أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - مكة والمدينة وجوهر الصراع الأجتماعي الأول في المجتمع الإسلامي.ح2















المزيد.....

مكة والمدينة وجوهر الصراع الأجتماعي الأول في المجتمع الإسلامي.ح2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5228 - 2016 / 7 / 19 - 04:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد كان الصراع حتميا ومختل في توازناته بين سلطة أجتماعية مدعومة برأس مال متضخم وسلطة الكهنة لا يمكن مقاومتها أو محاولة التأثير عليها فكريا، وضخامة العدد النوعي من الأفراد الاجتماعيين وتأثيراتهم على الطرف الأخر، الذي لا يملك إلا الفكرة والإيمان بها مع قلة قليلة واعية ومصممة على بلوغ نهايات قمة الصراع وهي تعرف أنها تمتلك قوة خفية قادرة على الكسب وهي الروح الإنسانية، كان قرار الطرف الأخر المضي إلى أخر المشوار وإن كان الثمن هو حياة النخبة دون أن تهتز فيهم قيم المبادئ ولكنهم أيضا بحاجة ماسة لتعدد الخيارات المتاحة، والبحث عن بديل مناسب بديل قادر أن يفهم معنى وحدوية الإنسان في ظل تعدد الأفكار وتلون الرؤى.
كان أمام النبي محمد ص خيارات عديدة أولها وأهمها التصادم العنيف مع النخبة السلطوية مستعينا بما يمنحه وضعه الاجتماعي القبلي من قوة مقابلة ولكنها لا تنتمي بالضرورة للفكر وللرسالة، ولكونه من داخل هذه الدائرة وهذه السلطة وكان أحد أبرز زعمائها هو عمه وبعض أقاربه مضى في مشروع المقاومة إلى أقصى حد، وحاول أن يتمترس بهذا الغطاء ويدافع عن فكرته ورسالته وعن أنصاره الذي جلهم من الفقراء والعبيد والضعفاء، لكن هذه الأقلية القبلية التي حاولت حمايته بدوافع القرابة والدم وذات القيم الاجتماعية التي ثار عليها وأراد مواجهتها بقواع جديدة وأفكار عنوانها الإنسان أولا، فليس من باب الإيمان الديني وحده وفقط أو بموجب الاصطفاف الفكري معه، بل لعوامل أجتماعية ظاهرة وبينة أنهارت بعد مدة نتيجة نفس العوامل الدافعة للتبني الأول، وكان عليه بعد أن تحملت قبيلته أو جزء منها الثمن ولم يعد بمقدوره الاستمرار أكثر في المواجهة وخاصة مع توقف ونضوب المورد المالي الداعم، والإرهاق الأجتماعي الذي تحملته أسرته الكبيرة(بني هاشم) على وجه الخصوص أن يمض في هذا الخيار.
الخيار الأخر كان المهادنة والأستمرار الهادئ بالدعوة لحين أمتلاك خيار أخر يمكنه أن يحسم الموقف أو يحدد طريق أخر، وفعلا بعد أن عاد المنفيون لمكة وصارت فكرة الإسلام شبه ظاهرة عادية داخل أواسط المجتمع المكي، وإن كان هناك الكثير من الأحتكاك والمصادمات الخفيفة، لكن الثمرة التي جناها النبي في هذه المرحلة هي الأهم في مراحل تطور الفكرة من مجرد أحلام وتمنيات بنية حسنه إلى تثبيت واقع حال مقبول نوعما، ونجح في تحويل هذه المنظومة الأضعف بالصراع حول مركزية جديدة وقاعدة عملية يتوسطها النبي والكادر الواعي من حوله، لتمارس دورها التبشيري الدعوي من خلال الأتصال والدعوة أولا لمن هم خارج مجتمع مكة (حجاج وتجار) أولا، ومحاولة ضم أصوات تتميز بالقوة والقدرة على الحماية ولو الجزئية للمشروع الرسالي من الداخل المكي ثانيا، وقد نجح المسلمون في أول تنظيم حقيقي لهم في تدبير وأنجاح هذا الخيار وإن لم يكن كافيا وملائما تماما وكان مكلفا لهم أيضا.
لم يبقى أمام المسلمون وقائدهم من خيار أخر غير مغادرة مكة والبحث عن بيئة أمنة ومتقبلة لفكرة التعدد، خاصة بعد أن نالت الفكرة بعض الاستحسان والترحيب في حواضر مدنية بطبعها ومتنوعة في إرثها الحضاري المحلي مثل الطائف ويثرب تلك المن الزراعية التي فيها تنوع وتعدد، كانت الطائف المدينة الأقرب للخيار والتي لا تبعد كثيرا عن مكة الرمز الديني للإسلام، حاول القائد أن ينتقل لها وأن يؤسس نواة مجتمع متعدد ومشترك بقواعد دينية مع أهلها ممن لهم أديان كتابية أو هم على الوثنية البدائية، لقد كانت مكة حاضرة بثقلها الأجتماعي هنا على واقع الطائف المدينة وعلى فاعلياتها الأجتماعية, وهذا التأثير الطبيعي ليس من باب القوة الأجتماعية فقط بل لارتباط الطائف بمكة تجاريا ودينيا، وأيضا خوفا من ردات فعل أهل مكة عليها خاصة وتجربة حصار شعب بني طالب قريبة على الأذهان في الطائف.
لقد كانت رحلة الطائف مخيبة للأمال بنتائجها الظاهرية ولم تدرس بعناية لازمة من قبل النبي، خاصة وأن ثقيف وهم سادة الطائف شركاء قريش وحلفائهم على طول الخط، وصحيح أيضا أنها مثلت تجربة غير ناجحة ومستعجلة أملتها ظروف الصراع الغير متكافئ للمسلمين، وقد نال فيها الرسول الأذى لكنها لا تصرفه أبدا عن هذا الخيار الوحيد المتبقي في جعبته وهو في منهج المقاومة والتصدي للفكر المحافظ بالهجرة، كان إذا البحث عن بديل مناسب ليس في الخيار ذاته بل في المخير المكاني المناسب وليس أمامه الآن إلا يثرب المدينة البعيدة نسبيا عن تأثرات قريش وقوتها، خاصة بعد أن تم ترتيب لقاء مع مجموعة من أهل يثرب من الحجيج والوفود الزائرة والذين كان عدهم تضاعف خلال سنة واحدة، لقد رس الرسول حال المدينة جيدا مستفيدا من تجربة الطائف أولا ومن طبيعة البناء الاجتماعي فيها.
طبيعة مجتمع يثرب وهويتها النمطية الاجتماعية كونها مدينة زراعية ومتعددة القبائل والعروق الجنسية يسهل للغريب أن يكون قادرا على البقاء دون أذية ولا ضرر كما حصل في مكة، ثانيا النمط الزراعي عادة أقل قساوة وأرق في التعاملات الإنسانية من مجتمع تجاري قبلي ديني محافظ ومتزمت بذاتيته، مجتمع مكة أحاي النظرة وأحادي التوجه وأحادي في مركزيته الفكرية المرتبطة بالمال الديني أو التجارة الدينية أو الدين التجاري، عكس واقع يثرب في ظل وجود جاليات دينية من اليهود والنصارى واهل الاديان الاخرى ساهم في أعطائها جوا من التوافقات متعدة الأطراف وتهدد الرؤى وتعدد الأصوات العقلية وأيضا تنوع في مصدرية القوة، ولا يرتكز فيها النظام الأجتماعي على الهوية الفردية أو شخصنة ذاتية محدودة كما هي في مكة، أيضا وجود التعدد الديني يمنح الزائر الجديد والمستوطن فيها قدرة على أن يضمن بعض القبول الميسر، طالما أن الجميع لهم الحق في التدين خارج الرمز الواحد المركزي، أي أن المدينة لم تشهد مثل مكة ديكتاتورية الرمز ولا ديكتاتورية المال بل شيوع ظاهرة التسامح والقبول بالأخر.
هذا الفرق الجوهري بين المدينة (يثرب وبين المدينة مكة) سيكون مرتكز مهم للتنازع والصراع المستقبلي الذي سيخوض به أتباع المدينتين على مر التاريخ الإسلامي، هو بالحقيقة المضمرة تنازع رؤى وتنازع طبيعة نسق أجتماعي (ثقافي وشخصي ونظام أجتماعي) بين المحافظة القبلية التجارية بغطاءها الديني، وبين الدين والقناعات الفكرية والإيمان متعدد المصادر، والقابل لفهم الأخر المختلف بدل رفضة وإبعاده ومحاولة إقصاءه دون حتى محاولة فهمه وإستيعابه، هذا الصراع هو الأهم والمركزي في كل حركة المجتمع الإسلامي لاحقا، وتغلل بطبيعته القاسية من تصادم لأجل السلطة والشخصنة الأجتماعية إلى تنازع وجودي وصل إلى عمق فكرة الدين وإلى جوهر العقيدة، حين تحول الإسلام من دين الثورة والحرية والعدل والمساواة إلى دين قتل وغزو وسلطان لقريش الذي هو سلطان مكة، وإلى إرساء إرادة البقاء على جاهلية ما قبل الإسلام المتمثل بحكم الاسرة والقبيلة ومركزية الفرد داخل السلطة والمجتمع بدل مركزية الإنسان والعمل الصالح.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكة والمدينة وجوهر الصراع الأجتماعي الأول في المجتمع الإسلام ...
- مفهوم النسقية الأجتماعية والنمطية الاجتماعي ودورهما في بلورة ...
- الحقيقة الضائعة بين الناسخ والمنسوخ _ح3
- الحقيقة الضائعة بين الناسخ والمنسوخ _ح2
- الحقيقة الضائعة بين الناسخ والمنسوخ _ح1
- أول الخطوات .... أخر الكلام
- مرة أخرى الإنسان خالقا ......
- لعنة موت متنقل
- الخديعة
- صناعة الفعل وتطور مفهوم الإرادة
- رجل الدين تفضل خارجا فقد حان وقت الأعتزال
- من هو الله؟.2
- من هو الله؟.
- وما زال في جيبه رصاصة
- مفهوم الملك والملكية دستوريا ومفهومها في الإسلام
- الإسلام التاريخي وحراك ما قبل أعلان الموت ح4
- زعلت الوردة الجميلة .... فأضربت الفراشات عن العمل
- الإسلام التاريخي وحراك ما قبل أعلان الموت ح3
- الإسلام التاريخي وحراك ما قبل أعلان الموت ح2
- صوت الله أكبر في فجر الكرادة


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - مكة والمدينة وجوهر الصراع الأجتماعي الأول في المجتمع الإسلامي.ح2