أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - خفض إضاءة العالم















المزيد.....

خفض إضاءة العالم


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1365 - 2005 / 11 / 1 - 15:35
المحور: الادب والفن
    


قالت له: "أنت تحكّني". قال لها: "و أنت كذلك". طيب, لنتخيل العالم و كأنه سرير حب كبير. و لنتخيل شمسه أباجورة على الكومودينو, و لنتخيله إلها كبيرا و لنتخيلها إلهة كبيرة. كانت قد حدثته من البداية, قبل تحولهما إلى الوحيدين في عالم هو سرير للحب, عن أشياء أربكته. فيما بعد قرر أنه قد يكون منتميا إلى مجال يختلف عن مجالها, كأنه عطاردي الهوى مثلا و هي مريخيته. أعجبته اللعبة و قرر لعبها بنزق. النزق كان هو التعبير الأكثر ملائمة, و سيأتي حديث هذا لاحقا. المهم, صار الاحتكاك بين مجاليهما يدفع بشرر كثير في جسديهما. هذا هو بيت القصيد: جنس كامل, لا يرحم. اثنان, كل في مجاله, يظلان يفركان بعضهما البعض و يلامسان مجاليهما ببعضهما. كانت لعبتهما ممتعة و خطرة, و لأن كلاً منهما ينتمي إلى مجال مختلف, و إنما وحدتهما الأقدار على فراش خالد في مصادفة بعمرهما, فلقد رأى كل منهما الآخر غير مفهوم, بهذا كانت إضاءة العالم تنخفض, عن طريق الآخر تحديدا. كان كل شيء يزداد إعتاما و إبهاما. هو, كإله نائم على سرير الحب الذي هو العالم, يريد أن يقرأ, و هي كذلك, و لسبب ما أو لآخر يتصور كل منهما أن الآخر لا يريد كل هذا النور, و أنه يمد يده خلسة إلى ضوء الأباجورة التي هي الشمس ليخفضه قليلا. هذا يغضبه, ليس لأنه يشعر في هذا بانتقاص من كبريائه عبر الخديعة التي يمارسها الآخر, و لكن لأنه يرى في هذا اتهاماً له, هو الذي يريد كل هذا الضوء, بكونه واضحا ويقينيا و صحوا, أي: غير مثير. و يتمنى لو كان هو من يخفض إضاءة العالم. ما يوقن منه كلاهما, و ما نوقن منه نحن كذلك, أن إضاءة العالم كانت تنخفض بالفعل, تدريجيا كانت تنخفض, و أن حروف الكتاب الذي يمسك به كل منهما في يده كانت تصبح غير مفهومة شيئاً فشيئاً. هما الآن يسترقان النظر إلى بعضهما فيجد كل منهما الآخر ممسكا بالكتاب بيديه الاثنتين, أي أن يده لا تمتد خلسة إلى ضوء الأباجورة, و يجده قلقاً, ليس لأن الكتاب الذي غدت حروفه غير واضحة صار مثيرا للضيق كل هذا الحد و إنما لأن كلا منهما يعرف في باطنه أنه يريد إضاءة أقل, و لكنه يريد أن يفعل هذا بنفسه, و لا يمكنه فعله بنفسه, لأنه سيتضمن إسهاما متأخرا فيما يفعله الآخر خلسة, أي سيتضمن اعترافا متأخرا بأن الآخر كان على حق. هنا يمكننا فهم قولها له بأنه يحكها وقوله لها بأنها كذلك. هذا الاحتكاك بينهما هو احتكاك الغموض, الغموض الذي غدا الآن نصيب الكتابين الذين يقرأهما كل منهما, و هذا الغموض هو لعبة الجنس بينهما, إضاءة تنخفض تدريجيا و ليس لأي منهما يد في خفضها, غموض يتزايد تدريجياً, رغبة كل منهما في تزايده و عدم فعله هذا بنفسه. كانت لعبته هو في البداية, قبل انزلاقه السحيق إلى السرير, نزقة تماما, يعني, شيء ما بمثابة : ولم لا ألعب؟ و النزق قيمة مشمسة بشكل مطلق, هي الإشماس في حد ذاته, هي سؤال لم لا, و المشتمل على يقين بأن لا شيء ضاراً سيحدث, مما يتطلب إبصار كل شيء, أي يتطلب إضاءة عالية للعالم, ثم يأتي الغدر الموجه إلى اللاعبين النزقين, إخفاض أباجورة العالم ضوءها تدريجيا انتهاء إلى أولى درجات العتم, تنازل التفاصيل عن وضوحها الباهر الذي كان قبل و لم لا و أثنائها. الإله الكبير على السرير يبدي غضبه "يبديه فحسب, لم نقل أنه غاضب", لأنه لا يفهم شيئاً من الكتاب الذي يقرأه. يتمتم "يتمتم فحسب, لم نقل يزعق أو يفكر": "لو كنت على سرير آخر لأمكنني فهم الكتاب". يكتشف مع استمرار خفض الإضاءة أن سواد الحرف تداخل مع بياض الخلفية في الصفحات التي يقرأها, هذا مريح له طبعا و لكنه لن يعترف بهذا. كان قد دعاها, تدليلا, في يوم من أيام تورطهما في فخ السرير, بالغابة, أي قال لها شيئا مثل, يا غابتي الجميلة, يا دغلي الوحيد, يا أجمتي النائية. كذلك عبرت هي عن دهشتها من وجود كل تلك الكتل المظلمة في داخله. هو تصور نفسه بعيدا عن غابتها التي حدثها بوجودها في داخلها و هي تصورت نفسها بعيدة عن ظلمته, و لذا فلا يمكن لأي منهما إلا أن يتهم الآخر بخفض الإضاءة المستمر لأباجورة العالم. رأى كل منهما في نفسه كيانا رائقاً و صحوا بينما رأى الآخر غامضاً بشكل غير محتمل, غير أننا لا يمكننا الموافقة على هذا. كلاهما كان ينتمي للظلمة. من هنا بالتحديد كانت فرادة الاحتكاك بينهما, حيث لم تعد هناك أخيرا جيوش النور تحارب جيوش الظلمة, و إنما غموض يُقرع بغموض, عدم فهم بعدم فهم, أثير بلا نهاية. لذا, هذا ما اعترف به كل منهما في داخله الأقصى, أي بدون أن يدرك أنه يعترف به, أن الصفحات, التي تتحول إلى الإعتام تدريجيا, مريحة و ملائمة له. الآن كل منهما في مرحلة لا يعرف فيها سواد الحرف من بياض الخلفية. أي: و لثاني مرة, ليست هناك جيوش نور الخلفية تحاصر جحافل ظلمة الحرف. هناك الأثير فقط, في الكتاب و في غرفة النوم التي هي العالم. أوكي؟ ثم أنهما, و لأنهما وحيدان في العالم, لا يعرفان مصطلح الآخر, الجموع الجرارة من البشر: القوادون و العاذلون و أبناء الحب/ ثماره. هناك فقط مجالان يتصارعان, أو بتعبيرهما: يحتكان. و لا يعرفان النور, ذلك الذي صار آخر ماضوياً سحيقا ينتمي للايام الخوالي, أعني هنا النور بصورته الأكثر وقاحة, لا يعرفانه أو لا يتذكرانه. شيئا فشيئا, بينما تحاصر ظلمته ظلمتها و تحاصر ظلمتها ظلمته, يتحولان إلى ظلمتين شاسعتين كأنهما السرمد, ليس ظلمة واحدة, و هذا مهم جدا, لأنه لو قدر لأي آخر لا يعرفان بوجوده المشي في هاتين الظلمتين لما عرف أين هو و لما استطاع تمييز حدود واضحة بينهما, أو غير واضحة حتى, و كذلك هما. التعبير الأكثر مأساوية عن هذا هو عدم إدراك أحدهما أين ينتهي هو و أين يبدأ الآخر, يعني شكه السوداوي في أن يكون هو ذاته, هو بالتحديد, و ليس الآخر, من يمد يده ليخفض نور الشمس التي هي أباجورة العالم. مع هذا كان هناك حد فاصل يفرق بين ظلمته و ظلمته, غير أن هذا الحد الفاصل, لسوء الحظ, لونه هو نفس لون ظلمته و ظلمتها, أي أنه ذائب تماماً. كذلك الحدود الموازية بين حروف الكتاب و خلفيته. كأنما حدث كل هذا بفعل سحر آت من مكان بعيد, سحر مريح و هادئ, لأنها قالت له مرة بينما كان يقبل نهدها و يعض حلمتها بأسنانه: " أنا أؤلمك", بينما, و بشكل عام, لم يكن الألم هو موضوع جنسهما, و إنما السحر, يعني لو كانت قد قالت أنها تسحره فسيكون هذا أقرب للحقيقة, أقرب للحقيقة و ليس هو الحقيقة. ما حدث هو أن كلاً منهما كان مسحورا مثله مثل الآخر تماما بتمام, بدون وجود فعل للسحر أو فاعل مباشر له. كأن, و هذا مثال للتقريب, ساحرا قد وجد من قبل وجود سرير الحب الذي هو العالم و وجود المحبين الاثنين الذين هما البشر, و فعل ما ينبغي فعله: اختفى. لم يقم بفعل السحر و إنما سلم نفسه للعدم. بهذا صار المسحور مسحورا بدون أن يتم سحره, كما, من قبل, من ألاف السنوات, كان الساحر ساحراً بدون أن يقوم بالسحر. الآن يمسك كل منهما بكتاب لا يراه, يغمض عينيه, يستوعب داخل جفنيه ما كان في الكتاب, يقبض عليه برموشه, لا يدعه يتسلل خارجاً, يؤول على نفسه أن يكون هو الحافظ الأخير لما كان في كتاب ضخم كموسوعة, حتى إذا ما استيقظت البشرية, التي هي هما بذاتهما, بلا نأمة إضافية, من نومها, تجد من يحدثها عن تاريخها القديم, قبل أن تتكيف مع إظلام تدريجي انتهى إلى العتم المطلق, و مثلما في كل شيء آخر, سيكتشف نصف البشرية, أي: هو, أن تاريخه الذي يرويه بحماس, مشابه للتاريخ الذي يرويه نصف البشرية الآخر, أي: هي, سيكتشف كل منهما أن الكتاب الذي كان يمسك به مشابه للكتاب الذي كان يمسك به الآخر في كل دقائقه, ترتيب صفحاته و رسومه و كلماته و خلفيته, و أنه مع هذا, فليس الكتابان متطابقان, كأنهما قد كتبا بنفس اللون, و إنما ظل مع هذا خط فاصل يعين حدودهما, خط ملون بنفس اللون, بحيث يجول آخر لم يعد هناك احتمال في وجوده بين تاريخه الذي يرويه و تاريخها الذي ترويه, فلا يعرف في أي تاريخ هو, و لا يعرفان هما أنفسهما, و هكذا فقط يبدأ العالم في الانهيار.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيدة السواد
- بمناسبة عدم حصوله على نوبل! أي حظ! لن نسمع دفاعا عن شارون يل ...
- ما لم يفعله وزير الثقافة المصري فاروق حسني.. سلطات تحتمي ببع ...
- هل هناك -هوية يهودية-؟ .. قراءة في مقالة للأديب الإسرائيلي أ ...
- خطايا فيروز الكبرى... لماذا لا يسمع المصريون فيروز
- سرير الجيش.. السرير المحمول
- إمكانية السرطان
- الأمن المركزي المصري.. القاهرة المتشحة بالسواد و جدار السجن ...
- إعلان حسني مبارك ترشحه لانتخابات الرئاسة..الإفلاس البليد لبا ...
- رواية مرآة 202 لمصطفى ذكري.. هوس البدايات غير المكتملة.. الت ...
- نوال علي و سوزان مبارك.. كيف تستخدم -نسوية- النساء في مظاهرا ...
- - مجلة ميتاعام الإسرائيلية: الصهيونية كفر تعجز اللغة عن احتو ...
- سوزان مبارك.. الجبلاوي وقصر البارون.. كيف احتفلوا بمرور مائة ...
- ثلاث صفحات فارغة
- عبد مجوسي الذاكرة و قال كلمات
- لحظات لا يستحب فيها الإسهاب
- عن الفيلم الإسرائيلي (صهيون.. الأراضي).. ترجمة و تقديم نائل ...
- الشعر كائن ضعيف الذاكرة في ديوان منتصر عبد الوجود الأول..
- عن الشعر الإسرائيلي الرافض للاحتلال, دافيد زونشايم, ترجمة و ...
- لون الدم


المزيد.....




- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...
- بالكوفية.. مغن سويدي يتحدى قوانين أشهر مسابقة غناء
- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - خفض إضاءة العالم