|
التطرف واقع وأسباب
أسعد العزوني
الحوار المتمدن-العدد: 5258 - 2016 / 8 / 18 - 14:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التطرف والغلو موجودان على هذه الأرض ، منذ بدء الخليقة وتحديدا خلق الإنسان ، لأن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يدرك معنى الظلم والتحولات والمستجدات على الأرض ، رغم ان الحيوان هو الآخر ينفعل حين يحس بالظلم ، فيرفس الحمار ، ويثور الجمل وينتقم ممن يضربه ولو بعد أربعين عام ، ومع ذلك أستطيع القول أن التطرف منوط بالإنسان فقط ، وهو من يدخل فيه ويطوره كيف يشاء بحسب طريقة تفكيره . وهناك نوع آخر أشد تاثيرا من التطرف وهو الغلو في التصرفات وردة الفعل وحتى في العبادات ، لذلك نرى أن هناك بعض المتدينين قد فهموا الدين بصورة مغلوطة لجهلهم وعدم وجود من يفقههم في أصول دينهم ، وهذا ما أضفى على العبادات لونا بعيدا عن الواقعية ، لأن ديننا الإسلامي الحنيف هو دين الوسطية . هناك أيضا ظاهرة أخرى من ضمن عائلة الشذود الفكري ، بأشكاله الناجمة عن قصور التفكير والإدراك العقلي ، وهي ظاهرة التشدد ، وهي في معناها العام لا تختلف عن التطرف والعلو كثيرا ، لكنها تؤدي إلى أفعال غير مقبولة ، وتمحق كل ما هو إيجابي في المجتمع ، وما نراه من تطرف وغلو وتشدد ، إنما هو نتاج فكر غبي مستورد ، ولا أعني بالمستورد ما ياتينا من الخارج ، بل هو ذلك الفعل الناتج عن قصور تفكيرنا . ومع كل ما تقدم هناك تطرف وتغول وتشدد ، جراء فعل خارجي ، وأعني هنا بالخارج ما هو خارج إطار الإنسان ذاته ، بمعنى أن السبب في ذلك هو تأثيرات وممارسات تنعكس سلبا على تفكير الفرد ، وتجبره على سلوك درب غير قويم دون النظر إلى عواقب الأمور ، ومن هنا تبدأ حلقات الخلل تتسع شيئا فشيئا في المجتمع ، ويحدث التصادم بين الأطراف ذات الشأن ، ويدفع المجتمع الثمن ، لأن المتطرفين والمغالين والمتشددين هم من أبنائه ، ولم يهبطوا عليه من دنيا أخرى. كثيرة هي أسباب التطرف والغلو والتشدد ، وأهمها الجوع والفقر والظلم والتهميش والإقصاء والتجهيل ، وقال الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : لو كان الفقر رجلا لقتلته ! وقالوا أن الظلم مرتعه وخيم! وقال تعالى في محكم كتابه العزيز : وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ! ولا ننسى مقولة مبعوث فارس إلى الخليفة الفاروق عمر رضي الله عنه ، عندما رآه نائما في صحن الحرم: عدلت فأمنت فنمت! الغريب في الأمر أن كل هذه المظاهر الدخيلة علينا موجودة في مجتمعاتنا الإسلامية ، وأن هناك أيضا من يضخ روح التطرف فينا من خلال الإيعاز لصناع القرار أو من في حكمهم بالتضييق على مجتمعاتهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم ، وإظهار أكبر قدر من الضغط على المجتمع ، وعدم إجراء أي إصلاحات تذكر ، رغم أن الغرب المتخلف الجاهل في عصوره الوسطى ، قد نهض من تحت ركام التخلف والجهل ، وإنطلق ناهضا ، ووصل مرحلة تتيح له تسجيل مواقف مشرفة من حيث معاملة أهله ، حتى أن العربي وغيره ممن يهاجرون إلى الغرب يشعرون بالكرامة هناك. من يشعر بالتهميش والظلم والإقصاء والإبعاد ، يصل إلى نتيجة مفادها أنه مطعون في كرامته ، ومن يصل إلى هذا الشعور ، يصاب بعمى في القلب والعقل معا ، وينحى منحنى مختلفا لا أحد يضمن نتائجه ، وها نحن ندخل مسرعين في هذا النفق . يعد الإحتلال وإنتهاك حقوق الإنسان عوامل قوية للتطرف والتشدد والغلو ، لأن في ذلك شعورا بالمهانة والعجز والتقصير ، وخاصة إذا كان الإحتلال الذي نتحدث عنه هو الإحتلال الإحلالي الإسرائيلي لفلسطين ، وشراكة واضحة مهينة من قبل الإقليم مع هذا الإحتلال ، إلى درجة أن البعض ينسق معه أمنيا ، ويمثل إحتلالا من نوع آخر لشعبه. وإستنادا إلى كل ما تقدم ، وإن كنا نرغب حقا في تطهير مجتمعاتنا من التطرف والغلو والتشدد ، فإننا مطالبون بصياغة عقد إجتماعي جديد بين الدولة والمجتمع ، لنصل معا إلى ضمان هيبة الدولة وحقوق المجتمع ، لأنه لا دولة بدون مجتمع ولا مجتمعا بدون دولة ، ولنا في مقدمة إبن خلدون ، وما ورد في كتاب الله وسنة نبيه ووصايا الأنبياء الآخرين خير دليل ، لخلق مجتمع مدني وليس مجتمعا دينيا ، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يؤسس دولة دينية في المدينة المنورة ، بل أرسى أسس دولة مدنية تحفظ حقوق حتى غير المسلمين. التطرف والغلو والتشدد آفة كريهة ، وهي بذرة غير صالحة ، ولا تنتج إلا الخراب والدمار ، وأعني بذلك أن تشدد الدول في مواقفها وغلوها وتطرفها في معاملة أفراد المجتمع الذين ليسوا على هواها ، إنما يساوي تطرف وغلو وتشدد البعض الجاهل أو صاحب طريقة التفكير الملتوية وكلا الطرفين مدان ، ولو أن النظام السوري إستجاب لرغبات شعبه منذ أحداث مدرسة درعا ، لما وصلت سوريا إلى ما هي عليه اليوم. هناك تطرف وغلو وتشدد أخطر مما تحدثنا عنه ، وهو ما يمارسة أصحاب النفوذ الذين يشعرون بالظلم في مستواهم ، والأثرياء الذين يمولون التطرف لأسباب عديدة ، وهذه الفئة غالبا ما تكون غير مرئية لكن تاثيرها قوي . الفقراء والشباب هم الفئات الكثر إنغماسا في التطرف والغلو والتشدد ، مسلحين بحرمانهم وما يعانون في مجتمعهم من ظلم وتهميش وإقصاء وحرمان بسبب سياسات الدولة ، التي يفترض فيها أن تعامل كافة أفراد المجتمع معاملة تليق بالمواطن ، لا أن تنظر إليهم كرعايا مهمتهم التسحيج والتسحيج فقط ، وأخطر ما في الموضوع أن شيوخ التطرف والغلو والتشدد ، يخترقون عقول أبنائنا من الشباب بسؤالهم :هل تقبلون العيش بذل ؟ وهل تقبلون ضياع الأقصى ؟ ويؤكدون لهم أن تحركهم الرافض للواقع سينعكس عليهم إيجابا في الآخرة ، لأن سبعين حورية تنتظر الشهيد في الجنة. هنا يفعل إبليس فعلته ، إذ أن الشاب العربي المكبوت جنسيا لعجزه عن الزواج ، بسب قلة ذات اليد وإرتفاع المهور وتكاليف الزواج ، يعيش اللحظة المتخيلة ويحث الخطى العقلية لولوج باب الجنة والتمتع بالحوريات السبعين ، بعد أن يبحث عن الموضوع في الإنترنت ويتأكد من ذلك. ما أود الوصول إليه أننا في حال أردنا وأعني بذلك الدول ، فإننا نستطيع كبح جماح التطرف والغلو والتشدد ، من خلال الحكم بما أمر الله ، وتحقيق المواطنة الحقة ، ومنح مجتمعاتنا صفة الإنسانية وخلع عنها صفات العبيد ، عندها لن تجد دولة منهكة مهددة ، ولا مجتمعا آيلا للإنهيار.
#أسعد_العزوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حسن التركماني يدخل المعترك السياسي من خلال بوابة -الفرسان-
-
عبد الهادي المحارمة لمؤازريه في القويسمة : نسعى لتحقيق نصرة
...
-
روسيا ..الشريك الإستراتيجي لإسرائيل في المنطقة
-
المرشح عبد الهادي المحارمة لمؤازريه: صوّتوا لصاحب الخلق
-
إدانة عربية لممارسات الاحتلال الإسرائيلي العنصرية بحق الطفول
...
-
السيسي إذ يدعم بشار .. المظلة الإسرائيلية
-
داعش يمهد لأوروبا إحتلال ليبيا وتقسيمها
-
من أسرار النزاع العراقي – الكويتي
-
عبد الهادي المحارمة ..المجرّب يجرّب
-
المحرر قاسم سليماني
-
تقسيم سوريا يلوح في الأفق
-
يدفعون فلسطين ثمنا لبقائهم
-
المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر تطرح -السوارة ا
...
-
-السحيباني- يدعو الجمعيات الوطنية العربية لتنسيق وتوحيد الجه
...
-
عبد الهادي المحارمة .. الرائد الذي لا يكذب أهله
-
جاء دور إيران
-
الإنقلاب التركي الفاشل .. كلام يجب أن يقال
-
تفجيرات نيس الفرنسية ..فتش عن الموساد الإسرائيلي
-
كش داعش..2016
-
المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر تشيد بجهود مركز
...
المزيد.....
-
بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة
...
-
أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية
...
-
الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2
...
-
صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير
...
-
الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط
...
-
تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2
...
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
-
-بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
-
بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|