آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 5312 - 2016 / 10 / 12 - 14:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الرأسمالية في تمرحلها الأخير, العولمة هي نتيجة التحولات الهائلة التي أفرزتها وأدت إلى هنا, بمعنى هي محصلة للتصعيد الكبير في الجوانب السياسية والاقتصادية وللآليات السريعة لانتقال رؤوس الأموال والسلع والبشر.
إن البحث المحموم للشركات الاحتكارية عن مصادر الطاقة والعمالة الرخيصة وانتقالها من موضوع إلى أخر وهيمنتها, بله سيطرتها على الدول والحكومات في بلدان مركز القرار العالمي أدى إلى زعزعة الكيانات الوطنية الراسخة في البلدان المركزية, دولة ومجتمع, ربما نتائجها لم تظهر للعيان بشكل واضح إلى الأن, بيد أنها واضحة لمن يتابع ويراقب تطورات الوضع الاقتصادي السياسي الاجتماعي في العالم كله.
إن التحولات الخطيرة التي افرزتها وما زالت تفزرها الرأسمالية في كل حقبة تكشف عن قدراتها على امتصاص أزماتها وفتح أزمات أخرى. بمعنى تدوير الأزمة ودفعها لتكبر ككرة الثلج, تطور من هنا كتل سلعية متطورة, وتشيء وتدمر كينونه الإنسان الذي لا يستطيع حماية نفسه من التهميش والفقر من طرف أخر.
مع كل تطور لها تنزل قطاعات جديدة كبيرة إلى الشارع نتيجة تمركز السلعة وتكثيف القيمة المضافة فيها مما يؤدي إلى خسارة الكثير من العمال العاديين والنصف مهنيين إلى الشارع.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي نرى بوضوح انكشاف الرأسمالية في مرحلة العولمة على حقيقتها, الحقيقة الساطعة, عن توحشها وتحويل العالم كله كميدان لحاجاتها. فهي لم تعد تتقيد بحدود أو قانون أو قيمة للدولة والمجتمع والطبيعة وفسح المجال للتحكم في العالم لتمسك النخبة الهرمية على مفاصل المال والثروة وتفريغ الحمولات السياسية والأزمات الاقتصادية النابعة من تكوينها في البلدان الهشة والضعيفة عبر خلخلة هذه البلدان عبر التدخل المباشر فيهم كالحروب المصطنعة وتجييرها لمصلحة احتكارات السلاح والنخبة المالية والسلطة.
إنها تكنس في طريقها كل الأرث الثقافي والحضاري والإنساني وما راكمه من قيم ومعارف وأخلاق وجمال. ففي تمركز وتركز وسائل الانتاج والنقد على الصعيد العالمي بيد نخبة هرمية محدودة العدد لن يسمح بعد اليوم بالاستقرار والبناء في أية منطقة من العالم وخاصة البلدان الصغيرة التي ستكون الأول من يضيع في هذا الفيضان الجارف الذي يأخذ في طريقها الدول والمجتمعات وسيؤدي إلى التذري والتمزق ولن يتوقف إلا إذا كان هناك نزوع اجتماعي مقاوم على الصعيد العالمي لايقاف هذا التدهور. وستذهب شعوب كاملة إلى الدمار وستأخذ معها تراكمها الثقافي ولغتها وحيوات الناس ومصائرهم. بمعنى, إذا لم تتشكل قوى فاعلة في وجه هذه العولمة القاضمة للمصائر سيكون هناك إبادات بشرية منظمة للشعوب وتاريخها على شاكلة التي حدثت للهنود الحمر والأرمن الذي جرى حرق أرثهم وتاريخهم ووجودهم ,كدور العبادة واللغة والبيوت والأثار والتماثيل وما راكموه من معارف.
ففي العمليات المنظمة للنهب المنظم والبحث عن مصادر الطاقة سيؤدي بنا إلى هنا. ستعمل الولايات المتحدة كسيدة نظام العولمة والمنظمة والموزعة المهام على بقية الدول للإبقاء على نفوذها العالمي بكل الوسائل, وسيكون الصراع شديدا في ظل التنافس الشديد على السوق ومصادر الطاقة وخشية الولايات المتحدة من الانحدار الحضاري فيما إذا جرت تسويات بين آسيا وأوروبا وأفريقية في مواجهتها سياسيا واقتصاديا فيما اذا اشتدت الأزمة.
في السابق كان هناك دول كبيرة تتصارع وجها لوجه, جيوش وأسلحة. كانت المعارك تتم على الجبهات من أجل الثروة والمال والمكانة, ومن أجل السيطرة على الموارد والشعوب, أما اليوم وبعد أن تم نوع من التعاون بين الدول وتغير شكل الحروب والقتال أضحت التصفيات السياسية والتعاون السياسي يحدث في داخل البلدان الهشة وعلى حساب مصائر الشعوب المهمشة كسوريا وليبيا واليمن والعراق عبر تغذية هذا الصراع ليبقى مستمراً, عبر حقنه بتوترات عرقية وقومية ودينية وطائفية. أو تتم تصفية حسابات سياسية واقتصادية بين الدول الكبيرة بالنيابة. بمعنى أن الحرب بالنيابة مفتاح لفك الانسداد السياسي الدولي القائم اليوم واستمراراَ لما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية من أجل إعادة إنتاج واقع اقتصادي سياسي جديد ومحاولة عمل ترتيبات جيو سياسية للقوى المتصارعة لمدة زمنية تكون مقدمة لتأمين موارد ومكانة لكل طرف لتحقيق رواج طويل تتحرك فيه السلعة والتجارة والناس ويضحى ضخ المال أكثر في مفاصل الاقتصاد وتعمير من خربته الحرب.
ربما, مصالح الاحتكارات العالمية ترتد على قيم الدولة بالمفهوم التقليدي, أي الدولة الوطنية, دولة الرعاية الاجتماعية والضمان الصحي والتعليم المجاني, وتدفع إلى تهميشها, ودفعها إلى الخلف, وإدخال مجتمعات المركز في المستقبل, في صراعات هامشية, مثلما يحدث في أطراف النظام. كبلداننا
لهذا علينا أن لا نستهين بما نرى ونشاهد, نقرأ ونتابع الاحداث من منظور الشك والريبة لكل ما يجري حولنا وإلى جانبا. لنتذكر أن المهمشين هم الضحايا, وهم أول وقود النار.
إن وظائف الدولة في الكثير من البلدان الهشة استقل عن المجتمع بالكامل, واضحى عائمًا فوقه, استقل عنه, تركه أعزل, بله أصبح فاعلا في تكريس نزاعات عميقة داخله, داخل هذه المجتمعات. وهذه الدولة تعمل على تغذية هذه النزاعات واستمراره. أي مجرد رامي وقود على النار لتزداد اشتعالا.
ما نراه في سورية والعراق وأفغانستان كمقدمة, وربما دول أخرى قادمة, كتركيا أو إيران أو الباكستان, بنغلاديش, مصر, الأردن وغيرهم.
تحولت الدولة في بعض البلدان, وستتحول بشكل أعمق إلى مجرد مقاول أو وكيل للاحتكارات لتأكل المجتمع, ولاستمرار تمزيق نفسه بنفسه. وهم يشرفون عليه من عليائهم تنفيذا لأجندة الأخرين أو لاستمرار ما تحتاج العولمة موضوعيا.
لا استغرب أن يستمر هذا الامر ليأخذ آسيا كلها وأوروبا وأفريقيا, خاصة أن هذه البلدان جاهزة موضوعيًا للاشتعال البيني على أسس طائفية ودينية ومذهبية وقومية. والحرب في سورية والعراق واليمن وليبيا غذت, وتغذي النفوس المريضة بانتماءها إلى الماضي, وتحقنها وتشحنها بالمزيد من الانقسام على اسس قديمة, الغارقة في القدم, خاصة المذهبية والدينية والطائفية. وأوروبا, التي تستقبل مجموعات بشرية مختلفة, ستكون جاهزة للانفجار في المستقبل, تأخذ في طريقها الشعوب الأوروبية إلى هذا الاتون الحارق.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟