أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمود شقير - عمي الكبير ونقطة النظام














المزيد.....

عمي الكبير ونقطة النظام


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 5221 - 2016 / 7 / 12 - 02:25
المحور: كتابات ساخرة
    


لم يشأ عمي الكبير أن يتخلف عن حضور الاجتماع الذي تداعى إلى عقده أبناء العشيرة، للبحث في أحوال العشيرة بعد أن تفاقم الوضع فيها، وانتشرت النزاعات بين أفرادها، في زمن كان ينبغي على الجميع أن يتكاتفوا فيه لتعزيز صمودهم في القدس وما حولها، ولرد ممارسات الاحتلال التي لا تتوقف عن تكبيدهم مختلف صنوف العسف والهوان.
عمي الكبير دخل قاعة الاجتماعات، وشعر منذ اللحظة الأولى بأنه أمام وضع لم يألفه من قبل. كانت العادة تقضي بأن يجري استقبال عمي الكبير ومن هم في مثل سنه ومكانته، بوقوف الحاضرين على أرجلهم تقديراً واحتراماً، وبدعوة عمي وصحبه من الختيارية إلى الجلوس في صدر المضافة على فراش وثير، تحف به وبهم المساند من يمين وشمال. اليوم لا شيء من هذا القبيل. وجد عمي الكبير نفسه أمام حشد من الشيوخ والشباب يجلسون في مساواة تامة على الكراسي المصفوفة حول طاولات تنتشر في القاعة. لم ينهض أحد ولم يعزم أحد على عمي الكبير كي يأخذ مكاناً بارزاً في المكان. جلس في المقعد الشاغر الذي وجده أمامه، وهكذا كان.
تغاضى عمي الكبير عن هذا ا لتصرف الذي اعتبره تقصيراً، لأنه معني بإنجاح الاجتماع بعد أن أخذ وضع العشيرة في التدهور يوماً بعد يوم. وقف شاب من شباب العشيرة، ممن أمضوا سنوات في سجون الاحتلال، رحب بالحاضرين وشعر عمي بامتعاض، لأنه الأكبر سناً بين الحاضرين، وكان ينبغي أن يفتتح هو الاجتماع. مع ذلك تغاضى عمي عن هذا الذي اعتبره تقصيراً. قال الشاب: نجتمع اليوم، لكي نضع حداً للعنف الذي أخذ يهدد نسيجنا الاجتماعي وينذر بتمزق العشيرة على نحو خطير. ونجتمع لكي نبني علاقات طيبة مع مختلف العشائر في بلدتنا العتيدة وفي كل مكان من أرض الوطن. عمي الكبير تناسى امتعاضه وشعر بارتياح لهذا الكلام، لأنه ممن يجنحون إلى السلم في كل الأوقات.
طلب شاب آخر الحق في الكلام، فأذن له الشاب الأول الذي افتتح الاجتماع. وقف الشاب واقترح تشكيل لجنة ترعى شؤون العشيرة. وقف شخص ثالث واستطرد في الكلام، شرّق وغرّب وخلط شعبان في رمضان. وضع شخص رابع أصابع يده اليسرى في شكل متعامد مع راحة يده اليمنى وقال: نقطة نظام! سأله الشاب الأول: ما هي نقطة النظام؟ قال: هذا الكلام الذي يقوله زميلنا خارج عن الموضوع. أيده الشاب الأول وطلب من الشخص الثالث أن يوجز رأيه في نصف دقيقة. لم يوجز الشخص الثالث شيئاً، اعتذر عن عدم مواصلة الكلام ثم جلس.
عمي الكبير زمجر وعبس. خبط الطاولة بقبضة يده اليمنى، تطايرت من أمامه فناجين القهوة وكؤوس الشاي، وصاح: الله أكبر يا ناس! خلّوه يكمل كلامه، أي هو الحكي عليه جمرك! أدرك عمي على الفور أن تصرفه لم يكن مقبولاً، ما جعله يؤثر الصمت وعدم التفريط في الكلام. عاد الهدوء يخيم على القاعة والمتحدثون يواصلون التقدم بآرائهم، وحينما فكر أحد الجالسين بمقاطعة أحد المتحدثين، نبهه الشاب الأول إلى ضرورة الانضباط وعدم مقاطعة المتحدث احتراماً للأصول المرعية في الاجتماعات. عمي الكبير لاحظ تقيد المتحدث إياه بملاحظة الشاب الأول، وتذكر على الفور مضافته التي يلتقي فيها الناس، تذكر كيف يأخذ كل شخص فيها الحديث من دون استئذان، وكيف لا يصغي أحد إلى أحد، بحيث تشهد المضافة جوقة أصوات متنافرة في وقت واحد، وعمي الكبير لم يكن يهتم لذلك، لأن لديه صوتاً جهورياً ناصحاً يطغى على كل الأصوات.
عمي الكبير راقب الاجتماع وهو يستمر من دون مقاطعات أو فوضى أثناء الكلام. راق له الأمر قليلاً، لكنه تنغص لأن أحداً لم يطلب منه الكلام. تنغص أيضاً لأنه غير مستعد للوقوف في حالة تفضله بالكلام. ولماذا يقف وأية بدعة هذه هي بدعة الوقوف! عمي الكبير استراح باله حينما سمع أحد المتحدثين، يقترح الاستفادة من خبرة الختيارية وحكمتهم، لتهدئة الأوضاع الداخلية المحتدمة في العشيرة، واستراح باله أكثر حينما حظي الاقتراح بموافقة الحاضرين من دون استثناء.
عمي الكبير فكر في طلب الإذن بالكلام، مع ما في هذا الأمر من صعوبة بالنسبة إليه! (كيف يطلب الإذن من شاب في عمر أبنائه!) لكنه في اللحظة الأخيرة أحجم عن ذلك لسبب آخر، فهو لا يستطيع الكلام من دون أن يشرق ويغرب، ويخلط رمضان في شعبان، ويحلف بالطلاق سبع مرات أو ثماني مرات، وفي هذه الحالة من يضمن ألا ينبري له ذاك الشاب صاحب نقطة النظام! ليقطع كلامه وليمنعه من مواصلة الكلام! لهذا السبب وحده آثر عمي الكبير البقاء صامتاً طوال الوقت.
انتهى اجتماع العشيرة بعد ساعة ونصف الساعة، (في مضافة عمي الكبير يهدر الناس وقتاً أطول بكثير وهم مستغرقون في صياح موصول) وأسفر عن رغبة عارمة في وقف النزاعات المدمرة التي تنشأ في الأغلب من أسباب، في وسع الناس معالجتها بالعقل والروية والمنطق والحكمة. وعلى رغم أن عمي الكبير شعر بأهمية هذا الاجتماع، إلا أنه لم يستطع حتى هذه اللحظة أن يستوعب كيف تتمكن نقطة نظام واحدة، من حرمان رجل بلحية وشاربين، من أخذ حقه الكامل في الكلام! عمي قال بصوت خافت لأحد أقاربه وهو خارج من القاعة: كل شيء تمام التمام إلا هذه البدعة العجيبة التي يسمونها نقطة النظام!



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حملها الأوّل/ قصة قصيرة جدًّا
- الغائب/ قصة قصيرة جدا
- أحجية/ قصة قصيرة جدًّا
- طفلة/ قصة قصيرة جدًّا
- بوح/ قصة قصيرة جدًّا
- ليلة الزفاف/ قصة قصيرة جدًّا
- لعب/ قصة قصيرة جدًّا
- إحساس/ قصة قصيرة جدًّا
- زجاج/ قصة قصيرة جدًّا
- مثل أرملة/ قصة قصيرة جدًّا
- عبد العزيز العطي.. القائد الإنسان
- نارجيلة/ قصة قصيرة جدًّا
- جانيت/ قصة قصيرة جدًّا
- نقصان/ قصة قصيرة جدًّا
- حبيبها مصطفى/ قصة قصيرة جدا
- ست قصص قصيرة جدًّا
- زقاق/ قصة قصيرة جدًّا
- صورتها/ قصة قصيرة جدًّا
- سلطانة/ قصة قصيرة جدًّا
- شاهناز/ قصة قصيرة جدًّا


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمود شقير - عمي الكبير ونقطة النظام