أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أم الزين بنشيخة المسكيني - سياسات العبث ..قد تعمّر طويلا















المزيد.....

سياسات العبث ..قد تعمّر طويلا


أم الزين بنشيخة المسكيني

الحوار المتمدن-العدد: 5255 - 2016 / 8 / 15 - 21:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



سياسات العبث..قد تُعمّر طويلا..
د.أمّ الزين بن شيخة

ثمّة ضرب من السعادة الميتافيزيقية في أن تدعم عبثيّة العالم. هكذا كتب ألبار كامو وهو بصدد سرد أسطورة سيزيف. لكن ألا يزال سيزيف الملعون من طرف الآلهة يدفع بالصخرة الى قمّة الجبل؟ أم أنّ الجبل نفسه لم يعد منتصبا في أفق عالم فقد قدرته على التحديق بالقمم، بحيث هو في حالة انحدار الى هاوية لا قرار لها؟ أم أنّ الآلهة أنفسهم انسحبوا من أفق البشر تاركين المكان لتجّار العدم وسماسرة الموت وبرنوغرافيا مصّاصي الدماء؟ كاليغولا الذي كتب عنه ألبار كامو أيضا، كان يقول: "كلّ هذا الركح، إنّما ينقصه الدم". لكن الدم لا ينقص أيّ ركح سياسي في أوطاننا. هل صارت دماؤنا تافهة ورخيصة الثمن الى هذا الحدّ؟
سياسات العبث تمسك بشعوبها كما لو كانوا قد اقترفوا ذنب التمسّك بأوطانهم، حكومات تعطّل التاريخ وتنكّل بالجغرافيا الحزينة، ودول تتداول على أقدارنا حيث تصير هذه الأقدار بيد رؤوس الأموال والمافيات والعصابات ..وهي حكومات العبث حيث العبث يعني، في الدرجة الصفر منه، اللعب أيضا لكنّه لعب قد فقد براءته سلفا. هل عاد سيزيف ثانية من عمق الأسطورة؟ ومن يقدر على تكذيب الأساطير وقد تحوّل أبطالها الى مسوخ لتحويل الأكاذيب والألاعيب الى قوانين لسياسة الدول؟.. هي حكومات العبث إذن وقد" تعمّر طويلا ..مثل بعوض الأرض" على حدّ عبارة لنيتشه الفيلسوف المعاصر، أي المعاصر دوما لكلّ شعب أتقن في فنون صناعة العدم. العدم والعدميّة عبارات تتراوح دلالاتها ههنا بين انهزام أصحاب الحقّ وفشل السياسات وإفلاس الخزائن وسرقة مستقبل الشعوب وأحلامهم أيضا..
ربّما يكون اذن سيزيف هو البطل الوحيد الذي لا يزال حيّا بيننا بعد انهزام مفهوم البطولة نفسه وخروجه من حيّز الاستعمال الفكري له. وربّما يصاحب سيزيف أحيانا كاليغولا ذاك الذي لازال يقهقه كالحازوقة من وراء الزمان رافعا فُواقه المتقطّع الى حدّ الشريعة الأولى للسطو على أرواح البشر. جدل ما يربط سيزيف الملعون من طرف الآلهة والمحكوم عليه بدفع الصخرة الى ما لانهاية له، وكاليغولا، امبراطور روما الثالث، الذي يقهقه بعد موته في انتصار للجلاّد على الضحايا قائلا "ها أنذا لازلت حيّا" حتّى بعد موتي، لأنّ الطغاة لا يموتون إلاّ في المرآة، حيث تعكس المرآة أوهامنا .وإنّ الطغاة لا يموتون لأنّ الطاغية لا يعاني من الوحدة مادام يحمل معه دوما أرواح كلّ الضحايا. كاليغولا كان يملأ وحدته بالقتلى، وكان يحلو له أن يردّد " كلّ الذين قتلناهم إنّما هم دوما معنا ". ماذا نقول عن سياسات العبث في أوطاننا حيث انسحب الطاغية وترك المكان للقتلة بكلّ معاني القتل، الجسديّة أو الرمزيّة، قتل الأجساد وقتل الأحلام واغتيال المستقبل.
لكن من هو سيزيف بيننا؟ ومن يشغل خطّة كاليغولا؟ وكيف يلتقيان وهما يأتيان من ذاكرتين مختلفتين، بل من امبراطوريّتين متضادّتين: اليونان وروما حينما كان الصراع بينهما على أشدّه. سيزيف هو أكثر أبطال الميثولوجيا اليونانيّة مكرا ودهاء ذاك الذي من فرط دهائه تمكّن من خداع الموت وربطه في أصفاد الجحيم. وذاك الذي من فرط الخوف من مكره عاقبه الآلهة بعذاب أبدي تمثّل في دحرجة صخرة من أسفل الجبل الى قمّته، وكلّما وصلت الصخرة الى قمّة التلّ تدحرجت من جديد إلى الوادي، فيعود سيزيف الى دفع الصخرة الى القمّة ثانية وذلك بشكل أبدي الى ما لانهاية له. ويبدو أنّ سيزيف لا يزال يدحرج صخرته في نوع من العبثيّة الدائمة، هو لا يتعب من دفع الصخرة والصخرة لا تكفّ عن السقوط الى أسفل الجبل. سيزيف ههنا ليس شخصا وليس وحيدا بأيّ معنى من معاني العدد. سيزيف هنا هو الشعوب العربيّة الحاليّة بعضها بالكاد يدفع بالصخرة وبعضها لم يتقن بعدُ ملاحقة صخرته.. سيزيف هو الشعب التونسيّ الذي اعتقد يوما أنّه انتصر على الصخرة ودفع بعربة بائع الخضر نحو القمّة لكنّه اكتشف بمرور الأيّام وبتداول الحكومات على ظهره المتعب بأنّه كان مصابا بضرب من الخداع البصريّ. فلا هو قادر على الدفع بأقداره نحو أفق أفضل ولا هو في حجم ما يحدث له من عبثيّة السياسات وعدميّة الحكومات. ذلك انّه من أجل الدفع بالصخرة بانتظام لا بدّ من قدرة على التحديق بالقمّة. لكن يبدو أنّنا شعوب لا تحسن مواجهة الأعالي، ولا تنتصر على مآسيها الاّ قليلا. هل نحن في مستوى التراجيديا الخاصّة بنا أم نحن لا نستحقّ من أقدارنا الملعونة غير الملهاة ؟ غير أنّ كتاب الملهاة قد ضاع بعدُ من كتاب الشعر لأرسطو. فكيف لنا حينئذ بفنّ آخر للضحك على حماقاتنا ؟ وهل صار الانتماء الى شعوب "الربيع العربي" لعنة الاهيّة حيث اللاهوت ينتعش ههنا في كلّ معانيه . لكنّ اللعنة لا تزال تلاحقنا ..سيزيف عاد إلينا اذن في شكل استعارة ونحن في دولة استوفت كلّ أشكال الاستعارات. فمن يُنصفنا حينما يصير وجودنا على أرض بلادنا مجرّد استعارة؟ كلّ شيء يصير حينئذ قيد البيع : من خبز أبنائنا وقمح مزارعنا تمور نخيلنا ومستقبل ذاكرتنا. والنتيجة حينئذ قد لا تكون سوى الاكتفاء بالإنصات الى ضحكات كاليغولا الذي يعود الينا هو الآخر في ثوب جلاّد لا يحفل بدماء الضحايا..
نعم، إنّها حكومات العبث وقد صارت نموذجا للعملية السياسية في تونس.
وهي حكومات سمتها التغيّر الدائم مثل نهر هيرقليطس الذي لا نستحمّ فيه يوما واحدا مرّتين. لكن المطلوب منّا حينئذ أن نتماسك فوق الأمواج العاصفة أو فوق الرمال المتحرّكة كما لو كنّا مهرّجين.وربّما يصير من الصعب علينا آنذاك في هذا الوطن أن نكون مواطنين. فالمواطنة تفترض المشاركة في تدبير مصيرنا لا مجرّد الوقوف على الشواطئ بصفة المعلّقين الذين هم أنفسهم عالقين على ضفاف مياه راكدة. لكن الإحراج الذي يصيبنا عندئذ يكمن في أنّ المهرّج ههنا ليس شخصا واحدا كما لو كان السيرك يقتصر على الممثّلين. ما العمل إذن والحال أنّ ركح السيرك قد اتّسع كي يصبح في قامة وطن برمّته ؟ من سيمثّل المهرّج الحقيقي ومن منّا سيكتفي برتبة المهرّج الزائف؟ سياسات العبث إذن قد تعمّر طويلا ..مثلما يُعمّر من يقود هذه السياسات..ذلك أنّ الشعوب التي تضع مصيرها بين أياد مرتعشة لا يمكنها أن تنتظر غير مستقبل لا ملامح له غير خطط الاستخبارات وأجندات العصابات وضحكات مسوخ السياسات العدميّة حيث لا شيء غير نشر ثقافة الموت. هي سياسات العبث حيث يتبادل الأدوار سيزيف المعذّب وكاليغولا الطاغية في شكل من الجدل التراجيديّ. لكن الأساطير تصلح لتنشيط الخيال أيضا. لذلك قد لا يكون بوسعنا الآن إلاّ أن نواصل فقط تخيّل كاليغولا مهشّما على حافة المرآة، ولنحدّق بسيزيف سعيدا رغم كلّ شيء لأنّه قد صار هو والصخرة واحدا..ورغم عذابات سيزيف فإنّ سياسات العبث تعلّمنا، كما كتب فيلسوف العبث ألبار كامو، أنّا مطالبون بأن "نمنح للممكن فرصة أخرى"، فهو لا حدّ لإمكاناته، وان كانت الصخرة تعود علينا دوما فهي لا تعود بالآلام فقط بل ثمّة الفرحة الصامتة أيضا بأنّنا سنظلّ ندفع الى الأمام وأنّ أقدارنا هي ملك لنا، وأنّ الصخرة هي دوما بصدد الحركة نحو منطقة ما قد تجد الطريق يوما الى القمّة. وأنّه ليس ثمّة من شمس دونما عبور ليل ما حتّى وان طال ذاك الليل وحتّى وان كان ليلا بائسا. ورغم ذلك حتى وان تخيّلنا سيزيف سعيدا، فإنّ عبثيّة القتل ليست نبأ سعيدا لأحد.



#أم_الزين_بنشيخة_المسكيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لن تجنّ وحيدا هذا اليوم في جمالية الخطاب الواصف
- لا شيء يشجّعك على أن تبقى واقفا - من روايتي -لن تُجنّ وحيدا ...
- حلم يتشرّد ...
- تراود الحرف على التعب ..
- ما الذي يحدث على عتبة - الله الاسلامي - ؟
- أي رحيل يشبه رحيلهم ؟...
- أضناها القرنفل ذات مساء ..
- شهقة الياسمين
- تضاريس على قلق...
- العنف و الهوية
- جاء يؤجّل قتله ليلة أخرى ... الى روح الشهيد شكري بلعيد في أر ...
- كم ثمن الحريّة ؟ أو في امكانيات ابداع المستقبل ..
- القتل التكنوقراطي
- تنام خارج أحلامها ...
- يبيعون الأصفاد بالحلوى ..
- عائد من موته الى موتنا ..
- قتلوه خوفا من صوته فقتلهم بموته ..
- شهادة وفاة حكومة لم تعرف الطريق الى القبر ..
- يغتالون حلما و يصنعون دولة
- هل أنت من الصالحين أم من الفاسدين ؟ ..


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أم الزين بنشيخة المسكيني - سياسات العبث ..قد تعمّر طويلا