الفلاحين وبسطاء الناس على اطلاق سراحي.
كنت احلم طوال الوقت, أن اعود إلى اسرتي وعائلتي, كارين والاطفال.
لم يعد لي رغبة في العودة إلى الحكم. تساروني رغبة شديدة في العودة إلى الحياة كي اساعد شقيقي يوهان, الذي أصبح مكروهاً من الجميع, الكنيسة, النبلاء, الفلاحين والمزارعين الصغار.
الحرب الطويلة والمكلفة في العدة والعتاد والبشرجعلت السويد بلداً فقيراً وعلى يوهان العمل على تأمين متطلبات البلاد الاقتصادية والمعيشية. علاوة على ذلك, علمت نفسي من خلال التجربة أن هذا ما يجب أن يكون عليه الملك. هذا ما لم يتعلمه يوهان ولا يدرك ابعاده. لكن, ما زلت في الأسر, وليس في مقدوري مساعدة يوهان في تجاوز الأزمة ورعاية شؤون السويد. ربما أنا مجنون أن افكر بهذه الطريقة, ربما هي أضغاط أحلام, أمل أن أصبح حراً. لأنني أعرف أن يوهان سيقدم في أي وقت, سواء طال الزمن أو قصرعلى قتلي. ليس عبر الخنجر أو أداة حادة يغرزها في صدري أويقدم على قطع رأسي. أنه سيصفيني بوسيلة نظيفة ولطيفة, بحيث يبدوللناس كما لو أني توفيت بسبب مرض خطير. كنت على يقين أنه سيفعلها لهذا كنت مستعداً لموتي.
في الأسبوع الثاني من العام 1577 بدأت أشعر بشكل متزايد بتدهورفي صحتي بعد الطعام الذي قدم لي.
أصبح يوهان قلقاً جداً, مضطرباً, لأن الناس ستقدم في النهاية على إطلاق سراحي. لهذا قررأن يسممني بمادة الزرنيخ القاتلة. أنها المادة السامة التي لا يمكن أن تكتشف. لهذا يمكنه أن يقول للناس وهو مطمئن, أنه مات بمرض غير معروف. عندما مات والدي كان محاطاً بعائلته الكبيرة وأطباءه. أما أنا, فوحيد, في سجن مظلم, بعيد عن عائلتي وأقربائي وأصدقائي, انتظراقتراب الموت. حاولت أن أكل القليل من شوربة البازلاء التي جلبت لي. لكن في مجمل الاحوال تركت الصحن كما هو.
توفيت في الثانية صباحاً من يوم الأثنين الواقع في ال25 شباط من العام 1577.
رأيت يوهان جالساً عدة ساعات بالقرب من جثماني المسجى على سرير خشبي بائس وإلى جواره الكاهن. لقد جلب القسيس ليكون شاهداً على أنني لم اتعرض للاذى الجسدي. اراد يوهان يريد أن يوهم الناس أنني مت نتيجة مرض ما.
ولدت وحيداً, وعشت وحيداً بالرغم من أنني ولدت لاكون ملكاً.
بالرغم من وجود حبيبة لي اسمها كارين مونسدوتر, لكني حياتي مضت وأنا وحيد. تم اغتيالي بصمت, وحيداً في قلعة اوربي هوس.
عندما كنت ملكاً كان لي شعارأو مثل اتكئ عليه:
ـ الله يعطي وقتما يشاء, ولمن شاء.
منحني الله حب كارين, لولاه, لكانت حياتي جحيماً, صعبة لا تطاق.
خلال السنوات التسعة التي قضيتها في السجن, كنت اسأل نفسي في كثير من الأحيان, ماذا سيقول الناس عني بعد أن أموت. ربما سيقولون, كان مجنوناً, غير كفء أو رجل ضعيف الشكيمة, لا يعرف كيف يتعامل مع اعدائه.
لكن من سيهتم أو يبالي بما اصابني. من يكون إيريك الرابع عشر, الذي كان؟
الكاتب السويدي هانس بيترسون
الترجمة
آرام كربيت










#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرض المحرمة النهاية
- الأرض المحرمة الفصل الخامس عشر
- الأرض المحرمة الفصل الرابع عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثالث عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثاني عشر
- الأرض المحرمة الفصل الحادي عشر
- الأرض المحرمة الفصل العاشر
- الأرض المحرمة الفصل التاسع
- الأرض المحرمة الفصل الثامن
- الأرض المحرمة 6
- الأرض المحرمة الفصل السابع
- الأرض المحرمة الفصل السادس
- الأرض المحرمة 5
- الأرض المحرمة الفصل الخامس
- الأرض المحرمة 4
- الأرض المحرمة الفصل الثالث
- الأرض المحرمة 3
- الأرض المحرمة الفصل الثاني
- الأرض المحرمة
- من أجل أن يحاكم البشير


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - آرام كربيت - الملك السويدي إيريك الرابع عشر