أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح15















المزيد.....

حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح15


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5349 - 2016 / 11 / 22 - 09:13
المحور: الادب والفن
    


الطائر الصاعد... الطائر النازل

تهيأ كريم وأستير لرحلة المساء التي ستطول حتى صباح الغد في جو بارد يقترب من برودة أيام الشتاء، تواعد الجميع الحضور في محطة القطار بأنتظار القطار الصاعد متوجهين في رحلة لا يتوق أحد أن تنتهي وفق رؤية معقولة، أبو سامر حجي حميد وزوجته أم ثامر وأبنهما الصغير أركان أول الواصلين، كل شيء مهيأ ومعد للرحلة مع الزحام الشديد فالسفر مساء الجمعة بالتأكيد يختلف تماما عن باقي الأيام حيث الجميع في رحلة العودة إلى بغداد.
عساكر وطلاب جامعات وموظفون والكثير ممن لديه أعمال خاصة في العاصمة أو المدن التي يمر بها القطار، أحتشدوا للحصول على مقعد مناسب، الغالب هنا هم من يرتدوا الزي العسكري والذين يمكنهم الجلوس أو حتى الوقوف طيلة ساعات الليل أو متنقلين بين عربات القطار في محاولة لتقطيع أوصال هذا الوقت الممل والمصاحب لضجيج أحتكاك القطر بسكته في صفاء الليل وأجترار الأحلام والأماني، أبو سامر كان يحمل ست تذاكر تحصل عليها بطريقة ما لكنها تكفي للجميع أن ينعموا برحلة مستقرة.
مما عشقته سميرة ذكرياتها في هذا القطار الصاعد وهي تستقله مرتين في الشهر وأحيانا أكثر عندما كانت طالبة في أكاديمية الفنون الجميلة، الجزء الأكبر من ذكرياتها المدونة تدور على رحلة القطار ودونتها بعنوان الطائر الصاعد الطائر النازل، لم يتذوق كريم ما كتبت سميرة عن أيام السهر الطويل لأنه لم يجرب مرة أن يكون محشوا في عالم رهيب ولمدة قد تصل إلى نصف يوما مع عالم متعدد الأحلام والألوان والهويات دون أن يمكنه أن يخرج كما كان قبل الرحلة، سميرة ترى في القطار عراق يتنقل من مكان لمكان على ظهر عجلات حديد ليثبت لوجوده أنه حي.
أم ثامر جسدت حبها للسفر وهي ذاهبة للبحث عن بقية ناس تعرف أنهم جزء منها من تأريخها، جزء وإن كان بعيد وأحيانا يمكن أن تصفه بالمهمل ولكنه عزيز، حملت الكثير مما تحب أن يكون معها لمن سيكون القادم الذي ستلتقيه، قد تصحو في صباح الغد لتجد أن ما نقله كريم مجرد حلم وأنتهى، أو لربما أن ما حدث قبل أن يصل لهم قد تم على خير دون أن يدري الرجل بما جاء من أجله، أحلام وأمال ممكن أن تنتهب ببداية رحلتها التي لا تعلم كم ستطول، كم سيكون مؤلما إن لم تجد لهم أثر، لذا حملت معها مؤنة الطريق وكأنها ستسافر إلى مكان خال من الطعام والشراب، إنه الكرم البصري يتنقل مع أصحابه حيث وجد وحيث يوجد.
بإنتظار أن يصل القطار على رصيفه سأل كريم أم ثامر ممازحا عن شيء يبدو له غريب....
_ يا خالتي هل لي بسؤال؟
_ نعم سل ما يبدو لك فأنت كأبني ثامر وهذا الذي جالس قربك أخر العنقود.
_أسمع أن الحاج ينادونه أبو سامر وينادوك بأم ثامر، هل أنا مخطئ أو في الأمر شيء أخر...
_صحيح سامر هي الولد البكر للحاج وأنا الذي ربيته ورضعته والأعز من أبنائي بعد أن توفيت أمه وهو ما زال رضيعا، إنها صديقتي وجارتي التي كانت بمثابة أخت لي، نشأنا مع بعض في بيت يمكنك أن تقول إنه واحد، سامر هو زوج سميرة المرحومة والذي لم أنل منه إلا كلمة أمي التي لم أجد أحلى وأنغم منها عند أولادي وبناتي، كان حنينا حد الموت.
_فهمت الآن...
_وكيف تعرف على سميرة وتزوجها؟ ....
_دخل الأثنان أمتحان البكلوريا سوية في سنة واحدة وحيث كانت القرية بعيدة نسبيا عن البصرة فقد سكن في بيت عمته رزيقة، في هذه الفترة كانت سميرة أيضا تؤدي أمتحان البكلوريا.....
_اهااااااااااااااااا إذا كان لا يعرفها سابقا.
_ لا كان يعرفها ولكن ليس بالشكل الذي مر عليهما خلال الأسبوعين فهي كانت تتردد مع أمها على بيتنا وأنا الحاج نقربها نسبا وسميرة أقرب لي من أمها من جهة النسب.
صفير القطار الطويل والمتقطع القادم للتهيؤ لرحلة الصاعد قطع الحديث فيما الجميع يقترب من حافة الرصيف بحثا عن رقم العربة، أستير والحاج وأركان تقدموا للأمام حاملين معهم الأمتعة فيما كان كريم يماشي السيدة أم ثامر نحو الأمام ليكون أقرب للعربة، ما إن أستقر القطار وفتحت أبوابه وإلا تسلق الناس الأبواب كأنهم يتزاحموا على بوابة الدخول للجنة، طالما أن هناك نظام الأرقام فلا داع للعجلة وأنتظر قليلا أما البوابة الخلفية للعربة حتى يستطيع أن يساعد السيدة بالصعود، الجميع تقريبا أستوعبهم القطار ولم يبقى إلا أفراد قليلون على الرصيف وبعض من الشرطة ورجال الأنضباط العسكري.
أنساب القطار كأنه حية يتلوى على سكة لا تبدو أنها تنتهي بمكان والضجيج محتدم بين حركات المسافرين وما زال البحث عن مكان، رجال ونساء شباب بمختلف الأعمار باعة الشاي واللفات، شرطة تمر بين الممرات تبحث عن أنتهاك هنا أو تجاوز، الجميع متسمر في مكانه حين جاء (التيتي)، عرف كريم أن هذه المظاهر هي ذاتها يوميا تتكرر كأنها طقوس مفترضة، جلس حجي حميد مع كريم في مقعدين متجاورين فيما جلس أركان وأستير في المقعد الذي يلي، وحدها الحجية أم ثامر كانت تجلس مع الكثير من الأكياس واللفائف التي لا يعرف أحد ما فيها إلا من جمعها جمعا.
سرح كريم بخياله وهو يتأمل سامر وسميرة وهما في رحلة الصعود والنزول الشهرية بين البصرة وبغداد، لا بد أنهما عرف بعضهما بعضا بما لا يمكن أن يختفي خلف الظن شيء، كطائرين على غصن واحد جمعهما القدر وفرقهما القدر، فتركها كعصفورة تلوذ بالمجهول من غضبة الموت حين سرق منها الجمال كله، بل سرق منها الحياة، الغريب في كل المذكرات التي قرأها مرات ومرات لم تتطرق سميرة لحياتها وزواجها بالقدر الذي أسهب بسرد ذكريتها في القطار.
كانت البصرة بالنسبة لها ليست مدينة أولدتها الصدف أن تكون هكذا، كانت تعتقد أن تغييب وجه البصرة الحقيقي وراءه قضية تريد أن تقول إن مدينة العشق والموسيقى والبحر، لم تكن إلا مجرد صحراء مصرها الأعراب القادمون من عمق الرمال على خيل جامحة يسوقها ملك الأموات عزرائيل ليجعلها قاعدة لجمع الغنائم، البصرة التي أدماها أهل الصحراء بقسوة وأفراط لم تفرط بهويتها أبد مذ كانت تستقبل وتودع سفن السومريين وهي تغزو البحار البعيدة وتعود بالجمال من أرض الإنسان البعيدة.
الحديث مع أبو سامر حول البحر والبحارة وسفن الصيد وسفن الرحلات والعبارات التي تتنقل بين ضفتي شط العرب لم ينتهي، وكلما أجتمع معا في الليالي والأيام الثلاث السابقة يعود الحديث عن البحر والشط والصيد والغوص، كان والد عبد الحميد أشهر نجار مراكب في البصرة كلها بضفتيها، ركب البحر بسفنه الصغيرة التي صنعها ووصل للبحرين وإلى عمان، تاجر بجميع أنواع الخشب وعرف كل الموانئ والمدن التي كانت تنام على ساحل الخليج أو على أطراف الشط.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح14
- بين الإعلام والسياسة المطبخ هو الطائفية
- المتخيل والمدرك والمتوهم في السياسة العراقية
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح13
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح12
- السلام والمصالحة هدف الشعوب وحقها الأساسي وليس لعبة الساسة و ...
- أحلام السلام والمطر
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح11
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح4
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح10
- حوارية القمر والسلالة المنسية
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح3
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح9
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح2
- مدينتي ..... النائمة في بحر العسل
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح8
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح1
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح7
- الجنة ومفهوم الكهنوت الديني للفرصة المتاحة للفرد بنيلها
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح6


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح15