أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - فساد ما فوق الطاولة .. فساد ما تحت الطاولة














المزيد.....

فساد ما فوق الطاولة .. فساد ما تحت الطاولة


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 5293 - 2016 / 9 / 23 - 17:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في مقالة سابقة كنت قد قسمت الفساد الحالي في العراق إلى نوعين: الأول اسميته (فساد ما تحت الطاولة) الذي يتمظهر من خلال السرقة المباشرة للمال العام وعقد الصفقات المشبوهة أو الفضائية أو إستلام الرشى وما شاكل من النشاطات التي ما زالت مدرجة في خانة المحرمات الأخلاقية, على الأقل من الناحية النظرية, رغم ان ممارستها صارت ظاهرة عامة.
وبوجود ملالي فاسدين ودجالين وثقافة دينية متردية صار ممكنا تحليل تلك الرشوة من خلال أقوال على شاكلة (النبي قبل الهدية) . ومعروف أن نظام الرشاوى في العراق صار بمثابة الزيت الذي لايمكن لعربة الحكومة الإستمرار بدونه, أما حلقاته فتبدأ من (الجايجي) الذي نصب موقده وعدته أمام باب الدائرة وصولا إلى الوزير الذي منحه نظام المحاصة حق تسويق ميزانية الوزارة لصالح حزبه وأهله.
إن فساد ما تحت الطاولة وما فوقها قد أدى إلى خسارة العراق غير ثروته المادية ثروته الأخلاقية أيضا, وقد صارت قيم كالنزاهة والأمانة من ضمن مخلفات الماضي, وبهذا سيكون العراق, على فرض توفر فرص خروجه من هذا المستنقع الاسن, في مواجهة صعوبات حقيقية لإعادة بناء منظومته الأخلاقية التي تمكنه بالحد الأدنى على الخروج من خانة الدول الفاشلة.
إن المعني هنا بفساد ما فوق الطاولة هو مجموعة الممارسات واللوائح والأنظمة التي جعلت تبذير المال العام والإستيلاء عليه تبدو كحق أخلاقي في حين أنه في بعض وجوهه بمثابة خروج على الأعراف والقيم الأخلاقية المتفق عليها, فهو هنا لا تقف أضراره على التجاوز المادي على حقوق الوطن وثرواته وإنما يمتد ليمنح التخريب الأخلاقي شرعية قانونية ويحول ماهو غير أخلاقي إلى أخلاقي, وهذه في رأي, حتى وإن أنتجت تخريبا ماديا أقل, إلا أنها تتفوق بكثير على التخريب الذي يحدثه فساد ما تحت الطاولة, فهذا الأخير يظل في الثقافة الإجتماعية العامة ممارسة خارجة على النموذج الأخلاقي العام الذي يسهل فهمه على العامة, ولا يحتاج إلى أصحاب الخبرة أو الكفاءة لتحديد مساحته وكيفية تعريفه وطرق محاربته.
إن فساد ما فوق الطاولة هو خُلْقَنَة ما هو غير أخلاقي, اي جعله يبدو وكأنه ممارسة أخلاقية مشروعة, فهو بالتالي الوسيلة الأمثل لتدمير البنى والثقافة والأعراف الأخلاقية التي تساهم في بناء حصانة أي مجتمع وتمنحه قدرة المقاومة والتقدم, لا بل وتحرمه حال غيابها من مقومات البقاء.
أما الإتيان بالأمثلة فليس هناك أبسط منه, إذ يمكن إدراج حالة البذخ والإسراف التي يعيشها أصحاب السلطة بدءا من الرئاسات الثلاث ونزولا إلى موظفي الهيئات الرئاسية الملحقة من وزراء وقضاة ووكلاء وزارات ومدراء عامين وعبورا إلى زعماء الأحزاب والقيادات السياسية والميليشياوية وعمائم الأوقاف ورجالات الدين المؤثرين, مضاف إليهم مجاميع الرتب العسكرية التي يعادل عدد الفرقاء منهم ربما نصف عددهم في كل جيوش العالم مجتمعة. وللإختصار يمكن تقدير حجم هذه الأورام السرطانية بمقارنة عدد مرافقي وحراس نائب في البرلمان العراقي بنظيره في الكونغرس الأمريكي وحيث يمكن أن تبلغ النسبة هنا أضعاف الضعف.
إن من المتعذر حصر أشكال وصيغ وحجم فساد ما فوق الطاولة, ولربما يحتاج تعدادها فقط إلى كتاب من الحجم الكبير, لكن الإحاطة بحجم المشكلة ومستوياتها المدمرة يمكن الوصول إليها من خلال الكثير من الظواهر اليومية الملموسة.
إن من الصعوبة حقا متابعة ومعالجة فساد ما تحت الطاولة وما فوقها بشكل جدي ومؤثر بسبب كونهما إنعكاسا بنيويا لتركيبة النظام السياسي القائم. وبوجود إقترابات واضحة لتعريف طبيعة النظام العراقي, مع توصيف واضح لتركيبته البنيوية وإنعكاساتها المادية والأخلاقية يصبح من الصعوبة تصور وجود إمكانية لمعالجة الفسادَيْن بأساليب إصلاحية, فالخلل في حقيقته بنيوي ويتطلب الإزاحة والإزالة والإستبدال.
وسيؤدي الإصلاح دورا فاعلا لو صار بالإمكان معالجة السرطان القاتل بحبة أسبرين.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموت عَضّا
- مفهوم الأغلبية السياسية في الوضع الطائفي الراهن
- في المسألة الهُزئقراطية والعراق الأمريكوراني
- الطائفة الشنية أو السيعية
- مرة أخرى .. خالد العبيدي رجل مع الملح لا مع السكر
- الإنتهازية والنفاق السياسي .. سليم الجبوري إنموذجا
- وهل ظلَّ لنا نفق لكي يبقى هناك نور في نهايته
- البرلمان العراقي لصاحبه سليم الجبوري
- قضاؤنا النزيه
- رجل مع الملح لا مع السكر
- حينما يكون الأستاذ فلان الفلاني ضد الطائفية
- الإنتخابات الأمريكية الحالية .. ساحة فضائح لا ساحة برامج.
- تركيا .. مَنْ إنقلب على مَنْ (2)
- تركيا .. مَنْ إنقلب على مَنْ
- بهدوء .. محاولة للإقتراب من الحدث التركي
- الملك فيصل الأول والشعب العراقي
- الإسلام السياسي في العراق ومرض الإزدواجية
- بين ماركس وعلي بن ابي طالب .. الفقر رجل يمكن قتله
- الهروب إلى داعش .. حول نظرية الفعل ورد الفعل
- تاريخ العراق وبابل أعظم من أن يزال


المزيد.....




- منزل براد بيت في لوس أنجلوس يتعرض للسرقة
- فستان -الرعاية- للأميرة ديانا يُباع بأكثر من نصف مليون دولار ...
- أمراض يُمكن تجنّبها تقتل 1.8 مليون أوروبي سنويًا: تقرير أممي ...
- محكمة إسرائيلية ترفض طلب نتانياهو إرجاء محاكمته بتهم فساد
- كلاب السلوقي التونسية -سلالة نبيلة- مهددة بالتهجين والانقراض ...
- ألمانيا ـ توجيه الاتهام لسوري بالمساعدة في التخطيط لهجوم على ...
- البرلمان الألماني يقرّ تعليق لم شمل أسر لاجئي الحماية الثانو ...
- إسرائيل توقف المساعدات وأزيد من أربعين قتيلا في غارات متفرقة ...
- مستوطنون يقتحمون مدينة نابلس ويعتدون على فلسطينيين
- يوآف شتيرن: نتانياهو لا يستمع للأصوات الداعية لوقف الحرب في ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - فساد ما فوق الطاولة .. فساد ما تحت الطاولة