أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - تموت أمي فتحيا الكتابة














المزيد.....

تموت أمي فتحيا الكتابة


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1407 - 2005 / 12 / 22 - 11:18
المحور: الادب والفن
    


كانت وفاة والدتي مفتتحا لأشياء كثيرة, لم تكن وجودية كلها. لسبب ما أو لآخر, و ربما هو الرعب الوجودي بالأحرى, اعتقدت أن الموت سيتصيد أسرتنا الصغيرة واحدا بعد واحد, في صدفة نصف فانتازية نصف بوليسية و تنتظر حل حبكتها في النهاية. لم يستغرق الأمر كثيرا, سنتين فقط, حتى كنت قد أنجزت روايتين كاملتين عن هذا. كانت الفكرة الأساسية فيهما هي كالآتي: مجتمع صغير, يموت الأفراد فيه تدريجيا, لا يقتلون, و هو الهام جدا في الروايتين, فلا الأبطال ينتحرون من تلقاء ذاتهم, و لا ثم قاتل متسلسل يترصد الأبطال,(هذا تعبير رديء و غير مفهوم, أفضل القول قاتل محترف, على العموم هو ترجمة للمصطلح الإنجليزي الشائع في بلاد مترفة بالقتل المدفوع بالنزوة لا الحاجة sirial killer), و لا هناك وباء رهيب يفتك بالقرية الفقيرة, هناك فقط الموت كصدفة متكررة و تحمل إملال المفاجأة الرتيبة. بالمناسبة, تزامن هذا مع سلسلة انتحارات في المجتمع المصري: أب ينتحر لأنه لم يستطع توفير الملابس المدرسية لأولاده بعد أن يلقي بأطفاله في البحر, طالب متفوق ينتحر بعد استبعاده من وظيفة مرموقة بسبب عدم تأهله اجتماعيا, و هكذا.
بعد موت والدتي حلمت حلما حمل وقتها مفارقة مضحكة. أمي جالسة بكل تجسدها في صالة بيتنا, و زائر من الخارج ينظر إلى أفراد البيت جميعا, و كانوا كلهم حاضرين, و يقول لها بتنهيدة "البيت عمال ينقص يا حاجة واحد ورا التاني". و تؤمن أمي على كلامه. أمي, و هي بالتحديد سبب شعوري الكئيب في هذه الآونة بأن أفراد البيت يقلون بالتدريج, تحضر في الحلم بكامل تجسدها, و معها, مرافقا لها, يحضر الشعور بأن البيت يأخذ في الانطفاء و الكآبة, بسبب نقص أفراده, أو بسبب غيابها بالتحديد, الذي لم يتكرر بعد ذلك. هي من تؤمن على كلام الضيف, و لو أتيح لها تأمل كلامه في حلم أكثر عقلانية, لرأت كل أفراد البيت مصطفين أمامها, ثم ستعلم أن الكلام, و إن كان موجها لها, فهو كذلك عنها هي بدرجة اكبر. للتغلب على هذه الأزمة, التي راودتني في الصحو أيضا: (أمي حاضرة في كل شق من البيت, برائحتها و أفكاري عنها و إوشاك صوتها أن ينطلق من أحد الأركان, و يصاحب حضورها ذلك الشعور القاتم بغيابها, بأن هذا الحضور هو مجرد حلم سينهدم لدى أول محاولة لمسائلته بجدية). للتغلب على هذا كتبت روايتي الثانية, و التي تنتظر النشر الآن, و الحاضر فيها الموت بقوة, الموت المتسلسل. أي من أبطالها لا يذكر من مات بالضبط, فتأملهم لما حولهم سيقطع بأن أفراد العائلة كلهم كما هم, كأن الموت يبتر معه ذكرى من مات, أسباب موته و ظروفه, و لكنه يبقى على وعي دقيق و غير ملاحظ, بأن ثم شيئا ما ناقص, هذا هو ما ميز موتي أنا, الموت المتقدم من حولي, عن ميتات متسلسلة أخرى غدت حبكة شديدة الشيوع في الثقافة المعاصرة و المتحركة بين درجات مختلفة بين الهزل و الجد, بدءا من رواية اسم الوردة لإمبرتو إيكو و حتى سلسلة أفلام سكريم. كان موتي أنا من البداية هو موت نيكول كيدمان و طفليها في فيلم "الآخرون": ثم أشباح في البيت, تبحث عنهم ولا تجدهم, و لكن في نهاية الفيلم, النهاية التي ظل حلمي مقطوعا منها, تلتفت إلى نفسها كما لم تفعل أمي, تعرف أنها هي ذاتها و طفلاها الأشباح الوحيدة في البيت الإنجليزي القديم , تعرف أنهم قد ماتوا منذ زمن طويل. تهدي النهاية الأكثر منطقية لحلمي و لروايتي.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب إسرائيلي يرصد: تقاطع الذكورة و النزعة العسكرية الإسرائي ...
- مجلة ميتاعام الإسرائيلية.. التعاطف مع المعاناة الفلسطينية لم ...
- المسلمون و الأقباط.. من يملك الصوت المصري؟
- الطرف الأقصى للكابوس
- silence
- خفض إضاءة العالم
- سيدة السواد
- بمناسبة عدم حصوله على نوبل! أي حظ! لن نسمع دفاعا عن شارون يل ...
- ما لم يفعله وزير الثقافة المصري فاروق حسني.. سلطات تحتمي ببع ...
- هل هناك -هوية يهودية-؟ .. قراءة في مقالة للأديب الإسرائيلي أ ...
- خطايا فيروز الكبرى... لماذا لا يسمع المصريون فيروز
- سرير الجيش.. السرير المحمول
- إمكانية السرطان
- الأمن المركزي المصري.. القاهرة المتشحة بالسواد و جدار السجن ...
- إعلان حسني مبارك ترشحه لانتخابات الرئاسة..الإفلاس البليد لبا ...
- رواية مرآة 202 لمصطفى ذكري.. هوس البدايات غير المكتملة.. الت ...
- نوال علي و سوزان مبارك.. كيف تستخدم -نسوية- النساء في مظاهرا ...
- - مجلة ميتاعام الإسرائيلية: الصهيونية كفر تعجز اللغة عن احتو ...
- سوزان مبارك.. الجبلاوي وقصر البارون.. كيف احتفلوا بمرور مائة ...
- ثلاث صفحات فارغة


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - تموت أمي فتحيا الكتابة