أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - القفل قصة قصيرة














المزيد.....

القفل قصة قصيرة


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5346 - 2016 / 11 / 17 - 15:06
المحور: الادب والفن
    




كان لها من الأســماء والعناوين ما لا يحصى، حتى ارهقني عدها في هــذه الليلة الملوثة بالغبار والرطوبة.. وكان المفتاح على المنضدة يحاورني بلغة لا يفقهها سوانا. لم أكن أجهل مرماه في تلك الإيماءة الموحية التي اشار بها. وسيدة الأسماء والعناوين الضاجّة تنغرس لاهية في طيني.
"بالأمس خدرتني خضرة الماء، وكان الجسر السادس طريقي نحو الضفة الأخرى. كانت نفسي في واد، وفي آخر كنت أجوس الصمت وحيدا كسلا كدجلة تحتي، ينتابني شعور بالغبطة المفاجئة".
أشعلت سيدة الأسماء والعناوين سيجارة أخرى. كنت وحيدا أضغط خاصرتي بنصل خنجري..
عبثت في محفظتها لحظة ثم كفت عنها.. كانت في زاويتها وحيدة، وانا في دائرة الضوء وحيدا كالدرويش أمارس طقسي.
"ما كان في نيتي أن أنسى اللعنة، تلك التي يسميها البوليسيون ـ الهاجس الأمني ـ، لكنما عدوى الماء في غفلة أسقطتني بحضن الكفر الناعم فنسيت "ايماني". في تلك اللحظة صور لي شيطان الماء أن الحياة مازالت بضة كلحم القط، وأن الماء جليل يعفر رجس الأشياء لا الإنسان وحده."
اطفأت جليستي سيجارتها بسطح المنضدة العارية.. سوت زينتها بلمح البصر.. لكنها كالعادة لم تسوّ طرف فستانها الذي أنحسر عن فخذين معضّلين بيضاوين. تناولت من طرف المنضدة صحيفة كنا قد أهملنا قراءتها لأربعة أيام خلت. تفرست في صدر الأولى لحظة ثم ألقتها. كان الليل قد أخفى تكشيرة ندت تحت غمازتي خديها لم تبال بها مثلما لو أنها فعلتها في مناسبة أخرى
"(الخضرة دبت في خشبي، والمنفى،
وسمعت شموعا تتلقح في قلبي
وصراخا أهمل أعواما "...... " .. لا يبكي
ونسيت انك ماء في وطني)..
يترقرق تحت الجسر السادس، تحجب خضرته عكرة الطين.. الغيظ.. فجأة بللني غيظ الطين، كانا رجلين يفزعهما شيء ما بجرف الطين. لم أسمع لغطهما، بل لم أسمع طقطقة الماء بسيقان القصب الممتد بطول الشط، لكنما جزع الوجهين المفاجئ أشعل قلقي.. وما نسيته من إيماني البوليسي المعهود. فحشرت نظري صوب الفزع الذي سمّر وجهيّ الرجلين ..."
كالعادة في هذه الليلة بالذات، أهملت سيدة الأسماء والعناوين مائي. ولمرة أخرى انشغلت بلفافة تبغها، كانت مشغولة مع تراب الطفو على سطح المنضدة العارية، ترسم أشياء أو تخط كلمات، وربما تعدد بعضا من أسمائها السرية. لم يبد عليها أنها كانت معنية بدائرة الضوء الرمادي الذي يغلف المكان. كما لم اكن مدفوعا لنيل انتباهها. بقينا وحيدين كل في واديه، هي بلهوها المر وأنا بخنجري أضغـط به خاصرتي.
"كان وحده هو الآخر تحت الجسر، مركونا كالقارب المثقوب على سطح الجرف، ينتظر النهايات اللينة لتنتشله من خشونة الظلمة المرعبة.. كأن لم يكن له يوم جغرافيا أو تاريخ مثل كل الأشياء أو ربما في غفلة منه سقطت لوائح أبعاده وتضاريسه بفعل غلظة تنهش روح الحيوان الجائع.
وكان متحدا بالأشياء المبتذلة التي نلقيها بالماء لنمسح ذكراها من الوجدان.."أين الرقبة ؟" صرخ الصوت المبحوح في صدري "بل أين الرأس.. الساقان.. اليدان؟ من أنت.. أنت؟ نعم من غيرك أنت؟ من أي ناصية حذفت.. أنتزعت.. أكلت؟! هل أنت من بقايا دول الصبّار والنزاعات والتكايا؟ أم أنت معلقة الله وخليفته على بسيطة خلقه؟ أم ملاكه المنبوذ ؟!. من.. من.. من، أنت؟؟؟؟؟؟"

يتدلى نور دميم من منزل التقرحات الدفينة، يمتد بطول زمن الضوضاء والتلاشي، تنزع سيدة الأسماء والعناوين التي لا تحصى ثوبي الأسود، وثمة يد تلامس جرح الخاصرة. ورويدا تتطفل على منحنيات جسدي.. تتهجأ حروف قاموس رأسي. اليد الطرية الناعمة الباردة.. الدافئة.. الندية، تلبسني بياض الحزن. تتفرس في وجهي لحظة ثم تسافر بي كحلم الغبشة صوب النهر. نتحد معا، نغدو ماء.. نطهر جثث القتلى.. ومسحل الكبش.. و ثمة سبع فتيات يندبن جواري:
"هذا مفتاحك تتركه ممتحنا، يجهل كنه القفل".
...........
بغداد / شتاء عام 2006



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - هالي - وما تبقى من الفضة ..
- أنا هويت ...
- دفء البرد!...
- عنهُ مرة واحدة..
- بعض الرغبة..
- المتكرر أبدا !..
- اشكو إليك..
- رويدا.. رويدا، نغور !.
- وثمة غير الجلد !..
- جهيد الموانئ..
- لسماءٍ من عسجدٍ..
- منزل الاقفال قصة قصيرة..
- لماذا صرخة الطين؟!..
- غواية البيادق المستعارة...
- المصب الزهري... فقط!
- قشعريرة رقص مخروطية
- ومضات الغريزة!..
- لمأوى البحار..
- لرغبة دون لجام..
- ظهيرة مقتل - بادم - ...


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - القفل قصة قصيرة